قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية فرط الحب للكاتبة دينا ابراهيم الفصل الثاني والعشرون

رواية فرط الحب للكاتبة دينا ابراهيم كاملة

رواية فرط الحب للكاتبة دينا ابراهيم الفصل الثاني والعشرون

فتح ريان جفنيه بصعوبة ومط ذراعه بصعوبة أكبر بسبب تلك المستلقية بأريحية فوق صدره، ليمسك اخيرًا بالهاتف الذي يرن دون توقف وكان سببًا في إيقاظه:
-ألو...
أجاب ريان ما ان لمح أسم شقيقه الذي سارع يؤنبه:
-ساعة عشان ترد يا بارد، المهم عاملين ايه طمني؟
-أيوة انا اللي بارد، احنا كويسين ومش بنرد عشان كنا نايمين، المهم عمر عامل ايه؟

سأل ريان بصوت منخفض وهو يحاول النظر للنافذة متعجب بأن الظلام قد حل وانهما قد ناما لساعات طويلة دون شعور.
-الحمدلله قاعد مع خالتي اكل وبيلعب اهوه، يعني ريم كويسة ولا عملتلها حاجة؟
طمأنه بيجاد قبل ان يسأل في نبرة محاطه بالتوجس، فأجابه ريان في ثقة:
-انا مستحيل كنت أأذيها يا بيجاد من يوم ما فهمت غلطتي وانا واخد عهد على نفسي اعاملها زي بنتي يعني ريم زيها زي يا عمر، يوم ما تغلط هقومها وبمزاجي، عمرك شوفتني بأذي عمر حتى لو قسيت عليه؟

سأل ريان في تهكم بصوته الرخيم فأجابه بيجاد في رضا:
-ربنا يصلحلكم الحال.
-متشكر على اتصالك يا بيجاد بيه واتمنى ان اللي حصل ده ميخليش عقلك ينسى كلامنا اللي كنت فيه غلطان من رجليك لراسك ووعدتني فيه انك هتتكلم مع وسام.
-فاكر فاكر أنا عارف أنا بعمل ايه متضغطش عليا.

تذمر بيجاد من اهتمامه متذكرًا حديثهما، وتعجب بأن ريان يتذكره رغم ما يمر به، ولكنه في داخله كان سعيد ممتنًا للغاية.
-طيب أنا هقفل اكمل نومي وبكره هكلمك.
انهى ريان المكالمة بصوت خافت خشن لا يزال متأثر بنومه يخشى ايقاظ ريم المستلقية فوق صدره في ثبات عميق، المسكينة تحملت فوق ما تحتمل ولكن للضرورة أحكام.

تنهد فقد كانت الساعات القليلة من نومه محملة بمظهر جسدها المرتعد وصوت بكاءها الذي يلامس مشاعره بطريقة أرعبت باطنه فحولها لكوابيس في منامه.
مال برأسه يتفحص وجهها تبدو كالطفلة التي تاهت عن ذويها بأثار دموعها الجافة التي الصقت رموشها المغمضة بوجنتها، مرر اصابعه فوق وجهها يلامس نعومتها الدافئة فخرجت انفاسه في رضا وهي تنكمش في جسده باحثة عن أمان احتواءه.

أغمض عيناه في تعب ولكن صغيرته كان تعبث على أوتار رجولته بحركتها المفرطة فزفر محاولًا إبعادها في خفة كي لا يقلقها، فأخر ما قد ترغب فيه بعد هذا الإرهاق العاطفي أن يوقظها على جنون وحش عواطفه الجياشة الذي يعبث في ذهنه كي يلتهمها في نفاذ صبر...
ولكنه سينتظر فلم يبقى إلا القليل وهي تستحق ذلك الانتظار بعد ما حدث بالأمس فقد كان درسًا قاسيًا لكلاهما.

هي كي لا تثق في رجل سواه وتقتنع بأنه اقرب لها من نفسها وان علاقة الزوجة بزوجها يجب ألا تتخطى دائرة خصوصياتهم.
وهو كي يتأكد بأن الثقة ليست مجرد صفة رمزية ولكنه حق مكتسب وعن جدارة يجب ان يتحلى به شريك العمر.
كان منشغلًا في تحليلاته النفسية العميقة وهي عادة اكتسبها مؤخرًا ويشعر بالفخر بها فقد كانت مفتاح لحل أغلب مشاكله، ولم ينتبه لتلك النائمة بين ذراعيه تحارب كي تحافظ على انفعالاتها وتوهمه بنومها.

وقلبها هو المتمرد الوحيد بضرباته التي ترفض الهدوء فمنذ سمعت "ريان" يخبر "بيجاد" بانها "طفلته" وهي تشعر بسعادة وبهجة غريبة تغمرها، اقتربت منه دون وعي تحاول التحكم في ابتسامه واسعة ستفضح انشراحها الزائد بكلماتها فتعود وتشعر وكأنها طفلة قتلها الحماس بالفعل.
تشعر بالخجل وانها غير قادرة على مواجهته فهي ان فتحت جفونها ورأت ملامحه الحادة الوسيمة ستنهال عليه بقبلاتها المشتاقة.
جزء منها يدفعها لفعل ذلك تمامًا ولكن جزء أحمق مزعج أخر يذكرها بوعدها لنفسها بأن تجعله يأتي لها جاثيًا.

ولا تعتقد أن ارتماءها نحوه في تطلب يلبي هذا الوعد الأحمق، فكرت في انزعاج وتساءلت لما بحق السماء عليها ان تشعر بتأنيب الضمير وبأنها ستخترق عهدًا ما لقد كان مجرد وعدً تافهً لا معنى له ولكن لما تشعر بأنها مدينة لنفسها بذلك.
شعرت به يعدل جسدها لتستلقي على جانبها بدلًا من توسد نعيم صدره وللحظة شعرت كجرو صغير ركله مالكة لأبعاده لكنها تنهدت براحه عندما شعرت بأنفاسه الدافئة تواجهها لتتأكد بأنهما يستلقيان وجهها لوجه وذراعه يعود للقبض على خصرها الصغير في تملك.

كادت تهرب منها ابتسامه لكنها تحركت تخفي ملامحها في صدره ليغمغم في اعتراض تعجبت له حتى سمعته يهمس منزعجًا:
-كنت متأكد مفهاش نوم طول ما الهانم بتتمرمغ في حضني زي القطط.
اتسعت ابتسامتها وكادت تهلل في انتصار لأنها تسيطر على مشاعره وحواسه كما يسيطر هو عليها عضت شفتيها في خجل وقد فهمت لما يحاول ابعاد جسدها عنه واعطتها تلك المعرفة دفعة بتنفيذ مخطط مجنون لمع في عقلها للتو.

رفعت اناملها تمررها حول خصره متثبته بعضلات ظهره المشنجة للمستها، شعرت بالوقاحة والدلال ... بل أسوأ شعرت بالقوة لأنها تستطيع ان تؤثر في زوجها ذو الشخصية الجامدة...
امم فليريني ذلك المفترس مدى قوته حين يتم التهامه من قبل فريسته...

فكرت في مشاغبة وهي تتعمد التحرك والالتصاق بجسده كل بضع دقائق ولوهلة شعرت بالإحباط لأنه يرفض قربها...تقصدين يرفض التحرش بكي وأنتِ نائمة... تهكم ذلك الصوت الساخرة داخلها لكنها فكرت في غيظ ومنذ متى يحترم نومها وسكينتها...

زفر ريان بنفاذ صبر يحاول جاهدًا السيطرة على انفعالاته ولكن تلك المشاكسة ذات الجسد الناعم الصغير تهاجمه دون هوادة، تحركت تُهديه ظهرها في حنق كأنها غاضبة في نومها بلا مبرر فتمتم ريان في نفاذ صبر من بين اسنانه لا يبالي بنومها:
-يابنتي بقى اهمدي فرهدتيني، خليني محترم بدل ما التحرش يبقى للركب وانتي نايمه!
فاجأته بدفع كتفها للخلف في صدره باعتراض قبل أن تستند على مرفقها تطالعه للخلف في غيظ قائلة في استنكار:
-وانت من امتى بتحترمني، ما تتحرش وأنت ساكت!

برقت الدهشة من مقلتيه المتسعة بشدة لم يتخيل في أجمح أحلامه بان يسمع تلك الجملة من فم طفلة الريم خاصته، ارتبكت ريم في خجل لتخبره في تلعثم:
-انا اسفة نام ... نام...اعتبر نفسك مسمعتش حاجة.
-تعالي هنا يمين بالله ما حد نايم.
هتف ريان وهو يمنع هروبها متهمًا بمشاكسة مستمتعًا باللوم الأحمر القاني الذي سيكر على وجهها وعنقها:
-بدل ما انتي عماله تفركي كده، نبهيني انك بتحاولي تغريني !

قبل عنقها في شغف فغمغمت بكلمات غير مفهومة خَجِلة لكنه لم يرحمها واستكمل هامسًا:
-عري كتف مثلًا او حته من القرقوشة لكن فرك القطط ده إيه علاقته بموضوعنا!
-أنت بترخم عليا ليه!
قالت بعيون تفيض بالتأنيب ولمحة شقاوة، فعدلها حتى صارا وجهًا لوجه ملامسًا وجنتها الحمراء معترفًا بابتسامته الصلفة:
-كده عشان بحب لونك الأحمر ..وعيونك لما بتبقى واسعة زي عيون الريم دي ...

تناست خجلها بصعوبة وجارت مشاكسته بأن مررت أناملها ببطء قوق جانب وجهه الخشن بذقنه الأسود المُهذب، تحاول استحضار ميوعتها من جديد هامسة في شجاعة زائفة:
-وانا بحب عيونك السودة الخبيثة اللي زي ...
تركت جملتها المغيظة مفتوحه وهي تتابع عيناه الضيقة المتوعدة في ترقب لبقية جملتها لكنها تنهدت مبعدة أصابعه قائلة في مكر تعلم ان حروفها ستشعل غيرته:
-عيون واحد كده بس بلاش لتتقمص.

زمجر باعتراض وهو يحاصرها بجسده قبل أن يلثم فمها الغارق في ضحكاته حتى اختفت تلك الضحكات، أبتعد ورمقها بعيون تلمع بكبرياء مستمتعًا بتأثيره الرجولي عليها ليخبرها في ثقة وغلاظة:
-العبي غيرها أنا عيوني حصري ليا أنا وبس.
-أنت مغرور...
تذمرت في طفولية وهي تلكز كتفه فخرجت ضحكاته قبل يحاول عض يدها في مشاكسة متهمًا إياها بكل سرور:
-وانتي شقية...

حركت جفونها في دلال أنثوي قائلة ببحه مختلطة بثقل مشاعرها:
-شقية بس بتحبني...!
أجابها بعمق بَحتهُ المحترقة بعاطفته الضارية نحوها:
-بحبك وبموت فيكي كمان.
أغمضت جفونها تستمتع بكلماته وتمتصها في ظمأ داخل نفسها ليقاطعها ريا بسماجته المعتادة:
-لو نمتي مش هيهمني بردو، أنا بقالي سنة مستني اللحظة دي.

وضعت كفها فوق رأسها تحركه بانزعاج واضح قبل ان تحدقه بنظرة مغتاظة قائلة من بين أسنانها:
-ضيعت اللحظة الرومانسية، حرام عليك يا ريان... اوف...
علت ضحكاته المستمتعة بملامحها الحانقة عليه ولم يجد ردًا سوى بأن يخبرها بعيون لامعة مقدامة:
-يبقى نعوضها.
-لا متعوضش.
-لا والله أعوضها حالًا...

قال ريان في اصرار وابتسامه واسعة سارقًا منها ابتسامة صادقة منهي الحديث بينهما بضم جسدها إليه يعتصره في خضم مشاعره الجياشة وهو يلثم فمها الوردي الصغير في نهم وشوق شديد بعد أن جن جنونه وهي تبادله شوقه دون خجل، تخضب جسده برعشة طفيفة بجنون لهفته فكان كالمخبول المصاب بالفتنة يفرغ شحنة غرامه داخل قلبها المستبد..

بل كان كلاهما خاضعين كالأسرى لغرام يتنقلون فيه بين آهات عشق وتوسلات الحنين حتى أشفق عليهم القدر وكافئهم بالأمان بين أحضان الحبيب..
ليبدأ رحلته معها في التعويض فلديهم الكثير والكثير لتعويضه براحة الباب ليتأكد لهما بأن المرء لا يشعر بعمق ولذة الحب إلا بعد أن يتذوق ألام الفراق.

على الجانب الآخر داخل منزل والدة وسام، وضع عمر جهازه الالكتروني جانبًا قبل ان يتهم عمه في تذمر:
-كنت عايز أكلم ريم وبابي.
-يا حبيبي ريم نايمة وبابا هيكمل نوم، بكره الصبح انا هوديك بنفسي.
أخبره بيجاد بنفاذ صبر فتمتم عمر في انزعاج:
-يا ريتني فضلت مع عمتو ليان.
-اه عشان أنا مفتري ووحش، امشي ياض كمل لعب وبلاش لماضة.
ضحكت وسام ووالدتها قبل ان تخبره وسام في سخرية:
-واد بيفهم.

رمقها بيجاد محذرًا قبل أن يبتعد متخذًا مجلس بعيدًا عنها، رمقتها والدتها تعنفها وهي تمرر شفتيها لليمين واليسار في خذلان واتهام قبل ان تنادي عمر الصغير:
-تعالى ندخل ننام يا حبيب تيتا الا انا عندي السكر.
اتجه عمر بكل تلقائية ممسكًا بيدها دون اعتراض وكأنه لا يطيق الوجود مع عمه، ضاقت عيون بيجاد مغمغمً بكلمات مبهمة مستنكرًا أفعال الصغير ناكر الجميل كوالده، لكنه رد في حنان موجة لوالدة وسام:
-تصبحي على خير يا خالتي.
-وأنت من أهل الخير يا قلب خالتك.

أجابته والده وسام في بهجة وسرور قبل ان تجحظ عيونها المحذرة صوب وسام تدفعها بعيونها لإنهاء الوضع المذبذب بينها وبين زوجها.
قلبت وسام حدقتيها داخل مقلتيها في غيظ ونفاذ صبر وكأن الأمر بيدها وليس بيد ذلك العنيد المزعج الذي يرفض كل طرق تحايلها عليه.
ذهب الزوجان لمنزلهما في الشقة القابلة ولم يعترف بيج بوجودها او يلتفت لها مرة، تابعته ينظر إلى ساعة يده بشفاه مذمومة وكأنه تأخر على موعد ما...
اشتعلت نيران الغيرة داخلها من جديد وفضولها يقتلها لمعرفة سبب مقابلاته الغامضة ومع من؟

لكنها اتبعته إلى الغرفة بكل هدوء تتابعه يتجه مباشرة إلى خزانة الملابس يخرج منها ما يبغي قبل ان يلقيها بإهمال فوق الفراش ويتجه في صمت نحو المرحاض.
دبدبت قدماها في غيظ ما ان اغلق الباب لا تطيق تصرفه الدائم بعدم المبالاة ناحيتها ماذا فعلت لتستحق هذا العقاب القاسي ؟
نعم اخطأت ولكنه ايضًا اخطأ كما أن خطأها كان نابع من عشقها له، جلست بيأس فوق الفراش تفكر في حيلة تجبره بها على البقاء في المنزل حتى لمعت عيناها في شيطانية.

وقف تطالع الغرفة حولها في سرعة تبحث عن غرض مناسب ثم توجهت نحو علاق الملابس الخشبي الذي سيؤدي بالغرض.
جلست أرضًا تعبث بثوبها تكشف عن ساقيها ثم مدت يدها تمسك بطرف الفراش وبالأخرى امسكت بطنها في حماية مما هي مقدمة عليه وفي لحظة مجنون ودون مزيد من التفكير دفعت ساقها بالعمود الخشبي ليسقط جوارها مباشرة وتخرج منها صرخة مدوية.
صوت ارتطام داخل المرحاض ثم واحد... اثنان ...ثلاثة...انفتح باب المرحاض معلنًا عن بيجاد المرتعب العاري سوى من ملابسة الداخلية، ركض نحوها هاتفًا:
-أنتي كويسة، حصلك حاجة انطقي طمنيني البتاع ده خبط بطنك؟

انهى جملته في هلع وهو يستمع لتأوهاتها الباكية في احترافيه قبل ان ترفق به أخيرًا قائلة في نبرة مغرقة بالألم:
-لا بس اتخضيت وقعت على ضهري جامد أوي وجالي مغص انا خايفة على النونو اللي في بطني.
-يا نهار اسود يا نهار اسود... قومي اوديكي للدكتور بسرعة.
هتف بيجلد في قلق وذعر بينما يحرك ذراعيه بعشوائية لا يدري من أين يبدأ:
-لا استنى، مش هينفع قومني على السرير الأول عشان ضهري مش هيستحمل اي حركة او هزة دلوقتي.

أخبرته في سرعة وارتباك فحملها بين ذراعيه بملامح متشنجة يسيطر عليها الخوف والقلق قبل ان يضعها في خفة متناهية فوق الفراش جالسًا جوارها متسائلًا في تلعثم قلق:
-طيب اجيب دكتور البيت، أنتي حاساه بيتحرك جوا.
انهى جملته وهو يحاول رفع ثوبها للأعلى في عفوية يريد رؤية الضرر وتلقائيًا وضعت وسام يدها فوق فخذيها في ذهول وشعرت بالخجل والشفقة عليه وعلى تصرفاته الغير منطقية فقالت في نبرة خافتة:
-لا متقلقش النونو هيكون كويس انا حاسه بيه بس ضهري يا بيجاد هو اللي هيموتني.

في لحظة سريعة عدل جسده جوارها ثم مد اصابعه تلقائيًا خلفها كي يدلك ظهرها في خفة وملامحه تبثها بخوفه ومعاناته الشديدة لمعاناتها، أسبلت جفونها تخفي مشاعر الحب المهيب التي تشع من عيناها وتركت لنفسها الحق كي تميل تستند برأسها على كتف ذراعه الممدود خلفها فيمسد هو في عفوية خصلات شعرها بيده الأخرى هامسًا في حيرة وألم وكأنه يتوجع بوجعها:
-لسه تعبانه؟
-لا بقيت أحسن، ضهري ارتاح وانت بتعمل كده.

قالت في نبرة بريئة هادئة ليقاطعهم رنين هاتف بيجاد الذي ابتعد صون معدودة متجهًا نحو الهاتف يطالع من المتصل قبل أن يغلقه بشكل نهائي دون اجابه.
كبحت وسام ابتسامه نصر حين عاد بجوارها من جديد يحتضنها في سلاسة وتلقائية وكأنه لا يمارس قوانينه الغاضبة عليها ثم أعاد حركة يده في خفة وحنان فوق ظهرها، تركته يدللها لما يقارب الساعة في صمت مريح بينهما قبل ان يقطعه بيجاد المستلقي جوارها مستشعرًا الغباء:
-المفروض تشربي عصير أو حاجة، انتي وشك اصفر اوي تقريبا من الخضة.

حركت رأسها في موافقة وحين حاولت الاعتدال علا صوته في ذعر:
-لا لا إياكي تتحركي انهارده نهائي، ونحمد ربنا انها جت لحد كده!
اختض جسدها من نبرته العالية ولكنها قالت في سرعة:
-لا انا هعدل نفسي وبس متقلقش يا بيجاد انا بقيت كويسة اصلًا.

تنفس عدة مرات يناشد رباطة جأشه قبل ان يتجه لإحضار العصير، ابتسمت في سعادة وقلبها يتراقص في ابتهال لان مخططها نجح ونجحت في إبقاءه في المنزل بل أكثر هدمت اسواره التي بناها بينهما في اتفاق صامت.
دقائق وعاد حاملًا كأس من العصير ووقف جوارها حتي اجبرها على انهاءه بشكل كامل طالع العمود لذي لا يزال مفترش الأرض بما عليه من ملابس، اتجه ينقله إلى أبعد زاوية بالغرفة ثم انتبه لهيئته العارية فجذب سرواله القطني يرتديه.

تابعته وسام بشفاه ممطوطه في اعتراض وهو يتجه للطرف الآخر البعيد من الفراش متخذه مجلسًا له بينما يفرك رأسه وكأنه يعاني من صداع كانت هي سبب له بالتأكيد.
رمقته وسام بنظرات غامضة قبل ان تتحرك في بطء لتجلس جواره ملاصقة له عن عمد ثم قالت في نبرة هادئة منخفضة:
-بيجاد.

همهم في إرهاق وصب اهتمامه فوق وجهها الصغير منتظر استكمالها لكلماتها فعضت شفتيها هامسة في دلال:
-عايزة اتصالح زي الناس اللي بتتصالح دي.
ارتسمت بسمة صغيرة على فمه غير قادر على السيطرة على انفعالاته أمام عيونها التي تتوسل له ببراءة في نقيض مريب بين لغة العيون ولغة لسانها الذي يرغب بشدة في اقتصاه لكنه جاراها بقوله الساخر:
-تقصدي انتي اللي تصالحيني؟
-تؤ تؤ انت صالحني.

اخبرته بجديه وهي تتعلق بذراعه سانده رأسها فوق كتفه عنوة متهمة بتعنت:
-ومتنساش اني حامل والزعل ده مؤثر على نفسيتي وصحتي وأكلتي اللي بقت قد أكلت العصفورة.
انفجر بيجاد ضاحكًا فرفعت وجهها تطالع ملامح وجهه المشرق في سرور رغم التعب الصريح في عينيه فتنهدت قائلة:
-بحبك...

شعر بيجاد بالاسترخاء وبعدم رغبة في محاربة مشاعره أكثر فكل ما يرغب فيه حرفيًا هو الشعور بقرب زوجته التي اشتاق إليها كثيرًا فهمس دون تأخير وهو يناظرها بابتسامه جانبية تزين طرف فمه الأيسر:
-وأنا بحبك وبحب أمك.
دوت ضحكتها الرنانة المكان وهي تضغط بذراعيها حوله في سعادة غامرة، تنهد ومال يبثها بقبلة عميقة صادقة دامت بضع ثوان قبل ان يبتعد فأحاطت وسام كفيها حول رأسه تخشى ابتعاده في رفض تعيد شفتيه لشفتيها في توق.

طالت قبلاتهم التي تصرخ بمكنونات قلبهما الصادقة والصريحة ولكنه ابتعد عندما شعر بأصابعها تتحرك فوق جسده متطلبه الكثير فهمس وسط مشاعره الجياشة:
-مينفعش عشان ضهرك وال...
-لا انا ضهري زي الفل!
-يا وسام...اعقلي...
قال ضاحكًا يحاول ابعاد فمه عن مرمى شفتيها التي تقابل ما يمكنها ان تصل إليه من وجهه فشهقت شهقة اعتراضية وهي تميل نحوه تستوطن فوق جسده ثم قالت في غيظ:
-معلش يا خويا انا مسامحه فيه..

ابتلعت ضحكاته الرجولية بفمها الصغير في اصرار بينما تركها هو في رضا ولهفة تعبث داخله الفساد وفي المقابل تركت له وسام حرية رفع جسدها بتأني وسط أنفاسهم اللاهثة قبل ان يستقر بها في أحضانه مقبلًا إياها بشغف حارق يرضي بلمساته الراغبة شوق ووله مجنون بها.

بعد مرور ثلاث أيام عصيبة ...
فللأسف لم يهنأ الشقيقان كثيرًا ما ان انتهت تلك اللحظات الجميلة المخطوفة من حياتهم البائسة ففي صباح اليوم التالي اكتشفوا اختفاء شقيقتهم ليان، عندما احضر بيجاد ابن شقيقه متسائلًا بعفوية عن ليان ليناظره ريان ببلاهة مجيبًا بانها ليست في منزله وانها من المفترض ان تكون معه هو.

لا يوجد وصف يوصف الذعر الذي تملك ريان حين اخبره بيجاد بأنها كانت قد قررت البقاء للاطمئنان عليه هو وريم، ليهرعا حول المنزل كالمجانين يبحثون عنها قبل ان ينطلقا بحثًا عنها في الطرقات وفي كل مكان يظنان بأنها قد تكون فيه.
وها هما الآن وبعد جالسين كالبؤساء ينهشهم القلق والحزن يحاولون التكهن بمكان ليان وبمن قد تلجأ إليه.
-كله من غباءك، تلفونها فصل تتصل بيا تسأل؟!

قال ريان متذمرًا ملقي بالذنب على عاتق بيجاد الذي أسرع في مدافعة:
-انا كنت فاكر الشحن خلص ومعهاش شاحن مثلًا، ثم انا اتصلت وانت اللي كنت مخمود مش ذنبي.
-وبعدين بقى قولنا لا ذنبك ولا ذنبه اكيد ليان مضغوطة شويه وراحت مكان تهدي أعصابها وانا متأكدة انها هتتواصل معانا قريب.
وكأن القدر يصدق على كلمات وسام المنفعلة التي تحاول تهدئه الأخوين منذ الصباح، ليصدح صوت هاتف ريان برقم شقيقتهم فجذبه مجيبًا سريعًا في لهفة وقلب يدق في عنفوان:
-ليان انتي فين ؟

-اهدى يا ريان انا بخير!
اتاه الرد سريعًا في خجل ليقاطعها بقوله المنفعل:
-انتي بخير الحمدلله، طيب ممكن بعد اذن سموك أعرف انتي فين عشان اجي اكسر دماغك يا بنت الجذمة، انتي فين!
صرخ ريان نهاية جملته في غضب حاد فجذب منه بيجاد الهاتف صائحًا في اعتراض:
-احنا مش حمل شغل مراهقين، انتي عارفة احنا كنا هنتجنن ازاي عشان مش لاقينك، انطقي على طول أنتي فين؟
-ممكن تدوني فرصة أتكلم!

زمجرت ليان في نفاذ صبر وتوتر فاندفعت ريم تربت على ذراع ريان تحثه على سماع شقيقته وقبل ان ينفجر بيجاد في وجهها أعاد ريان الهاتف منه مشغلًا مكبر الهاتف قائلًا في نبرة حادة ثابتة:
-اتكلمي...
-أنا اسفة بجد اني قلقتكم بس كنت خايفة اتصل بيكم كنت محتاجه وقت عشان اقدر اقول اللي هقوله ده.
ضرب بيجاد كف فوق الأخر قائلًا في حده غير مصدق وقاحتها:
-ادخلي في الموضوع يا حيوانة مش بتفتتحي مهرجان انتي.
-اسكت يا زفت انت كمان خليها تتنيل، اتكلمي...

صاح ريان قبل أن يوجه أمره الحازم لشقيقته، سمعوا انفاسها المضطربة قبل ان تصلهم كلماتها المنطوقة في خفوت بصوت مهزوز يشوبه الخوف:
-أنا اتجوزت، وقبل ما تشتم او تتعصب ارجوكم سامحوني وافهموا الموقف.
نزل الخبر كالصاعقة على مسامع جميع من بالغرفة فساد الصمت عدى من صفعات وسام المرتعبة المتلاحقة فوق وجنتها وشهقة ريم المذعورة وعيناها معلقة بزوجها الذي يكاد ينفجر كالبركان.

ارتعش قلب ريم تمامًا كقلب ليان حين قال في صوت محشرج خشن يحمل بين طياته الكثير:
-اتجوزتي؟
-ايوة، من يومين...
ابتلعت ريقها ما ان إجابته في حرج وتأنيب ضمير ليسأل دون توقف يحاول تحمل الجنون والهموم التي تلقيه شقيقته عليه:
-مين؟
-أحمد.
جز ريان على أسنانه وارتفعت انفاسه الغاضبة أكثر يحاول اعتصار عقله يحاول تذكر اي أحمد في حياة شقيقته، وباطنه المريض يرفض البته تصديق ظنونه السوداء عن شخص ذلك الأحمد ليخبرها في صوت هادر ينذر بشر محتوم:
-أحمد مين؟

-أحمد يا ريان.. أنا...أنا اسفة..
اجابت بصوت مخنوق بين شهقات بكاءها، فهتف بيجاد بأقسى الشتائم بينما وضعت ريم كفيها فوق فمها في ذهول لا تصدق ما تسمعه وتخشى من ذلك الخواء الذي يفوح من عيون زوجها مع نبرته المختومة بهدوء يملئه الريبة:
-أتجوزتيه برضاكي ولا غصب عنك؟
ضغطت ليان على حروفها في صدق رغم انتفاض جسدها بانفعالاتها المتناقضة:
-كنت راضية... هبعتلك صورة القسيمة في رسالة.
-لو خايفة تقوليلي انه اجبرك...

حثها ريان بصوت غامض وكأنه يتوسل لها بأن تخبره بأنها مزحه ما أو ان أحمد قد اجبرها بالفعل لكنها حطمت قلبه الممزق بردها المؤكد:
-ريان انا اتجوزت أحمد لأسباب كتير انت مش هتفهمها او تستوعبها مهما قولت.
رج صوت ريان المكان في غضب مستنكرًا:
-افهم ايه ! ...
افهم انك استغفلتينا وحطيتي راسنا في الطين ولا افهم انك شيطانه مصرة تدمريني.

اختض جسده في غضب مجنون وقدماه مثبته في مكانه غير قدر على الالتفات نحو أحد لكنه استطاع ان يهتف في بيجاد يطالبه بحصر صوته العالي لأنه على وشك الوقع في حفرة مظلمة من الجنون لا يعلم نهايتها ليستكمل في قسوة شديدة موجهة لشقيقته:
-دونًا عن كل الخلق اختارتي أحمد عشان تحطميني، بتنتقمي مني؟
فهميني رسالتك اللي عايزة توصلهالي؟

اتاه صوت ليان المختنق ببكائها وبرغم ما فعلته لتهيأ نفسها للقادم ولكن قلبها لا يزال يعتصر غير قادرة على تحمل خيبه الأمل والخذلان المقطر من صوت شقيقها المتألم:
-يا ريان عشان خاطري افهم والله ما اقصد اني أذيك بالعكس انا بعمل ده علشانك.
-علشاني لا كتر خيرك أوي.
قال في تهكم قبل ان يستكمل من بين أسنانه يشعر بلهيب خيانتها يكوي نفسه من الداخل قائلًا في قسوة:
-سامحتك قبل كده، لكن المرة دي انا لا يمكن اسامحك ابدًا ولو بموتي يا ليان، انتي بعملتك دي اختارتي نهايتنا، ولازم تنسي ان ليكي أخ اسمه ريان.

أغلق الهاتف دون أن يسمع حرف أخر منها فهتف به بيجاد الغاضب:
-كان المفروض تسمعها أكتر من كده، مش يمكن التاني اللي ضحك عليها.
رمى ريان بهاتفه في غضب ثم أشار نحو بيجاد صارخًا غضبه المكبوت:
-لو زعلان روح كلمها انت برا عني، لاني من انهارده أنا معنديش إخوات بنات.
-ريان أرجوك أهدى أكيد في حاجة غلط.

حاولت ريم التدخل تشعر بالهلع وكأنها في حياة من الجحيم فقاطعها بيجاد في حدة:
-ايوة في غلط وانتي هو الغلط ده، وانت ايش ضمنك ان مراتك متفقة معاه عشان ينتقموا من ليان بعد اللي عملته في ريم.
وقفت ريم المصدومة تطالع اتهامات بيجاد في صمت لا تصدق انه قد يفكر حتى بالأمر، قطع افكارها صوت زمجرة زوجها الغاضب:
-اخرس، اختك هي اللي راحت لأحمد برجليه مراتي ملهاش ذنب!
تدخلت وسام تجذب بيجاد للخارج وقلبها يرتعش خوفًا من احتدام الأمر بين الأخوين أكثر لكنها قالت مؤكدة:
-ريم ملهاش دخل يا بيجاد بلاش تخلي عصبيتك تأثر على تفكيرك من تاني.

-في حاجة مش مظبوطة ازاي تتجوزه هو مش في عدة طلاق؟!
صرخ سؤاله في انفعال نحو ريان الذي أجابه في حقد وندم مؤكدًا:
-ريان متطلقه من اكتر من أربع شهور، انا سافرت جبتلها ورقتها من طليقها مش أكتر عشان بيبتزها بيها وياريتني ما روحت.
كاد يصيح بيجاد بكلمات أخرى ولكن وسام دأبت على شد ذراعه في تحذير فجذب ذراعه منها في عنف واعتراض قبل ان يلتف خارجًا من المنزل بينما تحاول وسام اتباعه واللحاق به في صعوبة.

التفت ريان يدور حول المكان يشعر بحبال اعصابه تنقطع ليركل طاولة خشبية كانت جواره في محاولته باهته لفض شحنة السواد العارم داخله مسقطًا كل ما عليها من أغراض زجاجية ليتناثر الزجاج في صوت مفجع اكسبهم صرخة من عمر الجالس بمفرده داخل غرفته فهتفت ريم تطمئنه:
-متقلقش يا حبيبي دي المزهرية وقعت، خليك جوا عشان متتعورش.

كان ريان يسب ويلعن بصوت عالي غير مبالي بالزجاج المحطم تحت نعل حذائه فاقتربت منه ريم الخائفة بان يستمع ريان لاتهامات بيجاد ويصدقها، قائلة في خوف وتوتر:
-أنت بتفكر في إيه؟
اوعى تكون فاكر اني ليا دخل، انا مستحيل اعمل كده مهما ليان عملت فيا.
التفت نحوها يحدقها بنظرات قاتلة قبل أن يخبرها بصوته العالي بينما يتجه لباب المنزل:
-مش بفكر في حاجة نهائي .. نهائي...

وبذلك خرج هو الآخر، تاركًا ريم حائرة وحيدة وقد تملكها الحزن والأسى من جديد ولكنها تعاود وتلوم ذاتها بأنها من ألقت بنفسها داخل دائرة الشك والشبهات بتمسكها بعلاقتها مع أحمد واستمرارية وجوده في حياتها.
شعرت بحزن أثقل قلبها فهناك أخطاء نتعلم منها ولا نكررها وهناك أخطاء تلتصق بنا مدى العمر.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة