قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية فراشة أعلى الفرقاطة للكاتبة منال سالم الفصل الرابع

رواية فراشة أعلى الفرقاطة للكاتبة منال سالم الفصل الرابع

رواية فراشة أعلى الفرقاطة للكاتبة منال سالم الفصل الرابع

في منزل عائلة كريم بركات
اتسعت عيني السيدة فوزية في ذهول تام حينما استمعت دون قصد منها للحديث الجانبي الذي دار بين سيدتين جالستين إلى جوارها و...
-سيدة ما متسائلة بفضول أكثر: هو كان متجوز؟
-إحدى السيدات بخفوت: يووه، ده من زمان، يجي من سنتين وزيادة
-سيدة ما باستغراب: من سنتين، بس اللي اعرفه إنه كان كاتب كتابه باين وآآآ...

-إحدى السيدات مقاطعة بنبرة خافتة ومتهكمة: أيوه، دي مراته التانية، بت كده معرفش أبصر ايه..
-سيدة ما متسائلة وهي تزم شفتيها: يعني هو على كده متجوز اتنين؟
-إحدى السيدات متابعة بجدية: اه، ماهو قادر بقى، أصل الحكاية إنه أول ما سافر السعودية اتعرف على واحدة قادرة ومتريشة ( غنية )، اتعلقت بيه، وهو الظاهر حبها، واتجوزها، وبقت بتصرف عليه، وساعدته كتير، بس حسرة عليه ملحقش يفرح بعياله..!

-سيدة ما بنظرات متعجبة، ونبرة هامسة: هو مخلف؟
-إحدى السيدات وهي تمط شفتيها في أسف: يا حبة عيني عنده واد صغير مكملش سنة، والتاني جاي في السكة..!
-سيدة ما بنظرات فضولية، ونبرة خافتة: طب والست سميرة كانت عارفة ده؟

-إحدى السيدات وهي توميء برأسها بثقة: اه كانت عارفة، اومال انتي مفكرة إنه زي ولادنا المقاطيع بيعملوا اللي في دماغهم من غير مايخدوا رأي كبيرهم، لأ ده سأل أمه، وهي وافقت على طول، بيني وبينك دي ماصدقت، الولية اللي كانت متجوزاه معاها أد كده...!
-سيدة ما بنبرة شبه مغتاظة: أه طبعا، كان لازم توافق، حد يلاقي الأملة دي ويقولها لأ..
-إحدى السيدات بنبرة شبه ساخرة: يعني هو خد حاجة معاه..!

توالت الصدمات على السيدة فوزية، وشعرت أنها تتخيل ما تسمعه، وأنها مجرد أوهام، ولكن لكي تقطع الشك باليقين، نهضت من مكانها، وتوجهت إلى تلك السيدة التي تسرد بثقة تامة أمورا عائلية يترتب عليها مستقبل وحياة ابنتها...
وقفت السيدة فوزية أمام تلك السيدة ونظرت إليها بنظرات مضطربة وجسدها يرتعش قليلا مما سمعته توا و...
-فوزية بنبرة متلعثمة: م، معلش، ممكن أتكلم معاكي شوية.

-إحدى السيدات بنظرات متفحصة، ونبرة جادة: أؤمري يا حبيبتي! خير؟
-فوزية بتردد، ونظرات مضطربة: معلش، أنا، أنا كنت عاوزة أعرف انتي عرفتي الكلام اللي قولتيه ده منين؟

ضيقت تلك السيدة عينيها، ونظرت إلى فوزية باستغراب و..
-إحدى السيدات بنبرة ممتعضة: كلام ايه ياختي؟ أنا مقولتش حاجة..!
-فوزية بنبرة جادة: كلامك عن إن كريم، قصدي المرحوم كان متجوز قبل كده وعنده عيال
-إحدى السيدات وهي تلوي فمها في تهكم: ده مش كلامي، دي الحقيقة والكل هنا عارف كده..!

إنقبض قلب فوزية بشدة، فقد ظنت أن ما سمعته من قبل مجرد خزعبلات، رمقتها تلك السيدة بنظرات غريبة، ثم أردفت ب...
-إحدى السيدات متابعة بحسم: وبعدين انتي بتسألي ليه؟

ارتجفت السيدة فوزية كثيرا وتردد في عقلها صدى كلمات ( متزوج منذ عامين، ولديه أبناء، وعائلته تعلم بهذا، )
ظلت تتخيل حالة ابنتها حينما تعلم بحقيقة من أحبته بصدق..
كررت السيدة الأخرى سؤالها على مسامع فوزية، ولكنها لم تجبها فقد كان شاغلها الأكبر هو ابنتها وحالتها حينما تعلم بكل تلك الأمور...

في نفس الأثناء، صعدت فرح بمساعدة رفيقتها إيلين على الدرجات إلى أن وصلت إلى مدخل المنزل، فانقبضت أنفاسها، وبدأت شهقاتها تعلو من جديد..
أمسكت إيلين بكف رفيقتها، وظلت تضغط عليه محاولة بث روح المؤازرة إليها، وتهدئتها نوعا ما...
دلفت فرح إلى الداخل بخطوات مرتجفة، وعينيها تفضيان من الدمع..
رأتها كاميليا وهي شبه منهارة، فركضت في اتجاهها، ثم فتحت ذراعيها لكي تضمها إلى صدرها..

بكت كلتاهما بحرقة على فراق كريم، و..
-فرح بصوت باكي: كريم مات يا كاميليا، كريم مات وسابني لوحدي
-كاميليا بنبرة حزينة، وأعين دامعة: معدتش لينا حد بعده يا فرح.

جابت فرح بعينيها المتورمتين المكان بحثا عن السيدة سميرة، ولكنها لم تجدها بين الجالسات و...
-فرح متسائلة بصوت مختنق: طنط سميرة فين؟ أنا، أنا عاوزة أطمن عليها
-كاميليا بتوجس: آآ، هي، هي حالتها صعب أوي
-فرح بصوت حزين وباكي: أنا عارفة، دي كانت روحها فيه، لازم أقف جمبها.

مالت إيلين على أذن فرح لتهمس لها ب..
-إيلين بصوت هامس: طنط أعدة هناك.

التفتت فرح برأسها إلى حيث أشارت إيلين بعينيها لتلمح السيدة سميرة وهي جالسة بين بعض المعزيات تندب وفاة ابنها، وترثي حاله..
كفكفت فرح دموعها بمنشفة ورقية كانت في يدها، ثم اتجهت صوبها، وهي تشفق على نفسها قبل حال والدته، فهي فقدت الزوج والحبيب والعشيق وكل من ملأ حياتها...
وقفت فرح قبالة السيدة سميرة التي بدأت بالعويل والصراخ مجددا، فحاولت فرح أن تشد من أزرها و...

-فرح بصوت مختنق من البكاء: عشان خاطري يا طنط بلاش تعملي كده، كريم بيتعذب باللي بتعمليه.

توقفت السيدة سميرة عن الصراخ، وتجمدت ملامحها فجأة، ثم حدقت عينيها في فرح، ورمقتها بنظرات ساخطة ثبل أن تردف ب...
-سميرة بنبرة هادرة: جاية هنا ليه يا بوز الإخص.

اتسعت مقلتي فرح في صدمة رهيبة، وتسمرت في مكانها للحظة من هول تلك الكلمات التي لم تكن تتخيل أنها ستسمعها، في حين تابعت سميرة ب...
-سميرة بصراخ عنيف: جاية تشمتي فيا وفي موت ابني، إنتي السبب في اللي جراله، انتي السبب!
-فرح بذهول تام وهي فاغرة شفتيها: هه...!

وفجأة نهضت سميرة عن الأريكة، ثم أمسكت بفرح من ذراعيها، وظلت تهز بها في عنف شديد و...
-سميرة بصوت صادح: انتي يا بنت ال *** السبب...
-فرح بنبرة مصدومة ومتلعثمة: آآ، أنا؟
-كاميليا برجاء، وصوت مصدوم: ماما، ميصحش كده..!
وضعت سميرة يدها على رأس فرح لتمسك بها من شعرها، وتجذبها بعنف منه، مما جعل بعض السيدات تتدخل للحول بينهما..
تأوهت فرح بشدة من الآلم، وحاولت تخليص شعرها من بين أصابع السيدة سميرة..

-كاميليا بتوسل: ماما من فضلك، سيبي فرح، بلاش فضايح.

انتبهت شيماء وبعض زميلاتها إلى ما يحدث من شد وجذب بين الفتاة الباكية والسيدة سميرة، فنهضن عن مقاعدهن، واقتربن لكي يتابعن ما يحدث عن كثب...
وقفت إيلين بجسدها أمام السيدة سميرة لكي تشكل حاجزا بينهما، وكذلك فعلت بعض السيدات...
ظل صراخ السيدة سميرة يعلو ويعلو في غضب شديد جعل فرح عاجزة تماما عن النطق أو الرد..

-سميرة بنبرة هادرة وهي تصرخ: لو مكنش عرفك كان زمانه عايش وسط مراته وعياله، انتي اللي خليته يموت عشان يتنيل يكمل جوازته الفقر منك..!

انتبهت فوزية إلى صوت سميرة الصادح في أرجاء المنزل، ووضعت يدها على قلبها في خوف شديد حينما استمعت إلى صوت ابنتها، ثم دلفت خارج الغرفة التي كانت تجلس بها لتجد ابنتها فرح في حالة لا تحسد عليها، متصلبة الوجه، جامدة الملامح، جاحظة العينين..

دفعت فوزية بعض السيدات بكلتا يديها لكي تمر خلالهن وتصل إلى ابنتها، وتضمها إلى صدرها، لقد خشيت عليها أن تعرف الحقيقة بتلك الطريقة، ولكن يبدو أن القدر قد شاء ألا تظل مخدوعة في زوجها الراحل..
وقفت السيدة فوزية في مواجهة سميرة، ورمقتها بنظرات حانقة و...
-فوزية بنبرة غاضبة: كفاية بقى، ابعدي عن بنتي، حرام عليكي اللي عملتيه فيها.

-سميرة بصراخ حاد: وهي مش حرام عليها تحرمني من ابني بسبب جوازته منها، وإصراره عليها
-كاميليا بنبرة متشنجة: أرجوكم بلاش فضايح، الناس كلها اتفرجت علينا...!
-فوزية بغضب واضح: كفاية كدب، ابنك كان متجوز ومخلف، وعاش حياته، وضحك علينا، وانتي جاية تقولي بنتي السبب؟ اتقي الله فينا.

-سميرة بنظرات مميتة، ونبرة صارخة وهي تشير بيدها: هي وش البومة دي السبب، لو مكنش مصمم على جوازته منها كان زمانته لسه عايش، ومتهني، بنتك حرمتني منه، بنتك هي السبب، هي اللي موتته، راح يشتغل ويجيب فلوس عشان خاطر يكمل جوازته النحس دي، لكن ربنا خده عشان ترتاح.

ضمت فوزية ابنتها فرح أكثر إلى صدرها وكأنها تحميها من بطش سميرة، فقد خشيت عليها بحق من تلك السيدة البغيضة التي سقط القناع عن وجهها لتظهر حقيقتها جلية أمام الجميع..
تعالت الهمهمات والهمسات بين المعزيات، وبدأت الأحاديث الجانبية ونظرات الاشفاق الممزوجة بنظرات الاستنكار تتوزع بين الجميع...

أكملت سميرة إهانتها لفوزية وابنتها، ولكن لم ترد عليها فوزية، فقد شعرت ببرودة ابنتها، وأن أنفاسها تتسارع بشدة، فأدركت أن حالة ابنتها ليست على ما يرام، لذا أولت ظهرها لسميرة، وحاولت أن تسير بإبنتها مبتعدة عن هذا المكان..
عاونت إيلين السيدة فوزية في إخراج فرح من منزل كريم..

كانت فرح في حالة صدمة تامة، لم تنطق بكلمة، لقد تجمدت حواسها، وتوقفت عينيها عن البكاء لتصبح كالجسد الخاوي، وشردت بعقلها في ذكريات حبها الأولى مع كريم..

وقفت شيماء مشدوهة في مكانها، تتابع باستغراب شديد ما حدث للتو، فلو سرد أحد ما لها ما رأته عينيها لم تكن لتصدقه، فقد كان الأمر فضيحة أكثر منه تعزية لفقيد راحل..
مالت شيماء على مريم الواقفة إلى جوارها، وهمست لها ب...
-شيماء بصوت هامس: مش يالا بينا احنا، معدتش ليها لازمة الأعدة هنا
-مريم بخفوت: استني بس نعرف ايه اللي هايحصل بعد كده
-شيماء حنق، ونظرات معاتبة: مالناش دعوة، دي حاجة متخصناش.

-مريم برجاء: يا شيموو ده خبر الموسم، ابن الأستاذ بركات كان متجوز اتنين ومن ورا بعض، حاجة محدش يصدقها
-شيماء وهي تزفر في انزعاج: أووف، تموتي في الفضايح..
ظهر شبح ابتسامة ما على شفتي مريم، وأشارت لها بعينيها، فنظرت لها شيماء بنظرات ثابتة و...
-شيماء بنبرة جادة: بقولك ايه أنا هامشي لأحسن اتأخرت على سلمى، وهي مع ماما من الصبح.

-مريم وهي تهز رأسها بخفوت: ماشي، ابقي سلميلي عليها، وأنا لما هاعرف أرار الحكاية هابقى أقولها بكرة في المدرسة
-شيماء بهدوء: طيب، سلام.

انصرفت شيماء دون أن تلقي التحية على السيدة سميرة التي كانت مستمرة في إهانة فرح رغم انصرافها منذ لحظات..

نزلت فوزية على الدرج وهي ممسكة لابنتها من ذارعها، وإيلين ممسكة بالذراع الأخر من الجهة الأخرى..
حاولت الاثنتين منع فرح من السقوط، فقد خارت قواها، ولم تكن معهما لا بعقلها ولا بقلبها..
لحقت بثلاثتهن شيماء ورأت الحالة التي عليها الفتاة الباكية، والامرأتين اللاتين تحاولان إيقافها على ساقيها، فعرضت عليهما أن..
-شيماء بنبرة جادة: تحبوا أساعدكم؟
-فوزية بنبرة حزينة: شكرا يا بنتي، احنا قربنا نوصل.

-شيمء بإصرار: عنك يا حاجة، أنا هسندها مكانك.

وبالفعل أمسكت شيماء هي الأخرى بفرح وحاولت إسنادها إلى أن نزلن جميعا إلى الأسفل ووقفن عند مدخل البناية..
رأى أمير زوجته إيلين وهي تشير له بيده، وفي نفس الوقت لمح السيدة فوزية، ومعها سيدة ما وهما ممسكتين بفرح التي كانت قد انهارت تماما بين أيدي فركض بسرعة ناحيتهن جميعا، وحاول أن يفهم ما حدث بالأعلى..
-إيلين بنبرة آمرة: هات العربية بسرعة يا أمير
-أمير بنبرة خائفة: هو في ايه؟

-إيلين بإنزعاج: بعدين هانبقى نحكيلك اللي حصل، بس يالا أوام..!

ركض أمير في اتجاه سيارته المصفوفة بجوار الرصيف، ثم ركبها، وأدار محركها، ولف بها ليصفها أمام مدخل البناية حيث أسرعت إيلين بفتح باب المقعد الخلفي، وأسندت فرح في الداخل، وعاونتها شيماء وفوزية في هذا..
اعتدلت فوزية في وقفتها بعد أن وضعت ابنتها بداخل السيارة، ثم مدت يدها لتصافح شيماء وتشكرها على مساعدتها لابنتها و..
-شيماء بنبرة جادة: أنا معملتش حاجة و آآآ...

التفتت شيماء برأسها ناحية فرح، ونظرت إليها بنظرات اشفاق و...
-شيماء متابعة بنبرة آسفة: وربنا يصبرها على اللي هي فيه.

هزت السيدة فوزية رأسها في حزن، و..
-فوزية بنبرة منكسرة: الحمدلله على كل حال، كتر خيرك يا بنتي.

انصرفت شيماء وسارت مبتعدة عنهم جميعا، في حين طلب أمير من زوجته إيلين والسيدة فوزية الصعود للسيارة لكي يبتعدوا عن هذا المكان..
جلست السيدة فوزية إلى جوار ابنتها، وأسندت رأسها على صدرها، وأحاطتها بذراعيها، وظلت تمسد على شعرها في آسى وحزن على حالها..

سردت إيلين بصوت خافت لزوجها ما دار في منزل عائلة كريم، فامتعض وجه أمير، وعاتب زوجته على عدم إبلاغ زوج تلك السيدة البغيضة الأستاذ بركات بما فعلت وبما عرفوه من حقائق مؤسفة...

في منزل آدم
عادت شيماء إلى منزلها بعد أن اصطحبت ابنتها سلمى من عند منزل والدتها، ثم بدلت لها ثيابها، وأعدت لها الطعام، ووضعتها في غرفتها لتلهو قليلا بألعابها..
بحثت شيماء عن هاتفها المحمول لتهاتف زوجها، وتطمئن على أحواله، وبالفعل وجدت الهاتف مسنودا على التسريحة الموضوعة في غرفة النوم..
أمسكت شيماء بالهاتف، ثم ضغطت عىلى بعض الأزرار، واتصلت بزوجها الذي أجاب على اتصالها بعد مرتين و..

-شيماء هاتفيا بنبرة منزعجة: مش بترد ليه
-آدم هاتفيا بسخرية: هو حد قالك إني شغال أوبريتور ( عامل خطوط تليفونات )، وأعد على السوتش أول ما هتتصلي هارد، جرى ايه يا شيماء، ما أنتي عارفة الشغل هنا عامل ازاي
-شيماء متسائلة على مضض: طيب يا آدم، المهم هتنزل اجازة امتى؟
-آدم مازحا: السنة الجاية ان شاء الله
-شيماء بضيق: والله، طب جرب تعمل كده، وأنا آآآ...

-آدم مقاطعا بنبرة هادئة: يا شيمووو هو أنا معرفش أهزر معاكي، ليه بتاخدي الموضوع على صدرك أوي كده، ده حتى مش حلو عشانك..!

زفرت شيماء في انزعاج، ثم تذكرت ما حدث في عزاء ابن الأستاذ بركات، وقررت أن تحكي لزوجها ما دار فيه..
استغرب آدم مما سمعه، وأشفق على تلك الفتاة البائسة و...
-آدم بنبرة استنكار: بصراحة حاجة تكسف، ولية معندهاش دم، ذنب البت ايه في موت جوزها، كل واحد وليه ميعاده، هي هتدخل في قضاء ربنا...!
-شيماء وهي تزم شفتيها بتهكم: ماهو قليل البخت بيلاقي العضمة في الكرشة.

-آدم مازحا: طب بمناسبة الكرشة، والفشة، والموبار والذي منه، ناوية تطبخيلنا ايه الاجازة الجاية؟
-شيماء مبتسمة وبنبرة ناعمة ومثيرة: مممم، أما تيجي هاقولك
-آدم بحماس: أنا حاسس إني رفدي هايجي على ايدك قريب ان شاء الله يا قلبي
-شيماء بدلال: بعد الشر عنك يا حبيبي...

في منزل فرح عبد الحميد
عاونت إيلين السيدة فوزية في وضع فرح في فراشها بغرفتها، ثم دثرتها السيدة فوزية جيدا، وجلست إلى جوارها على طرف الفراش تمسد على شعرها وتمسح على وجنتيها في حنان بالغ...
استأذنت إيلين بالانصراف، فأوصلتها فوزية ناحية باب المنزل، ثم وقفت كلتاهما للحظات، ونظرت إليها فوزية بإمتنان شديد وهي تشكرها على ما فعلت معها، فردت إيلين ب...

-إيلين بنبرة حزينة: يا طنط فرح أكتر من اختي، أنا بس مصدومة من اللي حصلها، مكونتش اتخيل إن كريم يعمل كده فيها..
أخذت إيلين نفسا عميقا قبل أن تردف ب..
-إيلين متابعة بنبرة شبه حانقة: طب ليه عمل فيها كده؟ ليه بالرغم من الحب اللي هي حبيتهوله؟
-فوزية بنبرة منكسرة: حسبي الله ونعم الوكيل، أنا مش عارفة ليه! أنا كل اللي يهمني الوقتي بنتي، الله أعلم باللي هيحصلها بعد كده.

-إيلين بإنزعاج: صدمتها فيه كبيرة يا طنط، ولازم نعذرها
-فوزية وهي تهز رأسها في قلق: أوي يا بنتي، ربنا يقويها على اللي هي فيه، وينجيها..!
-إيلين بنظرات ثابتة، وبحزم: وأنا مش هاسيب فرح يا طنط، هافضل معاها لحد ما تعدي الفترة دي على خير.

أطرقت فوزية رأسها في خزي، وابتلعت ريقها في مرارة، ثم رفعت بصرها لتنظر إلى إيلين بنظرات متوسلة و...
-فوزية برجاء: معلش يا بنتي هاطلب منك خدمة تانية
-إيلين بتوجس: قولي يا طنط
-فوزية بنبرة متلعثمة: يعني، آآ، ممكن ماتقوليش لحد على، آآ، على اللي حصل وكده، مش، مش عاوزين حد يشمت فيها وآآآ...
مدت إيلين يدها وأمسكت بكف السيدة فوزية وضغطت عليه بقوة وهي تنظر مباشرة في عينيها و...

-إيلين مقاطعة بحزم: اطمني يا طنط، محدش هيعرف حاجة باللي حصل..!
-فوزية بنبرة امتنان: ربنا يخليكي لينا يا إيلين، والله غلاوتك عندي زي فرح بالظبط.

احتضنت إيلين السيدة فوزية، وربتت على ظهرها، و..
-إيلين بخفوت: أنا عارفة يا طنط..
تنهدت السيدة فوزية في ارتياح، ثم استأذنت إيلين بالانصراف مجددا، فودعتها فوزية بعد أن قبلتها واحتضنتها، وأثنت على ما فعلته من أجل رفيقتها...

على مدار يومين ظلت فرح في حالة صمت تام، لا تتحدث، لا تتحرك من مكانها، لا تنطق ببنس كلمة، فقط محدقة بالسقف وكأنها تعيش في عالم أخر، خشيت فوزية عليها كثيرا من أن تتدهور حالتها للأسوأ، فاستعانت بأحد الأطباء لكي يطمئنها على حالتها..
أبلغها الطبيب أنها تعاني من صدمة عصبية حادة، وتحتاج للمتابعة مع طبيب أمراض عصبية ونفسية كي تتجاوز تلك الأزمة التي تمر بها بسلام..

بكت فوزية كثيرا على حال ابنتها، وجلست على سجادة الصلاة في غرفتها تتضرع للمولى عزوجل وتطلب منه بأعين دامعة أن يلهم ابنتها القوة والصبر لتجاوز تلك الأزمة التي عصفت بحياتها...
وفجأة انتفضت فوزية فزعا في مكانها على أثر صوت تكسير وتحطيم اشياء ما، فنهضت عن سجادة الصلاة، ثم ركضت بالاسدال في اتجاه مصدر الصوت..

وجدت فوزية صوت التحطيم العنيف يأتي من غرفة ابنتها، فركضت ناحيتها، أمسكت فوزية بمقبض الباب، وأدارته بقوة لتفتحه وتجد ابنتها بشعرها المتمرد من أثر النوم - والتي كانت ترتدي منامة قطنية من قطعتين بنطالها ذو لون زيتوني، وكنزتها ذات لون أسود - تحطم بقسوة كل الدروع الكريستالية والرمزية التي أهداها زوجها الراحل كريم لها..
صرخت فرح بعنف وهي تلقي بقسوة كل ما تطاله يدها...

نظرت فوزية إلى ابنتها بنظرات مصدومة، ووضعت كلتا يديها على شفتيها محاولة كتم شهقات فزعها، ثم اقتربت بخطوات حذرة من ابنتها التي انهارت على الأرضية الخشبية اللامعة، وهي تبكي بحرقة..
جثت السيدة فوزية على ركبتيها خلف ابنتها، وأحاطتها بذراعيها من الخلف و..
-فرح بنبرة مختنقة من البكاء: عمل فيا كده ليه؟ ليييييه؟ طلع متجوز وكان بيخدعني؟ عملتله أنا ايه عشان يصدمني فيه بالشكل ده؟!

-فوزية بنبرة مرتعدة وهي تضم ابنتها: اهدي يا بنتي، عشان خاطري اهدي
-فرح متابعة وهي تزمجر بعنف: ده، ده أنا كنت مستعدية اعمل أي حاجة عشان يكون هو مبسوط، أنا، أنا حرمت نفسي من كل حاجة عشان أعملها بس معاه، وهو، وهو كان متجوز وعايش حياته، لأ ومخلف وآآ، وبس بيقولي أنا مش هاجيب عيال غير منك وبس، لييييه عايشني في كدبة زي دي.

وضعت فوزية كلتا يديها على رأس ابنتها، وحاولت إسنادها على صدرها، وظلت تمسح على وجنتيها في شفقة و..
-فوزية بصوت خافت وحزين: أهوو راح عند اللي خلقه، مالوش لازمة يا حبيبتي تعملي في نفسك كده، هو مايستهلش دمعة واحدة من عينيكي
-فرح بصوت هادر: أنا بكرهه، على أد ما حبيته بقيت بكرهه، وبكره كل الرجالة، كلهم زي بعض، كدابين، منافقين
-فوزية بنبرة راجية: شششش، اهدي يا فرح، شششش..

تعالت شهقات فرح عاليا وهي تبكي بمرارة على حالها، ظلت تلعن الظروف التي جعلتها تتعرف على كريم وتثق به ثقة عمياء فعاشت معه أكبر خدعة وأكذوبة حطمت حياتها...
لاحظت فوزية انهمار الدماء من راحتي كف ابنتها، فنظرت إليها في فزع، و...
-فوزية متسائلة بنبرة مزعورة، ونظرات مضطربة: بنتي، مال ايدك؟

لقد جرحت فرح يديها وهي تمسك ببقايا الكريستال والزجاج المتحطم، فإنتاب فوزية الفزع، فأمسكت بابنتها من معصميها، وساعدتها على النهوض ثم سارت بها خارج الغرفة محاولة تهديء روعها، وتضميد جراحها...
نامت فرح تلك الليلة في غرفة والدتها وهي متشبثة بأحضانها، ولم تتركها فوزية للحظة..

لقد عانت فرح الأمرين، فهي عانت من مرارة الخداع، ومرارة الفراق، وفوق كل هذا الإهانة وتوجيه اللوم والعتاب لها على ذنب لم تقترفه..

في إحدى الوحدات التدريبية التابعة للقوات المسلحة
حضر المقدم يزيد الدورة التدريبية الخاصة بتعليم أسس وقواعد التعامل مع القطع البحرية الجديدة – وتحديدا الفرقاطة الجديدة والتي ستنضم للأسطول البحري المصري خلال أيام قلائل – ودون بعض الملحوظات الهامة في مفكرة صغيرة خاصة به...

في تلك الأثناء، وصلت إشارة ما مكتوبة للقاعدة البحرية تفيد برغبة إحدى الجرائد الشهيرة في تغطية أخر أخبار القوات البحرية، وعمل تحقيق صحفي شامل يتضم إنجازاتها، وتطورها على مدار الأعوام، بالإضافة إلى المستجدات العامة الطارئة على ذلك القطاع، وذلك من أجل الاعداد لإحتفالات أعياد تحرير سيناء، وتم الرد بالموافقة ولكن وفق شروط محددة..

كما طلب مسئولي القاعدة البحرية أن يتم تحديد هوية الأشخاص الذي سيتولون تغطية تلك التحقيقات الصحفية حتى يتم التحري عنهم بدقة قبل استخراج تصاريح صعودهم على متن السفن التابعة للقوات البحرية، بالإضافة إلى أن مدة تلك التحقيقات الصحفية لن تتجاوز بأي حال من الأحوال عشرون يوما كحد أقصى...

في منزل فرح عبد الحميد
واظبت إيلين على زيارة رفيقتها على مدار الأيام التالية، وحاولت جاهدة أن تخرجها من تلك الحالة الكئيبة التي حبست نفسها فيها قهرا..
جفت الدموع من عيني فرح، ولكن لم يكف قلبها عن الآنين من مرارة الظلم والخداع..

أبلغت إيلين السيدة فوزية أنها تقدمت بطلب إجازة مرضية لفرح كي لا تتعرض لخسارة وظيفتها بسبب تجاوز فترة الغياب المسموح لها بها بدون أن تقدم أي أوراق مرضية، وأوضحت لها أن كلا من الأستاذ أمجد والأستاذ عبد السلام قد تقبلا بصدر رحب طلب الإجازة ظنا منهما انه في صالح فرح...

دلفت إيلين إلى غرفة رفيقتها لتجدها جالسة على الفراش، وهي ضامة ساقيها إلى صدرها، وتستند برأسها على ركبتيها، وتنظر إلى نقطة ما بالفراغ أمامها..
جلست إيلين إلى جوار فرح، وحاولت أن تتجاذب معها أطراف الحديث و...
-إيلين بنبرة حماسية زائفة: عارفة شريف عمل ايه في الأستاذ أمجد يا فرح، راح آآ...
نظرت فرح إلى إيلين بأعين فارغة ولم تستمع إلى كلمة مما تقول، بل أدمعت عينيها فجأة بالدموع و...

-فرح بنبرة متحشرجة: معنتش قادرة يا إيلي، أنا بموت كل يوم وأنا بفتكر أد ايه كنت عبيطة وصدقته..
تلاحقت أنفاس فرح، وبدأ صدرها يعلو ويهبط في توتر شديد و..
-فرح بنبرة مختنقة: أيوه أنا صدقته وح، وحبيته، حبيته وهو مكنش يستاهل حبي..!

أمسكت إيلين بيدي فرح وجذبتها برفق ناحيتها، ثم احتضنها وهي حزينة على حالتها..
ظلت فرح تجيش بما في صدرها من حزن مكتوم يخنقها كل لحظة عن الأخرى..
لم تقاطع إيلين فرح وهي تبوح بما يطبق على صدرها، فقط تركتها تخرج ولو قدر قليل مما يؤلمها حتى ترتاح..

وقفت فوزية على باب غرفة ابنتها، وراقبت من على بعد ما يحدث، ولم تقاطع حديث الرفيقتين، بل أدمعت عينيها حزنا على ابنتها، وتراجعت بخطوات بطيئة للخلف تاركة كلتاهما تحظيان بقدر من الخصوصية...

في منزل يزيد
عاد يزيد إلى منزله بعد أن انتهى من حضور الدورة التدريبية، وظل ماكثا لفترة في شرفة منزله وهو مستندا على مرفقيه يتابع حركة سير السيارات في الأسفل، ولفت نظره طفل صغير - لا يتجاوز عمره الخمس سنوات - يلعب بالكرة ويتجه صوب الطريق، فانتفض فزعا في مكانه، ثم صاح بقوة كي ينتبه الطفل ويبتعد عن الطريق، ولكن دون فائدة..

فركض بسرعة رهيبة لداخل الغرفة، ومن ثم توجه إلى باب منزله، وفتحه، وركض صوب الدرج، وقفز عليه قفزا لكي يتمكن من الوصول إلى الطفل قبل أن يحدث له أي مكروه..
وصل يزيد إلى مدخل البناية، وجاب ببصره المكان بحثا عن الطفل الصغير، فوجده بالفعل يقف على حافة الرصيف، ويركل الكرة بقدمه، فركض في اتجاهه بخطوات سريعة.

كان الطفل على وشك النزول عن الرصيف في الوقت الذي كانت تقترب سيارة نقل صغيرة منه..
أمسك يزيد بالطفل الصغير قبل أن تدهسه تلك السيارة أسفل عجلاتها، وأحتضنه بشدة، ورفعه عن الأرض بذراعه، وضمه إلى صدره الذي كان يلهث من تلاحق أنفاسه...
نظر يزيد إلى الطفل ذو الملامح البريئة وقبله من وجنته في حنية ابوية يفتقدها و...
-يزيد بنبرة متلهفة: انت كويس يا حبيبي؟
-الطفل ببراءة: اه يا أنكل أنا كويس.

-يزيد بنبرة معاتبة: طب انت مش عارف انه غلط تلعب بالكورة في الشارع.

أنزل يزيد الطفل ليقف على قدميه، في حين انحنى هو بجذعه الضخم للأسفل، وجثى على أحد ركبتيه، وظل محاوطا للطفل باحد ذراعيه و...
-الطفل وهو يشير بيده بصوت طفولي بريء: أنا كنت بسوط الكولة ( بشوط الكورة ) كده على اللصيف ( الرصيف )، وعاوز أمسكها قبل ما توقع في السالع ( الشارع ).

وصل أحد الأشخاص – وعلى وجهه غضب واضح - إلى حيث يقف يزيد والطفل، ثم أمسك بالطفل وظل ينهره بشدة لأنه خرج بدون إذنه، وكان على وشك صفع الطفل، فأمسك يزيد بمعصم الرجل، ونظر إليه شزرا، وكان على وشك لكمه في وجهه و..
-يزيد بحدة، وبنظرات نارية قاتلة: ده بدل ما تطمن على ابنك تقوم تضربه، انت اييييييه؟!

ابتلع الرجل ريقه في خوف، وارتعدت فرائصه حينما وجد نظرات يزيد المتوعدة له، وحاول أن يحرر ذراعه من قبضة يزيد المحكمة عليه، في حين تابع يزيد حديثه ب...
-يزيد بقسوة، ونظرات غاضبة: الضنا غالي، وابنك كان ممكن يروح منك في لحظة وانت مش دريان...!
-الرجل بنبرة خائفة: أنا، آآ، انا بس كنت عاوز أفهمه إنه غلطان
-يزيد بحدة: قبل ما تفهمه غلطه، اعرف غلطك الأول يا بني آدم، ولا انت عاوز تشيل غيرك ذنبك..!

-الرجل بتوجس: خلاص يا كابتن
-يزيد محذرا: احسنلك تاخد بالك من ابنك كويس، وإلا لو جراله حاجة ساعتها هتندم، وآآ...
صمت يزيد للحظة محاولا السيطرة على انفعاله و..
-يزيد متابعا بضيق: ماهو اللي بيروح مستحيل يرجع، وخصوصا لو كان من لحمك ودمك...!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة