قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية فراشة أعلى الفرقاطة للكاتبة منال سالم الفصل الرابع عشر

رواية فراشة أعلى الفرقاطة للكاتبة منال سالم الفصل الرابع عشر

رواية فراشة أعلى الفرقاطة للكاتبة منال سالم الفصل الرابع عشر

وافقت فرح بعد وعد صريح من المقدم يزيد برعايتها والحفاظ عليها طوال تلك المهمة الموكل بها بالانضمام إليهم وتغطية أهم الأحداث خلال المناورة الدائرة..
مد يزيد يده إلى فرح لكي يساعدها على النهوض، ثم طلب منها بكل هدوء أن تجلس على جانب الزورق وتتشبث به جيدا، فامتثلت فرح إلى طلبه، وجلست على الجانب، وظل تتابعه بعينيها الخائفتين..

آمر يزيد أحد المجندين الموجودين بالزورق بالجلوس إلى جوار فرح وعدم مفارقتها مهما حدث، فتولى المجند تلك المهمة البسيطة من وجهة نظره، وشديدة الأهمية من وجهة نظر يزيد..
ثم قاد يزيد الزورق، وبدأ في إعطاء إشارات التحرك لكي يتم تنبيه الجميع لاشتراك زورقه في مهمة التعامل مع أحد السفن المعادية وإعتراضها كما تم الاتفاق مسبقا..

تعامل الجميع مع الأزمة المصطنعة بحرفية ماهرة، وحاولت فرح قد الإمكان أن تلتقط بكاميرتها لقطات شاملة ومميزة للاشتباك..
حدقت فرح في تلك الأجواء المشتعلة بأعين منبهرة وممزوجة بالخوف، فهي لم تتخيل أن أفراد القوات البحرية يتميزون بالاحترافية وتلك الكفاءة العالية، فقد ظنت أنها مجرد أقاويل تردد دون اعتبار، ولكن كانت الحقيقة غير، حيث اثبت الجميع قدراتهم الغير عادية في التعامل مع الأزمات..

لاحقا وصل الزورق ومن عليه إلى إحدى السفن الحربية حيث سيتم الانتقال للخطوة التالية في المناورة وهي تدمير أهداف سطحية باستخدام الذخيرة الحية...
صعد أحد المجندين أولا على سطح السفينة، ثم قام بتثبيت الزورق، ومد يده ليعاون الباقيين في الصعود على متن السفينة التي كانت شبه خالية من المجندين أو ضباط البحرية، حيث كان المتواجد فقط هم قلة تعد على أصابع اليد..

لم يمسك يزيد بيد المجند فقد استطاع بخفة أن يصعد ولم يحتاج إلى أي مساعدة، ولكنه وقف على الجانب ومد يده في اتجاه فرح التي كانت على وشك الصعود هي الأخر على السفينة..
مدت فرح كف يدها المرتعش في اتجاه يزيد الذي قبض عليه، وجذبها بقوة حتى تمكنت من الصعود على السفينة، ثم وضع يده بصورة عفوية على كتفها، وسار بها في اتجاه الداخل..

شعرت فرح بالحرج لأن يزيد لم يزيح يده عن كتفها، وتوردت وجنتيها من الخجل، ثم أطرقت رأسها في توتر و...
-فرح بنبرة متلعثمة، ونظرات مرتبكة: آآ، ممكن، آآ، تشيل ايدك..!

ضيق يزيد عينيه، ونظر إلى فرح باستغراب، ثم أبعد يده عن كتفها، و..
-يزيد وهو يتنحنح: احم، آآ، أنا.

لم يكمل يزيد كلامه حيث انضم إليهما آدم و..
-آدم بنبرة حماسية، ونظرات مشرقة: عندي أخبار تحفة يا سيادة المقدم
-يزيد بنبرة جادة، ونظرات حائرة: اخبار ايه؟
-آدم بنفس النبرة الحماسية: بعد ما ننتهي من تدريبات النهاردة هناخد اجازة يوم وهنقضيها في شرم الشيخ.

اتسعت عيني فرح في ذهول، وارتسمت علامات التعجب على وجهها و...
-فرح فاغرة شفتيها، وبنظرات مصدومة: هه، ش، شرم
-آدم بنبرة متلهفة: أول مرة الصراحة القادة يدوا اجازة قبل ما المناورة تنتهي تماما
-يزيد متسائلا بنبرة جدية: طب ليه؟
-آدم وهو يمط فمه، وبنظرات غير مفهومة: مش عارف والله، بس على ما أظن ممكن يكون في حد جديد هينضم للمناورة، فهما منتظرينوه.

انتصب يزيد اكثر في وقفته، ثم رمق آدم بنظرات ثابتة و..
-يزيد بنبرة رسمية: احتمال، مافيش حاجة مستبعدة
-فرح متسائلة بنبرة حائرة: وهو احنا المفروض نعمل ايه بعد كده؟

التفت يزيد برأسه في اتجاه فرح، ثم نظر إليها بنظرات دافئة و..
-يزيد بنبرة هادئة: انتي هاتفضلي هنا شوية.

ضيقت فرح عينيها، ونظرت إلى يزيد بنظرات متوجسة و...
-فرح متسائلة بعدم فهم: يعني ايه؟ هو انتو رايحين في حتة تانية؟
-يزيد بنبرة شبه جادة: مش بالظبط، بس ورانا تكليفات لازم ننتهي منها حالا
-فرح متسائلة بحيرة: تكليفات ايه؟
-آدم بنبرة هادئة: بصي هو المفروض اننا آآ...
نظر يزيد إلى آدم بعد أن وضع يده على كتفه و...
-يزيد مقاطعا بحدة: آدم...!
-آدم بنظرات غير مستوعبة لما يحدث: هاه.

-يزيد بنبرة أقل حدة: مافيش داعي نضيع وقت، فرح هترتاح هنا، واحنا هنشوف ورانا ايه.

ثم استدار يزيد بجسده، وأشار بعينيه لأحد المجندين و...
-يزيد بلهجة آمرة، وبنبرة قوية: خد بالك من الأستاذة فرح، تفضل ملازمها لحد ما نرجع
-المجند بنبرة رسمية: حاضر.

وزعت فرح نظرها ما بين يزيد وآدم، ثم...
-فرح متسائلة باستغراب: أنا مش فاهمة حاجة.

رمق يزيد فرح بنظرة فاحصة قبل أن يستدير و...
-يزيد بجدية وهو يشير بيده: بعدين، يالا يا سيادة المقدم..
ثم انصرف الاثنين تاركين فرح بصحبة المجند، وسارا عائدين إلى الزورق، زمت فرح شفتيها في عدم استيعاب، ثم سارت بصحبة المجند إلى سطح السفينة..

جابت فرح ببصرها المكان، فلم تجد ما يثير اهتمامها، فاستفسرت من المجند عن ماهية تلك السفينة ووظيفتها، فأخبرها المجند أن تلك السفينة هي السفينة الخاصة بالمؤن والتي تزود السفن الأخرى بما تحتاج إليها، وبالتالي كانت الأقل تسليحا وتجهيزا..
أومأت فرح برأسها ايجابيا، ثم توجهت إلى الداخل ومن خلفها المجند..

صعد يزيد أولا على متن الزورق، ثم لحق به آدم الذي وقف إلى جواره و...
-آدم متسائلا باستغراب: هو انت مردتش تاخد فرح معانا ليه؟
-يزيد بجدية، ونظرات ثابتة: مافيش داعي اننا نرهقها أكتر من كده، وخصوصا إن الجزء اللي جاي خاص بالغواصات
-آدم وهو يعيد رأسه للخلف: أها
-يزيد بنبرة حاسمة: يالا بس ودينا على سفينة القادة
-آدم بإيجاز: علم وينفذ..

أدار آدم دفة القيادة، ثم سار بالزورق السريع ليخترق به المياه الزرقاء حتى يصل إلى السفينة المرجوة، بينما تشبث يزيد بالحافة وظل محدقا أمامه دون أن يرمش...

في مقر جريدة الضحى
ظلت إيلين تحاول الاتصال بفرح لأكثر من مرة، ولكن كان الرد كسابقه ( الهاتف غير متاح )، مما جعلها تزفر في انزعاج، وتلقي بهاتفها بعدم اكتراث على سطح المكتب و...
-إيلين بنبرة منزعجة وهي تسند وجنتها على راحة يدها: اوووف، هاتجنن عليكي، يا ترى بتعملي ايه الوقتي يا فرح؟

ثم نهضت فجأة إيلين عن مقعدها حينما وجدت الأستاذ عبد السلام يدلف إلى المكتب، وابتسمت له ابتسامة مصطنعة و...
-إيلين بنبرة متلعثمة، ونظرات مصدومة: ازي حضرتك، يا، يا مستر عبد السلام، آآ، المكتب نور.

وضع الأستاذ عبد السلام يده على نظارته الطبية الموضوعة على أنفه، ثم عدل من وضعيتها ورمق إيلين بنظرات ثاقبة قبل أن يردف ب...
-عبد السلام بنبرة جادة للغاية: أنا كويس، المهم قوليلي مافيش جديد عن فرح؟

مالت إيلين برأسها قليلا للجانب، ورمقت الأستاذ عبد السلام بنظرات متعجبة و...
-إيلين بنبرة استغراب: حضرتك بتسألني؟ ده أنا كنت متوقعة إن الأخبار كلها موجودة عندك يا مستر
-عبد السلام بنبرة جادة: لأ للأسف، أنا مش عارف أوصل لفرح خالص، الاتصالات زي ما تكون مقطوعة، فأنا توقعت انها تكون على اتصال بيكي، لكن واضح انك زيي مش عارفة حاجة عنها.

وضعت إيلين كلتا يديها على شفتيها، وجحظت عينيها اكثر و...
-إيلين بنبرة متوجسة: لأحسن يكون جرالها حاجة
-عبد السلام بنبرة هادئة نسبيا: لأ مش للدرجادي!

دارت إيلين حول مكتبها، ووقفت إلى جوار الأستاذ عبد السلام، ثم نظرت إليه بنظرات راجية و...
-إيلين بنبرة شبه مذعورة: بليز يا مستر عبد السلام، لو تقدر تعمل اي حاجة عشان نوصل لفرح وتطمنا وآآ...
-عبد السلام مقاطعا بجدية: اطمني، أنا هافضل وراها لحد ما أعرف أخبارها ايه بالظبط
-إيلين بنبرة راجية، ونظرات متوسلة: تسلم يا مستر عبد السلام، وأنا هحاول برضوه أتواصل مع والدتها، يمكن تكون تعرف عنها حاجة.

-عبد السلام محذرا وهو يشير بيده: بس خدي بالك وانتي بتتكلمي معاها، مش عاوزينها تقلق
-إيلين وهي تعض على شفتيها: طيب..
ثم تركها الأستاذ عبد السلام في حيرتها وقلقها، وانصرف خارج المكتب..
فركت إيلين أصابع يديها في توتر، وظلت تنظر أمامها لبرهة و..
-إيلين بنبرة شبه مضطربة: يا خوفي يا فرح تكوني وقعتي في مصيبة ومحدش عارف، ولا حاسس...!

على متن أحد السفن الحربية
وصل يزيد ومعه آدم إلى أحد السفن الحربية والمؤمنة تأمينا عاليا حيث يجتمع قادة التشكيلات المختلفة، سار كلاهما بخطوات سريعة في اتجاه صالة الاجتماعات الملحقة بكابينة القيادة، ثم دلفا الاثنين إلى الداخل وقاما بإلقاء التحية العسكرية، ثم بدأ الاجتماع الهام والعاجل..

كان الاجتماع الطاريء يناقش اعتراض إحدى السفن التابعة للقوات البحرية أثناء المناورة التدريبية لإشارة بث تنبعث من سفينة ما على فترات متقاربة وبوسائل بدائية كي لا تثير الشبهات حولها، وحينما تم ترجمة تلك الاشارة الغامضة اتضح قيام أحد المكلفين بالاشتراك في المناورة ببث معلومات سرية تفيد بتحديد الموقع الخاص بعملية المناورة من أجل تمكين أشخاص بعينهم من سهولة الاستيلاء على قطعة بحرية..

تفاجيء يزيد بتلك المعلومات الخطيرة، وحدق بعينيه في القادة، وظل صامتا، ولكنه تحمس كثيرا للقضاء على من يخون الوطن، ومن يشترك مع أعدائه من أجل تسريب معلومات في غاية الأهمية..
كانت المفاجأة الأكبر حينما أعلن أحد القادة على أن السفينة التي تبعث إشارات الالتقاء هي نفس السفينة المتواجدة عليها فرح ( سفينة المؤن )، وهنا انقبض قلب يزيد بشدة، وتبدلت ملامحه للخوف والضيق..

تسمر آدم هو الأخر في مكانه، والتفت برأسه قليلا في اتجاه يزيد ليلاحظ ملامح التوتر الجلية على كل قسمات وجهه..
ابتلع يزيد ريقه في صعوبة، وحاول قدر الامكان أن يفكر في حل سريع، ولكن ما ألجم لسانه عن النطق هو...
-أحد القادة بنبرة جادة وصارمة: استحالة نسمح للخونة دول بأنهم ياخدوا السفينة دي بسهولة
-قائد أخر بنبرة جدية: لازم نعرف الأول هما مين، وبعدين نتعامل معاهم.

-قائد ثالث بنبرة رسمية: أنا بقترح إننا نوهم الضابط الخائن بأننا معرفناش بنواياه الدنيئة، ونسيبه يكمل خطته لحد ما يتمسك هو والكلاب اللي بيعاونوه
-قائد رابع بنبرة صلبة: لازم يتنسفوا من على وجه الأرض، الخاين مالوش مكان، وماينفعش نتساهل معاه
-أحد القادة بنبرة ثابتة: أنا بؤيد الاقتراح الخاص بإننا نسيب الخاين يفتكر إنه قدر يخدعنا، وبعد كده يتمسك هو واللي معاه ويتحقق معاهم ويتعرف مين اللي وراهم.

-قائد ثالث بنبرة رسمية: شكرا يا فندم على ثقتك دي
-قائد رابع متسائلا بحزم: طب لو حصل اشتباك نتعامل فورا ونبيد الأعداء دول يا سيادة اللوا؟

في تلك اللحظة اتسعت عيني يزيد في رعب حقيقي، ثم...
-يزيد مقاطعا بنبرة فزعة وصارمة في نفس الوقت: لأ مش هايحصل..!

انتبه الجميع إلى صوت يزيد، واستداروا برؤوسهم ناحيته، في حين حدق به آدم و...
-أحد القادة بنبرة شبه غاضبة: انت بتقول ايه
-يزيد متابعا بنفس النبرة الفزعة: بقول مش هاينفع يا فندم اننا نشتبك معاهم
-أحد القادة بنبرة متهكمة: ليه يا سيادة المقدم، انت مش آآ...

-يزيد مقاطعا بنبرة جدية للغاية: يا فندم في صحفية تبع الطاقم بتاعي موجودة على السفينة دي، وأنا استحالة أسيب أي فرد تبعي من غير ما أعمل المستحيل عشان أجيبه!

تعالت بعض الهمهات الغير مفهومة، وبدأت الأحاديث الجانبية بين الجميع، في حين ظل يزيد يتابع الجميع بأعين مترقبة محاولا استنباط قرارهم..
لا يستطيع أحد أن ينكر علامات الفزع الممزوجة بالقلق والتوتر التي تعتري كل ذرة في كيان يزيد، فالأمر ليس بالهين على الإطلاق، التفت يزيد في اتجاه أحد القادة الرئيسين، وحبس أنفاسه حينما وجده قد انتهى تقريبا من اتخاذ القرار بعد المشاورات التي امتدت لعدة دقائق..

تابع آدم هو الأخر ردود الفعل المختلفة لتلك الأزمة المفاجئة، وظل عقله منشغلا بإيجاد طريقة ما لحلها، فهو يعلم أن مثل هذا النوع من المفاجأت يتم التعامل معه بإستراتيجيات وخطط تكتيكية محكمة، ورغم أن بعض القادة أعطوا الفرصة للجميع لإبداء مقترحاتهم، والأخذ بالماشورة إلا أن آدم لم ينبس بكلمة، بل كان يختلس النظرات إلى يزيد ليعرف ردة فعله، ثم يعاود التحديق في القادة...

كان الجدال جليا، ولكن في النهاية حسم الأمر صوت أحد القادة ب...
-أحد القادة بنبرة قوية وهو ينظر إلى يزيد: قدامك ساعة واحدة تسترجع الفرد الخاص بطاقمك قبل ما ننفذ الخطة بتاعتنا.

شعر يزيد بأن روحه قد ردت إليه من جديد، فحمد الله في نفسه أن القائد كان حكيما ولم يميل إلى الاقتراح الخاص بالاشتباك الفوري..
-يزيد بنبرة جادة للغاية: وإن شاء الله أقل من كده بكتير يا فندم.

أدى يزيد التحية العسكرية، وكذلك فعل آدم، ثم انطلق كلاهما بخطوات سريعة إلى خارج كابينة القيادة و...
-يزيد بنبرة متلهفة، ونظرات حادة: بسرعة جهزلنا لانش سريع نطلع عليه فورا
-آدم بنبرة جادة، ونظرات ثابتة: للأسف مافيش أي لانشات قريبة من هنا
-يزيد بحدة وتهكم: اومال هنروح نجيب فرح إزاي، طايرين مثلا؟

وهنا ارتسمت ابتسامة شبه عريضة على وجه آدم وهو ينظر إلى يزيد بنظرات متفائلة و...
-آدم مبتسما: انت قولت الحل خلاص يا سيادة المقدم..!

ضيق يزيد عينيه، وفهم ما الذي كان يرمي إليه آدم، فغير مسار طريقه، ثم انطلق في اتجاه سطح السفينة العلوي حيث تتواجد طائرات الهيليوكوبتر والتي يتم استخدامها في حالات الطواريء والانقاذ البحري..

في أحد المدارس التجريبية الخاصة
دلف الأستاذ بركات إلى داخل غرفة معلمي مادة العلوم، فتنبه الجميع لوجوده، ثم نهضوا عن أماكنهم وتوجهوا إليه لتعزيته..
كانت تلك هي المرة الأولى التي يزور فيها الأستاذ بركات معلمي تلك المدرسة بعد حادث وفاة ابنه الأكبر كريم، حيث اعتزل الأستاذ بركات الناس لفترة، ثم بعد محاولات جاهدة من ابنته كاميليا لإقناعه بالعدول عن تلك الفكرة قرر الأستاذ بركات أن يعود لعمله مجددا..

اقتربت شيماء من الأستاذ بركات الذي جلس على المقعد الخشبي المجاور لباب الغرفة، ثم مدت يدها لتعدل من حجابها المنسدل على كتفها، و...
-شيماء بنبرة حزينة: البقاء لله يا أستاذ بركات، احنا جينا العزا والله بس حضرتك كنت ملبوخ وكده
-بركات بنبرة منكسرة: تسلمي يا بنتي، كله مقدر ومكتوب
-منى بنبرة خافتة: الله يرحمه كان طيب زي حضرتك.

-شيماء بنفس النبرة الحزينة: هو موجود عند ربنا، ودي أمانته واستردها، المهم حضرتك تشد حيلك
-بركات بنبرة آسفة، ونظرات منخفضة: الشدة على الله
-مريم بنبرة شبه متلهفة: المهم انك نورتنا يا أستاذ بركات، والله مافي حد زيك أبدا
-بركات بنبرة هادئة: كتر خيرك يا بنتي
-منى بنبرة هادئة: الصراحة مافيش موجه جالنا بعدك، كنا مفتقدينك يا أستاذ بركات.

ابتسم لها الأستاذ بركات ابتسامة مصطنعة، في حين جحظت مريم بعينيها و...
-مريم متسائلة بنبرة فضولية: أومال اخبار مرات المرحوم ايه؟ أصل احنا شوفنا الحاجة وهي بتتخانق معاها وآآ...
لكزت شيماء مريم في كتفها لكي تكف عن هذا الحديث الفارغ، فنظرت مريم إلى شيماء بنظرات حانقة و..
-مريم بخفوت: ايه!
-شيماء بنظرات ساخطة، ونبرة خافتة: بلاش الكلام ده.

-مريم بإمتعاض: الله، مش عاوزة أطمن على البنت اللي كانت مموتة نفسها عليه.

رمق الأستاذ بركات مريم بنظرات شبه منزعجة، ثم...
-بركات بنبرة جادة: أظن الكلام ده مالوش علاقة بالشغل، يا ريت تجيبلي الدفاتر يا ميس مريم خليني أشوفها.

شعرت مريم بالحرج، ورمقت الأستاذ بركات بنظرات خجلة، و..
-مريم وهي تتنحنح: احم، آآ، طيب.

مطت شيماء شفتيها في ضيق، وظلت ترمق مريم بنظرات حانقة..

توقف يزيد أمام أفراد طاقم الهيليوكوبتر وبدأ يشرح لهم على عجالة الخطة المقترحة من أجل إنتشال الصحفية التابعة له من على سفينة المؤن، فأوميء الجميع موافقين على الخطة، ثم قام يزيد بتقسيمهم إلى مجموعتين، وأمرهم جميعا بالتسلح والاستعداد للمواجهة الشرسة، في حين قرر آدم أن يبذل قصاري وسعه في الحصول على زورق سريع لكي يكون بديلا في حالة حدوث أي طاريء..

صعد قائدي الطائرة الهليوكوبتر على مقعدي القيادة، وبدأ كلاهما في تشغيل المحركات، في حين ركب يزيد في الخلف، وأمسك بأحد البنادق الآلية في يده، بينما جلس إلى جواره ثلاثة أفراد من القوات البحرية، وكانوا هم الأخرين مسلحين تسليحا كاملا..
انطلق آدم هو الأخر مبتعدا عن السطح لكي ينفذ الجزء الأخر من الخطة..

بدأت الطائرات في التحليق في السماء الزرقاء، ويزيد ينظر أمامه بنظرات قاتلة وهو قابض على سلاحه بقبضة تكاد تعصره..

كانت فرح جالسة في القمرة الخاصة بالقيادة وتتابع ما يجري في الداخل، في البداية لم تكن على دراية بما يحدث من حولها، ولكنها تنبهت لوجود أمر مريب حيث لاحظت قيام أحد الأفراد باستخدام هاتف من النوع ( الثريا ) في الحديث بكلمات مقتضبة وغامضة عن شحنة ما اقترب موعد تسليمها..

تذكرت فرح أن يزيد قد غضب غضبا عارما حينما رأها تمسك بالهاتف المحمول في يدها، وأخبرها أن هذا الأمر ممنوع منعا باتا خلال التدريبات، ثم ألقى بهاتفها المحمول في مياه البحر، فكيف إذن مسموح لمثل هذا الضابط باستخدام هذا النوع من الهواتف، والمتصل بالأقمار الصناعية، في عرض البحر وخلال تكليف هام مثل تلك المناورة..
لذا توجهت فرح إلى هذا الضابط الذي كان يوليها ظهره، ثم وقفت خلفه و...

-فرح بنبرة متحشرجة، ونظرات مترقبة: لو سمحت.

استدار الضابط بجسده، وارتبك فجأة حينما رأى فرح محدقة به وبالهاتف ( الثريا ) الذي بيده، فإكفهرت ملامح وجهه و...
-الضابط بحدة: عاوزة ايه؟
-فرح بنبرة متسائلة وهي تشير بعينيها: هو حضرتك مش عارف ان استخدام الموبايل ممنوع هنا؟

رمق الضابط فرح بنظرات حانقة، ثم مال برأسه ناحيتها و..
-الضابط بنبرة غاضبة، ونظرات شرسة ومتوعدة: وانتي مالك؟ روحي اترزعي في اي بلوى بدل ما أحبسك.

ابتلعت فرح ريقها في توجس، ورغم الخوف الذي قد بدأ يتسرب إلى أوصالها إلا أنها حاولت أن تستجمع شجاعتها و...
-فرح بنبرة متحدية: لأ مش هاتقدر لأني باتكلم صح، وهابلغ عنك إنك خالفت التعليمات، ماهو مش بعيد تكون ناوي تعمل جريمة، وأنا مش هاسكت عن ده أبدا.

كور الضابط قبضة يده في ضيق وهو يجز على أسنانه، ثم رفع ذراعه عاليا، وباغت فرح بلكمة قوية سددها في وجهها، فجعلتها ترتد للخلف وتسقط على ظهرها، ثم تحرك هو بخطوات سريعة في اتجاهها، و..
-الضابط بنبرة هادرة: مش هاتلحقي..
تأوهت فرح كثيرا من الآلم، ووضعت كلتا يديها على عينيها، ولكنها رفعتهما فجأة حينما تفاجئت بالضابط يمسك بها من كلتا قدميها ويجرها جرا على الأرض..

ظلت فرح تركل بقدميها محاولها تحريرهما ولكنها لم تستطع فقد كان الضابط سريعا للغاية، وصرخت عاليا لأكثر من مرة كي ينجدها أي أحد، ولكن دون جدوى، وما إن وصل الضابط إلى قمرة جانبية حتى أرخى يديه عن قدميها، ثم انحنى بجذعه قليلا للأسفل ليمسك بها من شعرها، فوضعت فرح كلتا يديها على رأسها محاولة تخليص فروة رأسها من براثن أصابعه، ثم سحبها الضابط وهي تصرخ ليلقي بها في الداخل، ومن ثم أحكم غلق باب القمرة عليها بمفتاح خارجي، وألقى به بعدم اكتراث خارج الكابينة...

ورغم الآلم الشديد إلا أن فرح نهضت عن الأرض، واندفعت ناحية باب القمرة المعدني، وظلت تطرق بكلتا يديها عليه بقوة وهي تصرخ ب...
-فرح بنبرة هادرة، ونظرات باكية: الحقوووني، أنا محبوسة هنا، ساعدوني، في حد سامعني، أنا هنا..
ابتسم الضابط في غرور زائد، ثم أمسك بهاتفه ( الثريا ) و...
-الضابط بنبرة واثقة: كله تمام، واحنا على ميعادنا.

أنهى الضابط المكالمة، ثم وضع مقدمته على طرف ذقنه، وظل يضرب بخفة عليها وهو يفكر في أمر ما، ثم التفت برأسه للخلف ليرمق الباب المعدني بنظرات أخيرة قبل أن ينطلق سريعا للخارج.

وكأن المكان قد أصبح خاويا فجأة من الجميع، فلم ينتبه أي أحد إلى استغاثات فرح العالية، ولا إلى صراخها الهادر أو بالأحرى لم يعرها أي أحد الانتباه، حيث عمد الجميع إلى تجهيز السفينة سريعا للانطلاق مجددا في عرض البحر بعد برهة بناءا على أوامر مسبقة من الضابط...

حلقت الطائرتين الهليوكوبتر فوق سفينة المؤن، ثم بدأ يزيد ومن معه في الاستعداد للنزول عبر الحبال على سطحها..
راقب يزيد السطح جيدا، ولم يجد أي أحد عليه، ولمح من على بعد فقط وجود مجند ما مشغول بترتيب بعض الأشياء، فالتفت يزيد برأسه للخلف مخاطبا من معه ب...
-يزيد بنبرة آمرة: هنتحرك فورا، هدفنا الصحفية وبس، ووقت ما بقت معانا الكل ينسحب، معاكو 15 دقيقة كحد أقصى للتنفيذ والانسحاب.

أعطى يزيد إشارة الانطلاق للجميع، فبدأ الواحد تلو الأخر في النزول عبر الحبال إلى المياه، ثم سبحوا في اتجاه السفينة، وبدأوا في الصعود على سطحها..
اشتبك أحد المجندين مع أحد أفراد طاقم الطائرة الهليوكوبتر، والذي تعامل معه بمهارة، فأرداه على الأرضية المعدنية فاقدا للوعي، ثم انطلق في اتجاه كابينة القيادة..
صعد يزيد على سطح السفينة، وجاب بنظرات فاحصة المكان بحثا عن فرح..

ما أثار ريبة يزيد أن السفينة كانت شبه خالية من المجندين، فتوجس خيفة أن يكون شيئا ما قد حل بالجميع وخاصة فرح، فانطلق مسرعا ومن خلفه أفراد الطاقم في اتجاه كابينة القيادة..

دلف يزيد إلى داخل الكابينة، وأشار بإصبعيه لأحد الأفراد بإشهار سلاحه، ثم التوجه صوب اليمين، وأشار لفرد الأخر بالتوجه ناحية اليسار، ثم قام هو ومن تبقى بتمشيط المكان من الداخل..
سمع يزيد صوت صراخ يأتي من مكان ما، فانتفض قلبه خوفا، وظل يجوب ببصره الكابينة محاولا تحديد مصدر الصوت، ولكنه تفاجيء بمن يهجم عليه بشراسة من الخلف محاولا إعاقته ثم جذب سلاحه منه، وألقاه بعيدا، فحاول يزيد تخليص نفسه منه..

وفجأة ظهر بعض المجندين وبدأوا هم الأخرين في الاشتباك مع أفراد الطاقم المصاحبين ليزيد.

نجح يزيد في تخليص نفسه من براثن ذلك الضابط، ثم استدار بجسده في اتجاهه، وانقض عليه كالوحش الكاسر وبدأ يكيل له باللكمات والركلات..
لم يكف الضابط هو الأخر عن محاولة صد تلك الضربات المتلاحقة عليه، وتسديد لكمات أخرى قوية ليزيد، وفي النهاية تمكن يزيد من إيقاع الضابط على الأرضية المعدنية، وإفقاده للوعي، ثم ركض في اتجاه مصدر الصوت بعد أن انحنى بجسده للأسفل ليلتقط سلاحه بيده..

توقف الصراخ فجأة، فتسمر يزيد في مكانه، وخفق قلبه بشدة، فوجد نفسه يصرخ عفويا ب...
-يزيد بنبرة صادحة: فرح...!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة