قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية فراشة أعلى الفرقاطة للكاتبة منال سالم الفصل الخامس عشر

رواية فراشة أعلى الفرقاطة للكاتبة منال سالم الفصل الخامس عشر

رواية فراشة أعلى الفرقاطة للكاتبة منال سالم الفصل الخامس عشر

تنبهت فرح إلى صوت يزيد الصادح بإسمها بعد أن يئست من كثرة الصراخ، وبح صوتها من كثرة العويل، فعاودت الكرة من جديد، وظلت تطرق بيديها على الباب المعدني و...
-فرح بصوت متحشرج: انا هنا، ساعدوووني..
استدار يزيد برأسه في اتجاه مصدر الصوت، ثم ركض بخطوات قافزة ناحية باب معدني جانبي كان الطرق ينبعث من خلفه، ثم وقف قبالته، وأسند كلتا يديه عليه، و..
-يزيد بنبرة متلهفة، ونظرات زائغة: فرح، سمعاني.

استندت فرح برأسها على الباب المعدني و...
-فرح بنبرة حماسية: أيوه سمعاك.

اعتدل يزيد في وقفته، ثم جاب ببصره الباب باحثا عن مقبضه، فوجده، ووجد من خلفه مكانا لمفتاح ما، فأيقن أن الباب موصد و..
-يزيد بنبرة قوية: فرح ارجعي لورا عشان أنا هافتح الباب بالسلاح.

إنتاب فرح الرعب، وطوت قبضتي يدها معا، وأسندتهما على صدرها في خوف، ولكنها رغم هذا امتثلت لأوامر يزيد، وتراجعت عدة خطوات للخلف، وظلت محدقة بالباب...
صوب يزيد سلاحه في اتجاه القفل الخاص بالباب المعدني، ثم صاح هادرا ب...
-يزيد بنبرة قوية، ونظرات ثابتة: فرح، أنا هاضرب نار بعد 3، سمعاني؟
-فرح بنبرة مرتعدة، ونظرات خائفة: طيب
-يزيد بصوت صادح: واحد، اتنين، تلاتة!

ثم ضغط يزيد على الزناد، ونجح في فتح القفل الخاص بالباب المعدني، ثم اندفع بثقل جسده على الباب ليفتحه مرة واحدة..
بالفعل وجد يزيد فرح المذعورة في الداخل، فركض سريعا ناحيتها ثم مد كلتا يديه ناحية رأسها، وأمسك بها بين راحتي يده، ونظر مباشرة في عينيها و...
-يزيد بنبرة متلهفة، ونظرات مشتاقة: فرح انتي كويسة، قوليلي؟

هزت فرح رأسها ايجابيا، فلمح يزيد كدمة سوداء تحيط بعينها اليسرى، فضيق عينيه في غضب و...
-يزيد بنبرة منزعجة، ونظرات حانقة: مين عمل كده؟
-فرح بنظرات خائفة، ونبرة متلعثمة: و، آآ، واحد كان، كان هنا، بس أنا كويسة.

جز يزيد على أسنانه من الغضب، وحاول قدر الإمكان أن يتحكم في أعصابه، ثم أرخى يديه عن وجه فرح وأمسك بها من كف يدها، و...
-يزيد بنبرة متوعدة: قسما بالله مش هاسيبه لو شوفته..
ثم سحب يزيد فرح من كف يدها، وسار بها بخطوات حذرة إلى خارج كابينة القيادة، ثم توجه معها إلى السطح.

كان أفراد الطاقم المصاحب له قد انتهوا هم أيضا من التعامل مع المجندين، وقيدوا حركتهم تماما بالأربطة البلاستيكية، وقاموا بتمشيط المكان بالكامل، ثم اتجهوا خلف يزيد والصحفية التي معه..

تفاجيء يزيد وهو ينظر من سطح السفينة للمياه الزرقاء بوجود زوارق بحرية سريعة تحمل أعلاما غريبة تتجه صوب السفينة، فدقق النظر جيدا فيهم وهو يفكر في أمر ما، ثم استدار برأسه لينظر إلى فرح بنظرات جادة، ومن ثم عاود النظر أمامه و...
-يزيد بنبرة شبه جادة: في حاجة مش مظبوطة..!

كانت فرح ترتجف في أوصالها، وتنظر حولها بنظرات زائغة
-فرح بعدم فهم، ونظرات مرتعدة: في ايه؟
-يزيد بجدية، وبنظرات ثاقبة: مش عارف، بس في حاجة غلط.

وقف أحد أفراد الطاقم المصاحب له خلف يزيد و...
-الضابط بنبرة رسمية: سيادة المقدم، احنا مشطنا السفينة ومافيش فيها حد، الكل تحت السيطرة.

التفت يزيد برأسه قليلا للخلف، وأشار له برأسه و...
-يزيد بنبرة جادة: ماشي، يبقى فورا نبدأ خطة الانسحاب.

أومىء الضابط برأسه، ثم انطلق راكضا للخلف لينفذ الأوامر، في حين ظل يزيد ممسكا بكف يد فرح وقابضا عليه.

وبعد ثوان قليلة كان باقي أفراد الطاقم قد تجمعوا على سطح السفينة وتم البدء في خطة الانسحاب على الفور، حيث تحدث احد الأفراد عبر جهاز لاسلكي هوائي مثبت خلف أذنه ليعطي الإشارة لقائد الطائرة الهليوكوبتر بالقدوم..
كانت المشكلة الحقيقية أمام يزيد وباقي أفراد طاقمه هي باقتراب تلك الزوارق من سفينة المؤن..
أشار يزيد بيده لأفراد الطاقم بالتوجه لمؤخرة السفينة من أجل تنفيذ مخطط الانسحاب..

شعرت فرح بالقشعريرة تسري في بدنها، فشعر يزيد بخوفها، فقبض اكثر على كف يدها، ثم نظر إليها بنظرات مطمئنة و..
-يزيد بنبرة خافتة وجادة: متخافيش، أنا جمبك ومش هاسيبك.

هزت فرح رأسها في ايجاب، ورمشت بعينيها في قلق، ولكنها نوعا ما شعرت بالارتياح..
انطلق الجميع بعد هذا إلى مؤخرة السفينة، ثم أمرهم يزيد بترك السفينة فورا، فأمتثل الجميع لأوامره، وبدأ واحدا تلو الأخر من أفراد الطاقم في القفز في المياه بخفية شديدة..

كان الرعب الحقيقي لفرح هو أن تلقي بنفسها – وبإرادتها – في المياه التي تخشاها، لم تتخيل فرح نفسها تفعل هذا للمرة الثانية على التوالي في نفس اليوم..
حدقت فرح في المياه بنظرات مذعورة، وتسمرت في مكانها، فالتفت يزيد إليها بجسده كليا، ورمقها بنظرات حانية و..
-يزيد بخفوت وجدية: فرح عاوزك تركزي معايا، متخليش خوفك يسيطر عليكي.

هزت فرح رأسها في فزع، وظلت تنظر أمامها بنظرات خائفة، في حين تابع يزيد حديثه ب...
-يزيد بجدية، ونظرات ثابتة: ده وهم يا فرح، مافيش حاجة هتحصلك، وأنا وعدتك اني هاكون معاكي لأخر لحظة، لازم تنطي يا فرح عشان تعيشي، وآآ...
شردت فرح في أمواج البحر، ولم تصغي إلى كلمة مما يقولها يزيد، بل شعرت أن نوبة الرهاب قد بدأت تتسلل إليها..
لاحظ يزيد بداية ظهور الأعراض على فرح، فصرخ فيها عاليا ب...

-يزيد بنبرة هادرة: فرح، بصيلي.

مد يزيد يده وأمسك بطرف ذقن فرح، ثم أدار رأسها في اتجاهه، وحدق بها بشدة و...
-يزيد بنبرة صارمة: فرح انتي هاتنطي معايا، وأنا مش هاسيبك، عاوزك تثقي فيا، ماشي؟

أعاد يزيد تكرار عبارته لأكثر من مرة على مسامع فرح التي تنبهت أخيرا له، ثم أومأت برأسها في خوف و...
-فرح بصوت ضعيف، ونظرات راجية: أوعى تسيبني.

ابتسم يزيد في رضا، ثم..
-يزيد بصوت دافيء، ونظرات حانية: مش هايحصل إني أسيبك لحظة..
وبالفعل قفز يزيد أولا في المياه ليغطس بجسده للأسفل، ثم بعد لحظة برزت رأسه أعلى المياه، وسبح بجسده للخلف قليلا ليفسح المجال لفرح لكي تقفز...

ثم رفع يزيد كلا ذراعيه عاليا في الهواء ليشير إلى فرح التي كانت ترتعد كليا لكي تقفز، لوهلة ظن أنها لن تثق به، ولن تقفز أبدا، ولكنه تفاجيء بها تغمض عينيها، وتضغط عليهما بشدة، ثم اندفعت بجسدها للأمام لتقفز في المياه وتغطس فيها...

اندفع يزيد هو الأخر خلفها محاولا الامساك بها من ذراعها، ثم بالفعل استطاع أن يمسكها من معصمها، ومن ثم جذبها إلى السطح، شهقت فرح لعدة مرات محاولة إخراج المياه التي تدفقت إلى رئتيها، كما ظلت ترفس بكلتا يديها في المياه بطريقة هيسترية، فحاول يزيد تهدئة حركتها، و...
-يزيد بصوت مختنق من المياه: اهدي يا فرح، أنا ماسكك، مافيش حاجة..
سعلت فرح كثيرا محاولة التخلص من المياه، ثم بدأ يخرج صوتها متحشرجا و..

-فرح بنبرة مرتعدة: أنا بغرق، ه، آآ، هاموت، الحقوني.

حاول يزيد قدر الإمكان تثبيت فرح وتهدئتها حتى لا تدخل في نوبة تشنج، بالإضافة إلى أن حركتها الزائدة قد تتسبب في غرق كلاهما و...
-يزيد بنبرة جادة: والله العظيم أنا ماسكك، متخافيش، بطلي بس انتي تحركي ايدك لأحسن هنغرق احنا الاتنين.

هدأت حركة فرح تدريجيا، وحاول يزيد أن يشرح لها بكل بساطة كيفية التمسك به، وعدم إلقاء ثقل وزنها بالكامل عليه، وشدد عليها ألا تلف ذراعيها بشدة حول عنقه فتتسبب في خنقه عمدا، ومن ثم غرق كلاهما أثناء قيامه بسحبها خلفه وهو يسبح..

سبح يزيد بمهارة مبتعدا عن السفينة و فرح ممسكة به، وتسبح من خلفه، وبعد لحظات قليلة انتبه يزيد إلى صوت زورق ما يقترب منهما، فتوقف عن الحركة، واستدار برأسه للجانب ليرى هذا الزورق عن كثب..
ظل يزيد يرمش بعينيه عدة مرات محاولا التخلص من المياه المالحة العالقة برموشه، في حين تشبثت فرح أكثر به و...
-فرح بنبرة خافتة ومرتعدة: انت وقفت ليه؟
-يزيد مازحا: بريح شوية لأحسن دراعي خدل.

توقف الزورق على مسافة قريبة منهما، فحدق يزيد فيمن عليه، فوجده آدم وبصحبته أحد المجندين والذي كان ممسكا بدفة القيادة، فابتسم في ارتياح، ثم سبح في اتجاهه ومعه فرح..
حرك يزيد فرح بذراعيه في المياه لكي تقف أمامه، في حين مد آدم يده بعد أن انحنى بجذعه قليلا للخلف لكي يمسك بها..

مدت فرح هي الأخرى ذراعها لكي تمسك بقبضة يد آدم الممدودة لها، في حين وضع يزيد كلتا يديه على خصر فرح لكي يعاون آدم في رفعها على الزورق، فسرت قشعريرة أكثر في جسد فرح، وتوردت وجنتيها بحمرة الخجل، وارتبكت بشدة، فحاول يزيد أن يخفف من حدة التوتر و..
-يزيد بنبرة شبه خافتة: غصب عني، ماهو الهدوم شاربة مياه كتير وآدم مش هيعرف يشد لوحده.

ابتسمت فرح في احراج، ثم استندت بيدها الأخرى على حافة الزورق، وتعاون كلا من يزيد وآدم في رفعها، وبالفعل تمكنت من الصعود على متن الزورق، وجلست القرفصاء على الجانب..
صعد يزيد هو الأخر على سطح الزورق، ثم جلس إلى جوار فرح، ومال برأسه عليها وهو يبتسم لها في عذوبة و...
-يزيد بنبرة خافتة: أظنك صدقتي الوقتي إني عند وعدي.

أطرقت فرح رأسها في خجل، وأجفلت عينيها في حياء، في حين ظل هو محدقا بها، ثم أعطى آدم لكلا من يزيد وفرح بطانية ثقيلة لكي يلف كلاهما بها جسدهما المبتل بالمياه، ثم أشار إلى المجند لكي يدير الدفة وينطلق بالزورق في اتجاه الفرقاطة..

بعد عدة دقائق، وصل الزورق إلى الفرقاطة، فصعد يزيد أولا عليها بعد أن أزاح البطانية من عليه، وعاونه مجند ما في تأمين طريق صعوده...
لم تزيح فرح البطانية عن جسدها المرتعش، بل كانت نوعا ما تختبيء خلفها حتى لا يلاحظ أي أحد ارتباكها أو حتى توترها..

، استدار يزيد بجسده ناحية فرح، ورمقها بنظرات غريبة، ثم مد يده في اتجاه فرح التي لم تتردد هذه المرة في الإمساك بكف يده، ومن ثم جذبها بقوة في اتجاهه لترتطم دون قصد منها بصدره..
لم ينس يزيد أن يستغل الفرصة في..
-يزيد هامسا بنبرة عميقة: حمدلله على سلامتك يا فراشتي، نورتي الفرقاطة.

رفعت فرح عينيها لتنظر إلى عيني يزيد مباشرة، وحدقت فيهما لثوان دون أن ترمش، في حين بادلها هو نظرات دافئة ممزوجة بالحنية..
فهي لم تعتد على تلك النظرات منه، ولكنها لأول مرة شعرت بالاطمئنان معه، شعرت بعدم الخوف رغم قربها الشديد منه..
لم يتوقف يزيد عن التحديق في فرح وعن قراءة ما بين عينيها، هي حقا ليست كغيرها، بها شيء يأسره، هالة ما تحاوطها، فتجعله منجذبا دائما إليها..

وقف آدم على حافة الزورق يتابع ما يحدث وعلى وجهه ابتسامة عريضة ثم...
-آدم بنبرة مازحا: وأنا هافضل تحت كده كتير، مافيش اتفضل يا آدم، منور يا أبو سلمى، أي حاجة كده.

أطرقت فرح رأسها مجددا، وسارت بخطوات مرتبكة للأمام، في حين تنحى يزيد جانبا، ثم مد أحد المجندين يده ليعاون المقدم آدم في الصعود على متن الفرقاطة.

شكر يزيد آدم على معاونته إياه في انقاذ فرح، وكذلك فعل مع بقية أفراد الطاقم الذي لم يتأخر في اتمام تلك المهمة العاجلة، ولكن تفاجيء يزيد بوجود معظم القادة على سطح الفرقاطة وهم يصفقون ليزيد ومن معه بحرارة..
لم يستوعب يزيد الأمر في البداية، في حين حدقت فرح في الجميع بنظرات استغراب، بينما وقف آدم شامخا يرمقهما بنظرات إعجاب.

تقدم أحد القادة العسكريين من يزيد الذي انتبه في وقفته أمامه، وقام بتحيته بالتحية العسكرية، و...
-القائد بنبرة رسمية: استرح.

استرخى يزيد في وقفته، ورمق القائد بنظرات حائرة ومتسائلة، فابتسم له القائد وهو ينظر إليه بإعجاب و...
-القائد متابعا بنبرة جادة: اللي حصل ده كله كان جزء من المناورة التدريبية.

ضيق يزيد عينيه، والتفت إلى جانبه لينظر إلى فرح في عدم فهم، ثم عاود التحديق مجددا في القائد و...
-يزيد بنبرة شبه جادة، ونظرات حائرة: أنا مش فاهم حاجة، ممكن حضرتك توضحلي.

انتصب القائد في وقفته، ثم لف كلا ذراعيه خلف ظهره، وعقد كفي يديه معا، ثم نظر إلى يزيد بنظرات ثابتة و...
-القائد بنبرة رسمية وهو يشير بعينيه: المقدم آدم كان بلغنا بإن الصحفية المنتدبة في وحدتك عندها فوبيا من المياه، وإنها تسببت في تعطيل مهمتك بسبب مرضها النفسي ده، وإنك في البداية اتعاملت مع الموضوع بعدم اهتمام...

شعر يزيد بالضيق لأنه بالفعل قد أخطيء فيما يخص فرح، ونظر من زاوية عينيه إلى آدم، في حين أردف القائد ب...

-القائد مكملا بنبرته الجادة: وبالتالي اتعرضت للخطر وكان ممكن تتجازى فيها، فهو وضحلنا إن ده كان غير مقصود منك ومكنش عندك علم بمرضها ده، واقترح علينا نستغل الموقف بدون ما تعرف، ونستفيد من اللي حصل في التدريبات الخاصة بتحرير الرهائن، وانقاذ السفن من القرصنة، وانت أثبت إنك على قدر المسئولية، وتستحق فعلا التقدير.

صفق الجميع مرة أخرى ليزيد مبدين إعجابهم به، في حين وقفت فرح هي الأخرى في حالة عدم تصديق، فهي لم تتخيل أن تكون جزءا أساسيا من تدريب هام كهذا...
انتهى القائد من الثناء على المقدم يزيد ومدحه، ثم أشاد باستراتيجيته الفعالة في التعامل مع الأزمات، فارتسمت علامات الفخر على وجهه، ثم اقترب منه القادة الأخرون وبعض الضباط وصافحوه، وبدأوا في التحدث معه بأحاديث جانبية..

تابعت فرح يزيد بعينيها، ثم انسجبت في هدوء إلى الداخل حيث توجد قمرتها..
وقف آدم هو الأخر إلى جوار رفيقه، وظل يشيد به وبمهاراته، في حين رمقه يزيد بنظرات متوعدة، فهو بكل حرفية قد استطاع خداعه، ولكنه لن يحاسبه على فعلته تلك أمام الغرباء..

في منزل فرح فرغلي
تمددت السيدة فوزية على فراشها، ورفضت أن تكمل تناول الطعام الذي قامت بطهيه باكر، وأثرت أن تقضي باقي نهارها في متابعة ألبومات الصور الخاصة بإبنتها لعل بالها المنشغل عليها يستريح..
ترقرقت العبرات في عينيها وهي تتابع كيف كبرت إبنتها، وكيف أصبحت ما هي عليه الآن..

مسحت فوزية عبراتها بمنشفتها الورقية، ثم تنهدت في ضيق جلي، فقد انقطع الاتصال بفرح فجأة، وهي لم تعاود الاتصال بها أو مهاتفتها حتى لاحقا، فتوجست خيفة أن يكون قد أصابها مكروه، فنهضت عن فراشها، وقررت أن تهاتف رفيقتها إيلين لعلها تعرف خبر ما عنها...
بحثت فوزية عن هاتفها المحمول و...
-فوزية بنبرة منزعجة، ونظرات متفحصة: يا ربي، أنا حاطيته فين! لا حول ولا قوة إلا بالله..

ظلت السيدة فوزية تبحث عن هاتفها في أرجاء المنزا إلى أن وجدته مستندا على طاولة جانبية، وموصولا بالشاحن، فمدت يدها وأمسكت به، ثم ضغطت على عدة أزرار، وانتظرت أن تجيبها إيلين...
بعد عدة محاولات من الاتصال، أجابت إيلين و..
-إيلين هاتفيا بنبرة متلهفة: طنط فوزية، ازي حضرتك
-فوزية هاتفيا بنبرة حانية: أنا كويسة يا بنتي، المهم انتي عاملة ايه؟ وازي بنوتك مارسيل؟

-إيلين بنبرة هادئة: تمام يا طنط، طمنيني على حضرتك؟ بتاكلي كويس؟ كله تمام عندك.

صمتت فوزية لثوان، ثم تنهدت في حرارة، و..
-فوزية بنبرة شبه حزينة: يا ريتها كانت جت على أد الأكل والشرب، دي مقدور عليها، لكن انتي عارفة، فرح قطعت بيا، وبالعافية لما بسمع صوتها..
عضت إيلين على شفتيها، ثم رفعت يدها، ووضعتها على مقدمة رأسها لتعبث بخصلة شعرها و...
-إيلين بنبرة هادئة نسيبا: معلش يا طنط، انتي عارفة النظام العسكري، كل حاجة عندهم بمواعيد، ومنظمين أوي، ومافيش حاجة عندهم زي ما احنا متعودين.

-فوزية بتنهيدة حزينة: أيوه أنا عارفة، بس دي بنتي الوحيدة، وانا عاوزة أطمن عليها
-إيلين بنبرة متفائلة: هتطمني قريب يا طنط عليها متقلقيش، أه بالحق نسيت أقولك على حاجة
-فوزية بنبرة حائرة: حاجة ايه؟

سردت إيلين للسيدة فوزية عن زيارة الأستاذ بركات لها في المكتب وسؤاله عن فرح، فامتعض وجه السيدة فوزية، وعبست ملامحه و...
-فوزية بضيق، ونظرات حانقة: مش خلاص خلصنا من الشبكة السودة دي، عاوزة ايه مننا؟ هو مكفهوش اللي مراته وابنه عملوه في بنتي، حسبنا الله ونعم الوكيل
-إيلين بنبرة متريثة: اهدي يا طنط، مافيش داعي للانفعال، هو أصلا مشي من غير ما يقول حاجة.

-فوزية بنبرة منزعجة: أنا بقت سيرة الناس دي بتعصبني
-إيلين بنبرة هادئة: معلش يا طنط، المهم حضرتك لازم تاخدي بالك من نفسك ومن صحتك
-فوزية بخفوت: ربنا يسهل
-إيلين بنبرة شبه متحمسة: وقريب أوي هتلاقيني جاية ازورك ومعايا المفعوصة مارسيل
-فوزية مبتسمة في هدوء: تشرفي يا حبيبتي في أي وقت، ده بيتك..

ثم أنهت لاحقا فوزية المكالمة مع إيلين، وتوجهت ناحية الأريكة العريضة الموضوعة في غرفة المعيشة وجلست عليها، واستندت برأسها على مرفقها، وظلت تتنهد في ملل...

في أحد النوادي الصحية الفاخرة
تمددت الطبيبة هايدي على إحدى الطاولات المخصصة لعمل ( مساج ) وتدليك للجسد حتى تجعل عضلاتها المتيبسة ترتخي، ثم أغمضت عينيها وانتظرت مجيء العاملة الخاصة بالتدليك..

بعد لحظات دلفت إحدى العاملات ذات الملامح الصينية إلى داخل تلك الغرفة ذات الإضاءة الخافتة، ثم قامت أولا بفرك عضلات كتف الطبيبة هايدي بقوة جعلتها تتأوه من الآلم، فنهرتها هايدي بحدة، فتوقفت العاملة عما تفعل، ثم ابتعدت عنها قليلا، وبحثت عن إحدى الزجاجات الخاصة بزيوت البشرة...
استخدمت العاملة زيت التدليك وقامت بسكبه على بشرة هايدي، وبدأت في فركها مجددا ولكن بقوة أقل..

ثم فتح الباب فجأة أحد الأشخاص ذوي البشرة السمراء، والجسد الضخم، والطول الفاره، ودلف إلى الداخل، وسار بخطوات حذرة ناحية الطاولة الجلدية، وأشار للعاملة بيده لكي تنصرف، فتحت هايدي عينيها لتنظر إليه، ثم أغمضتها مجددا وهي تبتسم ابتسامة راضية و...
-هايدي بنبرة خافتة: اتأخرت
-شريف بإبتسامة خبيثة: سوري يا بيبي، انتي عارفة مشاغلي
-هايدي بنبرة أقرب للهمس وهي تمط شفتيها: ممم، اوكي، بس انت لازم تعوضني.

-شريف بنظرات وضيعة، ونبرة لئيمة: أكيييد طبعا.

شريف الصباغ هو صاحب أحد المنتجعات الصحية الشهيرة بالقاهرة، تعرف إلى الطبيبة هايدي حينما قامت زوجته بعملية حقن مجهري في مركزها الطبي قبل عدة أشهر بعد فشلها لأكثر من مرة، ومن وقتها صارت علاقتهما مقربة، خاصة حينما أدركت هايدي صلاته القوية وعلاقته بأناس ذوي مناصب مرموقة في الدولة، فقررت أن تستفيد منه، وتستغله فيما يفيد مصالحها، في حين عمد شريف هو الأخر لاستغلالها أسوأ استغلال بعد أن اكتشف مصادفة خداعها له في عملية حقن زوجته المجهري.

ثم بحركة ماكرة قام شريف بإدارة يده للخلف ليدير زر موصول بكاميرا خلفية مخبأة بين بعض المناشف القطنية البيضاء...

بدلت فرح ملابسها المبتلة، وارتدت زيا رياضيا من اللون الأزرق السماوي، وظلت جالسة على فراشها المعدني تتذكر ما مرت به من أحداث متلاحقة منذ الصباح الباكر إلى الآن...
قطع شرودها صوت طرقات خافتة على باب قمرتها، فنهضت من على فراشها، وسارت بخطوات بطيئة نحوه، ثم فتحت الباب لتجد أحد المجندين وهو يحمل صينية ما مغلفة بغلاف بلاستيكي شفاف في يده و..
-فرح بخفوت: أيوه
-المجند بلهجة رسمية: اتفضلي يا فندم.

-فرح بنظرات حائرة، ونبرة متسائلة: ايه ده؟
-المجند بنبرة جادة: ده الأكل بتاع سيادتك، سيادة المقدم موصي عليه، اتفضلي.

فتحت فرح الباب المعدني أكثر، ثم مدت يدها وأمسكت بالصينية، وشكرت المجند الذي انصرف على عجالة، ثم أغلقت الباب، وأسندت الصينية على الطاولة المعدنية، وحدقت فيها بنظرات شغوفة..
لقد تناست فرح في خضم ما مرت به أن تتناول طعامها، وكان شكل الطعام الموضوع بالصينية شهيا، فأسرعت فرح بإزاحة الغلاف البلاستيكي، وأمسكت بملعقة بلاستيكة موضوعة بها، وبدأت تتناول الطعام بشراهة..

لمحت فرح ورقة مطوية وموضوعة في غلاف بلاستيكي على الجانب، فتوقفت عن مضغ الطعام، وأسندت الملعقة على الطاولة، ثم مدت أصابعها لتمسك بالورقة..
فتحت فرح الورقة الموطية لتقرأ ما كتب بداخلها، فاتسعت عينيها في ذهول حينما قرأت ( ليكي بكرة عندي هدية في شرم تعوضك عن اللي حصل النهاردة، يزيد )
-فرح فاغرة شفتيها، وبنبرة فضولية، ونظرات استغراب: هدية! ومن يزيد، طب هاتكون ايه دي...؟!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة