قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية فراشة أعلى الفرقاطة للكاتبة منال سالم الفصل السادس عشر

رواية فراشة أعلى الفرقاطة للكاتبة منال سالم الفصل السادس عشر

رواية فراشة أعلى الفرقاطة للكاتبة منال سالم الفصل السادس عشر

جلس يزيد في قمرته ممددا على فراشه المعدني بالفرقاطة ليستريح من عناء هذا اليوم المرهق بالنسبة له، ولكن كانت جائزته الحقيقية هي تأكده من أنه يحمل مشاعر صادقة لفرح..

عقد يزيد ساعديه خلف رأسه، وظل محدقا بسقفية القمرة المعدنية متذكرا لحظاته المنوعة مع فرح، فسرح في خيالات غناء، ولكن قطع خيط أحلامه صوت طرقات على باب القمرة، فاعتدل يزيد في جلسته وهو يزفر في ضيق، ثم نهض عن الفراش، وسار بخطوات ثابتة ناحية باب القمرة، ثم فتحه ليجد آدم يبتسم له ببلاهة، فضيق يزيد عينيه، ورمقه بنظرات حانقة، ثم صفع الباب في وجهه، مما جعل آدم يتسمر في مكانه في ذهول..

بعد لحظة طرق آدم الباب مجددا، ففتح له يزيد وهو ينظر إليه بوجه ممتعض، ثم تركه وسار خطوتين للأمام، وهو موليه ظهره، و..
-يزيد بنبرة منزعجة: عاوز ايه
-آدم بنبرة مرحة: الله! ليه بس الوش الخشب ده، ده احنا طول عمرنا حبايب.

استدار يزيد بجسده، وأمسك بياقة آدم، وجذبه منها بعنف و...
-يزيد بنبرة قانطة: يعني تبقى عارف اللي هايتعمل فيا وتسكت عليه.

حاول آدم أن يزيح قبضة يد يزيد عن ياقته بحذر، فنجح في هذا، ثم...
-آدم بهدوء، ونظرات ثابتة: طب كنت عاوزني أعمل ايه؟ دول قادة الأركان بنفسهم، مش ناس أي كلام
-يزيد بضيق وهو يشير بيده: برضوه، كنت تعرفني
-آدم مازحا: المرة الجاية هابقى أعملك منشن على الفيس بوك
-يزيد بحدة، ونظرات مغتاظة: انت بتهزر؟
-آدم مبتسما في هدوء: يا عم فك بقى، ده انت كنت نجم الليلة..
ثم صمت آدم لبرهة، ووضع يده على كتف يزيد، و..

-آدم بخفوت، ونظرات فضولية: المهم قوليلي بقى ايه الحكاية
-يزيد بعدم فهم: حكاية ايه؟
-آدم غامزا، وبنبرة خافتة: حكاية المزة.

لم يجب عليه يزيد للحظة، وظن أن آدم قد كشف أمره، فحاول أن يبدو طبيعيا، فاستدار برأسه ليخفي ارتباكه و..
-يزيد بنبرة متلعثمة: آآ، مافيش حكاية ولا رواية.

تحرك آدم خطوة للأمام ليقف أمام يزيد، ثم مال برأسه ناحيته ليرى وجهه الذي يحاول إخفائه بوضوح و...
-آدم بخفوت: يا راجل، اومال وشك جاب ألوان كده ليه؟

رمق يزيد آدم بنظرات محذرة وهو يجز على أسنانه، فتراجع آدم برأسه للخلف و...
-آدم بتوجس: خلاص، متقلبش وشك بس، أنا كنت عاوز أطمن عليك، يمكن نجي نبارك قريب
-يزيد محذرا بحدة: آدم، انت عارفني مش بحب أتكلم في المواضيع دي
-آدم مبتسما ابتسامة عريضة: الله، يعني في مواضيع أهوو.

زفر يزيد في ضيق جلي، و...
-يزيد بنبرة حانقة: يوووه، انت مش هتحل عني السعادي ولا ايه؟
-آدم بنبرة هادئة: خلاص يا سيدي، بس الصراحة كنت قمة النهاردة، بجد انت عجبتني، بس ايه رأيك في تكتيكي، أنفع صح؟
-يزيد بنبرة مغتاظة: ده أنا كان بودي أحط فيك لغم وأفجرك لما عرفت ان ليك يد في اللي حصل
-آدم متوجسا: يا ساتر يا رب، أد كده بتحبني
-يزيد بنبرة شبه متعصبة: كنت عاوز تهزأني قصاد الكل.

-آدم بنبرة متلهفة، ونظرات جادة: أبدا والله، ده أنا بس لما بلغت بإن عندنا حالة فوبيا من المياه، فاطلب مني بالأمر إني أجي عند مركز القيادة، وأشارك في تنفيذ الخطة الطارئة اللي اتحطت
-يزيد بتهكم: وطبعا انت ما صدقت
-آدم بنبرة واثقة، ونظرات مغترة: أكيد، دي فرصة مش بتكرر كتير
-يزيد بتوعد: مسيري أردهالك
-آدم بنبرة شبه قلقة، ونظرات مرتبكة: يا رب تنسى، ومتفتكرش، لأحسن أنا عارف زعلك وحش.

-يزيد بنبرة جادة: يا ريت تبقى تفكر قبل ما تعمل حاجة تانية زي دي.

تنهد آدم في ارتياح، ثم توجه للفراش المعدني، وجلس على طرفه، وثنى أحد ساقيه من أسفله و...
-آدم متسائلا بنبرة متحمسة: قوليلي هاتعمل ايه بكرة؟
-يزيد بعدم فهم: أعمل ايه في ايه؟
-آدم بنبرة لئيمة: مع الجو
-يزيد بجدية: جو ايه؟ أنا مش فاهم حاجة.

رمق آدم يزيد بنظرات غريبة، وظل يتمتم مع نفسه بخفوت و..
-آدم بنبرة أقرب للهمس: ما انا لو قولتله إن الجو هو فرح يمكن يقلب بأعاصير وزوابع، طب أجيبهاله إزاي دي.

نظر يزيد إلى آدم بنظرات حائرة وهو عاقد أحد حاجبيه في استغراب و...
-يزيد متسائلا بنبرة هادئة: انت بتكلم نفسك؟

انتبه آدم إلى يزيد، ونظر إليه بنظرات متوجسة و...
-آدم بنبرة شبه مرتبكة: هه، آآ، أه، متخدش في بالك
-يزيد وهو يمط شفتيه: طب يالا وريني عرض كتافك خليني أنام.

نهض آدم عن الفراش، وعدل من ملابسه، ثم..
-آدم وهو يزم شفتيه: طيب، وأهوو بكرة هايطلع برزقه
-يزيد بعدم فهم، ونظرات جادة: رزق ايه؟ أنا مش فاهم أي حاجة من اللي انت بتقولها
-آدم مازحا: أصل أنا بحب أهلوس مع نفسي، فمتركزش معايا
-يزيد مبتسما من زاوية فمه: طب يالا، تصبح على خير
-آدم بهدوء: وانت منه أهله..
انصرف آدم من القمرة، في حين عاود يزيد الجلوس على فراشه، وظل يتنهد في حرارة وعلى وجهه ابتسامة دافئة..

أشرقت شمس يوم جديد، وكالعادة استيقظت فرح من نومها والفضول يكاد يقتلها لمعرفة ما الذي يريده يزيد منها، وماهية الهدية التي يريد أن يعطيها إياها، حاولت أن تنفض عن رأسها تلك الأفكار التي تلاحقها منذ الأمس، ولكنها عجزت عن إيقاف عقلها عن التفكير..

دلفت فرح إلى المرحاض الملحق بقمرتها، ثم اغتسلت وبدلت الزي الرياضي بملابس أخرى كاجوال كتلك التي ترتديها دائما، حيث ارتدت فرح بنطالا من الجيز الأزرق الفاتح، ومن الأعلى قميصا حريريا من اللون الأبيض، ومن فوقه سترة مطولة من القماش ذات اللون النبيذي، ثم لفت حول عنقها وشاحا ملونا، ومشطت شعرها وعقصته ذيل حصان، وأسدلت خصلتين على جانبي وجنتيها، وأرخت خصلة على جبينها، ثم وضعت في قدميها حذائا رياضيا من اللون الأبيض، ولم تنس أن ترتدي حقيبتها العملية ووضعت بداخلها كاميرتها الغالية، ثم توجهت ناحية باب القمرة ودلفت إلى الخارج.

في نفس التوقيت، استعد يزيد هو الأخر وارتدى لأول مرة – منذ صعوده على متن الفرقاطة - ملابسا عادية غير زيه العسكري، حيث ارتدى بنطالا من الجينز، ومن فوقه تي شيرتا من اللون الأسود والذي أبرز عضلات ذراعيه القوية، ثم مشط شعره القصير للخلف، ووضع بعضا من عطره المميز على جميع ملابسه..

تأمل يزيد هيئته قبل أن يدلف إلى خارج القمرة، كما وضع هاتفه المحمول بداخل جيب بنطاله الجينز، ثم أوصد الباب من خلفه..

صعدت فرح على سطح الفرقاطة – والتي وجدتها ترسي بجانب الميناء - واستندت بكلا ساعديها على حافة الجانب، فعبث بشعرها وببشرتها نسمات من هواء الصباح البارد، فتنفست ذلك الهواء المنعش و الذي منحها طاقة إيجابية لكي تبدأ يومها..

توجه يزيد هو الأخر إلى سطح الفرقاطة وظل يجوب ببصره المكان فلمحها تقف من على بعد، فاعتلت شفتيه ابتسامة عفوية عريضة، ثم وضع كلتا قبضتي يده في جيبي بنطاله الجينز، ثم سار بخطوات ثابتة ومنظمة ناحيتها..
وقف يزيد خلف فرح، ثم أخرج يديه من جيبي بنطاله، وأستند إلى جوار فرح على حافة جانب الفرقاطة، و..
-يزيد بنبرة هادئة: صباح الخير.

ارتبكت فرح حينما وجدت يزيد واقفا إلى جوارها، وحاولت أن تخفي توترها، وتشغل نفسها بشيء ما كي لا تنظر إليه، فينفضح أمر ارتباكها، لذا مدت يدها لتعبث بإحدى خصلات شعرها المنسدلة على وجنتها، و..
-فرح بنبرة خافتة، ونظرات متوترة: آآ، صباح النور
-يزيد مبتسما بعفوية: الجو حلو النهاردة، صح؟
-فرح وهي توميء برأسها إيجابيا: أها
-يزيد متسائلا بجدية: جاهزة؟
-فرح بخفوت: لايه؟
-يزيد بصوت آجش: للنهاردة.

تنحنحت فرح في حرج، ولم تجب عليه، في حين حدق يزيد فيها، وظل يتأمل هيئتها بإعجاب، ثم أردف هو ب...
-يزيد متسائلا بنبرة هادئة، ونظرات متفحصة: هو انتي مش بتبصيلي ليه؟

توردت وجنتي فرح سريعا، واكتست كلتاهما بحمرة الخجل، ولم تجرؤ على أن تدير رأسها في اتجاهه، واكتفت فقط بالتحديق في المياه، في حين استمر هو في إمعان النظر إليها، ثم انضم إليهما آدم وهو متأنق كعادته، حيث ارتدى شورتا قصيرا يصل إلى ما بعد الركبة من اللون الزيتوني، ومن الأعلى تي شيرتا من اللون الأبيض، ووضع حول عنقه قلادة تحمل كود عسكريا، أما في قدميه فقد ارتدى حذائا رياضيا من اللون البيج..

لف آدم ذراعه حول كتف يزيد، و..
-آدم بنبرة مرحة: صباحكم نادي إن شاء الله
-يزيد بهدوء: أهلا
-فرح بخفوت، ونبرة خجلة: صباح الخير
-آدم بحماس: أخيرا هانطلع من الغلب اللي احنا فيه ونشم نفسنا كده
-يزيد بتهكم: ده على أساس انك بتتعب أوي.

-آدم مازحا وهو يشير بيده، وبنظرات مغترة: ياااااه، ده أنا أهم ركن من أركان القاعدة هنا، يعني زي ما تقول كده أنا عامل زي أيقونة البحرية، صاري السفينة، ونش الترسانة، طوربيد الغواصة، مدفع الفرقاطة.

حاولت فرح أن تخفي ابتسامتها، وتسيطر على حركة شفتيها، في حين رمق يزيد آدم بنظرات استهزاء و...
-يزيد وهو يلوي فمه في استخفاف: يا سلام
-آدم بنبرة واثقة وهو يشير إلى نفسه بيده: اه طبعا..
-يزيد مبتسما بتهكم: لأ واضح فعلا إنك جامد.

ثنى آدم كلا ساعديه ليبرز عضلات يده، ثم اتخذ وضعية الاستعراض الجسدى و...
-آدم بنبرة ساخرة: طبعا، ده أنا جامد فحت من فوق لتحت.

وهنا ضحكت فرح على دعابة آدم الأخيرة بصوت شبه عالي، فتملك الحماس آدم و...
-آدم بثقة وهو يشير إلى فرح بيده: أهوو، شايف.

التفت يزيد برأسه ناحية فرح لينظر إليها بنظرات حانية ويتأمل ضحكتها البريئة، ثم..
-آدم بنبرة حماسية: وربنا أنا ضحيت كتير عشان مصر، بس مش لاقي اللي يقدر
-يزيد وهو يتنحنح في خشونة: احم، طب يالا يا عم الفدائي، زمانت الجماعة سبقونا
-آدم وهو يبتسم بإيجاز: ماشي.

سار يزيد وآدم أولا للأمام، وتعمدت فرح أن تتأخر قليلا في خطواتها حتى لا تسير إلى جوارهما، ثم سارت خلفهما وهي تبتسم عفويا..

جلس شريف الصباغ على مقعده الجلدي الكبير وهو واضع ساقه فوق الأخرى بداخل غرفة مكتبه الواسعة ذات الأثاث الحديث و الحوائط الرمادية والسوداء..
ابتسم شريف ابتسامة خبيثة وهو ممسك في يده بإسطوانة مدمجة، وظل يقلبها بين أصابعه و..
-شريف بنبرة مخيفة: قريب أوي يا بنت الأبلسة هخلص منك اللي عملتيه فيا وفي مراتي..
ثم صمت شريف لبرهة، وأسند الأسطوانة على سطح مكتبه، وظل مسلطا بصره عليها و...

-شريف متابعا بنبرة متوعدة، ونظرات شرسة: مش شريف الصباغ اللي يضحك عليه، ولا يتلعب بيه الأونطة يا، يا هايدي...!

ثم مد شريف يده ناحية الهاتف الموضوع إلى جانبه، وأمسك بالسماعة، وضغط على عدة أزرار، وانتظر أن تأتيه الاجابة من الطرف الأخر و..
-شريف هاتفيا بنبرة جادة: ايوه، عاوزك تبعتلي محمد فورا، خليه يسيب كل اللي في ايده، ويجيلي بعد ساعة على مكتبي، مفهوم.

ثم أنهى شريف المكالمة ليعتدل في جلسته بعد أن أنزل ساقه، وأمسك بقلم حبر ذهبي و...
-شريف وهو يجز على أسنانه: قسما بالله ما هرحم أمك...!

تجمع الضباط والمجندين من كافة الرتب التابعة للقوات البحرية أمام الميناء حيث انتظرتهم حافلات تابعة للقوات المسلحة لتقلهم إلى أحد الفنادق الفاخرة ذو النجمات الخمس لكي يقضي الجميع نهارهم بالكامل هناك، وفي المساء ينطلقوا جميعا في جولة حرة قبل أن يعودوا مجددا إلى تشكيلاتهم..

وقفت فرح على استحياء في الخلف تنتظر دورها لكي تصعد على متن الحافلة، في حين ظل يزيد يتبادل الأحاديث الجانبية مع رفاقه، بينما بدأ البقية في الصعود واتخاذ أماكنهم بداخلها، استغلت فرح فرصة أنها متوارية عن الأنظار، وظلت تختلس النظرات ناحية يزيد من بعيد، ولأكثر من مرة لمحها يزيد وهي تنظر إليه من طرف عينها، فيبتسم في سعادة، وتعلو ضحكاته مع الجميع، ثم أشار له آدم بيده لكي يصعد، فأومىء يزيد برأسه، ولوح له بيده، وسار بصحبة بعض الرفاق ناحية باب الحافلة..

اقترب أحد الأشخاص من يزيد ثم صافحه بحرارة، ومد يده وأعطاه حقيبة بلاستيكية تحتوي على علبتين صغيرتين بداخلها، فشكره يزيد، وانحنى قليلا بجذعه عليه، وهمس له بشيء ما في أذنه، فأوميء الشخص إيجابيا برأسه، فاعتدل يزيد في وقفته ثم صافحه مجددا قبل أن ينصرف...

اكتظ الجميع أمام الباب، فأثرت فرح أن تنتظر ريثما يصعد معظم من يقف أمامها حتى لا تزاحمهم، ثم بدأ توزيع بعض العلب البلاستيكية على من يجلس على المقاعد - والتي كانت تحتوي على وجبة إفطار بالإضافة إلى زجاجة مياه معدنية، وعلبة عصير كرتونية – فتعالت صيحات معظم الموجودين تهليلا بتلك الوجبة المفاجئة والمشبعة..

توقف سائق حافلة أخرى تابعة للقوات المسلحة بجوار رصيف الميناء، و ضغط على البوق لينبه الجميع إلى وجوده..
ترددت فرح في الصعود بمفردها على تلك الحافلة، خاصة وأنها قد لاحظت امتلاء الحافلة التي بها يزيد وآدم بمعظم الضباط، فخشيت ألا تجد لها مكانا خاويا فيها، لذا انسحبت في هدوء من مكانها، وتوجهت ناحية الحافلة الأخرى، وصعدت على متنها..

راقب يزيد فرح وهي تبتعد من النافذة المجاورة لمقعده، فامتعض وجهه، وعبست ملامحه، ثم...
-يزيد بنبرة شبه منزعجة: أنا رايح أشوف حاجة
-آدم متسائلا باستغراب: حاجة ايه دي
-يزيد بإقتضاب: ثواني وراجع
-آدم بنبرة عادية وهو يشير بعينيه: ماشي، بس متتأخرش، انت شايف الجرمأ ( الحشد ) الكبير اللي هنا، دول ياكلوا الزلط، وأنا عاوز أجيبلنا بتاع كرتونتين
-يزيد وهو يلوي فمه في سخرية: ده على أساس اننا طالعين رحلة تبع مدرستك.

-آدم مبتسما ابتسامة عريضة: يا عم الشجاع ده الأكل هنا ببلاش، يعني نغرف على أد ما نقدر...
رمق يزيد آدم بنظرات ساخطة، ثم تحرك بخطوات عاجلة ناحية باب الحافلة..

جلست فرح في خلفية الحافلة بجوار النافذة كي تحظى بقدر من الانفراد والخصوصية، خاصة وأن معظم من معها لا تعرفهم، ثم وضعت يدها على ذراع حقيبتها العملية وتمسكت به، ثم أطرقت رأسها للأسفل قليلا لكي تنظر إلى داخل محتوياتها...
كانت فرح تشعر بالغربة والوحدة على متن تلك الحافلة، وظلت تزفر في ضيق، واستدارت برأسها لتنظر إلى ما حولها من النافذة الزجاجية..

ثم وجدت فجأة من يمد يده ناحيتها وهو يحمل علبة بلاستيكية، فانتفضت فزعا في مكانها، وثم التفتت برأسها ناحية هذا الشخص، واتسعت عينيها في عدم تصديق حينما وجدت يزيد واقفا أمامها، فنظرت إليه بنظرات متوجسة، و..
-يزيد متسائلا بنبرة هادئة، ونظرات واثقة: اتخضيتي؟

ارتبكت فرح مجددا، وأجفلت عينيها و..
-فرح بخفوت: يعني.

ابتسم يزيد من زاوية فمه، ثم جلس إلى جوار فرح، واستدار برأسه ناحيتها و..
-يزيد بنبرة عميقة، ونظرات دافئة: تسمحيلي أقعد جمبك؟
-فرح بحرج: آآ، ما انت أعدت من غير ما تاخد رأيي.

نظر يزيد أمامه وقد اعتلى ثغره ابتسامة عريضة و..
-يزيد بنبرة هادئة: عديها يا، يا فراشة.

ثم التفت مجددا بعينيه ناحيتها ليحدق فيها أكثر عن كثب، فخجلت هي أكثر منه و...
-يزيد متابعا بصوت آجش: انتي مسألتنيش عن الهدية اللي جايبهالك.

ظلت فرح مطرقة لرأسها، وناظرة لأصابعها التي تعبث بحقيبتها و..
-فرح بنبرة متلعثمة: ميرسي، ، آآ، أنا، انا مش عاوزة حاجة
-يزيد بجدية، ونظرات قوية: بس أنا عاوز.

مد يزيد يده الأخرى - والتي كانت تحمل حقيبة بلاستيكية - في اتجاه فرح التي حدقت فيه بعدم فهم و...
-فرح بنظرات استغراب، ونبرة متسائلة: ايه دي؟
-يزيد بنبرة شبه آمرة: افتحيها وانتي تعرفي.

عضت فرح على شفتيها في توتر، وترددت في الامساك بالحقيبة البلاستيكية، مما جعل يزيد يمل من كثرة الانتظار، فأسندها على حجرها، ثم نظر أمامه و...
-يزيد بجدية: أنا مش بحب أستنى كتير.

تنهدت فرح في ارتباك، ثم أمسكت بالحقيبة بأطراف أصابعها، وفتحتها بحذر، فنظر إليها يزيد بنظرات متعجبة و...
-يزيد مازحا: على فكرة دي مش قنبلة.

أدارت فرح رأسها فجأة في اتجاه يزيد، وحدقت في عينيه مباشرة، فوجدته يوميء لها بعينيه و...
-يزيد متابعا بنفس نبرته المرحة: خليكي واثقة فيا.

أخرجت فرح أول علبة مغلفة من داخل الحقيبة البلاستيكية، ثم أزاحت عنها الغلاف ليظهر أمامها علبة هاتف محمول من ماركة شهيرة وموديل حديث..
فغرت فرح شفتيها في صدمة، واتسعت عينيها في ذهول و...
-فرح بنبرة مشدوهة: ده، ده موبايل!
-يزيد بهدوء مهيب: أيوه، مكان اللي رميتهولك..
ثم صمت يزيد للحظة قبل أن يتابع ب...
-يزيد بنفس الهدوء: يا رب بس يعجبك ذوقي.

ابتلعت فرح ريقها في حرج، فقد كان الهاتف مميزا بحق، وباهظ الثمن بالطبع، أما لونه الذهبي فقد كان جاذبا للأنظار..
أشار يزيد بيده لفرح، و..
-يزيد بنبرة شبه آمرة: افتحي الهدية التانية يالا.

أخرجت فرح العلبة الأخرى بعد أن أسندت علبة الهاتف المحمول إلى جوارها، كانت تلك العلبة أكبر في الحجم، ولكنها لم تكن مغلفة كالسابقة، بل كانت مغلقة بشريط من اللون الفيروزي على هيئة فيونكة، فمدت فرح أصابع يدها، وحلت الشريط، ثم فتحت غطاء العلبة السميك لتتفاجيء بكمية منوعة ومختلفة من الشيكولاته الفاخرة، فاعتلى ثغرها ابتسامة عفوية، ونظرت إليهم بنظرات انبهار، فابتسم يزيد لابتسامتها و..

-يزيد بنبرة مغترة: كنت واثق انها هتعجبك، كل البنات بتحب الشيكولاته.

تنحنحت فرح في حرج، وأغلقت غطاء العلبة، ومدت يدها لتمسك بالعلبة الأخرى المسنودة إلى جوارها، ثم وضعتها فوقها، وأمسكت بكلتاهما بقبضتي يدها، ورفعتهما في اتجاهه، ثم نظرت إليه بنظرات متوترة، بعد أن أخذت نفسا مطولا لتستعيد به اتزانها الانفعالي و..
-فرح بنبرة شبه رسمية: سوري، مش هاقدر أقبل منك دول...!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة