قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية فراشة أعلى الفرقاطة للكاتبة منال سالم الفصل الخامس والعشرون

رواية فراشة أعلى الفرقاطة للكاتبة منال سالم الفصل الخامس والعشرون

رواية فراشة أعلى الفرقاطة للكاتبة منال سالم الفصل الخامس والعشرون

في منزل فرح عبد الحميد
رن هاتف السيدة فوزية المحمول برقم غير مسجل لديها، فأسرعت بالإجابة عليه دون تردد و...
-فوزية هاتفيا بنبرة متلهفة: ألووو..
-فرح هاتفيا بخفوت: أيوه يا ماما
-فوزية بنبرة عالية: فرح، بنتي! انتي فين يا حبيبتي؟ ايه اللي حصلك؟ طمنيني عليكي
-فرح بهدوء حذر: أنا الحمدلله كويسة يا ماما، اطمني عليا متقلقيش، آآ..

-فوزية مقاطعة بنبرة مهتمة للغاية: الحمدلله يا رب، ألف حمد وشكر ليك يا رب، طب قوليلي انتي عملتي عشان يتقبض عليكي وآآ...
-فرح مقاطعة بهدوء: اهدي يا ماما وأنا هافهمك كل حاجة
-فوزية متسائلة باستغراب: طيب، بس، بس انتي ازاي بتكلميني وآآ...
-فرح مقاطعة مرة أخرى بنبرة شبه منزعجة: ماما عشان خاطري اهدي بس، وانا والله هاقولك على كل حاجة
-فوزية على مضض: طيب.

أخذت فرح نفسا عميقا، ثم زفرته على مهل، و...
-فرح بهدوء مصطنع: أنا موجودة الوقتي في اسكندرية في الوحدة العسكرية اللي كنت فيها قبل كده، والمقدم يزيد هو المسئول عني، وقريب أوي هارجع البيت بس لما أكمل بقية شغلي.

تنهدت السيدة فوزية في ارتياح و..
-فوزية متسائلة بفضول: بس هو عادي إنك تكلميني كده؟ يعني ادوكي موبايل جديد
-فرح وهي تعض على شفتها السفلية: لأ طبعا، بس ده استثنى عشان خاطر أطمنك عليا
-فوزية مبتسمة ابتسامة عريضة: كتره خيره يزيد، أكيد هو اللي عمل كده عشان يطمني.

عقدت فرح حاجبيها في استغراب شديد، وضيقت عينيها إلى حد ما و...
-فرح متسائلة بدهشة وبخفوت: وانتي عرفتي منين انه هو اللي خلاني اكلمك؟
-فوزية بنبرة هادئة ومريحة: قلب الأم يا ضنايا..!
-فرح بنبرة ممتعضة: ماشي يا ماما، على العموم أنا هبقى أكلمك وقت تاني لما الظروف تسمح، خدي بالك من نفسك وخدي دواكي في ميعاده، اوكي؟

-فوزية وهي توميء برأسها، وبنبرة هادئة: حاضر يا بنتي، وانتي كمان خدي بالك من صحتك ومن أكلك، وابقي كلميني كل شوية
-فرح بنبرة معترضة: ماما، ده مش سنترال، وبعدين التليفونات هنا مش متاحة عمال على بطال، فلو عرفت هاكلمك، لو لأ عاوزاكي تطمني
فوزية بنبرة شبه سعيدة: يا حبيبتي أنا مطمنة طول ما معاكي يزيد
-فرح بنبرة شبه مغتاظة: خلاص يا ماما، مش لازم كل شوية تقولي اسمه.

-فوزية مبتسمة ابتسامة عريضة: طيب يا فروووح، أشوفك على خير يا قلب أمك
-فرح بنبرة شبه حزينة وهي تطلق تنهيدة حارة: ان شاء الله يا ماما، مع السلامة.

ثم أنهت فرح المكالمة، واستدارت بجسدها لتضع سماعة الهاتف في مكانها على سطح المكتب حيث كان يزيد يجلس عاقدا كلا يديه خلف رأسه، وواضعا ساقه فوق الأخرى، ومستندا بظهره للخلف على مقعده، و...
-يزيد بنظرات متحدية، ونبرة جادة: حماتي عاملة ايه؟
-فرح على مضض، وبنظرات حانقة: كويسة
-يزيد متسائلا بنبرة واثقة، ونظرات متفحصة: جابت سيرتي في حاجة؟
-فرح وهي تجز على أسنانها في اقتضاب: لأ.

-يزيد غامزا، وبنبرة مستفزة: يا سلام، مع إني كنت سامع اسمي بيرن في السماعة كل شوية.

زفرت فرح في ضيق، ثم أشاحت بوجهها ناحية باب مكتبه لتنظر إلى الخارج وتتجنب النظر في عينيه المحدقتين بها، فاعتدل هو في جلسته، وأرخى ذراعيه، ثم...
-يزيد بهدوء، ونظرات ثابتة: متلويش بوزك بس عليا عشان ماتشوفيش الوش التاني
-فرح بنبرة شبه ضائقة: أنا وشي كده، طبيعته كده، مبوز كده، مالوش إلا كده.

نهض هو عن مقعده، ثم تحرك بضع خطوات ليقف على مقربة منها، ثم عقد ساعديه أمام صدره، ورمقها بنظرات مرحة و...
-يزيد مازحا: هو انتي خدتي توكيل ( كده ) النهاردة؟
-فرح لنفسها بخفوت شديد: ياباي، سمج
-يزيد بهدوء مستفز، ونظرات متفحصة: واضح انك بتمدحي فيا، أنا شايف ده على وشك
-فرح بنبرة شبه متشنجة: طب كويس انك شايف الفرحة اللي هاتنط منه.

أرخى يزيد أحد ذراعيه، ثم أسند كف يده على طرف ذقنه، وبدأ يحكه قليلا وهو ينظر إليها بتمهل و...
-يزيد بنبرة متعجبة: بجد انتي غريبة أوي.

استدارت فرح بوجهها ناحيته، لتنظر إليه مباشرة في عينيه و...
-فرح بنبرة استغراب: غريبة ازاي يعني؟
-يزيد متابعا بهدوء: مستحملة اللي بعمله فيكي رغم ان من جواكي عاوزة تولعي فيا
-فرح وهي تلوي شفتيها في ضيق: ماهو المضطر بيركب الصعب.

أرخى يزيد كلتا يديه، ثم مال بجذعه قليلا ناحيتها، واقترب برأسه منها، و...
-يزيد مازحا وهو يغمز لها: لأ يا فراشة، المضطر بيركب الفرقاطة.

ثم اعتدل في وقفها، وتركها وانصرف من مكتبة تاركا إياها في حالة ذهول من تصرفاته الجريئة إلى حد ما معها...

في داخل أحد القصور الضخمة
وثبت هايدي بكل رشاقة – وهي ترتدي زي السباحة ( المايوه ) الأسود الخاص بها -إلى داخل المسبح الموجود في الجزء الخلفي من قصرها الفخم الكائن بمنطقة المريوطية..

ظلت تجوب المسبح ذهابا وإيابا وتفكيرها مشحون للغاية بذلك البغيض الذي يهدد بفضحها، حاولت جاهدة أن تفكر فيمن يقف وراء هذا المخطط الدنيء، ولكنها عجزت عن إيجاد المتسبب الحقيقي، ثم توقفت عن السباحة حينما سمعت صوتا يأتيها من طرف المسبح و..
-خادمة ما بنبرة عالية: هايدي هانم، الغدا جاهز
-هايدي بنبرة منزعجة: غوري، أنا مش عاوزة أكل حاجة الوقتي.

-خادمة ما بنبرة معترضة، وبنظرات متوجسة: آآ، بس يا هانم، حضرتك، آآ، اللي طلبتي آ..
-هايدي مقاطعة بغضب هادر: انتي طارشة، بقولك غوري من وشي
-خادمة ما بنبرة مرتعدة: حاضر يا هانم..
ثم ركضت الممرضة مبتعدة عنها، بينما ظلت هايدي قابعة في المسبح ومستندة بذراعيها على طرفه، و..
-هايدي لنفسها وهي تجز على أسنانها في ضيق: أوووف، أعرف بس انت مين، وأنا مش هارحمك..

قاطع تفكيرها المليء بالتوعد صوت رنين هاتفها، فالتفتت برأسها ناحيته، ثم بكل رشاقة دلفت خارج المسبح، وسارت بخطوات رشيقة ومتمايلة ناحيته، ثم انحنت بجسدها للأسفل لتمسك بمنشفتها القطنية، وتلف بها نفسها، ثم مدت يدها المبتلة لتمسك هاتفها، و..
-هايدي بنبرة ساخطة: وده وقتك يا دكتور عبد الرحيم..!

ثم عضت على شفتيها في تأفف، وقامت بمعاودة الاتصال به و...
-هايدي هاتفيا بنبرة شبه منزعجة: أيوه يا د. عبد الرحيم
-عبد الرحيم هاتفيا بنبرة متحمسة: ازيك يا دكتورتنا الغالية، معلش هاعطلك شوية
-هايدي على مضض: خير
-عبد الرحيم بنبرة متحمسة: بصي يا دكتورة احنا كنا عاوزين نعمل كتيب عن أخر مستجدات الحقن المجهري عشان نعرضه في الندوة، وكنت محتاج شوية صور حديثة عن آآ...

-هايدي مقاطعة بحدة: خلاص يا دكتور عبد الرحيم، ابعتلي على الايميل اللي انت عاوزه وأنا هابعتهولك عشان الوقتي مش فاضية
-عبد الرحيم وهو يتنحنح في حرج: احم، طيب، سوري على الازعاج.

لم تكمل هايدي المكالمة معه بل أغلقتها على الفور، ثم ألقت بهاتفها بعدم اكتراث على المقعد المجاور للمسبح، وسارت بخطوات سريعة في اتجاه القصر...

في الوحدة التدريبية بالإسكندرية
حل المساء وفرح جالسة في غرفتها تعيد صياغة بعد التقارير التي كانت قد انتهت من كتابتهم، ثم سمعت هي طرقا خفيفا على باب غرفتها، فنهضت عن الفراش، وأسندت جهاز اللاب توب الخاص بها عليه، وتوجهت وهي ترتدي زيها الرياضي ذي اللونين الرمادي والوردي ناحية الباب..
فتحت هي الباب لتجد يزيد واقفا أمامها وهو واضع لكلا يديه في داخل بنطاله العسكري، ويرمقها بنظرات متفحصة أحرجتها و...

-فرح بنبرة متحشرجة: آآ، في حاجة؟
-يزيد بنبرة جادة: أه في
-فرح باقتضاب: ايه؟
-يزيد بجدية: احنا عندنا يوم إداري
-فرح بعدم فهم وهي تضيق عينيها: نعم؟
-يزيد مبتسما في هدوء: اه، نسيت انك مش فاهمة المصطلحات هنا، يوم إداري معناه انه يوم أجازة، معندناش فيه تدريبات ولا شغل.

استندت فرح بجسدها على باب الغرفة، ثم عقدت ساعديها أمام صدرها و...
-فرح بإقتضاب: طب والمطلوب مني ايه؟
-يزيد بلهجة شبه آمرة: تجهزي نفسك عشان خارجين نشتري حاجات لحفلة نادي اليخت، ماهو أنا خليتك ضمن لجنة المشتريات
-فرح مكملة بنبرة شبه ساخرة: وكالعادة هاتقولي ده أمر مش طلب
-يزيد مبتسما بعذوبة وهو يغمز لها: ماشاء الله عليكي، بقيتي تفهميني أهوو، طب يالا جهزي نفسك وأنا هنتظرك عند مكتبي..

ثم تركها وانصرف، فتابعته هي بعينيها إلى أن غاب تماما عن ناظريها، فعادت إلى داخل غرفتها، وتوجهت ناحية خزانة الملابس لتنتقي منها ما يناسبها لترتديه...

وقف آدم إلى جوار يزيد وكلاهما متأنقان في زيهما العسكري الأزرق، و..
-آدم بنبرة حماسية: أنا بكرة هسافر أجيب شيموو ولوما من القاهرة، مش عاوز حاجة من هناك
-يزيد بجدية: لأ
-آدم غامزا وبنبرة متشوقة: يا عم قول ماتتكسفش، أي حاجة أنا في الخدمة ورقبتي سدادة
-يزيد على مضض، وبنظرات ثابتة: يا سيدي مش عاوز حاجة
-آدم مازحا: ماهو من لقى أحبابه نسى أصحابه.

ثم أدار يزيد رأسه للخلف لينظر إلى الساعة المعلقة على الحائط بداخل مكتبه و...
-يزيد وهو يزفر في ضيق: اووف، هما الستات بيتأخروا كده على طول
-آدم بتهكم: هي عادتهم ولا هيشتروها
-يزيد بنبرة شبه ضائقة: على رأيك
-آدم مبتسما ببلاهة: بس الصراحة فرح غير، مش بتتأخر أوي..
-يزيد بنبرة منزعجة: هو الطبع واحد يا آدم
-آدم مبتسما بنفس الطريقة: إلا فرح
-يزيد بحنق: هي مشغلاك المحامي بتاعها.

-آدم وهو يهز رأسه بالنفي: لأ، بس هي جت بنفسها
-يزيد باستغراب: نعم
-آدم بجدية وهو يشير بعينيه: بص هناك، أهي جت.

استدار يزيد بجسده إلى حيث أشار آدم، فوجد فرح قادمة من على بعد وهي ترتدي بنطالها المصنوع من الجينز الأسود، ومن فوقه قميصا حريريا من اللون الأزرق القاتم، أما شعرها فكان معقوصا كذيل حصان، ما عدا بعض الخصلات المنسدلة على وجنتيها..
توقفت هي أمامهما وهي ممسكة بحقيبة يدها العملية، ثم حدقت في آدم و..
-فرح بخفوت: مساء الخير يا سيادة المقدم
-آدم مبتسما بسعادة: مساءك فل وجمال.

-يزيد بجدية وهو قاطب لجبينه: يالا.

ثم سار يزيد عدة خطوات للأمام ليسبقهما، بينما التفتت فرح برأسها ناحية آدم و...
-فرح متسائلة باستغراب: هو ماله؟
-آدم بنبرة عادية: ده العادي بتاعه، تعالي عشان نلحق نجيب اللي ناقصنا، وخلي بالك احنا معانا ساعتين كحد أقصى، يعني لازم نخلص كل حاجة قبل كده
-فرح وهي توميء برأسها، وبنبرة هادئة: ربنا يسهل.

ثم دلف ثلاثتهم بعد ذلك إلى خارج الوحدة التدريبية حيث توجهوا إلى بعض المحال القريبة من أجل شراء بعض الأشياء المطلوبة من أجل تقديمها كهدايا رمزية لبعض الضباط خلال الحفل..
توقفت فرح أمام واجهة أحد المحال الخاصة ببيع الملابس الحريمي، وقررت أن تدلف إلى داخله، اعترض يزيد على ما فعلته، وكاد أن يشتبك معها، ولكن أوقفه آدم ب...
-آدم بنبرة جادة: يا يزيد سيبها تجيب اللي هي عاوزاه.

-يزيد بحنق، ونظرات مشتعلة: هو احنا فاضيين للهري بتاع الستات ده، ده احنا ناقصنا حاجات أد كده، ودي داخلة تتفرج على هدوم
-آدم بنبرة هادئة، ونظرات ثابتة: تلاقي بس حاجة محتاجاه ضروري وآآ...
-يزيد مقاطعا بغيظ: واحنا هنفضل واقفين لها كده زي عساكر الدرك
-آدم مازحا: لأ احنا مقدمين الدرك، اعلى شوية بالرتبة يا باشا.

لكز يزيد آدم بحدة في جانبه، ثم وقف يزفر في ضيق...
مرت عدة دقائق ثم دلفت فرح إلى خارج المحل وعلى وجهها ابتسامة مشرقة، ولكنها سريعا ما انطفت حينما رأت وجه يزيد العابس، فعضت على شفتها السفلى، ثم أطرقت رأسها للأسفل، ومدت يدها لتعبث بخصلتها و...
-فرح وهي تتنحنح في خجل: احم، سوري ان كنت أخرتكم
-آدم مبتسما في هدوء: لأ عادي، خدي راحتك.

رمقه يزيد بنظرات غاضبة، ثم أشار لكليهما بيده و...
-يزيد بنبرة مغتاظة: يالا بقى، لأحسن أنا جبت أخري خلاص.

سار يزيد للأمام بخطوات سريعة، فركضت فرح خلفه، وسار إلى جوارها آدم و...
-آدم مازحا: نصيحة مستقبلية ماتبقيش تاخديه معاكي في مشاوير، هايطلع عينك ومش هتجيبي حاجة، ده مش بعيد يخلي البايعين يفلسوا
-فرح بنبرة ضائقة: انت غلبت تنصحني كتير بسببه
-آدم مبتسما في لؤم: بأمنلك مستقبلك يا شابة..
ثم التفت إليهما يزيد ورمقهما بنظرات محذرة و...
-يزيد بحدة: انتو هترغوا مع بعض وتنسوا احنا جايين ليه، يالا..

-فرح بتبرم: طيب
-آدم بجدية زائفة: علم يا باشا..
وأكمل ثلاثتهم شراء باقي ما ينقصهم، ثم عادوا إلى الوحدة بعد أقل من ساعتين...

بعد مرور يومين
في نادي اليخت
اجتمع معظم ضباط البحرية - ذوي الملابس العسكرية الرسمية - وأسرهم في باحة النادي الواسعة حيث تم وضع الطاولات الخاصة بهم على مقربة من بعضها البعض وذلك من أجل الحفل الترفيهي المقام لهم..
وبدأ البعض الأخر في الوصول إلى النادي من أجل الانضمام إلى باقي زملائهم..

في داخل الوحدة العسكرية
قررت فرح أن تتأنق في هذا اليوم وترتدي شيئا مميزا، ولهذا كانت بالأمس قد اشترت فستانا خاصا بها..

ارتدت هي فستانا طويلا من اللون البيج المائل إلى ( درجة الكافيه ) ومصنوعا من قماشي الستان الممزوج بالشيفون، وهو أيضا مطرز من الصدر حتى الخصر باللأليء والفصوص اللامعة، أما فتحة صدره فكانت واسعة، ولكنها لا تبرز مفاتنها، أما أكتافه فهي قصيرة تغطي مقدمة ذراعيها، ثم ارتدت في قدميها حذائا من نفس اللون، ولكن ذو كعب عال إلى حد ما..

مشطت فرح شعرها وعقصته للخلف، وربطته بمشبك شعر بلاستيكي ذهبي، ثم أسدلت خصلة عريضة على جبينها، ولكنها لم تتركها حرة، بل أحكمت ربطها بدبوس رقيق من اللون الذهبي..
وارتدت أيضا حول عنقها عقدا رقيقا يحمل أول حرف من اسمها باللغة الانجليزية، وأمسكت في يدها حقيبة يد صغيرة من اللون الذهبي...

بعد أن تأكدت فرح من هيئتها، توجهت ناحية باب غرفتها، ودلفت إلى خارجها، ثم سارت عبر الرواق، واتجهت إلى الدرج، ونزلت عليه بخطوات حذرة حتى لا تدهس طرف فستانها بكعب حذائها...

وقف يزيد مع آدم وباقي زملائهما عند مدخل الوحدة حيث الحافلة التي ستقلهم إلى نادي اليخت، ظل هو يتحدث معهم في بعض الأمور العادية والخاصة بالتدريات القادمة، ثم استدار برأسه بطريقة عفوية للجانب، وتسمر في مكانه حيث اتسعت عينيه في انبهار، فلم يأت بمخيلته أبدا أن تتأنق فرح بتلك الطريقة خاصة حينما لمحها بفستانها الرائع وهي قادمة من بعيد..

لاحظ الجميع تبدل ملامح يزيد، والتفتوا برؤوسهم إلى حيث ينظر ليتابعوا هم أيضا ما الذي يحدق به، فعرفوا سبب الانبهار البادي عليه، ولم يختلف حالهم كثيرا عنه..
كانت فرح هي عروس تلك الليلة رغم أنها كانت بسيطة في زينتها، وغير متكلفة في ملابسها، ورغم هذا كانت المرة الأولى التي يراها فيها الجميع وهي ترتدي فستانا عاديا كأي فتاة طبيعية..

أطرقت رأسها في خجل وهي تقترب منهم جميعا، خاصة بعد أن لاحظت تحديق الكل بها، وتوردت وجنتيها قليلا، ولكنها حاولت أن تحافظ على هدوئها الانفعالي و...
-فرح بخفوت، وهي مجفلة لعينيها: آآ، مساء الخير، أنا جاية في ميعادي
-آدم مبتسما بحماس: هو في أحلى من كده مواعيد
-يزيد بحنق: انت مش مراتك موجودة ولا أنا غلطان.

مال آدم برأسه على يزيد، ثم همس له في أذنه ب...
-آدم بخفوت: أه موجودة في النادي، أنا لسه مكلمها، بس الشرع محلل أربعة، وأنا عاوز أكمل اللي ناقص
-يزيد بنبرة محذرة: طب لم نفسك بدل ما أخلي شيماء تطلعهم عليك
-آدم بتوجس: كله إلا شيماء!

تراجعت فرح عدة خطوات للخلف، ولكنها ظلت على مقربة من الجميع، وأخذت تعبث بحقيبة يدها الصغيرة في محاولة بسيطة منها لإلهاء نفسها حتى لا تشعر بالحرج من وجودها بمفردها وسط كل هؤلاء..
وبعد دقائق عدة كانت الحافلة المخصصة للضباط قد وصلت على مدخل الوحدة، ليبدأ الجميع في الصعود على متنها..

انتظرت فرح قليلا حتى تتأكد من صعود الجميع، ولكن على العكس كان معظم الضباط ينتظرون صعودها هي أولا على متن الحافلة، ووقفوا متراصين على الجانب وهم يتهامسون عنها..

خجلت هي كثيرا من نظراتهم المسلطة عليها، بينما اغتاظ يزيد مما يحدث، وسار في اتجاه فرح، ثم أمسك بكف يدها وسحبها خلفه، واتجه بها نحو الحافلة، ثم أفسح لها المجال لكي تصعد هي أولا، وبالفعل أمسكت فرح بطرف فستانها من أسفل منطقة الخصر لكي ترفعه عن الأرضية الإسفلتية قليلا حتى تتمكن من الصعود دون أن تتعثر به..

طلب منها يزيد أن تجلس على أحد المقاعد الخلفية بالحافلة، فامتثلت هي له، ونفذت ما قاله حرفيا، واتجهت إلى أخر مقعد وجلست عليه، ثم جلس هو إلى جوارها، وظل مسلطا بصره للأمام وعلى وجهه علامات الانزعاج جلية..
لم تدر فرح ما الذي ارتكبته لكي يتجهم وجهه بتلك الطريقة، ولم ترد أن تسأله حتى لا تفتح بابا من الشجار على نفسها، وهي لا ترغب في إفساد أجواء تلك الليلة..

جلس آدم على أحد المقاعد الأمامية، ومعه بعض من رفاقه، وظل يتسامر معهم بطريقة فكاهية ومرحة...

ظل الصمت هو سيد الموقف بين كلا من يزيد وفرح طوال الطريق إلى النادي، ولم تنظر هي في اتجاهه ولو لمرة واحدة، بل فضلت أن تتابع الطريق من نافذتها المجاورة، في حين ظل هو مكورا لقبضة يده في ضيق، ومتابعا لباقي زملائه في حنق..
بعد برهة، وصلت الحافلة إلى بوابة النادي، وهنا تعالت الصيحات والتهليلات بين الضباط، وبدأوا في الترجل من الحافلة حيث كانت أسرهم تنتظرهم في الأسفل..

لم يبرح يزيد مكانه، بل ظل جالسا إلى جوار فرح التي أرادت أن تنهض من مقعدها و...
-فرح بنبرة خافتة: بعد اذنك، ممكن تقوم عشان أعدي
-يزيد بصرامة: لأ
-فرح باستغراب وهي ترفع أحد حاجبيها: نعم؟
-يزيد بحدية، ونظرات مشتعلة من الغيظ: اللي سمعتيه
-فرح بضيق: في ايه يا سيادة المقدم، أنا عاوزة أنزل أحضر الحفلة، ولا ده ممنوع دلوقتي؟

ثم نهضت عن مقعدها ووقفت في مكانها، وظلت ترمقه بنظرات محتقنة وهي تهز ساقيها في عصبية، في حين استمر هو في التحديق أمامه، ولكنه استدار برأسه ناحيتها، ثم مد يده ليمسك برسغها، ومن ثم جذبها عنوة للأسفل لتجلس هي رغما عنها على مقعدها وهي تتأوه من قبضة يده القوية عليها و...
-فرح بنبرة منزعجة: في ايه؟ انت بتعمل كده ليه؟
-يزيد بنظرات ثابتة، ونبرة جادة للغاية: فرح، أنا هتجوزك النهاردة.

-فرح فاغرة شفتيها في صدمة كبيرة: اييييييييه...؟

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة