قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية فراشة أعلى الفرقاطة للكاتبة منال سالم الفصل الحادي عشر

رواية فراشة أعلى الفرقاطة للكاتبة منال سالم الفصل الحادي عشر

رواية فراشة أعلى الفرقاطة للكاتبة منال سالم الفصل الحادي عشر

استمر الطاقم البحري في عمله، في حين تسمرت فرح بجوار أحد الأركان على السطح، ولم تفعل أي شيء سوى محاولة تهدئة روعها بنفسها، ولكن يبدو أن دوار البحر قد بدأ يصيبها..
-فرح بنبرة خائفة لنفسها: آآآه، دماغي ابتدت تلف، استر يا رب.

لمح يزيد فرح من قمرة القيادة وهي قابعة في مكانها منذ فترة، وتملكه الاستغراب، وظل يتابعها بأعين كالصقر إلى أن ناداه أحد الضباط لكي يستفسر منه عن شيء ما، فترك يزيد مكانه، وذهب معه..
علقت فرح الكاميرا الخاصة بها حول عنقها، ثم استدارت بظهرها لتواجه مياه البحر، ثم استندت بكفي يدها على الحافة المعدنية لأحد جوانب الفرقاطة..

أمالت فرح رأسها قليلا للأمام، وأغمضت عينيها، وظل تتنفس بأنفاس متسارعة ومنتظمة..
بدأ الغثيان يصيبها في معدتها، وحاولت جاهدة أن تفكر في أي شيء أخر كي لا تضطر لإفراغ ما في جوفها..
اقترب أحد المجندين من فرح، ثم وقف إلى جوارها، وأمال برأسه قليلا ناحيتها و...
-مجند ما بنبرة خافتة و متسائلة: انتي كويسة يا أستاذة؟

أومأت فرح برأسها إيجابيا و...
-فرح بصوت ضعيف: أها
-مجند ما بنبرة حائرة: بس شكلك مش باين عليه كده، انتي عندك دوخة أو آآ...
-فرح مقاطعة وهي تشير بيدها، وبنبرة مضطربة: آآ، انا، كويسة، مافياش حاجة، شكرا على اهتمامك.

هز المجند رأسه، ثم ترك فرح بمفردها وانصرف ليتابع عمله...

انشغل الجميع بأداء المهام الخاصة بهم، في حين ظلت فرح في مكانها، ورغم ازدياد حدة دوار البحر والغثيان لديها، إلا أنها رفضت أن تستعين بأي أحد لكي يساعدها..
استمر الهواء البارد في لطم وجنتي فرح، وفي إصابتها برعشة في أنحاء جسدها..

ظنت فرح أن استمرار وقوفها في مواجهة مياه البحر ربما يكون السبب في زيادة حدة دوار البحر والغثيان لديها، لذا قررت أن تترك تلك البقعة، وتعاود أدراجها إلى قمرة نومها وتستريح..

التفتت فرح بجسدها، ونظرت أمامها لتحسب المسافة من مكانها إلى حيث توجد قمرتها، فهي تريد أن تبدو متماسكة على قدر الامكان حتى تصل إلى هناك دون أن يشعر أي أحد بما تعانيه، فهي تخشى أن تبدو أمامهم ضعيفة جبانة، وبالتالي يعتبر كمأخذ عليها، وهي تسعى لأن تثبت أنها جديرة بتلك المهمة التي كلفت بها...

انتهى يزيد من مراجعة خطوط المسار الخاصة بالفرقاطة، ومن وضع الاستراتجيات الخاصة بالمناورة ومراجعتها مع الضباط المرافقين له، ومن هم تحت إمرته، بالإضافة إلى التنسيق مع السفن الحربية الأخرى المشاركة في تلك المناورة البحرية، والتأكد من إلتزام الجميع بخطة العمل المتفق عليها مسبقا..
أثنى يزيد على الكفاءة العالية، واليقظة الذهنية المميزة لضباطه، و...

-يزيد بنبرة جادة، ونظرات إعجاب: على بركة الله يا رجالة، احنا عاوزين المرادي نعمل شيء مختلف، ونثبت إننا قادرين على تشغيل الفرقاطة والتعامل مع كل امكانياتها بمهارة تامة
-ضابط ما بنبرة حماسية: اطمن يا سيادة المقدم، كل حاجة ماشية زي ماحضرتك أمرت
-يزيد بنبرة تشجيعية: أنا متأكد من رجالتي
-ضابط أخر بنبرة رسمية: احنا جاهزين يا باشا لأي حاجة..

ابتسم يزيد ابتسامة رضا، ثم تركهم يكملون عملهم وانصرف إلى خارج قمرة القيادة..

كانت فرح تترنح في خطواتها، فكلما سارت خطوة للأمام شعرت أن الدنيا تميل من حولها، وأنها غير قادرة على الاتزان، فتعاود أدراجها للخلف، وتغمض عينيها، وتظل متشبثة بالحافة المعدنية إلى أن تستعيد ثباتها للحظة، فتبدأ بالحركة من جديد بعد أن تستدير بجسدها، ولأن الدوار كان مستحوذا عليها، فلم تنظر جيدا إلى حيث تسير، فسارت في الاتجاه المعاكس..

دلف يزيد خارج قمرة القيادة، وبحث بعينيه عن فرح، ولكنه لم يجدها حيث كان تنتظر قبل فترة، فشعر بالتوجس، وتملكه القلق نوعا ما عليها، وصارت ملامحه أكثر حدة..
سأل يزيد أحد المجندين عن فرح، فأخبره أنه لم يرها، ظن يزيد أنها ربما تكون قد عادت إلى قمرة نومها، فأسرع في خطاه ناحيتها، وبالفعل وقف أمام باب القمرة، ثم طرقه عدة مرات و...
-يزيد بنبرة جادة: فرح، انتي موجودة؟

انتظر يزيد أن يأتيه الرد منها، ولكن لا شيء، فتردد في فتح باب القمرة لعلها تكون نائمة أو على راحتها، وبالتالي يتسبب في إحراجها، ولن يستطيع وقتها أن يبرر موقفه هذا..
طرق يزيد باب القمرة المعندي مجددا، ولكن بطرقات عالية، و..
-يزيد بنبرة صارمة: فرح، أنا هافتح الباب لو مردتيش عليا.

انتظر يزيد مجددا لبرهة حتى يأتيه الرد من فرح، ولكن كان الوضع كسابقه، لذا حسم أمره بفتح الباب والدخول..
أدار يزيد المقبض بهدوء وهو يعطي تنبيهات لأكثر من مرة انه على وشك فتح الباب.

سارت فرح في اتجاه أبعد نقطة تتجه ناحية مؤخرة الفرقاطة وكانت معظم الوقت تترنح في مشيتها، وممسكة بمعدتها وتقاوم بشدة رغبتها في التقيؤ..
كانت مؤخرة الفرقاطة شبه خالية من الأفراد أو المجندين، فالغالبية كانت إما في المقدمة، أو بالأسفل، أو بداخل عنابر تشغيل الماكينات، وغرفة المحركات، أو بقمرات التسليح، أو بقمرة القيادة، واندهشت حينما وجدت أنها قد أضلت الطريق دون قصد منها..

رفعت فرح رأسها للأعلى، وزفرت في توتر شديد، ثم استندت بكف يدها على أحد جوانب الفرقاطة و...
-فرح بنبرة مرتعدة: ازاي مخدتش بالي إني مشيت غلط، أنا مش هاقدر أرجع كل المسافة دي، أنا أحسن حاجة أعملها إني أقعد على الأرض..
تنفست فرح بصعوبة، وحاولت أن تضبط نبضات قلبها المتسارعة..

جلست فرح القرفصاء على الأرضية المعدنية الصلبة، وأرجعت رأسها للخلف، وأسندتها على الجانب، وأغمضت عينيها، وظلت تحاول تنظيم سرعة تنفسها لتهديء من نفسها..
اضطربت فرح حينما وجدت الفرقاطة تعلو وتهبط مع حدة الأمواج، فانكمشت على نفسها أكثر، وضمت ساقيها إلى صدرها، ثم استندت برأسها على ركبتيها...

فتح يزيد باب القمرة ليجدها خاوية من فرح، فعقد حاجبيه في حيرة، وقطب جبينه، وانزعجت ملامحه بشدة..
-يزيد متسائلا بنبرة ممتعضة، ونظرات ضائقة: راحت فين دي؟

أغلق يزيد باب القمرة بعد أن دلف للخارج، ثم سار في اتجاه مقدمة الفرقاطة، وظل يجوب ببصره المكان بحثا عنها..
لم يجد يزيد فرح بأي مكان، فدلف مجددا إلى داخل قمرة القيادة ثم تنقل بين أجزاء الفرقاطة المختلفة بحثا عنها، ولم يجدها في أي مكان من المفترض أن تتواجد به، فانزعج أكثر، واكفهرت ملامح وجهه بشدة..
رأى يزيد آدم وهو يتحدث مع بعض الضباط، فسار في اتجاههم، ثم وضع يده على كتف آدم ليلفت انتباهه و...

-يزيد بنبرة صارمة: آدم باشا، عاوزك شوية.

تملكت الدهشة من آدم، ورفع أحد حاجبيه في تعجب و...
-آدم باستغراب: حاضر..
انصرف يزيد أولا، ووقف على الجانب يتطلع إلى أمواج البحر المتلاطمة بنظرات منزعجة، ثم لحق به آدم، ووقف قبالته و...
-آدم متسائلا بتوجس: خير يا يزيد باشا؟ في ايه؟
-يزيد بنبرة ضائقة: ماشوفتش فرح؟
-آدم وهو يمط شفتيه في عدم معرفة: لأ.

زفر يزيد في انزعاج جلي، فاستغرب آدم أكثر من تصرفاته المنفعلة و...
-آدم متابعا بنبرة هادئة: تلاقيها هنا ولا هنا، ماهي مش معقول هاتفضل أعدة في حتة واحدة يعني، دي صحفية وآآ..
أشاح يزيد بيده في وجه آدم، و...
-يزيد مقاطعا بنبرة متعصبة، ونظرات حانقة: مش مبرر إنها تختفي كده، وتعمل اللي على مزاجها من غير ما ترجعلي.

-آدم بنبرة مندهشة، ونظرات مذهولة: وهي هترجعلك ليه؟ ماهي بتشوف شغلها اللي المفروض هي جاية عشانه
-يزيد بنبرة غاضبة وهو يشير بيده: برضوه هاتقولي شغلها..!
-آدم بنبرة متريثة، ونظرات فاحصة: ايوه، هي معملتش حاجة غلط
-يزيد بنبرة متشنجة، ومتوعدة: بس أنا محذرها إنها متعملش حاجة إلا لما ترجعلي، وهي برضوه مصممة تركب دماغها، إن ما عرفتها قيمتها.

-آدم بهدوء حذر: مافيش داعي إنك تتسرع في الحكم عليها، استنى أما نشوف ظروفها ايه
-يزيد بنبرة استنكار وتهكم: هي كانت مهاجرة ولا حاجة، ده هي في حتة مكان أد كده
-آدم بنبرة هادئة: معلش، الوقتي تبان، وبرضوه بأرجع أفكرك إنها صحفية ودي طبيعة شغلها
-يزيد بغضب هادر: الله يحرق ده شغل، كل ما هاقولك حاجة تقولي شغلها شغلها، خلاص عينتك المحامي بتاعها عشان تدافع عنها!

اتسعت مقلتي آدم في استغراب شديد نتيجة غضب يزيد الغير مبرر، وحاول ألا ينفعل هو الأخر، ويتحكم في أعصابه أكثر، فأخذ نفسا عميقا، وزفره على تمهل و...
-آدم بنبرة دبلوماسية، ونظرات ثابتة: لأ مش المحامي بتاعها، بس هي بنت مختلفة عن أي حد، وبتحاول على أد ما تقدر تعمل اللي انت بتطلبه منها
-يزيد بنبرة ساخطة: واضح أوي انها بتسمع الكلام
-آدم وهو يبتلع ريقه في توتر: اهدى بس انت، وأما تظهر ه، آآآ...

-يزيد مقاطعا بنبرة صارمة: خلاص يا آدم، انتهى الموضوع.

ثم كور يزيد قبضة يده، وطرق بها بقوة على الحافة المعدنية، و...
-يزيد بنبرة متوعدة، ونظرات قاسية: طيب يا فرح، بس تظهري أودامي، وأنا هوريكي.

انصرف يزيد من أمام آدم، وهو يتمتم بكلمات مبهمة، في حين ظل آدم مسلطا بصره عليه في اندهاش عجيب من تصرفاته الغير مفهومة بالمرة، ثم تذكر أنه ربما يكون للأمر علاقة بزوجة يزيد السابقة هايدي، وشغفها بالعمل، فربط بين انفعاله الزائد على فرح، وعقدته من قضية عمل المرأة بصفة عامة..
-آدم بتوجس: ربنا يستر، ويعدي الموضوع ده على خير.

عاد يزيد إلى قمرة القيادة مجددا، وظل ينظر أمامه من النافذة الزجاجية الأمامية، ثم فكر مع نفسه في أن لم يبحث عن فرح بعد في مؤخرة الفرقاطة، فربما تكون موجودة هناك، لذا تحرك يزيد من مكانه، وأسرع في خطواته ناحية المؤخرة..

أمالت فرح برأسها قليلا على ركبتيها، وهي مازالت مغمضة العينين، ونوعا ما بدأت تتنفس ببطء..
وصل يزيد إلى مؤخرة الفرقاطة، وبالفعل وجد فرح وهي متكورة على نفسها بجوار أحد الجوانب، فسار في اتجاهها، وعلى وجهه علامات انفعال جلية..
وقف يزيد قبالة فرح الجالسة على الأرضية، ثم رمقها بنظراته الحادة والغاضبة و...

-يزيد بنبرة محتقنة وهادرة: كام مرة لازم أفهمك إنك مسئولة مني؟ خلاص اللي بيطلع في دماغك بتعمليه، عاوزة تجننيني بعمايلك دي.

رفعت فرح رأسها للأعلى، وأرخت ذراعيها للأسفل، ثم مدت أحد ساقيها للأمام، وظلت مثنية للأخرى، ونظرت إليه بنظرات زائغة و..
-فرح بخفوت: معلش، المرة الجاية هابقى أقولك
-يزيد بصراخ عنيف: لا مرة جاية ولا عاشرة، إنتي أخرك معايا المناورة دي وبعد كده ترجعي مطرح ماجيتي.

أخفضت فرح رأسها، وأجفلت بصرها للأسفل، ونظرت إلى أسفل قدميها و..
-فرح بصوت أكثر خفوتا وبإقتضاب: طيب، ربنا يسهل.

احتقن وجه يزيد أكثر من ردود فرح الجافة عليه، وشعر لوهلة أنها ربما تحاول استفزازه، فصدح بها مجددا ب...
-يزيد بنبرة آمرة وعالية، وبنظرات شرسة: وبعدين لما أكلمك تقفي انتباه قدامي، ماتنسيش نفسك.

أومأت فرح برأسها، ولم تتحرك، فصاح بها يزيد مرة أخرى، ثم مد كف يده ناحية ذراعها، وقبض عليه بقسوة، ثم جذبها بقوة من على الأرضية لتقف رغما عنها على قدميها وهي تتآلم من أصابعه المغروزة في عضدها..
-فرح متآلمة: آآآه، بالراحة طيب.

أرخى يزيد قبضة يده عن ذراعها، فاستندت هي بكف يدها على الحافة، فنظر هو إليها بنظرات محتقنة و...
-يزيد وهو يجز على أسنانه في غضب وتوعد: انتي لسه شوفتي حاجة! يالا على جوا..!

ثم دفع يزيد فرح من كتفها بعنف لتتحرك من مكانها، فاندفعت هي للأمام على إثر دفعته القوية، وترنحت للحظة في خطوتها، وتغلب عليها الشعور بالغثيان وتقلب المعدة، فإنحنت بجسدها قليلا للأسفل، واستندت بكفي يدها على ركبتيها، وبدأت تتقيأ ما في جوفها.

نظر يزيد إلى فرح بنظرات مذهولة ومصدومة في آن واحد، ثم تحرك خطوتين ليقف خلفها و...
-يزيد بنبرة متفاجئة وقلقة: مالك يا فرح؟ انتي، انتي كويسة؟

لم تتحدث فرح، بل ظلت منحنية للأسفل وهي في قمة خجلها من يزيد، فهي لم ترد أن يراها في تلك الحالة، في حين تردد يزيد في الاقتراب منها، ثم حسم أمره سريعا بوضع كلتا يديه على كتفها، ثم سحبها منه وسار بها في اتجاه الحافة الجانبية، وهي لم تقاومه، أمالت فرح رأسها للأمام في اتجاه مياه البحر، ثم بدأت تتقيأ من جديد..

رفع يزيد أحد يديه عاليا، ثم وضعها على رأس فرح، وظل يمسد على شعرها في حنية، بينما ظل ممسكا بكتفها باليد الأخرى و...
-يزيد متسائلا بصوت قلق: فرح انتي عندك دوار بحر؟

شعرت فرح بالاحراج الشديد من هيئتها المزرية تلك، وكلما حاولت أن تتحدث، غلبتها رغبتها في التقيؤ، واستمرت على تلك الوضعية لعدة دقائق تالية..
بدأت العبرات في التجمع في مقلتي فرح، وبدأت عينيها في اللمعان من شدة الخجل، وظلت مطرقة الرأس لا تجرؤ على النظر في اتجاه يزيد..
-يزيد بصوت خافت ومضطرب، ونظرات قلقة: لما انتي تعبانة يا فرح مقولتيش ليه؟

لم تنبس فرح بكلمة، ولكنها بدأت تنتحب في خزي مما رأه يزيد، ولكنه كان على العكس تماما، حيث كان في حالة قلق تام عليها و...
-يزيد بنبرة متوجسة: طب انتي بتعيطي ليه الوقتي؟

تعالت شهقات فرح بالبكاء، وظلت مطرقة لرأسها، وخشيت أن تستدير حتى في اتجاهه..
حاول يزيد أن يهون على فرح قليلا، فقد خمن أنها ربما تكون محرجة منه لأنه رأها في حالتها المرضية، فبادر ب...
-يزيد مازحا بخفوت: بس الواضح انك أكلة حاجة خفيفة، وإلا كان زمانك مبهدلة الدنيا على الأخر
-فرح بصوت مختنق ومتلعثم: انا أسفة، أنا، أنا مقصدش.

-يزيد بهدوء: ششش، محصلش حاجة، اهدي بس، ويا ستي رجعي براحتك للصبح أنا مش ورايا حاجة، هستناكي لما تخلصي.

وبعد دقيقة أخرى، اعتدلت فرح في وقفتها، فأبعد يزيد يده عن كتفها، فتراجعت هي خطوة للخلف، وظلت مخفضة لعينيها، وإستندت بيدها على الحافة..
تأمل يزيد ملامح وجهها وهو يبتسم لها، في حين اكتست وجنتيها بحمرة الاحراج، وتمنت لو كان بإمكانها أن تتلاشى من أمامه قبل أن يراها على تلك الحالة المقززة و..
-فرح بنبرة محرجة ومرتبكة: أنا، م، معرفش آآ، أقصد إني آآ..

-يزيد مقاطعا بحسم: انتي مش محتاجة تبرري، كلنا بنتعرض لدوارالبحر، وده عادي على فكرة، وحاجة متكسفش.

ظلت فرح مطرقة لرأسها، وقبضت بشدة على الحافة بأصابع يدها في توتر..
تمعن يزيد في حالة فرح، فقد كانت تلك هي المرة الأولى التي يراها في قمة خجلها وارتباكها، رغم أنها لم تفعل ما يشينها..
إزدادت ابتسامته اتساعا حينما رأها رأها تتصرف كالطفلة الصغيرة التي تخشى العقاب من شيء لا يد لها به و...
-يزيد بنبرة رخيمة، وبنظرات متمعنة: هاتفضلي بصة في الأرض كده كتير، أنا عاوز أشوف عينيكي وأنا بكلمك.

رفعت فرح رأسها فجأة، ونظرت مباشرة في عينيه عقب عبارته تلك، ورمشت عدة مرات في ارتباك زائد، ثم ابتلعت ريقها في توتر، وإزداد تورد وجنتيها، فشعرت كأن نيرانا تنبعث منهما، وأرخت قبضتها عن الحافة و..
-يزيد مبتسما بهدوء: كده أحسن..
تراجعت فرح خطوة للخلف، وعضت على شفتيها في خجل، ثم ضيقت عينيها، ونظرت إليه بنظرات زائغة و...
-فرح بنبرة حائرة: انت بتدور كده ليه؟

رمق يزيد فرح بنظرات متعجبة، وعقد أحد حاجبيه في تساؤل و...
-يزيد بعدم فهم: بدور إزاي يعني؟ أنا مش فاهمك.

شعرت فرح أن رأسها يدور بشدة، وأن الأشياء تتحرك أمام عينيها بسرعة رهيبة، فأغمضت عينيها، وضغطت عليهما بشدة، وبدأت تميل بجسدها، في حين تجمدت ملامح وجه يزيد، ونظر إليها بتوجس شديد، وفجأة ترنحت فرح للخلف بدرجة مخيفة، وكادت أن تسقط، فأسرع يزيد ناحيتها، ومد كلا يديه ليمسك بها قبل أن تفقد وعيها تماما بين ذراعيه و...
-يزيد بنبرة قلقة للغاية: فرح...!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة