قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية فراشة أعلى الفرقاطة للكاتبة منال سالم الفصل الثاني عشر

رواية فراشة أعلى الفرقاطة للكاتبة منال سالم الفصل الثاني عشر

رواية فراشة أعلى الفرقاطة للكاتبة منال سالم الفصل الثاني عشر

غابت فرح عن الوعي، فانتفض يزيد فزعا، وأسرع بالإمساك بها بذراعيه كي لا تسقط على الأرضية وتصطدم بها..
أسند يزيد فرح بأحد ذراعيه، ورفع ذراعه الأخر في اتجاه وجهها، ثم بكل رفق ضرب على وجنتها بكف يده كي تفيق و...
-يزيد بنبرة مرتعدة، ونظرات قلقة: فرح، ردي عليا، فرح..!

ثم حرك يزيد راحة يده وأمسك بفرح من فكها بأصابع كفه، وظل يهز في وجهها لليمين ولليسار، ولكن للأسف لم توجد أي استجابة منها..
لم يكن أمام يزيد أي خيار أخر سوى حمل فرح، حيث أحكم لف ذراعه المسند لها عليها، ثم مال بجذعه قليلا للأسفل، ووضع ذراعه أسفل ركبتيها، وحملها بكل خفة بين ذراعيه، وسار بها بخطوات متعجلة ناحية قمرة نومها...

مر يزيد بطريقه للقمرة بالعديد من المجندين والضباط، والكل يتسائل في نفسه عما حدث لتلك الصحفية، وسبب إغمائها..
كانت ملامح يزيد منزعجة للغاية، وعينيه مضطربتان بشدة، تحرك يزيد بعجالة بين الجميع، ثم هدر ب...
-يزيد بلهجة صارمة وآمرة: حد ينادي على الرائد تيمور بسرعة
-أحد المجندين بنبرة رسمية: حاضر يا فندم.

أفسح عدد أخر من الضباط الطريق للمقدم يزيد لكي يتجه إلى منطقة القمرات الخاصة بالنوم..
كان يزيد يلقي بنظراته على فرح بين الحين والأخر، وهو يدعو الله في نفسه أن تكون بخير.

دفع يزيد باب القمرة المعدني بقدمه لكي ينفتح على مصرعيه، ومن ثم دلف للداخل، ثم وضعها على الفراش المعدني، ونزع عن عنقها الكاميرا الخاصة بها، ثم تراجع للخلف وأسند الكاميرا على أحد الأرفف المعدنية، ومن بعدها الحقيبة التي ترتديها، وأسندها إلى جوار الكاميرا، ثم وقف إلى جوار باب القمرة وهو واضع ليده على ذقنه ويفركه في توتر..

بعد دقائق معدودة حضر الرائد الطبيب تيمور، وبصحبته آدم، إلى قمرة نوم فرح، كان التوتر يعتري كل قسمات وجه يزيد، ولاحظ آدم هذا عليه، ولكنه أثر الصمت..
تراجع كلا من يزيد وآدم خطوتين للخلف ليصيرا خارج الغرفة، ويتركا المجال للطبيب لكي يتولى الكشف على فرح بدون تدخل منهما..

أسند الطبيب حقيبته على طرف الفراش، وانحنى قليلا بجسده في اتجاه فرح الممددة على الفراش، ثم أمسك بمعصم يدها ليقيس معدل نبضات قلبها، وبعدها بدأ بالفحص الروتيني والرئيسي المعتاد عليها..
راقب يزيد الطبيب من الخارج، في حين لم يحيد آدم ببصره عن رفيقه، و...
-آدم متسائلا بخفوت بخفوت، ونظرات هادئة: هو إيه اللي حصل.

صمت يزيد واكتفى فقط بالتحديق بنظرات جامدة لآدم..
علم آدم أنه ليس بالأمر الهين أن يحصل من يزيد على أي معلومة، وخاصة إن كان هناك ما يشغل باله...
استدار يزيد بعينيه مجددا لينظر إلى داخل القمرة محاولا معرفة ما الذي يفعله الطبيب، فلمحه وهو يثبت أحد المحاليل بإبرة طبية في وريد يدها، ، فتوجست ملامحه، ثم دلف سريعا للداخل و..
-يزيد بنبرة متوترة، ونظرات منزعجة: في ايه مالها؟

انتبه الطبيب الرائد تيمور في وقفته، ثم...
-تيمور بهدوء: حالة دوار بحر يا سيادة المقدم
-يزيد متسائلا باستغراب وهو يشير بيده: طب وانت بتعلقلها محاليل ليه؟
-تيمور بنبرة رزينة: ده طبيعي يا فندم لأنها محتاجة لسوائل وخصوصا إنها تعتبر مكالتش حاجة، وممكن ده يعمل مضاعفات لو متلحقتش
-يزيد بنبرة جادة: اعمل اللي انت شايفه مناسب ليها
-تيمور بخفوت وهو يوميء برأسه: حاضر يا سيادة المقدم.

باشر الطبيب الرائد تيمور في متابعة ما يقوم به، وقام بوخز فرح في ذراعها لتثبيت المحلول، ثم أعطاها مضادا حيويا، في حين وقف يزيد في الخلف يتابع عن كثب ما يفعله، وبعد أن انتهى الطبيب من عمله جمع أشيائه الطبية، ودلف إلى الخارج، فأوقفه يزيد قبل أن يبتعد و..
-يزيد متسائلا بإهتمام: هي هاتبقى كويسة؟

-تيمور بنبرة رسمية: على بكرة الصبح هاتكون حالتها أفضل، وأنا هاجيبلها من عيادة الطواريء أقراص لحالتها بحيث تقدر تستخدمها لو اتكرر معاها الموضوع
-يزيد بجدية، ونظرات امتنان: تمام، شكرا يا سيادة الرائد
-تيمور بنبرة عادية: العفو يا فندم، ده واجبي..
ثم انصرف الطبيب الرائد تيمور، في حين دلف آدم هو الأخر إلى داخل القمرة و...
-آدم متسائلا بعدم فهم: في ايه لكل ده؟
-يزيد بهدوء حذر، ونظرات ثابتة: مافيش.

-آدم باستغراب وهو يعقد أحد حاجبيه: مافيش ازاي، انت مش شايف شكلك يا يزيد
-يزيد بنبرة صارمة، ونظرات حادة: آدم، انا مش بحب نظام الحوار ده
-آدم بهدوء حذر، ونظرات جدية: ماهو أنا عاوز أفهم ايه اللي حصل، انت مش شوية كنت قالب الدنيا عليها، وفجأة نلاقيك شايلها وهي مش في الدنيا خالص، وآآآ...

-يزيد مقاطعا بنبرة متصلبة: الموضوع مش محتاج توضيح يا سيادة المقدم، هي عندها دوار بحر، واغمى عليها وعشان كده مكانتش باينة.

مطت آدم شفتيه في عدم اقتناع، ولكنه لم يرد أن يعقب حتى لا يثير انفعال يزيد أكثر، خاصة أنه قد لاحظ بوادر العصبية عليه..
-آدم بإيجاز: أنا هاطلع أشوف ورايا ايه
-يزيد بإقتضاب وهو قاطب جبينه: يكون أحسن برضوه
-آدم متسائلا بتبرم: مش جايا معايا
-يزيد بجدية: شوية وهاحصلك.

حدق آدم في فرح المستكينة في فراشها، ثم التفت إلى يزيد مجددا ببصره و..
-آدم بنبرة جادة: ماشي..
دلف آدم إلى خارج القمرة، في حين استدار يزيد بجسده ناحية فرح، وظل ينظر إليها بإمعان..
لقد كانت فرح هادئة ساكنة، ملامح وجهها نوعا ما جامدة، تتنفس بإنتظام، ولون بشرتها يميل للشحوب..
تنهد يزيد في انزعاج، ثم وضع كلتا يديه في جيب بنطاله العسكري الأزرق، وظل لبرهة يتأمل سكونها..

دار ما قاله آدم في رأس يزيد، وشعر أنه ربما يثير الفضول والتساؤلات حول علاقته بها إذا ما استمر في التواجد برفقتها دون مبرر مقنع، لذا لقطع الطرق على الجميع قرر أن يتعامل بحذر مع فرح ريثما يدرك ماهية علاقته الحالية معها..
أخرج يزيد كلتا يديه من جيب بنطاله، ثم اقترب من فرح، ومد يده ناحية رأس فرح، ووضعها على جبينها ليتفقد حرارتها، ثم رمقها بنظرات أخيرة قبل أن يستدير بجسده ويتجه ناحية باب القمرة..

أغلق يزيد الباب بعد أن انصرف، وحاول قدر الإمكان أن يلهي نفسه بالعمل حتى لا يلفت الأنظار إليه أو يثير الشكوك حول أمر اهتمامه الزائد بها..

في مركز ماميز الطبي
تلقت إحدى الممرضات – ذات الزي الوردي الفاتح - بمركز ماميز الطبي دعوة من نقابة الأطباء بالإسكندرية لحضور ندوة طبية عن التوعية الصحية الخاصة بالمرأة الحامل مع بداية الأسبوع المقبل في نادي اليخت، كانت تلك الدعوة موجهة للطبيبة هايدي..
حملت الممرضة الدعوة في يدها، ثم توجهت بها ناحية مكتب هايدي، طرقت الممرضة الباب أولا قبل أن تدلف للداخل.

سمحت هايدي للممرضة بالدخول، واقتربت الممرضة من مكتبها الزجاجي، كانت هايدي منشغلة بالاطلاع على أحد الملفات، وبتدوين بعض الملحوظات الطبية..
لم ترفع هايدي رأسها عن الورقة التي تطالعها، و...
-هايدي بنبرة فاترة، ونظرات مجفلة: في ايه؟
-الممرضة بخفوت، وارتباك: دي، دي دعوة جاية باسم حضرتك
-هايدي بنظرات استخفاف، ونبرة ساخطة: دعوة..! هو أنا ناقصة قرف، ارميها في الباسكيت، واطلعي برا.

زمت الممرضة شفتيها في استغراب، وسارت في اتجاه باب الغرفة، ولكن أوقفها صوت هايدي ب...
-هايدي بلهجة آمرة: استني، هاتيها الأول أشوف فيها ايه.

استدارت الممرضة بجسدها، وعاودت أدراجها في اتجاه المكتب الزجاجي، ثم أسندت الدعوة على سطح المكتب، وانصرفت بعدها خارج المكتب..
زفرت هايدي في امتعاض، ثم أرجعت ظهرها للخلف على مقعدها بعد أن تركت القلم الحبر، وظلت ترمق الدعوة بنظرات مشمئزة..
انتصبت هايدي في جلستها، ثم مدت يدها لتمسك بالدعوة، وفتحتها بأطراف أصابعها، وظلت تقرأ محتواها..

ابتسمت هايدي ابتسامة متهكمة، وهي تقرأ اسم النادي الذي وجه إليها الدعوة، ثم ألقت بالدعوة في عدم اكتراث على سطح المكتب..
طرقت هايدي بأصابع يدها على سطح المكتب الزجاجي في توتر، ثم زفرت في ضيق، ترددت هايدي في قبول الدعوة، ثم حسمت رأيها ب..
-هايدي بنبرة قاسية: لأ مش رايحة..!
أرجعت هايدي رأسها مرة أخرى للخلف، وإستندت على مقعدها و...

-هايدي متابعة ببرود: مش لازم أروح هناك، أنا مش عاوزة أشوف خلقته حتى لو بالصدفة...!

وصلت الفرقاطة إلى المكان المخصص للمناورة البحرية التي تم الاتفاق عليها في المياه الإقليمية المصرية...
اتخذت الفرقاطة وضعها وفقا للتشكيل المنضمة إليه، وبدأت عملية الاستعداد للمناورة حيث وقف قادة السفن الحربية في أماكنهم الخاصة، وبدأ الجميع في التأهب من أجل إعطاء اشارة البدء..

كانت العملية الأولى هي تكوين عدة تشكيلات إبحار خلال مدة زمنية محددة حيث يتم إبراز سرعة إتخاذ الوحدات والمجموعات التكتيكية لأوضاعها وفقا لمتغيرات المعركة البحرية..
برزت المهارات الفائقة وسرعة البديهة للوحدات المشاركة في أول عملية، وتفوق فيها الجميع على أنفسهم..
أبدى قادة الوحدات إعجابهم بكفاءة الأطقم البحرية العسكرية المشاركة في عمليات التشكيل السريعة..

كما استطاع يزيد وطاقمه المميز أن يظهروا تفوقهم خلال تجربتهم الأولى باستخدام الفرقاطة الجديدة..
بعد مرور فترة من الوقت في التدريب على المناورة، كان الجميع قد انتهى تقريبا من أول مهامهم المكلفين بها، ومن ثم تم إعطائهم فترة راحة..
استغل يزيد فترة الراحة – وخاصة انشغال الجميع بتناول الطعام وبالسرد عن مميزات اليوم الأول للمناورة - في الذهاب إلى قمرة فرح للإطمئنان عليها..

تحرك يزيد بخفة بين الجميع، ولم ينس ان يثني على من يقابله من طاقمه الكفؤ طوال طريقه إلى القمرة..
طرق يزيد باب القمرة المعدني قبل أن يدلف للداخل بطرقات خفيفة و..
-يزيد بنبرة هادئة ورخيمة: فرح، صاحية؟

أصغى يزيد جيدا لعله يسمع أي صوت يأتيه من الداخل، ولكن كان الوضع هادئا للغاية، فظن أن فرح مازالت نائمة..
أدار يزيد مقبض الباب المعدني بحذر، ثم أطل برأسه أولا قبل أن يدلف كليا بجسده إلى الداخل..
كانت فرح تغط في نوم عميق، فاقترب يزيد منها بخطوات متمهلة..
تململت فرح في فراشها قليلا، ثم التفتت بجسدها لتنام على الجانب في اتجاه يزيد الذي تسمر في مكانه..

بدأت فرح تتمتم بكلمات غير مفهومة، فظن يزيد أنها ربما استعادت وعيها، فإقترب أكثر منها إلى أن صاؤ على بعد خطوة واحدة من رأسها، ثم انحنى بجذعه قليلا للأسفل..
مد يزيد يده ليتحسس وجنتها وهي نائمة ليطمئن على حرارتها إن كانت طبيعية، فهو يخشى أن تعاني من أعراض البرد نتيجة تغيير المناخ عليها، وخاصة أنها في حالة مرضية هزيلة، ولكنه توقف فجأة عما يفعل حينما سمعها تهمس ب...
-فرح هامسة: كريم..!

تبدلت ملامح يزيد للانزعاج الجلي على الفور، وتحولت نظراته الحانية إلى نظرات قاتمة، ثم كور قبضة يده في حنق، و أعادها للخلف..
اعتدل يزيد في وقفته، وتراجع للخلف، في حين أردفت فرح ب..
-فرح متابعة بنبرة هامسة: ليه عملت فيا كده؟ ليه؟

جز يزيد على أسنانه في حنق، وشعر أنه يختنق من الضيق، فقد اعتقد أن فرح مازالت تحب زوجها الراحل وتفتقده للغاية، ولهذا تنادي بإسمه في نومها..
أخذ يزيد نفسا عميقا محاولا به التحكم في أعصابه، ثم سار بخطوات متعجلة إلى خارج القمرة، وأغلق الباب خلفه بعنف، واتجه ناحية قمرته الخاصة..

أوصد يزيد باب قمرته على نفسه، وفضل أن يمكث بمفرده في الداخل كي لا يلاحظ أي أحد نوبة الغضب التي تملكته فجأة..
حاول يزيد أن يلهي نفسه بأي شيء كي يوقف عقله عن التفكير، ولكن دون جدوى، فقد ظل صدى اسم ( كريم ) يتردد في عقله..
دلف يزيد إلى المرحاض الخاص به، ثم فتح صنبور المياه، وانحنى بجسده للأسفل لكي يضع رأسه تحت المياه الباردة والمنهمرة لعله يبرد تلك النيران المتأججة بداخله..

خرج يزيد بعد ذلك من المرحاض وهو يلوم نفسه على تساهله مع فرح، وترك الفرصة لها لكي تعبث بقلبه، وتسيطر على عقله تدريجيا، فقرر أن يغير من استراتيجيته في التعامل معها، فهو لن يقبل أن يصبح أضحوكة أمامها، أو أن يسمح لشعور قد بدأ ينبض بداخله في الاستمرار في الظهور إلى أن يتمكن منه كليا..

لقد عقد يزيد العزم على أن يصبح أكثر خشونة ورسمية معها، سيكون فقط بالنسبة إليها مجرد المسئول عنها ريثما تنتهي تلك المهمة الصحفية، ومن ثم يعود كل شيء إلى سابق عهده..

ظل هاتف فرح يرن طوال الليل بإتصالات من والدتها، ومن رفيقتها إيلين، ولكنه كان على الوضع الصامت، وبالتالي لم تستمع إليه فرح، وظلت غافلة بثيابها التي ارتدتها منذ الصباح...

طلب يزيد من الطبيب تيمور أن يمر هو بنفسه على فرح لكي يتابع حالتها، ثم يبلغه لاحقا بأخبارها، فنفذ الرائد تيمور طلبه، وأعطاه تقريرا مكتوبا عن حالتها الصحية والتي أظهرت استجابة سريعة للعلاج، وتحسن ملحوظ، بل إنه أبلغه أنها بحلول الصباح ستكون على ما يرام، كما أنه نزع عنها المحلول، والإبرة الطبية..

شكر يزيد الرائد تيمور على تفانيه في عمله، ثم طلب منه إرفاق التقرير في الملف الخاص بما يخص تقارير الفرقاطة اليومية..
عاد يزيد مجددا إلى قمرة القيادة، وظل يدرس المطلوب أدائه خلال اليوم الثاني من المناورة البحرية، وبعدما انتهى عاد إلى قمرة نومه ليستريح..

جاهد يزيد نفسه كثيرا لكي لا يفكر في فرح، وأقنع نفسه بأن الطريقة المثلى للقضاء على تلك الأفكار هي بتذكر مساويء زوجته، وإرغام نفسه على التصديق بأنها تشبهها مهما اختلفت طبيعة شخصيتها..

في صباح اليوم التالي، استيقظت فرح وهي تشعر بأنها نامت لدهر من الزمن، ظلت تتمطع في الفراش، ثم أدركت أنه كانت نائمة بثيابها، وحاولت أن تتذكر كيف جاءت إلى هنا، فأخر ما تذكره أنها كانت بحالة يرثى لها، وتعاني من دوار البحر، وكان يزيد برفقتها و...
-فرح بنظرات مصدومة، ونبرة متفاجئة: ده كان معايا، وأنا كنت برجع، بس آآ، بس بعد كده أنا مش فاكرة حاجة..

وضعت فرح يدها على رأسها، وعبثت بخصلات شعرها محاولة فهم ما يدور، ولكن على كل حال فهي اليوم تشعر أنها أفضل حالا..
لم ترد فرح أن تضيع وقتها في محاولة تذكر ما حدث، لذا نفضت هن عقلها تلك المسائل المضيعة للوقت، ثم نهضت عن الفراش، و دلفت للمرحاض لكي تغتسل وتبدل ثيابها..

ارتدت فرح بنطالا من الجينز ذي لون رمادي، ومن الأعلى ارتدت كنزة زرقاء زاهية ذات رقبة عالية ومثنية للأسفل تغطي عنقها بالكامل، ومن فوق الكنزة ارتدت سترة خفيفة من اللون الأبيض، ثم مشطت شعرها، وعقصته كحكة، وتركت بعض الخصلات تنسدل على وجنتيها من الجانب..
لم تنسى فرح أن تضع هويتها الخاصة حول عنقها، ثم أمسكت بالكاميرا الخاصة بها وكذلك الهاتف المحمول ووضعتهما في حقيبة يدها العملية، ودلفت إلى خارج القمرة..

رأت فرح كم الاتصالات الهاتفية الفائتة التي تلقتها من والدتها، فقررت أن تهاتفها لاحقا حتى لا تزعجها في هذا التوقيت المبكر..
ثم لمحت فرح دواءا ما مستندا على الطاولة، وخاص بدوار البحر، فابتسمت في عذوبة وهي ممسكة به و..
-فرح بإبتسامة رضا: والله كويس، ده ينفعني لو أنا حسيت بحاجة، وربنا يعدي اليوم ده على خير.

وضعت فرح الدواء في حقيبة يدها، ثم تناولت بعض السلطة الخضراء الموضوعة في طبق بلاستيكي في براد صغير بجوار خزانة الثياب، ثم دلفت لاحقا إلى خارج القمرة...

صعدت فرح على سطح الفرقاطة، وشعرت أن هناك شيئا ما غير طبيعيا يدور، فالكل متأهب للغاية، وكأنهم مجهزين للدخول في حرب فجائية، وهي لم تستوعب بعد سبب كل هذا..
بحثت فرح عن أي أحد لتستفسر منه عن سبب ذلك الاستعداد الرهيب و الذي كان يوحي بأن معركة حربية على وشك النشوب، فوجدت أحد الضباط يشير بيده لبعض المجندين، فاقتربت منه و...
-فرح مقاطعة برقة: لو سمحت!

التفت الضابط إلى فرح، ونظر إليها بجدية و..
-الضابط بنبرة جادة: ايوه
-فرح متسائلة بنبرة حائرة: سوري ان كنت هاعطل حضرتك، بس ممكن تفهمني في ايه؟
-الضابط بنبرة رسمية، ونظرات ثابتة: احنا هنبدأ بعد شوية الاشتباك بالذخيرة الحية مع التشكيل الخاص بينا.

فغرت فرح شفتيها في صدمة، واتسعت عينيها من الذهول ونظرت إلى الضابط بعدم فهم، و..
-فرح بنبرة متوترة: يعني احنا هنحارب؟
-الضابط بجدية: هي حاجة شبه التدريب العملي على القتال وآآ...
توقف الضابط فجأة عن الحديث، ثم قام هو والمجندين المرافقين له بالانتبه فجأة بأجسادهم، ومن ثم أداء التحية العسكرية، فاستدارت فرح للخلف لتجد يزيد يقف أمامها..

عضت فرح على شفتيها في ارتباك، ثم أشار يزيد للضابط والمجندين بالانصراف..
-يزيد بنبرة جادة للغاية، ونظرات جامدة: تعالي يا مدام وأنا أفهمك..!

رمشت فرح عدة مرات وهي تستمع إلى لقب ( مدام ) الذي أعاد تكراره مجددا على مسامعها و...
-فرح بنبرة مصدومة: هه..
سار يزيد للخلف عدة خطوات، ولحقت به فرح، ثم توقف بجوار أحد جوانب الفرقاطة، وعقد كلا يديه خلف ظهره، ووقف مشدودا بجسده وأولى فرح ظهره، ثم نظر أمامه حيث مياه البحر الزرقاء، والتشكيلات المرابطة في المياه، ليتجنب النظر إلى وجهها عن عمد وتحديدا لعينيها و...

-يزيد بنبرة صارمة ورسمية: احنا في مناورة مشتركة، وأكيد هيحصل تدريب عملي فيها على أعمال الاشتباك الحية زي تدمير أهداف معادية، تتبع غواصات دخيلة وملاحقتها، انقاذ سفن، التصدي للقراصنة، الاعتراض البحري لسفن مشبوهة، كمان في جزء خاص بالتزويد بالوقود أثناء عملية القتال، والإمداد البحري بالهيليكوبتر...

شعرت فرح أن هناك خطبا ما بيزيد، فإسلوبه قد اختلف تماما عن الأمس، هي لا تدري سبب هذا التغيير المفاجيء، ولكنها لم ترد الجدال معه، فهي تريد إثبات جدارتها في تلك المهمة الإضافية التي أسندت إليها، ولاحظت أنه لا ينظر إليها مطلقا..
-فرح بخفوت: تمام.

-يزيد متابعا بنفس الصلابة: ومطلوب منك يا، يا مدام إنك تكتبي تقرير صحفي عن المناورة، و تسلميه في نهاية اليوم ليا عشان يتراجع قبل ما يتصرح بالموافقة عليه، والكلام ده برضوه ينطبق على الصور اللي بتصوريها..
-فرح وهي توميء برأسها بصوت رقيق: حاضر.

ودت فرح أن تعرف أكثر عن طبيعة المناورات البحرية، ولكنها لم تتمكن من سؤال يزيد، لأنه تركها وانصرف مبتعدا عنها..
تسمرت فرح في مكانها، وشعرت أنها تائهة و..
-فرح باستغراب شديد: ماله ده!

في خلال نصف ساعة كان سطح الفرقاطة مليئا بالرجال المرابطين والمستعدين للاشتباك..
فضلت فرح أن تأخذ الدواء الخاص بدوار البحر لتتجنب الوقوع في مشكلة الأمس، وحاولت أن تسيطر على خوفها من البحر، وتجبر نفسها على البقاء هادئة ريثما تنتهي من عملها..
التقطت فرح للطاقم البحري بعض الصور المختلفة، وكذلك للتشكيلات البحرية المرابطة في المياه..

ظل المقدم يزيد يحاول تجنب النظر إلى فرح رغم رغبته الشديدة في متابعة ما تفعل، وتعمد أن يلهي نفسه حتى لا تخونه عينيه وتنظران إليها..

شعرت فرح بأن هناك اهتزازا متواصلا في حقيبة يدها، فأدركت أنه هاتفها المحمول، فاستدارت برأسها يمينا ويسارا لكي تبحث عن بقعة خالية من الضباط أو المجندين، ثم انسحبت بعيدا بعد أن حددت وجهتها، ووقفت بجوار أحد جوانب الفرقاطة، ثم وضعت يدها في داخل الحقيبة، وأخرجت الهاتف، ونظرت إلى شاشته..

وجدت فرح ان المتصلة هي والدتها، فابتسمت عفويا، ثم قررت أن تعاود الاتصال بها لتطمئنها على حالها، فبالتأكيد بالها مشغول عليها كثيرا لأنها لم تحدثها منذ يومين...

لمح يزيد فرح وهي تتلفت حولها فضيق عينيه أكثر، ثم رأى انسحابها بعيدا، فأثار الأمر ريبته، وقرر أن يعرف ما الذي يدور..
تحرك يزيد من مكانه، وسار بخطوات سريعة في اتجاهها..

وضعت فرح الهاتف على أذنها بعد أن اتصلت بوالدتها، ثم بدأت تحدثها بخفوت، وفجأة وجدت من يخطف الهاتف عنوة من أذنها من الخلف فانتفضت فزعا، واستدارت برأسها للخلف لتجد يزيد واقفا خلفها، وعلى وجهه علامات الغضب الشديدة، وينظر إليها بنظرات محتقنة، إغتاظت فرح كثيرا مما فعله يزيد، و...
-فرح بنبرة منزعجة: ايه اللي انت عملته ده؟ لو سمحت هات الموبايل بتاعي.

لم يجب يزيد على فرح، بل رمقها بنظرات قاسية، ثم رفع يده الممسكة بالهاتف عاليا في الهواء، وفجأة ألقاه ببرود قاتل في المياه..
اتسعت مقلتي عين فرح في صدمة تامة، وعقدت حاجبيها في ذهول، و..
-فرح بنبرة مشدوهة ومتلعثمة، ونظرات جاحظة: انت، انت ازاي آآ..

إزدادت تعبيرات وجه يزيد صرامة، واختفى بريق عينيه، وأصبحتا أكثر ضيقا، ثم تحرك خطوة للأمام وهو يرمق فرح بنظرات متوعدة، فتراجعت هي للخلف خوفا منه وتوقفت عن الكلام، في حين..
-يزيد بنبرة مخيفة، ونظرات قاتلة: دي مش تكية أبوكي عشان تتكلمي براحتك فيها على الموبايل.

ابتلعت فرح ريقها في ذعر، وحاولت أن تتماسك أمام يزيد، وأن تبدو هادئة و...
-فرح بنبرة مرتعدة، ونظرات مضطربة: بس ده مش يديك الحق إنك تحدف موبايلي وآآآ...
أشار يزيد بيده لفرح لكي تكف عن الكلام، ثم..
-يزيد بنبرة جافة ومتهكمة، ونظرات حادة: أظن يا مدام لو كنتي تعبتي نفسك وقريتي كتيب التعليمات كنتي هاتعرفي ان الموبايلات ممنوعة.

عضت فرح على شفتيها من الحنق، فهو محق في تلك المسألة، وهي لم تكلف نفسها عناء قراءة كتيب التعليمات الذي كان موضوعا في غرفتها بالمبنى السكني..
نظرت فرح في عيني يزيد مباشرة، و...
-فرح متسائلة بنبرة مغتاظة: طب وليه تحدفه؟

رمق يزيد فرح بنظرات متأففة و...
-يزيد بنبرة ساخطة: دي اقل حاجة أعملها مع أمثالك الأغبية اللي بيخالفوا التعليمات..!

رفعت فرح أحد حاجبيها في ذهول، ثم...
-فرح بصدمة: نعم؟ أمثالي الأغبية!
-يزيد ببرود مستفز: ايوه، ويا ريتك بتفهمي.

أخذت فرح نفسا مطولا، ثم زفرته بهدوء حتى تتحكم في أعصابها ولا تنفعل، ثم تابعت ب...
-فرح بنبرة ممتعضة، ووجه عابس: بس برضوه ماتكونش الطريقة كده، حتى لو أنا كانت غلطانة
-يزيد بنبرة حادة، ونظرات احتقار: هو ده اللي عندي، ومن هنا ورايح هايكون في أسلوب جديد مع اللي زيك، مش على أخر الزمن واحدة هتعرفني أنا شغلي يبقى عامل ازاي...!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة