قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية فراشة أعلى الفرقاطة للكاتبة منال سالم الفصل الثالث عشر

رواية فراشة أعلى الفرقاطة للكاتبة منال سالم الفصل الثالث عشر

رواية فراشة أعلى الفرقاطة للكاتبة منال سالم الفصل الثالث عشر

اشتعل يزيد غضبا، وظل يصدح بفرح لأنها خالفت التلعيمات دون قصد منها، ووقفت هي تنظر إليه بأعين لامعة، ولكنها تماسكت وتحاملت على نفسها..
نظر يزيد إلى فرح بنظرات ساخطة، ثم أشار لها بيده و...
-يزيد بلهجة آمرة: واتفضلي اجهزي عشان هنبدأ بعد شوية عملية الاعتراض البحري.

هزت فرح رأسها في عدم استيعاب، ودققت النظر في يزيد و...
-فرح بعدم فهم: أفندم؟
-يزيد بنبرة منزعجة، ونظرات أكثر سخوطا: انتي ليه بقيتي غبية أوي كده، بقولك روحي استعدي هنبدأ كمان 5 دقايق عملية الاعتراض البحري.

ابتلعت فرح إهانتها للمرة الثانية، ولم تحاول الرد تجنبا للمشاكل، فعضت على شفتيها من الغيظ، ونظرت إلى يزيد بنظرات حادة و...
-فرح بنبرة مغتاظة: ما هو أنا مش فاهمة المطلوب مني ايه عشان اعمله
-يزيد بنبرة حاسمة وهو يشير بيده: هتروحي هناك، هتاخدي Lifejacket من عند المجند ده، وتلبسيه، وبعد كده تجيبي كاميرتك وتحصلينا هنا عشان تصوري اللي هايحصل من عملية اعتراض لأحد السفن المعادية بالذخيرة الحية.

اتسعت عيني فرح في خوف شديد، وفغرت شفتيها من الرعب، فهي لم تتخيل نفسها يوما أنها ستشهد معركة بحرية حية، وهي التي تخشى التواجد بالبحر..
ثم ترك يزيد فرح في تلك الحالة الصادمة، وسار مبتعدا عنها تاركا إياها تتخبط في أمرها..
ابتلعت فرح ريقها في صدمة، ثم ركضت مسرعة خلف يزيد لتحاول اللحاق به، ثم فكرت أن تصيح فيه بنبرة عالية لعله يتوقف عن السير وينتبه إليها و...

-فرح بنبرة مذعورة: يا سيادة المقدم، يا سيادة المقدم.

لم يصغي يزيد إلى نداءات فرح المتكررة له، بل كان مركزا كل حواسه على طاقمه البحري، ومنشغلا بمتابعة استعداداتهم النهائية، ولكنه تسمر فجأة في مكانه حينما سمع فرح تهدر عاليا ب...
-فرح بنبرة حادة وعالية: يزيد...!

استدار يزيد بجسده كاملا، وقد اكفهرت ملامح وجهه، وإزداد احتقان عينيه بالدماء، واستشاطت باقي قسمات وجهه بالغضب، فعاود أدراجه للخلف وهو ينتوي شرا لفرح...

في مركز ماميز الطبي
وصلت الطبيبة هايدي إلى مركزها الطبي منذ الصباح الباكر لإجراء عملية حقن مجهري لإحدى مرضاها والتي كانت تتابع معها مراحل العلاج منذ فترة، كانت المريضة تعاني من مشاكل في عملية التبويض، وزوجها دائم السفر وغير متواجد معها، ولكن حينما عاد من سفره، قام بإجراء عملية تجميد لسائله الذكوري حتى تتمكن زوجته من استخدامه والقيام بعملية الحقن أثناء غيابه وبعد إتمام مراحل علاجها...

دلفت هايدي إلى داخل غرفة العمليات حيث كانت المريضة في حالة استعداد تام لإجراء عملية الحقن بعد أن تم تخصيب البويضة خارج الرحم..

ولكن حينما اقتربت هايدي من المريضة الغائبة عن الوعي – بفعل التخدير – سقطت الحقنة الخاصة بالتلقيح من يدها، وتبعثرت محتوياتها على الأرضية الرخامية الصلبة، فانتفضت الممرضات فزعا في أماكنهن، في حين ظلت هايدي ثابتة في مكانها، ولم تهتز عضلة واحدة لا من وجهها ولا من جسدها..
-وداد بإرتباك: يا ساتر.

-صفية بنبرة فزعة: الحقي يا دكتورة، هانتصرف إزاي، ده الزوج مسافر، واحنا مكنش عندنا غير العينة المجمدة دي
-هايدي ببرود، ونظرات قاتمة: العملية اتعملت خلاص
-صفية بعدم فهم: يعني ايه؟
-هايدي بنبرة جافة، ونظرات غير مكترثة: اللي سمعتوه، أنا عملت العملية وخلصت..!
-صفية بإندهاش شديد: طب ازاي، وهي آآآ...
رمقت هايدي الممرضة بنظرات قاتلة، وخطت بقدمها فوق العينة المنسكبة، و...

-هايدي مقاطعة بنبرة مخيفة: تطلعوا برا تقولوا لأهل المريضة انه العملية اتعملت، وتاخدوا بقية الحساب وانتهينا على كده..!
-سميحة بنبرة ثابتة: حاضر يا دكتورة، اللي تشوفيه.

لم تكف هايدي عن التحديق في الممرضات بنظرات محذرة، فأطرقن جميعهن رؤوسهن في خوف، ثم تركتهم هايدي وانصرفت إلى خارج غرفة العمليات..
مالت وداد على زميلتها صفية، وهمست لها ب...
-وداد بنبرة خافتة: دي مش أول مرة تعمل كده، بس عشان انتي جديدة هنا فمش فاهمة النظام
-صفية بنبرة متلعثمة، ونظرات خائفة: ي، يعني هي، ب، بتبقى قاصدة؟

-سميحة بخفوت: أه، كل شوية تعمل كده، بحيث تضمن لما المريضة تحمل بعد كده تعملها دعاية حلوة، وفي نفس الوقت تكون كوشت على مبلغ وقدره.

فغرت صفية فمها في صدمة كبيرة، ورفعت حاجبيها في اندهاش و..
-صفية بنبرة مصدومة: بس ده حرام، ومايرضيش ربنا
-وداد بحدة: مالناش دعوة، خلينا نشوف لقمة عيشنا
-سميحة بجدية وهي تشير بكلتا يديها: طب يالا خلونا ننجز بدل ماناخد كلمتين في جنابنا...!

ظلت فرح ثابتة في مكانها، ولم تتحرك قيد أنملة، في حين سار يزيد بخطوات غاضبة في اتجاهها، ثم مد يده وأمسكها من ذراعها وجذبها بعنف منه، وسار مبتعدا بها عن الواقفين إلى أن وقف بها في منطقة هادئة نوعا ما، ثم أرخىقبضة يده عن ذراعها، ونظر إليها بنظرات ساخطة و...
-يزيد وهو يجز على أسنانه في غضب: انتي اتجننتي؟ ازاي تجيلك الجرأة انك تنطقي باسمي كده من غير ألقاب.

ابتلعت فرح ريقها في رعب شديد، ولم تنبس بكلمة، وظلت محدقة في يزيد وهي ترمقه بنظرات مذعورة، في حين تابع هو توبيخه اللاذع لها، ثم فجأة صدح عاليا في أرجاء المكان أصوات أبواق السفن الحربية لتعلن عن بدء عملية الاعتراض البحري
-يزيد بنبرة صارمة، ونظرات متوعدة: حسابك معايا بعدين..!

ثم تركها يزيد متسمرة في مكانها، وانصرف مبتعدا عنها بخطوات راكضة لينضم إلى باقي أفراد طاقمه البحري، لم تعرف فرح ما الذي يجب عليها فعله، فقد كانت مرتعدة للغاية، وسار في جسدها قشعريرة مخيفة، وظلت تنظر حولها بنظرات مضطربة ومرعوبة..

وبعد لحظة شعرت فرح بالفرقاطة وهي تميل بدرجة كبيرة لتطارد إحدى السفن، فترنحت بجسدها، وكادت أن تختل في توازنها، ولكن كان لديها سرعة بديهة فأسرعت ناحية أحد الجوانب القريبة منها، وأمسكت بالحافة المعدنية، ووقفت تنظر إلى مياه البحر الزرقاء المليئة بتشكيلات مختلفة من السفن الحربية، وكلها مستعدة للاشتباك، ثم مرت دقيقة أخرى لتستمع فرح إلى صوت انفجارات مدوية في الهواء، فالتفتت برأسها ناحية مصدر الصوت، فوجدت أن مدافع السفن المتواجدة على مقربة منها قد بدأت فعليا في اطلاق ذخيرتها الحية..

اتسعت عيني فرح في ذهول، فهي لم تتوقع أنها ستخوض جو معركة بحرية، فإزداد تشبثها بالحافة المعدنية، ووقفت متسمرة في مكانها، ثم أغمضت عينيها في رعب، ودعت الله في نفسها أن يمر الوقت سريعا، وتنتهي تلك المناورة، فقد اتضح أن خوفها من البحر لا يمكن أن يقارن أبدا بفزعها من جو الحرب، وأصوات إطلاق الصواريخ والذخائر الحية..

وبينما كان هي مندمجة فيما يحدث من حولها، وجدت قبضة يد يزيد تجذبها من جديد بعيدا عن الحافة، ففتحت عينيها، ونظرت إليه بخوف، في حين كان هو يرمقها بنظرات حادة وجامدة و...
-يزيد بلهجة آمرة: خدي البسي ده.

كان يزيد ممسكا في يده بسترة الحياة البرتقالية، والتي يتم إرتدائها في حالات الطواريء، ثم ألقاها في وجه فرح، ووقف أمامها وهو عاقد ساعديه أمام صدره..

انحنت فرح بجسدها للأسفل لكي تمسك بالسترة الملاقاة أسفل قدميها، ثم بدأت في ارتدائها، وحاولت أن تغلقها، ولكنها فشلت في إحكام غلقها، وارتبكت كثيرا، فإقترب منها يزيد وهو يزفر في إنزعاج، ومد يده ناحية السترة وأمسك بأزرارها، فتوقفت هي عما تفعل، وظلت تراقبه في صمت، بينما أصوات الذخيرة تصدح عاليا في الجو..
أحكم يزيد غلق الأزرار والسحاب، وكذلك ربط الشرائط الخاصة بها، في حين اقترب آدم منهما و..

-آدم بنبرة جادة وهو يشير بيده: الزوارق جاهزة للتحرك
-يزيد بنبرة حازمة: تمام، يالا.

ثم أمسك بفرح من ذراعها، وجذبها منه لتسير إلى جواره وهي لا تفهم ما الذي يحدث..
توجه يزيد بها إلى مؤخرة الفرقاطة حيث يوجد مخرج جانبي خاص بزوارق الطواريء..
لم تعي فرح ما الذي يريده يزيد منها، ولماذا هي بصحبته، والسؤال الأهم لماذا هم جميعا متجهون ناحية تلك الزوارق..

لمحت فرح بعض الضباط والمجندين وهم يقفزون بمهارة وخفة ناحية الزوارق، ثم يجلسون في مجموعات على الجانبين وهم مسلحون بالكامل، وما إن يكتمل العدد حتى يبدأ الزورق في التحرك بسرعة عالية ليخترق مياه البحر وأمواجه..

وقفت فرح متسمرة في مكانها، وممسكة بالحافة المعدنية، في حين نزل آدم أولا إلى الزورق، ثم لحق به يزيد، وتوجه ناحية مقدمة الزورق ومن بعدهما أربعة من المجندين، واستعد الجميع للانطلاق، تابعتهم فرح بنظرات متوجسة وهم يتخذون وضعية الاستعداد، وابتلعت ريقها في خوف شديد..

هزت فرح رأسها في رعب، ورفضت رفضا تاما أن تخطو بقدميها خارج الفرقاطة لتركب مثل هذا الزورق المخيف، لقد تجدد خوفها من البحر سريعا، وتلاشى تدريجيا خوفها من أصوات الذخيرة التي هدأت أصواتها..
استدار يزيد بجسده ليجد فرح مازالت واقفة في مكانها أعلى الفرقاطة، فرمقها بنظرات حادة، و...
-يزيد بنبرة صادحة وهو يشير بيده: انتي يا مدام، هتفضلي واقفة عندك كده كتير، يالا.

-فرح وهي تهز رأسها في خوف، وبنبرة مذعورة: لأ مش هايحصل مش هاسيب هنا
-يزيد بنبرة صارمة، ونظرات شرسة: أنا مش بعزم عليكي عزومة مراكبية في النيل يا هانم، دي مهمة واحنا مش فاضيين للدلع الفارغ بتاعك ده
-فرح بنظرات مضطربة، ونبرة خائفة: والله ما يحصل أبدا، ولو عاوز ترفدني، تطردني خالص برا الوحدة، اعمل ده مش هيهمني، لكن أنزل البتاعة دي لأ..

ظن يزيد أن فرح تعانده وتتحداه برفضها الامتثال لأوامره، وبالتالي سيصبح حديث الجميع إن تركها تنفذ رغبتها، لذا توجه عائدا إلى حافة الزورق، ثم قفز بخفة من عليه ليصعد على متن الفرقاطة، في حين تراجعت فرح عدة خطوات للخلف، بينما تابع آدم ما يحدث بعدم فهم و..
-آدم متسائلا بجدية: رايح فين؟

نظر يزيد بشراسة إلى فرح، وبدأ في توبيخها بحدة، ولكنها كانت مصممة على موقفها، ورفضت أن تطيعه، وظلت تلوح بيدها في الهواء، و...
-فرح بنبرة مصرة: حتى لوعلقتلي المشنقة مش هاسيب هنا.

مد يزيد كلتا يديه ناحية فرح، ثم أمسك بها من معصمي يدها، وجذبها منهما بقوة ناحية مخرج الفرقاطة الجانبي، في حين صرخت هي فيه عاليا بأن يتركها، و...
-فرح بنبرة خائفة للغاية، ونظرات راجية: لألألأ، مش عاوزة أمشي من هنا، حرام عليك، أنا عندي فوبيا، سيبني..!

ولكن يزيد لم يعبأ بها، ولا بتوسلاتها، ثم استدار بجسده كليا، وضم معصميها معا وأمسكهما بقبضة يد واحدة، وانحنى بجذعه قليلا للأسفل ليضع ذراعه الأخر أسفل ركبتيها، ثم حملها بين ذراعيه، بينما ركلت هي بقدميها في الهواء، ثم توقف يزيد أمام المخرج، ومن ثم قفز بها ناحية الزورق..
صرخت فرح عاليا وهي تراه يقفز بها ناحية الزورق، ثم ألقاها يزيد على أرضية الزورق، وصاح في رجاله ب...

-يزيد بنبرة صادحة وغاضبة: اتحركوا بسرعة.

بدأت فرح في البكاء عاليا وهي تصرخ، وتعالت شهقاتها، وظلت جاثية على ركبتيها، ومنحنية بظهرها للأسفل، في حين رمقها يزيد بنظرات غير مبالية بها، ثم أدار رأسه لينظر إلى الأمام وهو يتابع سرعة الزورق في المياه..
زم آدم شفتيه في ضيق، ثم اقترب منها، ووضع يده على ظهرها محاولا تهدئتها و..
-آدم بنبرة جدية، ونظرات ثابتة: اهدي يا فرح، مافيش حاجة، ده تدريب عادي.

دفنت فرح وجهها بين راحتي يدها، وظلت تشهق وهي تتنفس بصعوبة، فظن يزيد أنها تبالغ في ردود أفعالها، فسار ناحيتها، ثم مد يده ليمسك بقبضة يدها التي يختبيء خلفها وججها، ثم جذب يدها بعنف من على وجهها، فرفعت عينيها الحمراوتين ناحيته لتنظر إليه، فهدر بها ب...
-يزيد بصراخ عنيف: بطلي بقى شغل الأفلام بتاع النسوان ده..!

بدأت فرح تعاني من صعوبة في التنفس، وحاولت أن تسيطر على خوفها وتنظم تنفسها، ولكنها عجزت، فشعرت بالاختناق، وبدأت تصيبها الرعشة والارتجاف، ثم بدأ العرق يتصبب منها بغزارة، وشعرت لوهلة أنها على وشك الاحتضار..
لاحظ آدم تبدل ملامح فرح سريعا، فظن أنه ربما يكون نتيجة خوفها من طريقة يزيد العنيفة معها، وأسلوبه الفظ في الحوار، فوقف آدم قبالة يزيد و...

-آدم بنبرة جادة، ونظرات حادة: يزيد كفاية اللي بتعمله فيها حرام عليك
-يزيد بنبرة غاضبة، ونظرات محتقنة وهو يشير بيده: وانت بقي بيخيل عليك الألاعيب دي.

كانت فرح تشير - كالمجنونة - بكلتا يديها في الهواء، وأطرقت رأسها للأسفل في تعب شديد..
فلاحظ أحد المجندين شحوب بشرتها، فظن أنها تعاني من الاختناق، فانتفض فزعا من مكانه، وأمسك بكف يدها و...
-المجند بنبرة قوية وقلقة: سيادة المقدم، إلحق.

انتبه كلا من يزيد وآدم لصوت المجند، ورأى كلاهما فرح وهي تعاني من حالة رهاب البحر، فركضا ناحيتها، وجثيا على ركبتيهما، وحاولا تهدئتها..
أمسك يزيد بكف يد فرح، وربت عليه بحنية، و...
-يزيد بنبرة مرتعدة، ونظرات خائفة: فرح، سمعاني، حاولي تتنفسي، إنتي كويسة، إهدي، احنا معاكي، مافيش حاجة..!
-آدم بنبرة متوترة: فرح، انتي طبيعية، خدي نفس عميق!

أشار يزيد بيده إلى آدم، و..
-يزيد بلهجة أمرة، ونظرات مضطربة: خليها تفرد ضهرها، ورجع رقبتها لورا عشان تدي مساحة للهوا يدخل صدرها وتعرف تتنفس
-آدم بجدية وهو يوميء برأسه: طيب..
وبالفعل تعاون الاثنين معا في تمديد فرح على أرضية الزورق، وساعدهما أحد المجندين في إرجاع رأسها للخلف، ثم تحرك يزيد في اتجاه رأسها، وجثى على ركبتيه خلف رأسها، ثم مال برأسه قليلا للأمام ناحيتها و...

-يزيد بنبرة خافتة: فرح، خدي نفسك من بؤك، صدقيني والله انتي كويسة، اللي في بالك ده وهم.

ظل يزيد يتحدث مع فرح التي كانت تنظر إليه بنظرات مذعورة محاولا طمأنتها، وبث الثقة في نفسها لكي تستعيد هدوء نفسها بالإضافة إلى قدرتها على التنفس بصورة طبيعية، فقد استشعر خطورة الموقف، وأنه قد جازف بحياتها دون أي اكتراث بها..
آمر يزيد أحد المجندين بأن يبطيء سرعة الزورق، ويبتعد به عن ساحة الاشتباك حتى تتيقن فرح أنه لا يوجد أي مخاطر حولها، ثم نهض آدم من مكانه لكي يتابع تنفيذ المجند لأوامر يزيد..

وبالفعل أشار آدم للمجند بيده لكي يتوجه ناحية بقعة ما خاوية من تشكيلات السفن، ثم أبلغ عبر الجهاز اللاسلكي عن وجود حالة اختناق بالزورق استدعت منهم الابتعاد عن ساحة الاشتباك في البحر..

لم يتوقف يزيد عن الحديث مع فرح بصوت هاديء ورزين وبتمهل، ووضع يده على شعرها يمسد عليه برفق في حركة ثابتة، فعامل الإطمئنان النفسي هو الهام في تلك الأزمة، لأن مريض الرهاب يتخيل أنه في خطر محدق، وحينما يسيطر عليه هذا الخوف بدرجة كبيرة يتأزم الوضع، ويصبح عاجزا عن مقاومته، ويمكن في بعض الحالات الحرجة أن يودي بحياته..

ظلت فرح تنظر إلى يزيد بنظراتها المذعورة والخائفة وكأنها تناديه لكي ينجدها، فبادلها هو بنظرات الاستجابة لنداء إغاثتها، ورمقها بعينين حانيتين بثت إليها الاطمئنان والثقة...
لوهلة عاتب يزيد نفسه على تشبيه فرح بزوجته السابقة هايدي، فلا مقارنة بين الاثنتين، بل إن المقارنة مجحفة بحق فرح، فهي رقيقة كالفراشة، بينما هايدي جامدة كالحجر..

وقف آدم يتابع الموقف برمته من على بعد، فقد شعر في قرارة نفسه أن يزيد يكن شيئا ما لفرح رغم قسوته وعجرفته البادية للجميع معها، كما أنه تأكد أن يزيد لا يتحمل أن يصيبها أي مكروه، وحينما تقع في أي مأزق يهرع إليها ناجدا إياها دون تردد...
بعد برهة، بدأت فرح تتنفس بإنتظام، فتنهد يزيد بإرتياح، ثم مد يده ليعاونها في الاعتدال في جلستها، ثم أبعد يده عنها، وإستند على أحد ركبتيه، وظل يتابعها بإهتمام شديد..

أطرقت فرح رأسها في ضيق بسبب تذكرها لهجوم يزيد اللاذع عليها، في حين حدق هو بها و...
-يزيد بنبرة جادة، ونظرات متفحصة: ليه مقولتليش ان عندك فوبيا من البحر؟

رفعت فرح رأسها فجأة، ثم استدارت بها في اتجاه يزيد، ونظرت إليه بعينيها اللامعتين و...
-فرح بنبرة ضعيفة وبخفوت: هو انت بتديني فرصة أقول حاجة.

شعر يزيد بالخجل من نفسه، فهي لم تخطيء في قولها هذا، ثم أجفل عينيه قليلا، و..
-يزيد بنبرة شبة نادمة وبتلعثم: معلش، أنا، أنا أسف..!

حدقت فرح في يزيد في ذهول تام، وفغرت شفتيها في صدمة كبيرة، فهي لم تتوقع أنه سيعتذر منها هكذا بكل بساطة، لقد خالف كل توقعاتها وظنونها..
اقترب آدم مجددا من فرح، وجثى على أحد ركبتيه، و...
-آدم متسائلا بهدوء: انتي كويسة الوقتي؟

أومأت فرح برأسها موافقة، ولم تنطق بكلمة، فمازالت عاجزة عن إيجاد الكلمات بعد أن أطاح يزيد بكل شيء بإعتذاره المستحيل لها..
-آدم بنبرة جادة نوعا ما: طب احنا لازم نشارك زمايلنا في المناورة، هتقدري تكملي معانا؟

نظرت فرح إلى آدم بنظرات متوجسة، وترددت في الإجابة عليه، فلاحظ يزيد ارتباكها وخوفها البادي على ملامحها، فمال برأسه على رأسها قليلا، ثم همس لها ب..
-يزيد بخفوت شديد: أنا وعدتك قبل كده اني مش هاخلي حاجة تأذيكي، وأنا عند كلمتي...!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة