قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية فراشة أعلى الفرقاطة للكاتبة منال سالم الفصل الثامن

رواية فراشة أعلى الفرقاطة للكاتبة منال سالم الفصل الثامن

رواية فراشة أعلى الفرقاطة للكاتبة منال سالم الفصل الثامن

قضت فرح معظم وقتها في غرفتها، فقد كان السفر مرهقا بالنسبة لها، ورغم أنها كانت تشعر بالجوع، إلا أن رغبتها في النوم والاستسلام لسلطانه جعلها تغط في نوم عميق، خاصة وأنها قد انتهت من ترتيب جميع أشيائها ومتعلقاتها الخاصة في خزانة الملابس المحفورة في الحائط، كما وضعت حاسوبها المحمول الصغير وبجواره كاميرا التصوير على الطاولة الصغيرة، وأوصلت هاتفها المحمول بالشاحن حتى يتم شحنه...

لم تستمع فرح إلى صوت الطرقات الخافتة على باب غرفتها، فاضطر الطارق أن يزيد من حدة الطرقات لتتنبه فرح للصوت وتبدأ في التململ في الفراش وهي تمط ذراعيها..
-فرح بصوت متحشرج: مين؟
-مجند ما بالخارج: مدام فرح، المقدم يزيد عاوزك في مكتبه.

زفرت فرح في انزعاج، ثم وضعت الملاءة على وجهها لتغطيه، وهي تتمتم بكلمات غير مفهومة..
أعاد المجند تكرار ما قاله، فأجابت فرح ب..
-فرح بضيق: طيب، قوله جاية.

انصرف المجند من أمام باب غرفتها الموصد، في حين نهضت هي من على الفراش، ثم وضعت يدها على رأسها تحك شعرها، وتعبث بخصلاتها الهائجة من أثر النوم..

إتجهت فرح ناحية خزانة الملابس، وانتقت لنفسها ملابسا رياضية مكونة من بنطال مصنوع من القماش ذو لون أسود، ومن الأعلى ارتدت السترة الخاصة بالزي الرياضي، وكانت مزيج من اللونين الأبيض والأسود، ثم مشطت شعرها وعقصته كحكة، وأحكمت غلق سحاب سترتها الطويلة على عنقها، ودلفت إلى خارج غرفتها...

سارت فرح بخطوات مرهقة ناحية مكتب المقدم يزيد، وظلت طوال طريقها تزفر وتتمتم بعبارات غير مفهومة، فهي لا تريد الاشتباك معه خاصة في هذا الوقت...
طرقت فرح باب المكتب أولا قبل أن تدلف إلى الداخل، ثم أطلت فرح برأسها أولا لتتأكد من وجود يزيد، وبالفعل وجدته على رأسه يدون بعض الملحوظات في ورقة ما، ويطوي ورقة أخرى، وقبل أن تمد قدمها لتدخل أوقفها صوته الصادم ب...
-يزيد بنبرة صارمة وهو مطرق الرأس: خليكي عندك.

تسمرت فرح في مكانها، ولم تتحرك خطوة إضافية، وتنهدت في انزعاج..
ظلت فرح واقفة في مكانها لمدة دقيقتين دون أن ينطق يزيد بكلمة، ثم قطع هذا الصمت صوته الآمر ب...
-يزيد بلهجة آمرة، ونظرات حادة: خشي.

دلفت فرح إلى داخل الغرفة، وظلت واقفة أمام مكتبه منتظرة أن يشير لها بالجلوس، فهي تخشى أن يحرجها عمدا إن كانت على وشك الجلوس على المقعد الجلدي..
حدق يزيد في ملامح فرح، ثم رمقها بنظرات اعجاب و..
-يزيد بنبرة قوية وهو يشير بيده: برافو، كويس انك بتفهمي بسرعة، تقدري تقعدي.

جلست فرح على المقعد وهي تعض على شفتيها من الحنق، ورغم هذا لم تنطق بكلمة، بل أثرت الصمت..
سلط يزيد بصره على فرح مما شعرها بالإرباك من نظراته المتفحصة لها، فتوردت وجنتيها قليلا، ثم تابع هو ب...
-يزيد بنبرة جافة، ونظرات حادة: قريتي التعليمات
-فرح بعدم فهم، ونظرات حائرة: تعليمات ايه؟

انتصب يزيد أكثر في جلسته، وأسند ساعديه على سطح مكتبه، و..
-يزيد بلهجة جادة، ونظرات حانقة: كتيب التعليمات اللي موجود على سريرك..!

تنحنحت فرح في حرج، وأطرقت رأسها قليلا، وأجفلت عينيها البنيتين و..
-فرح بنبرة متحشرجة: آآ، احم، بيتهيألي لأ
- يزيد وهو يلوي فمه في تهكم: بيتهيألك! مافيش حاجة عندنا هنا اسمها بيتهيألي، يا اما آه، يا لأ..!

ثم ضيق يزيد عينيه أكثر، وتجمدت ملامحه بشدة و..
-يزيد متابعا بنبرة لاذعة: شغل الاستهبال ده في اي حتة مش هنا، ولا انتي بس عاملة فيها بنت بارم ديله وآآ..
نهضت فرح فجأة عن مقعدها الجلدي، ورمقت يزيد بنظرات مغتاظة و...

-فرح مقاطعة بحدة وهي تشير بإصبعها: من فضلك اتكلم كويس معايا، أنا مش عارفة انت واخد مني موقف ليه، أنا معملتلكش حاجة عشان تتكلم معايا بالشكل المهين ده، أنا جاية أشوف شغلي اللي بحبه، بجد كده كتير عليا.

نهض يزيد هو الأخر عن مقعده، ودفعه بعنف للخلف، ثم بدأ بتوجيه عبارات حادة إلى فرح، فأفكاره كانت مشحونة للغاية ضد عمل المرأة المتمثل في ذكرياته الآليمة مع زوجته السابقة هايدي وما سببته من تخريب لحياتهما، وعلاوة على هذا تخلصها من جنينهما لأنه كان يعوق تقدمها في عملها..

عجزت فرح عن الرد على يزيد، فأسلوبه كان حادا ووقحا للغاية، فهي لم تتخيل أنها ستلاقي الجحيم معه، وهي التي كانت تتخيل أنها ذاهبة في مهمة ترفيهية..
في نفس التوقيت دلف آدم إلى داخل غرفة المكتب ليتفاجيء بالشجار الدائر بين رفيقه يزيد وإحدى الفتيات، فوقف مشدوها للحظات، ثم سرعان ما تدخل و...
-آدم بنبرة متوجسة: في ايه يا جماعة!

أشار يزيد لآدم بعينيه لكي يصمت، ثم استدار برأسه لينظر في اتجاه فرح و...
-يزيد بنبرة حادة، ونظرات مشتعلة ومتوعدة: اطلعي برا، ومن هنا ورايح هاتشوفي أيام سودة على دماغك.

ركضت فرح خارج المكتب، وهي تقاوم رغبة عارمة في البكاء، في حين تابعها كلا من يزيد وآدم بنظراتهما إلى أن اختفت تماما من أمامهما..
إلتفت آدم بجسده ناحية يزيد، ثم...
-آدم متسائلا بحيرة: ايه سبب الحريقة اللي حصلت هنا من شوية؟
-يزيد بنبرة فجة: بنت ال *** جاية تترسم عليا، وبتعلي صوتها في مكتبي
-آدم باستغراب: يعني هي عملت كده من نفسها، إشعال ذاتي مثلا، ولا في حد سخنها.

-يزيد بنبرة هادرة: أنا هنا الكل في الكل، غصبن عنها وعن اللي جابوها هنا، إن كانت مفكرة إنها ه، آآآ
-آدم مقاطعا بجدية: اهدى بس يا يزيد، محصلش حاجة لكل ده..!

زفر يزيد في انزعاج قوي، ثم دفع بكلتا يديه محتويات مكتبه بعنف، لتسقط على الأرضية وتتبعثر..
ثم دلف يزيد هو الأخر خارج المكتب وهو يسير بخطوات غاضبة..
-آدم بإندهاش شديد، ونبرة مترقبة: واضح كده إنها هاتبقى أيام سودة على الكل...

عادت فرح إلى غرفتها بالمبنى السكني، وصفعت الباب خلفها بحدة، ثم ألقت بجسدها على الفراش، وظلت تبكي بحرقة و..
-فرح بنبرة باكية، وأعين كالجمرات: أنا عملت ايه في دنيتي عشان أتهزأ بالشكل ده، هو أنا أعرفه أصلا عشان يبهدلني كده، حرام والله اللي بيحصل ده..

بعد عدة دقائق سمعت فرح صوت طرقات على باب غرفتها، فاعتدلت على فراشها، وظنت أن القادم هو ذلك الفظ الوقح، فكفكفت دموعها، ومسحت عبراتها من على وجنتيها، وعبست بوجهها، وضيقت نظراتها، وتوعدت له بالرد الحاد، ثم سارت بخطوات غاضبة نحو باب الغرفة لتفتحه بعنف، فوجدت أن الطارق هو ذلك الشخص الذي كان متواجدا بمكتب يزيد...
رمقت فرح آدم بنظرات محتقنة و...
-فرح متسائلة بصوت مختنق: انت مين؟

رفع آدم يديه عاليا، وابتسم ابتسامة عذبة و...
-آدم بصوت هاديء ومازح وهو يشير بيديه: لأ اهدي لو سمحتي، أنا مش زيه على فكرة، أنا كيوت على الأخر..
أشاحت فرح بوجهها الغاضب والمحتقن من الضيق للناحية الأخرى، في حين أردف آدم ب...
-آدم بنبرة هادئة، ونظرات عادية: أنا المقدم آدم، زميل المقدم يزيد، صحيح إحنا زي بعض في الرتبة، بس هو أقدم مني فيها.

لم تعقب فرح على عبارات آدم، بينما استمر هو في..
-آدم متابعا بنفس الهدوء: المهم أنا كنت جاي أعتذرلك عن اللي حصل، هو يزيد مايقصدش، اه أنا عارف إنه حنبلي شوية، بس والله قلبه طيب، ويتحط على الجرح يطيب.

استدارت فرح بوجهها ناحية آدم، ورمقته بنظرات استنكار، فتنحنح وهو ينظر إليها بجدية و...
-آدم بنبرة مازحة: بصي هو الجرح مش هايطيب أوي، يعني هايفأفأ الأول، ويعبي مياه، ويقلب بتسلخات، ويبقى عاوز كيناكومب ( مرهم ملطف )، وبعد كده يطيب...!

ظهر شبح ابتسامة على وجه فرح، وحاولت هي أن تضع أصابع يدها على شفتيها لتمنعهما من الانفراج والضحك..
ظل آدم يلقي بعض الدعابات المازحة على فرح حتى بدأت ابتسامتها في الظهور جلية و..
-آدم بنبرة متعشمة: وربنا إنتي عاوزة تضحكي، أيوه أنا شايف الضحكة أهي..
-فرح بنبرة ممتعضة: أنا مش عارفة هو مطلعش زيك ليه كده
-آدم مبتسما وبنبرة مألوفة: والله هو كويس جدا، بس الزمن اللي جار عليه
-فرح بتهكم: طب وأنا ذنبي ايه؟

-آدم بنبرة جادة: معلش، حظك الفل وقعك معاه، بس عاوزة تكسبيه ابعدي عن أي حاجة تضايقه، وصدقيني هاتبقي فرخة بكشك عنده.

لوت فرح فمها في استخفاف، ثم حدقت في آدم و...
-فرح على مضض، وبنظرات استهجان: المطلوب مني ايه عشان أنول شرف رضاه السامي.

أوضح آدم لفرح المحظورات التي يجب عليها تجنبها لكي لا تتعرض للتوبيخات اللاذعة مجددا منه، والتي كانت تتضمن عدم الصراخ عاليا، عدم الوقوف بوجهه بتحدي، عدم النظر إليه بتعالي، عدم الحديث عن الشغف بالعمل أو حتى الإشارة من قريب أو بعيد عنه، أخذ رأيه في كافة الأمور حتى التوافه منها، عدم إغفال تعليماته مهما كانت صغيرة، إعطائه قدره، وأهم نقطة هي تجنب العناد معه تحت أي ظرف..

فغرت فرح شفتيها في صدمة وهي تسمع إلى المزيد والمزيد من التعليمات الجادة بشأن تجنب غضب يزيد..
-آدم وهو يتنهد بإرهاق: هاه، بس خلاص
-فرح بتهكم واضح، وبنظرات ساخطة: بس كده..!
-آدم وهو يوميء برأسه في ترقب: اه، وأنا حاسس إن شاء الله ولا حاجة من اللي أنا قولتلها هتتعمل.

ضيقت فرح نظراتها، ثم جزت على أسنانها و...
-فرح بتوعد: اطمن، ده أنا هاخليه يتشرف بيا
-آدم بتوجس: استر يا رب..
أعطى آدم فرح هوية خاصة بها، ومدون عليها بياناتها ووظيفتها حتى لا تتعرض للسؤال طوال فترة تواجدها بداخل الوحدة، وشدد على إرتدائها لتلك الهوية حول عنقها طالما هي تتجول بداخل الوحدة العسكرية.

كانت الهوية مصنوعة من مادة بلاستيكية مضادة للمياه، محفور عليها اسمها بطريقة بارزة، وباللغتين العربية والانجليزية، بالإضافة إلى صورتها الشخصية، وبالأسفل موضوع أختام رسمية واضحة، ولسهولة تعليق الهوية تم تزويدها بشريط أزرق لكي يتم تعليقها حول العنق...
ثم استأذن آدم بالانصراف، فأغلقت فرح الباب بعد أن ابتعد عن غرفتها، ثم استندت بظهرها على الباب، وسلطت بصرها في نقطة ما أمامها و..

-فرح بنبرة حانقة، ونظرات وعيد: طيب، أنا يا انت يا سيادة المقدم، وأما نشوف مين كلامه هيمشي على التاني...!

بعد وقت الفجر بقليل، دوت صافرة هائلة في أرجاء الوحدة العسكرية، فانتفض جسد فرح بشدة على إثر صوتها المفزع من على الفراش، وكادت أن تسقط من عليه...
شعرت فرح بصداع رهيب في مقدمة رأسها، وبأن جسدها مرهق ومتعب، فهي لم تغفو جيدا بالأمس، فقد ظلت تتقلب طوال الليل في فراشها، وبالكاد حتى غفت، وها هي تلك الصافرة المزعجة تقضي على أحلامها بالنوم المريح...

نظرت فرح في الساعة الموجودة بهاتفها المحمول فوجدت أن عقارب الساعة لم تتجاوز بعد الخامسة والنصف صباحا، شهقت فرح في فزع، وزمت شفتيها في غضب، ونظرت أمامها بعينيها الناعستين بضيق، ثم قررت أن تقاوم رغبتها الملحة بالنوم، وتنهض عن الفراش..

دلفت فرح إلى المرحاض الملحق بغرفتها لتغتسل، ثم بدلت ثيابها وارتدت بنطالا من الجينز ذو لون أزرق فاتح، ومن الأعلى ارتدي بادي أبيض ذي فتحة صدر مثلثة، ومن فوقه ارتدت سترة طويلة رمادية تميل للخضرة الباهتة، ثم أحكمت غلق أزرار السترة، ومشطت شعرها على عجالة، وتركته ينسدل خلف ظهرها، ثم ارتدت حذائا رياضيا في قدمها من اللون الأبيض ليسهل عليها الحركة..

كما وضعت فرح حول عنقها الهوية التي أعطاها لها آدم، وتأكدت من أنها بارزة ويمكن لأي أحد رؤيتها..
اقتربت فرح من الطاولة الصغيرة، ومدت يدها لتأخذ كاميرتها ( ماركة Canon )، ثم وضعتها في حقيبة يدها العملية التي ارتدتها بطريقة مائلة لتتدلى على جانب خصرها الأيسر، كما وضعت أيضا فيها هاتفها المحمول، وكذلك مفكرة صغيرة لتدون بها بعض الملحوظات..

اتجهت فرح إلى باب الغرفة، ومن ثم دلفت إلى خارجها، ثم تأكدت من أنها أوصدت الباب جيدا، وسارت عبر الرواق لتتجه إلى الدرج، ثم نزلت عليه وسارت بخطوات متمهلة ناحية مكتب المقدم يزيد.

ظلت فرح تدعو الله في نفسها ألا يجعلها تصدم مع ذلك الفظ حتى لا يفسد عليها يومها..
وصلت فرح مع أول ضوء للنهار إلى مكتب المقدم يزيد، فوجدته مغلق، فاستدارت برأسها للخلف لتجوب ببصرها المكان بحثا عنه، فلم تجد له أي أثر..
مطت فرح شفتيها في دهشة، ثم سارت بضعة خطوات للأمام لتجد أحد الضباط وهو يتجه إلى مكان ما، فأسرعت في خطاها كي تلحق به وتستفسر منه عن مكان يزيد وباقي أفراد طاقمه.

-فرح بنبرة لاهثة وشبه عالية: لو سمحت، بعد اذنك.

انتبه الضابط لذلك الصوت الأنثوي الذي يأتي من خلفه، فتوقف عن الحركة، واستدار بجسده ناحيتها و...
-الضابط بنظرات متفحصة، ونبرة جادة: ايوه.

توقفت فرح قبالة الضابط، ثم نظرت إليه بجدية، في حين تفحصها هو بنظرات ثاقبة، ولمح الهوية المتدلية من عنقها فعرف هويتها و...
-فرح بنبرة متلهفة: سوري ان كنت هاعطل حضرتك، بس أنا المفروض تبع طاقم المقدم يزيد، وروحتله المكتب بس هو مش موجود وآآ...
-الضابط مقاطعا بجدية: المقدم يزيد عند الفرقاطة الجديدة.

اعترت الدهشة ملامح وجه فرح، و...
-فرح بنبرة متعجبة، ونظرات متسائلة: فرقاطة، دي ايه دي؟!
-الضابط موضحا بنبرة جادة، ونظرات ثابتة: دي سفينة حربية جديدة انضمت للأسطول البحري، والمقدم يزيد مسئول عن تدريب الطاقم بتاعها.

مطت فرح شفتيها في اعجاب، ثم..
-فرح بنبرة متسائلة: طب ممكن حضرتك تقولي ألاقي السفينة دي فين؟
-الضابط بجدية أكثر: أنا أصلا رايح عند المرسى، فتعالي معايا أوديكي هناك
-فرح بنبرة هادئة، ونظرات ممتنة: يا ريت، أنا اسفة ان كنت هاعطلك
-الضابط بحزم: لأ عادي..!

تبعت فرح الضابط الذي كان يسير بخطوات سريعة ناحية الميناء المخصص لرسو السفن الحربية، ثم أشار لها بيده فور وصولهما إلى هناك عن مكان الفرقاطة، وتركها وانصرف..
إنبهرت فرح بضخامة السفن الموجودة هناك، وبكم مجندي البحرية المتواجدين في مثل تلك الساعة المبكرة ليمارسوا روتينهم اليومي..

جابت فرح ببصرها المكان، ثم أخرجت الكاميرا الخاصة بها لتلتقط صورا عشوائية من زوايا مختلفة، لتبزر العمل الجاد والدؤوب لكل من ينتمي لتلك المؤسسة العريقة..

ظلت علامات الإعجاب والإنبهار بادية على وجه فرح، ولفت أنظارها ذلك العلم الذي يرفرف خفاقا أعلى الصاري، فوجهت الكاميرا نحوه، ووضعت عينها اليمنى في عدسة الكاميرا لترى الصورة بوضوح من خلالها أثناء إلتقاطها إياها، بينما أغمضت العين الأخرى، ومالت بجسدها قليلا للأمام لتعدل من زاوية التصوير..

وفجأة وجدت فرح العدسة مظلمة أمامها، فأبعدت عينها عنها لتتفاجيء بيزيد يقف أمامها وهو عاقد لذراعيه أمام صدره، ووجهه صارم للغاية و...
-يزيد بنبرة غليظة ومتهكمة: خديني صورة 6 × 9 أحسن...!

اعتدلت فرح في وقفتها، ثم ابتلعت ريقها في توجس، ولم تعقب، فقد حاولت قدر الإمكان أن تستمع لنصائح آدم بشأن تجنب الجدال معه كي تغتنم فرصة النجاة ببدنها من عصبيته..
حدق يزيد في فرح، وأمعن النظر في وجهها، ثم جاب بعينيه هيئتها بتمهل، فشعرت هي بالحرج من نظراته المسلطة عليها، وارتبكت من تحديقه بها..

-يزيد بنبرة صارمة، وتحمل نوعا من التهكم: يالا يا مدام، احنا طالعين الفرقاطة دلوقتي، ومن المفترض إنك هتشرفينا بطلعتك البهية..
كورت فرح قبضة يدها المستندة إلى جانبها في غيظ، وحدقت في يزيد بنظرات محتقنة، و..
-فرح بخفوت، ونظرات مغتاظة: إبليس...!

إكفهر وجه يزيد، وعقد حاجبيه في قسوة، و...
-يزيد بنظرات حادة، ونبرة شرسة: افندم! بتقولي ايه سمعيني؟

إرتعدت فرح قليلا، وحبست أنفاسها في توجس، و..
-فرح بنبرة متلعثمة: آآ، بقول، يا ريت بليز
-يزيد بنبرة باردة، ونظرات جادة وهو يشير بيده: بحسب، اتفضلي ورايا..
تنفست فرح الصعداء لأن يزيد لم يستمع بوضوح لوصفه إياه بإبليس، ثم سارت خلفه بخطوات سريعة نوعا ما محاولة اللحاق به..
-يزيد بنبرة عالية وهو موليها ظهره: دي الفرقاطة..!

توقفت فرح عن الحركة حينما وجدت نفسها أمام سفينة حربية ضخمة بحق، لقد اعتلت الدهشة وجهها وهي تنظر بعينيها إلى تلك القطعة البحرية الهائلة..
كان لون الفرقاطة رمادي لامع، مساحتها كبيرة وواسعة، شكلها مهيب جدا، ومقدمتها مدببة، وفي المنتصف توجد كابينة للقيادة ترتفع للأعلى لعدة أمتار، وأعلى الكابينة توجد عدة أجهزة للإرسال والاستقبال والخاصة بالإشارات اللاسلكية...

لم تتخيل فرح أن تكون الفرقاطة التي ستصعد على متنها بمثل هذا الحجم، فقد ظنت أنها تشبه ( المعدية أو العبارات ) النيلية التي كانت تركبها مع والدتها وهي طفلة صغيرة، ولكن لم يخطر ببالها أنها بتلك الهيئة..
استدار يزيد بجسده ليرى علامات الانبهار الممزوجة بالإعجاب تعتري وجه فرح، فعاود أدراجه ناحيتها، ثم قطع شرودها ب...
-يزيد بحزم: مش هاتقضيها بحلأة، يالا.

لوت فرح فمها في انزعاج، وتبدلت ملامحها للضيق، ثم سارت خلف يزيد الذي استقبله بعض المجندين بالتحية العسكرية..

خطت فرح بخطوات حذرة على ممر حديدي يصل بين المرساة والفرقاطة، وأمسكت بكلتا يديها بذلك الدربزون الحديدي حتى لا تنفلت قدميها في المياه، فهي في قرارة نفسها تخشى البحر وأمواجه العاتية، فمنذ وفاة والدها القبطان عبد الحميد غرقا بالسفينة التي كان هو ربانها، وهي لديها خوف حذر من البحر، وكانت قدر الإمكان تتجنب الذهاب إليه، ولكن الآن عليها أن تواجه أكبر مخاوفها في حضور ذلك الشخص البغيض المدعو يزيد..

أخذت فرح نفسا عميقا وهي تصعد على متن الفرقاطة وتدعو الله في نفسها أن ييسر عليها الأمر..
لمحت فرح المقدم آدم وهو يقف منتبها على سطح الفرقاطة، فابتسمت له، فأشار لها بعينيه برفق، ولم يتحدث، كما رأت أيضا طاقم القوات البحرية المتواجد على السطح وهم مرتدين لزيهم العسكري الأزرق ومتخذين وضعية الانتباه، ثم دوى صوت يزيد عاليا على متن الفرقاطة ليزداد الجميع إنتباها وهو ينظرون إليه بجدية..

بدأ المقدم يزيد في إلقاء التعليمات الخاصة على طاقمه البحري بنبرة صادحة وصارمة في نفس الوقت..
في حين وقفت فرح على بعد تستمع إليه دون أن تعقب بشيء، ثم عقدت ساعديها أمام صدرها محاولة بث الدفء لنفسها، فقد كانت هناك برودة في الجو، ثم أشاحت بوجهها ناحية مياه البحر الزرقاء وظلت تنظر إلى المياه بنظرات قلقة..

عبث الهواء البارد بخصلات شعر فرح، فأرخت أحد ذراعيها لتعيد ترتيب خصلات شعرها المنسدل للخلف، ثم انتبهت كافة حواسها فجأة حينما لفظ يزيد بإسمها، فالتفتت ببصرها ناحيته و...!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة