قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية فراشة أعلى الفرقاطة للكاتبة منال سالم الفصل التاسع

رواية فراشة أعلى الفرقاطة للكاتبة منال سالم الفصل التاسع

رواية فراشة أعلى الفرقاطة للكاتبة منال سالم الفصل التاسع

أفاقت فرح من شرودها على صوت المقدم يزيد القوي حينما نادى بإسمها، فإستدارت برأسها في اتجاهه، وحدقت فيه بعينيها البنيتين، وأنصتت بإصغاء تام لما يقول و...
-يزيد متابعا بلهجة صارمة: فهما بعتوهلنا عشان تشوف إزاي الشغل عندنا بيمشي، وطبعا انتو مش محتاجين وصاية، احنا هنا في مصنع الرجال، والأوامر هنا هتنطبق عليها زي ما بتنطبق على أقل حد فيكم، والمقصر عارف عقابه ايه..!

ثم التفت يزيد إليها ليرمقها بنظرات استخفاف، فاكفهر وجهها أكثر، ورمقته بنظرات متحدية..
أعاد يزيد رأسه في اتجاه طاقمه البحري، ثم بدأ في إعطاء التعليمات النهائية للجميع، وبعدها إنصرف الكل إلى عمله..
أمسكت فرح بالكاميرا الخاصة بها، وبدأت تلتقط بعض الصور الفوتغرافية للطاقم البحري من زوايا احترافية، وتفننت في إبراز مهارتهم ودقتهم العالية في العمل..

كان يزيد بين الحين والأخر ينظر إلى فرح، ويختلس الأنظار عليها دون أن تراه، ثم يعاود النظر مجددا إلى أفراد طاقمه البحري..
كان كل شيء يسير على ما يرام إلى أن سمعت فرح صوت المقدم يزيد وهو يعطي الأوامر ببدء تشغيل الفرقاطة، هنا ارتعدت أوصالها، وتملكها الخوف، وقررت أن تنصرف فورا من عليها قبل أن تبدأ بالتحرك..
سارت فرح بخطوات عاجلة ناحية جانب الفرقاطة حيث الممر الحديدي الموصول بين المرساة والفرقاطة..

لمحها يزيد وهي تسير مبتعدة، فنظر إليها باستغراب، وأسرع بخطواته ناحيتها..
توقفت فرح عن الحركة وأطرقت رأسها قليلا للأسفل لتضع الكاميرا الخاصة بها في داخل حقيبة يدها العملية، ثم رفعت رأسها لتتفاجيء بيزيد واقفا أمامها، فشهقت فزعا، وتراجعت خطوة للخلف..
نظر إليها يزيد بنظرات محتقنة و...
-يزيد بنبرة حادة: شوفتي بعبع ولا حاجة
-فرح بنبرة متلعثمة ونظرات مضطربة: آآ، لمأ
-يزيد متسائلا بإستخفاف: على فين العزم كده؟

-فرح بنبرة متوترة: أنا خلصت خلاص، فهمشى
-يزيد بتهكم، ونظرات جامدة: والله، كده من نفسك!

عقدت فرح حاجبيها في استغراب، و...
-فرح بنبرة هادئة، ونظرات متعجبة: عادي، انا صورت اللي عاوزاه، ومعدتش محتاجة حاجة تانية
-يزيد بنبرة صارمة: مش بمزاجك
-فرح بعدم فهم، ونظرات حائرة: افندم؟
-يزيد بلهجة جادة للغاية، ونظرات ثاقبة: أنا القائد هنا، وسيادتك يا مدام مسئولة مني، وأظن انا لسه مسمعك إن القوانين هنا بتمشي على الكل بما فيهم انتي
-فرح معترضة بإرتباك، ونظرات مضطربة: بس آآ..

-يزيد بنبرة حادة: انتي مش هاتنزلي من هنا إلا بأوامري أنا..
لوت فرح شفتيها في عدم مبالاة، ثم قررت أن تتجاهل ما قاله يزيد، وتنزل من على سطح الفرقاطة قبل أن تبدأ بالسير في مياه البحر..
ولكن قبل أن تتحرك فرح خطوة واحدة للأمام، وجدت قبضة يد يزيد قابضة على ذراعها بقوة، فتأوهت بشدة من الآلم، وانكمشت على نفسها، وعجزت عن التحرك..
سلط يزيد عينيه القاسيتين على فرح، ونظر إليها بملامح وجهه الصارمة و...

-يزيد وهو يجز على أسنانه بحنق: قولتلك مش هاتمشي من هنا إلا بأوامري
-فرح وهي تتأوه من الآلم: آآآه، سيب دراعي
-يزيد بنبرة قاسية، ونظرات متحدية: لأ..
ثم سحب يزيد فرح من ذراعها بقسوة وابتعد بها عن ذلك الممر الحديدي، واتجه بها ناحية كابينة القيادة..
ظلت فرح تحاول التملص من قبضته، ولكنه لم يتركها، بل ظل غارسا لأصابعه القوية في ذراعها إلى أن دلف بها داخل كابينة القيادة، والكل يتابعهما بإستغراب شديد..

وبدأت الفرقاطة في التحرك...
أجلس المقدم يزيد فرح على أحد المقاعد الجلدية الموجودة بداخل كابينة القيادة بعد أن نهرها بشدة أمام الجميع لمخالفتها أوامره..
كانت فرح على وشك البكاء، ولكنها تحاملت على نفسها كثيرا حتى لا تبدو ضعيفة أمامه وأمام غيره..
في نفس الوقت اقترب آدم من فرح، وتأكد من أن يزيد لا يتابعه و..
-آدم بنبرة خافتة، ونظرات مترقبة: معلش يا فرح، اوعي تزعلي، بس هو كده.

-فرح بصوت شبه مختنق، وأعين لامعة: أنا مكونتش عاوزة أفضل على البتاعة دي وهي ماشية
-آدم بنبرة هادئة، ونظرات عادية: دي فرقاطة، مش بتاعة، وبعدين أنا مش مرسيكي على الحوار امبارح
-فرح بضيق: بس ده قاصد يحرجني قصاد الكل
-آدم مبتسما بهدوء: ده كله عادي، أنا عاوزك تنشفي شوية، مايبقاش عضمك طري، مع أول زعيقة تعيطي
-فرح بإنزعاج: من غيظي
-آدم بنبرة متروية: خلي أعصابك باردة وفي تلاجة عشان تقدري تكملي على خير.

عقدت فرح ساعديها أمام صدرها، وأشاحت بوجهها للجانب و...
-فرح وهي تتمتم بإيجاز: ربنا يسهل.

قطعت الفرقاطة مسافة لا بأس بها في مياه البحر الزرقاء، والكل متأهب على السطح، ومعظم الوقت ظلت فرح ماكثة في الداخل تتابع ما يدور بصمت، وتنهدت بإرتياح حينما وجدت يزيد قد غاب عن نظرها لمدة طويلة..

أخرجت فرح مفكرتها الصغيرة، وبدأت تكتب بعض الملحوظات الخاصة بما رأته بالداخل، ثم بهدوءء حذر نهضت عن مقعدها، وتوجهت ناحية الشاشات الخاصة بالردار، والبوصلة البحرية، وأنظمة الرصد والمراقبة، وبعض الأجهزة الغير مفهومة بالنسبة لها، وبدأت تستفسر من الضباط المرابطين أمام كل جهاز عن وظيفة كل منهم على حدا..
استفادت فرح كثيرا مما عرفته من معلومات، وعلى قدر الإمكان دونت أهم الملحوظات حتى لا تغفل أي شيء..

نظرت فرح بإنبهار من النافذة الزجاجية العريضة الموجودة في مقدمة الكابينة حينما وجدت الفرقاطة تمرق بين الأمواج بخفة، ورغم خوفها الحذر من مياه البحر إلا أنها كانت مستمتعة بالمنظر الجميل..
لم تنتبه فرح إلى يزيد الذي وقف خلفها، وظل يتابعها بتمعن شديد وهي غير مدركة لوجوده، لقد أثارت تلك الفتاة ذات الشعر المتمرد فضوله، ورغم كرهه لصنف النساء بسبب زوجته السابقة إلا أن بتلك الفتاة شيء مختلف..

ما أثار حنق يزيد بحق هو إدعاء فرح بأنها ( مدام ) ومتزوجة، فقد قرأ ملفها لأكثر من مرة ويعلم أنه كان معقود قرانها فقط، ولم تتزوج، وتوفي زوجها منذ فترة قريبة خارج مصر، فأراد أن يتحرى أكثر عن تلك المعلومة حينما أخبرته بأنها سيدة متزوجة، وبالفعل تأكد من التحريات الخاصة بأفراد القوات المسلحة أنها كاذبة، ولم تتزوج فعليا..

أيقن يزيد أن فرح كانت غبية حينما ظنت أنها ستتمكن من خداعه، فالمرء يمكن أن يكذب في أي شيء، ولكن حينما يتعلق الأمر بالجيش وما يخص أفراده فكل المعلومات تكون أكثر دقة، وأكثر مصداقية..
فحصولها على هوية خاصة بها لتمكث ضمن ضباط ومجندي وحدة عسكرية لم يتم إلا بعد التأكد منها ومن كل ما يخصها..

ولكن لم يهدأ عقل يزيد عن التساؤل والتفكير، فقد أثار فضوله سبب ذلك الإدعاء الخطير، ولكن فجأة توقف يزيد عما يفعل، وشعر أنه يشغل باله بتلك الفتاة أكثر من اللازم، لذا نفض يزيد عن عقله تلك الأفكار، وجهم ملامحه أكثر ليصبح وجهه أكثر صلابة، ثم وضع كلا يديه في جيبي بنطاله العسكري الأزرق و...
-يزيد بصوت آجش عميق: سريعة صح.

انتفضت فرح فزعا على إثر صوته، وابتعدت خطوة للجانب، ثم أخذت نفسا عميقا، وزفرته على عجالة وهي تنظر إليه بحذر و...
-فرح بنبرة متحشرجة: آآ، اه
-يزيد متابعا بنظرات ثابتة، ونبرة رجولية: الفرقاطة دي من النوع فريم يعني متعددة المهام، لسه جاية جديد للأسطول، وأنا بدرب رجالتي عليها.

هزأت فرح رأسها بالإيجاب لتبدي اهتمامها بما يقول، في حين أردف هو ب...
-يزيد بنبرة جادة، ونظرات حادة: الفرقاطة ليها أنواع مختلفة، واحنا بندرب هنا على الفرقاطة الخاصة بالدفاع الجوي..
-فرح وهي تمط شفتيها في اهتمام: مممم، ودي تفرق؟
-يزيد بجدية بالغة: أه طبعا، بيفرق معانا في نوع التسليح، وفي نوع الأجهزة، وخصوصا لو احنا داخلين بيها حرب أو بندافع بيها عن مياهنا الإقليمية.

أمسكت فرح بمفكرتها، ودونت ما قاله يزيد، ثم رفعت رأسها لتجده يرمقها بنظرات باردة و...
-يزيد متسائلا بنبرة غليظة: ايه اللي بتعمليه ده؟
-فرح باستغراب: بأكتب اللي بتقوله عشان مانساش حاجة
-يزيد بتبرم: هو كلامي فيه حاجة غريبة عشان مايتفهمش
-فرح بنبرة عادية: لأ، بس أنا متعودة أعمل كده
-يزيد وهو يزفر في ضيق، وبنبرة ساخرة: أوووف، يعني مش بس بطيئة في فهمك، لأ كمان فاقدة للذاكرة.

فغرت فرح شفتيها في صدمة، ورمشت بعينيها عدة مرات، فقد شعرت أن يزيد يتعمد إهانتها، والتقليل من قدرها كي تشعر دائما بالإحباط، فضيقت عينيها، ونظرت إليه بحنق وهي قابضة على قلمها الحبر..
-فرح بخفوت و بنبرة متهكمة: كفاية انت اللي عارف كل حاجة يا عبقري عصرك وزمانك
-يزيد بنبرة حانقة: نعم؟
-فرح بتوتر، ونظرات مرتبكة: آآآ، بقول أنا عاوزة أستفيد من خبراتك.

شعر يزيد أن فرح تسخر منه بطريقة أو بأخرى، فرمقها بنظرات استهجان، ثم..
-يزيد بلهجة آمرة: تعالي.

تحرك يزيد أولا إلى خارج قمرة القيادة، ثم تبعته فرح وهي ترمقه بنظرات حائرة و..
-فرح بصوت خافت للغاية: ربنا يستر، ومايكونش ناوي يحدفني لسمك القرش.

توجه يزيد إلى درج معدني رأسي مثبت على جانب الفرقاطة وعالي نوعا ما، و موجود على مقربة من الكابينة، ثم صعد عليه وهو ممسك بالدرابزون الحديدي الخاص به بخطوات سريعة ورشيقة، في حين ظلت فرح تتابعه ببصرها وهي متسمرة في مكانها..
وصل يزيد إلى السطح العلوي للفرقاطة، واستدار بجسده ليبحث عن فرح فوجدها مازالت قابعة في مكانها و...
-يزيد بنبرة صادحة وآمرة: اطلعي.

ابتلعت فرح ريقها في توجس، و...
-فرح بنبرة شبه خائفة، ونظرات مضطربة: آآآ، ماينفعش تكلمني من هنا
-يزيد بحدة: انجزي، مش كل شوية هافضل آآ...
-فرح مقاطعة بخوف: خلاص طالعة، ثواني.

أمسكت فرح بالدرج المعدني وقلبها يخفق بشدة من الخوف، فهي تخشى البحر، ولا تحبذ البقاء لمدة طويلة على أي شيء يسير على المياه، وها هي الآن على متن فرقاطة حربية، وتجاهد للصعود على أعلى نقطة فيها..

ظل يزيد يتابع فرح وهي تصعد الدرج الرأسي بتمهل شديد، ولأكثر من مرة نهرها لكي تسرع في خطواتها، ولكنها لم تكترث لأوامره، وفي كل مرة تصعد خطوة للأعلى على الدرج تحبس أنفاسها، وما إن وصلت لأخر درجة حتى وجدت ذراع يزيد ممتدة ناحيتها، ومن ثم أمسكت قبضة يده مجددا بذراعها، ثم جذبها بقوة نحوه مما أربكها بشدة، وجعل وجنتيها تتورد من الخجل..
-يزيد بتذمر وهو يجذبها: احنا كده مش هانخلص في يومنا.

أرخى يزيد قبضته عن ذراع فرح، لتتنحنح هي في حرج، وتطرق رأسها في خجل، وتمد يدها لتعيد خصلات شعرها المتناثر للخلف في ارتباك..
كان الهواء قويا في الأعلى، وظل يعبث بشعرها كثيرا، وحاولت هي أن تجمعه من على وجهها حتى تتمكن من رؤية المشهد بوضوح، ولم تتخيل فرح أن يكون المنظر من الأعلى بتلك الروعة، وجاهدت نفسها لكي تتغلب على خوفها الحذر من البحر...

أكمل يزيد سرده لباقي وظائف أجزاء الفرقاطة العلوية، في حين شعرت فرح بالبرودة تجتاحها مع زيادة حركة الفرقاطة في مياه البحر
-يزيد متسائلا بنبرة جادة: في حاجة مش واضحة من اللي أنا قولته؟
-فرح وهي فاغرة شفتيها، ونظرات مذهولة: هه
-يزيد بنظرات ثابتة، ونبرة قوية: انتي مش معايا ولا ايه
-فرح بنبرة متلعثمة: لأ طبعا معاك، بس آآ، أنا، اقصد، الجو ساقعة أوي.

انزعج وجه يزيد، واكفهرت ملامحه، وقطب جبينه أكثر، ثم رمق فرح بنظرات ساخطة، و..
-يزيد على مضض: انزلي تحت، أنا غلطان إني بضيع وقتي وبفهمك حاجة ماعمركيش هاتفهميها.

عضت فرح على شفتيها من الغيظ، ولم تعقب، رغم أنها كانت تتحرى شوقا للرد عليه، ولكنها كانت تخشى أن يتهور عليها في تلك البقعة العالية، لذا أثرت أن تنسحب في هدوء...
-فرح بخفوت: طيب.

ظل يزيد واقفا في مكانه، في حين اتجهت فرح إلى الدرج المعدني، ثم وضعت قدميها أولا عليها، ثم انحنت بجسدها للأسفل، وأمسكت بالدرابزون الرفيع بحذر بقبضتي يدها قبل أن تنزل بهدوء من عليه..

كانت فرح في منتصف المسافة على الدرج حينما ارتطمت الفرقاطة بأمواج البحر الهائجة، مما جعل بدن الفرقاطة يعلو فجأة للأعلى، ومن ثم يهبط بنفس القدر للأسفل، فإنتفضت فرح فزعا، وأفلتت قبضتي يدها عن الداربزون وهي تشهق بخوف، واختل توازنها لتسقط عن الدرج الرأسي، وترتطم بجسدها بقوة بالأرض المعدنية الصلبة..

صرخت فرح عاليا في آلم، مما جعل بعض الضباط والمجندين يتجمعون حولها في اضطراب وقلق، كما انتبه يزيد هو الأخر إلى صوت صرختها، ونظر من الأعلى ناحيتها فوجدها ملاقاة على ظهرها، فأسرع نزولا على الدرج لينضم إلى المتواجدين، ثم جثى على أحد ركبتيه أمامها ووجهه قلق نوعا ما عليها...
أشار يزيد بيده للجميع لكي يبتعدوا عن فرح، وأمرهم بحدة بألا يقترب منها أي أحد و..

-يزيد بلهجة آمرة وصارمة: الكل يرجع مكانه، محدش يقرب منها أو يلمسها، الله أعلم إن كان فيها جرح ولا كسر..
ثم استدار يزيد برأسه ناحية أحد المجندين و...
-يزيد وهو يشير بيده بلهجة صارمة: انت، روح نادي على الرائد تيمور يجي هنا فورا
-المجند بجدية: حاضر يا فندم.

امتثل الجميع لأوامر المقدم يزيد، فقد كان على دراية بمباديء الإسعافات الأولية والتي تقتضي بعدم الاقتراب من الشخص المصاب بكسور دون التأكد من مكان الإصابة حتى لا يؤدي هذا إلى حدوث مضاعفات
-فرح بنبرة متآلمة: آآآه، أنا، أنا كويسة
-يزيد بحدة: مش انتي اللي تقولى.

حاولت فرح النهوض، ولكن منعها يزيد من أن تفعل هذا، وأصر على أن تظل ممددة في مكانها ريثما يأتي الطبيب - الرائد تيمور...
مدت فرح يدها للجانب في محاولة منها لكي تمسك بحقيبتها العملية، فرفع يزيد أحد حاجبيه في استغراب و...
-يزيد متسائلا بعدم فهم: انتي بتعملي ايه؟
-فرح ببراءة: بشوف ان كانت الكاميرا اتكسرت ولا لأ.

ضيق يزيد عينيه أكثر، ورمق فرح بنظرات شبه غاضبة و...
-يزيد بحنق: يعني مش هامك ان كان فيكي كسر ولا جرح، وبتدوري على حتة الصفيحة دي
-فرح بنبرة مغتاظة: حتة الصفيحة اللي مش عجباك دي عهدة عليا
-يزيد بتذمر: ماتولع، هابقى أجيبلك غيرها، المهم عندي انتي..!

فغرت فرح شفتيها في ذهول شديد، ورمشت عدة مرات وهي تنظر إلى يزيد بعدم تصديق، فتلك هي المرة الأولى التي أبدى فيها يزيد خوفه عليها رغم فظاظته ووقاحته معها...
أدرك يزيد أنه قد تسرع حينما نطق بعبارته الأخيرة، ولكنه لم يرد أن يبدي ندمه أمامها، فأشاح بوجهه بعيدا، ثم هدر في أحد المجندين بالإسراع في إحضار الطبيب...

بعد عدة دقائق حضر الطبيب - الرائد تيمور – إلى حيث فرح وهو ممسك بصندوق بلاستيكي في يده، ثم جثى هو الأخر على ركبتيه، وبدأ في تفحص فرح بحذر..
-تيمور بنبرة رسمية، ونظرات ثابتة: عاوزك تقوليلي بالظبط فين اللي بيوجعك
-فرح بنبرة هادئة، ونظرات خجلة: مافيش حاجة
-يزيد متدخلا في الحوار بنبرة آمرة: بص على دماغها يا سيادة الرائد، لأن هي وقعت عليها
-فرح بجدية: والله أنا كويسة، الخضة بس هي اللي آآ...

-يزيد مقاطعا بنبرة حازمة: أنا اللي أقول إن كنتي كويسة ولا لأ
-فرح بنبرة معاندة: بس أنا اللي وقعت مش سيادتك
-يزيد بنظرات إصرار، ونبرة متحدية: والله مايخصنيش، شوف شغلك يا سيادة الرائد
-فرح بنبرة ممتعضة: على فكرة أنا لو فيا حاجة هاقول..
-يزيد وهو يلوي فمه في سخرية، وبنبرة استفزاز: اومال صوت الرزعة الجامدة ولا الصويت العالي ده كان ايه نظامه؟ ده أنا خوفت على الأرضية لا تكون إطبأت.

حاول الطبيب الرائد تيمور أن يسيطر على نفسه حتى لا يضحك أمام المقدم يزيد، في حين نظرت فرح إليه بنظرات استنكار و...
-فرح بنبرة حانقة: أنا زي الفراشة خفيفة ولما وقعت محصليش حاجة، ولا الأرضية حصلها خدش...!
-يزيد بنبرة متصلبة: هيبان الوقتي، كمل شغلك يا سيادة الرائد، مش هانقضيها حكي نسوان..
-تيمور وهو يتنحنح في حرج: احم، آآ، حاضر.

زمت فرح شفتيها في اعتراض، ولكن لم يعبأ يزيد بها، وأصر على أن يتم فحص رأسها للتأكد من عدم وجود أي إصابات أو كسور بها، وبالفعل فحص الطبيب الرائد تيمور فرح بدقة، وتأكد من أنها لا تعاني من أي شيء..
-تيمور بنبرة جادة: هي كويسة يا فندم مافيش فيها أي حاجة
-فرح بتذمر: مش قولتلك
-يزيد بجدية وإقتضاب: تمام، شكرا.

نهض الطبيب عن الأرضية المعدنية الصلبة، ثم سار مبتعدا عن كلاهما، في حين اعتدلت فرح في جلستها و...
-فرح بضيق: أقدر أقوم، ولا هافضل مسطحة هنا طول اليوم
-يزيد بنبرة تحمل السخرية: أنا مش عارف موقعتيش على لسانك ليه كنا ارتحنا منه.

كورت فرح قبضتي يدها في غيظ، ورمقت يزيد بنظرات محتقنة، و...
-فرح في حنق وبصوت خافت: استغفر الله العظيم...!

استندت فرح بقبضة يدها لتنهض بنفسها عن الأرضية المعدنية، في حين ظل يزيد مسلطا بصره عليها حتى اعتدلت في وقفتها تماما أمامه، ثم عدلت من هيئتها، ورتبت ملابسها و...
-يزيد متابعا بجدية وهو يشير بيده: اقعدي في الكابينة لحد ما نرجع..
تنفست فرح في ارتياح لأنها لن تضطر للوقوف مجددا، بالإضافة إلى هذا فهي سوف تبتعد عن وجهه الغاضب..
سارت فرح في اتجاه قمرة القيادة، ولكن قبل أن تدلف للداخل، صدح بها يزيد ب...

-يزيد بنبرة عالية، ونظرات متوعدة: بس اعملي حسابك تجهزي نفسك من بكرة لأنك هتشرفينا هنا طول فترة المناورة.

التفتت فرح بجسدها ناحيته، وحدقت فيه بنظرات حائرة و...
-فرح متسائلة بعدم فهم: مناورة ايه؟ هي دي في البحر
-يزيد بتهكم: لأ في الجو يا مدام
-فرح وهي فاغرة شفتيها: هه
-يزيد مبتسما بشراسة: دي مناورة تدريبية للفرقاطة في البحر، وبما إنك صحفية فمافيش حد هيغطيها إلا إنتي...!

اتسعت عيني فرح في ذهول، وقطبت جبينها في توجس و..
-فرح متسائلة بنبرة مندهشة: مين هايغطي ايه؟

سار يزيد عدة خطوات للأمام، و...
-يزيد بثقة: إنتي هاتغطي المناورة اللي هاتقعد 4 أيام في البحر.

إزدادت عيني فرح اتساعا، واعترت الدهشة الشديدة جميع ملامح وجهها، و..
-فرح متسائلة بنبرة مرتبكة وهي تشير بيدها: يعني، انا، هافضل أعدة هنا؟

وقف يزيد أمام فرح، ولم يفصله عنها إلا خطوة واحدة، ثم نظر إليها بنظرات واثقة و..
-يزيد بنبرة هادئة وعميقة، ونظرات مخيفة: أيوه، وأول ما هنرجع الوحدة هتجهزي شنطتك عشان هتنوري الفرقاطة يا، يا فراشة...!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة