قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية فراشة أعلى الفرقاطة للكاتبة منال سالم الفصل التاسع والثلاثون

رواية فراشة أعلى الفرقاطة للكاتبة منال سالم الفصل التاسع والثلاثون

رواية فراشة أعلى الفرقاطة للكاتبة منال سالم الفصل التاسع والثلاثون

ظل يزيد مسلطا بصره على باب غرفة فرح الموصود، والفضول يقتله لمعرفة ما الذي تفعله بداخلها، فطوال اليوم زوجته متوارية عن أنظاره، ورفضت حتى أن تفتح الباب للصغيرة سلمى مما أثار ريبته و...
-يزيد بنبرة حائرة، ونظرات ضيقة: طب هي بتعمل ايه؟ مش معقول تكون بتخطط لحاجة، أنا لازم اخليها تخرج من جوا، أومال أنا هافضل كده أقعد قفايا ( يآمر ) عيش.

ثم أخذ يفكر في طريقة ما لاستدراج فرح خارج غرفتها، وبالفعل توصل إلى حيلة ما، فابتسم في لؤم، ثم نهض عن الأريكة، وجلس على السجادة إلى جوار الصغيرة سلمى و..
-يزيد بخفوت: لوما حبيبتي، بصي أنا نازل أجيب حاجة من عربيتي، تيجي معايا ولا تخليكي أعدة هنا قصاد التلفزيون
-سلمى ببراءة طفولية: تؤ آدي مآك ( أجي معاك )
-يزيد مبتسما بهدوء: ماشي، طب يالا بس من غير ما نعمل دوشة
-سلمى وهي توميء برأسها: ماسي.

نزل كلاهما أسفل البناية لإحضار ( مطفأة الحريق ) الصغيرة من سيارته، ثم صعدا بعدها بدقائق معدودة إلى المنزل، وتفقد يزيد باب غرفة فرح فوجده مازال موصودا، فاعتلت زاوية فمه ابتسام لئيمة و...
-يزيد بنبرة هامسة ولكنها آمرة وهو يشير بيده: لوما، روحي استخبي ورا الكنبة، وماتجيش غير لما أقولك
-سلمى بنبرة طفولية وهي تهز رأسها موافقة: ماسي.

وبالفعل اختبأت الصغيرة خلف الأريكة كما أخبرها هو، ثم جثى على أحد ركبتيه أمام باب غرفة فرح، وقام بفتح المطفأة، وتسليط فوهتها ناحية أسفل الباب، واستدار برأسه ليتأكد من أن الطفلة سلمى بعيدة تماما، فرأها وهي تطل برأسها الصغيرة من جانب الأريكة، فأشار لها مجددا بعينيه لكي تختبيء فابتسمت له بسعادة، وامتثلت لأوامره..

قام يزيد بتشغيل المطفأة فإندفعت بودرة بيضاء منها بكل قوة محدثة صوتا رهيبا مع غمامة كبيرة، فتسربت من أسفل الباب إلى داخل الغرفة..
-يزيد صارخا بنبرة عالية: حريقة، حريقة!

انتبهت فرح لصوت يزيد، وكذلك للدخان الذي يتصاعد من بابها، فخفق قلبها بشدة من التوتر، ثم قفزت من على فراشها وهي تصرخ بذعر، فقد اعتقدت أن هناك حريقا ما في منزلها، وركضت في اتجاه باب غرفتها، وقامت بفتحه، ودلفت إلى الخارج لتتفاجيء بيزيد ومعه الصغيرة سلمى وهو يضربان كفهما ببعض كعلامة للنصر..
فرمقتهما بنظرات غير مفهومة و...
-فرح متسائلة بخوف شديد: في ايه اللي حصل؟ انتو، انتو كويسين؟ طب فين الحريقة دي.

تبادل يزيد مع الصغيرة سلمى نظرات جادة قبل أن ينفجر كلاهما بالضحك الهيستري، وهنا أدركت فرح أنها قد وضعت ضحية ( مقلب ) ما، فإكفهر وجهها، وضيقت عينيها بشدة، ووضعت كلتا يديها في وسط خصرها، وأخذت تهز ساقها اليسرى بعصبية مفرطة و...
-فرح بنبرة متشنجة، ونظرات ضيقة ومتوعدة: أنتو بتشتغلوني؟ ماشي ماشي!
-سلمى بنبرة مرحة وسعيدة: سكلك حوو أوي ( شكلك حلو ).

انتبهت فرح إلى ما قالته الصغيرة، ونظرت إلى نفسها، فتوردت وجنتيها سريعا بحمرة الخجل، ورفعت عينيها في اتجاه يزيد الذي كان يرمقها بنظرات متفرسة وجريئة أربكتها أكثر، وحاولت أن تتصرف بتلقائية ولكنها كانت خجلة من وقوفها أمامه بتلك الملابس المغرية، فوضعت يديها على صدرها، وأشاحت بوجهها للناحية الأخرى، بينما ركضت الصغيرة في اتجاهها، واحتضنتها من خصرها بذراعيها الدقيقين و...

-سلمى بنبرة بريئة: لوما حبك آوي فلح.

أجفلت فرح عينيها لتنظر إلى الصغيرة، ثم وضعت يدها على الصغيرة، وربتت على ظهرها برقة، في حين استغل يزيد الفرصة ليقترب من كلتاهما، ثم فتح ذراعيه ليضمهما إلى صدره، وأحاطهما بشدة وخاصة فرح، وظل ملتصقا بها، ورغم أنها حاولت أن تبتعد عنه إلا أنه تعمد الإمساك بها، ثم مال برأسه على أذنها، فشعرت بأنفاسه الحارة عليها، فارتجفت منه، ودبت قشعريرة في أوصالها و..

-يزيد هامسا: هو احنا فينا من كده! ده أنا محتاج طفاية تبرد ناري..!

ثم بدأ يتلمس بشرة ظهرها بأطراف أصابعه، فإزدادت رجفتها، وانكمشت على نفسها، وقبضت كتفيها في توتر ملحوظ، وبدأ نبض قلبها يتسارع، حاولت أن تتملص منه، ولكنه كان مستمتعا بقربه منها..
أغمضت هي عينيها، وكادت أن تستسلم لخفقان قلبها، ولكنها أفاقت سريعا ونهرت نفسها بشدة لأنها لم تكن حازمة بالقدر الكافي، لذا قامت بدفع يزيد بكتفها، و...
-فرح بنبرة شبه متعصبة: اوعوا انتو الاتنين عني، أنا زعلانة منكم!

إنسلت الصغيرة من حضن فرح، ونظرت إليها بنظرات حزن زائفة وهي تلوي فمها، بينما ظل يزيد متشبثا بفرح، فهدرت عاليا فيه ب...
-فرح بنبرة مضطربة رغم علوها، ونظرات زائغة: بطل حركات العيال دي معايا.

ثم ركضت عائدة إلى غرفتها، وأوصدت الباب من خلفها..
تابعها كلا من يزيد وسلمى بإندهاش، و..
-يزيد مبتسما للصغيرة: تعالي يا لوما أما نتفرج على أي حاجة لحد ما فرح تروق
-سلمى متسائلة ببراءة: هي زحلانة ( زعلانة ) منى؟
-يزيد ب هدوء: لأ طبعا، هي متقدرش!
-سلمى بنبرة طفولية: أومال مالها؟
-يزيد وهو يمط شفتيه في امتعاض يحمل التهكم: ده العادي بتاعها، أما تتزنق، على طول تتقلب!

مر بعض الوقت، وفرح مازالت جالسة في غرفتها، بينما انشغلت الصغيرة سلمى باللعب بعروستها أمام التلفاز، في حين أمسك يزيد بهاتفه المحمول وفكر في أن يدبر عملا مؤقتا لزوجته حتى يستطيع التقرب اكثر منها، لذا هاتف آدم و...
-يزيد هاتفيا بنبرة عادية: الوو، ايوه يا آدم
-آدم هاتفيا بحماس: باشا! منور والله، ايه الأخبار؟
-يزيد بهدوء: الحمدلله
-آدم متسائلا بتلهف: أخبار البت سلمى ايه، قطعت بينا والله.

رفع يزيد بصره في اتجاه الصغيرة ورمقها بنظرات أبوية مليئة بالحنو، و..
-يزيد مبتسما، وبنبرة متمهلة: ربنا يباركلك فيها، عاملة معايا أحلى شغل
-آدم بنبرة متشوقة: بجد! طب طمني بقى، الحديد لان ولا آآ...
-يزيد مقاطعا بنبرة ممتعضة: أديني شغال عليه، بس – الله أكبر – ناشف
-آدم بنبرة متعشمة: كله بالحنية بيفك
-يزيد وهو يتمتم بإيجاز: يا مهون
-آدم بهدوء: خير خير متقلقش.

-يزيد بجدية، ونظرات ثابتة: المهم أنا عاوزك تجيبلي نمرة صاحبة فرح، عارفها اللي هي مراتك اتصاحبت عليها
-آدم متسائلا بجدية، وهو يضيق عينيه: تقصد إيلين؟
-يزيد بتلهف: أيوه هي
-آدم متسائلا بفضول: ليه؟
-يزيد بجدية: عاوزها في مصلحة
-آدم مازحا: ماشاء الله، إنت مستغل كل الناس عشان مصلحتك
-يزيد على مضض: هأعمل ايه بس، ما أنا مقدميش إلا كده!

-آدم بنبرة عادية: الله يعينك، اديني دقيقة هاجيبلك الرقم من شيمو وأبعتهولك في رسالة
-يزيد بإيجاز: تمام..
-آدم بنبرة هادئة: وابقى سلم على بنت ال *** اللي نسيتنا دي
-يزيد ضاحكا: ههههههههه، طب خد كلمها
-آدم بتشوق: اشطا..
ثم أبعد هو الهاتف عن أذنه، ونظر إلى الصغيرة سلمى وهو يمد يده بالهاتف و...
-يزيد بنبرة دافئة: لوما، تعالي كلمي بابي على الموبايل
-سلمى بنبرة سعيدة: هييييه..

ثم نهضت الصغيرة عن الأرضية، وألقت بلعبتها، وجلست على حجر يزيد، وأمسكت بالهاتف و..
-سلمى هاتفيا بنبرة طفولية: بابي، وحستني.

تحدثت الصغيرة سلمى مع والدها حديثا أبويا دافئا، اطمئن فيه على أحوالها، وعلى وضعها مع يزيد وفرح، وسعد كثيرا لأنها منسجمة للغاية مع كلاهما، ووعدها بإحضارها قريبا للمنزل..
ثم أنهت الصغيرة المكالمة، ولفت يدها حول عنق يزيد، وقبلته على وجنته، و..
-سلمى بنبرة متلهفة: حبك أوي آمو زيت.

أحاطها يزيد أكثر بذراعيه، ومسد على شعرها برفق، ونظر إليها بحنو و...
-يزيد بخفوت: وأنا أكتر يا قلب عمو يزيد.

ثم نهضت هي عن حجره، و..
-سلمى ببراءة: لوما آوز تاوالت ( عاوزة تويلت )
-يزيد مبتسما بهدوء: طيب تعالي
-سلمى وهي تهز رأسها بالرفض: تؤ آيب، أنا لوح مع فلح ( لأ، عيب! أنا هاروح مع فرح )
-يزيد بإقتضاب: طيب.

ثم تركته وركضت في اتجاه غرفة فرح، وطرقت على الباب بطرقات خافتة، و...
-سلمى بنبرة طفولية عالية: فلح، افتحي باب
-فرح بنبرة صارمة من داخل غرفتها: لأ، روحي كملي لعب يا سلمى، شوية كده وأبقى أفتح.

تلوت سلمى بجسدها الضئيل محاولة التحكم في نفسها و...
-سلمى بنبرة شبه منزعجة: أنا تاوالت.

لم تفهم فرح ما الذي تقصده سلمى، فظنت أن هذا ملعوبا جديدا من يزيد، لذا تجهمت ملامح وجهها، وعقدت ساعديها أمام صدرها...
-فرح وهي تزفر في ضيق: يووووه، امشي يا سلمى بقى.

قطبت الصغيرة جبينها، ولوت شفتيها في ضيق واضح، ثم ركلت الأرض بعصبية بقدمها، وسارت في اتجاه المرحاض وهي تتمتم بكلمات غير مفهومة...

أرسل آدم رقم هاتف إيلين – رفيقة فرح – إلى هاتف يزيد في رسالة نصية، فقام الأخير بتدوين الرقم على هاتفه، ثم اعتدل في جلسته، واتصل بها...
انتظر يزيد لفترة قبل أن يستمع إلى صوت أنثوي يجيب عليه و...
-إيلين هاتفيا بنبرة مألوفة: ألوو، أيوه؟
-يزيد هاتفيا بنبرة هادئة: ألوو، مدام إيلين
-إيلين بترقب: أه أنا، مين معايا؟
-يزيد بهدوء: أنا المقدم يزيد جودة، جوز فرح عبد الحميد.

-إيلين بتلهف: أهلا وسهلا بحضرتك، أنا مش مصدقة نفسي والله، حضرتك بنفسك بتكلمني
-يزيد مبتسما في امتنان: شكرا ليكي يا مدام، معلش أنا بتأسف على الإزعاج، بس ممكن خدمة إن مكنش ده يضايقك
-إيلين بنبرة متشوقة: ازعاج ايه بس، حضرتك تؤمر، وأنا تحت أمرك
-يزيد بنبرة إطراء: متشكر أوي، المهم عشان معطلش وقتك، أنا كنت عاوز آآ...
ثم بدأ يزيد في إبلاغها بالخدمة التي يريدها أن تقدمها من أجل رفيقتها..

أنصتت إيلين بإصغاء تام لما قاله، ثم..
-إيلين بنبرة متحمسة: اطمن، ده أنا هاظبطكم في الموضوع ده
-يزيد بتعشم: يا ريت
-إيلين بإهتمام: أنا مش عاوزاك تقلق يا سيادة المقدم، أنا عندي الناس اللي هتساعدني كمان في ده، وربنا يسعدكم
-يزيد بإيجاز: يا رب، وأسف مرة تانية على الإزعاج
-إيلين بنبرة متعشمة: تحت أمرك في أي وقت.

في نفس التوقيت، دلفت الصغيرة سلمى إلى داخل المرحاض، وبحثت عن المقعد البلاستيكي الصغير – والذي يستخدم للجلوس عليه أثناء الغسيل اليدوي – لكي تقف عليه، ثم أوصدت الباب ب ( المزلاق ) بعد إغلاقه، ونزلت من عليه، وقضت حاجتها بمفردها، ثم حاولت أن تهندم ملابسها بنفسها فبدت غير مرتبة على الإطلاق..

أرادت هي أن ترى هيئتها في المرآة، لذا حملت المقعد الصغير ووضعته أمام الحوض، ثم وقفت عليه، ورأت ملامحها البريئة منعكسة على المرآة فتعالت ضحكاتها، ثم لفت نظرها خزانة المرآة، فقررت أن تفتحها وتعبث بمحتوياتها..

رأت سلمى بعض الزجاجات الصغيرة التي لم تفهم ماهيتها موضوعة على رف علوي، فمدت يدها لتمسكها ولكنها كانت عالية نسيبا بالنسبة لها لكي تصل إليها، ثم أخفضت عينيها قليلا لتنظر إلى بعض العلب الطبية الصغيرة، فابتسمت بمرح، ثم مدت قبضتها الصغيرة لتمسك بكل علبة و تتفحصها بفضول...

استدار يزيد برأسه للخلف ليرى الصغيرة سلمى، فوجد باب المرحاض مغلقا، فإنتابه القلق عليها، ونهض سريعا من على الأريكة، وتوجه ناحية الباب، ثم حاول فتحه فوجده موصدا، فإنقبض قلبه، وبدأ بالطرق عليه و...
-يزيد بنبرة جادة، ونظرات حادة: سلمى، سمعاني!
-سلمى بنبرة طفولية من داخل المرحاض: اه
-يزيد بنبرة شبه آمرة، ونظرات قلقة: طيب يا حبيبتي افتحي الباب
-سلمى بنبرة معترضة: تؤ، لوما لسه.

-يزيد بنبرة ضائقة وصارمة: سلمى، أنا مش بهزر، افتحي يالا
-سلمى ببراءة: لأ، أنا إعب بالملبس أبيض ده!

اتسعت عينيه في هلع، وكور قبضة يده وطرق بحدة على الباب، وباليد الأخرى حاول فتح المقبض و...
-يزيد بلهجة شديدة: سلمى، افتحي الباب.

انتظر هو أن يأتيه الرد منها من الداخل، ولكنه لم يستمع إلى أي شيء، فإنقبض قلبه أكثر، واكفهرت ملامح وجهه في انزعاج، وقطب جبينه في خوف شديد عليها...

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة