قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية فراشة أعلى الفرقاطة للكاتبة منال سالم الفصل الأربعون والأخير

رواية فراشة أعلى الفرقاطة للكاتبة منال سالم الفصل الأربعون والأخير

رواية فراشة أعلى الفرقاطة للكاتبة منال سالم الفصل الأربعون والأخير

في غرفة فرح
تثاءبت فرح ووضعت يدها على فمها، فرأسها أصبح ثقيلا بعد أن استغرقت وقتا في تأمل صورها واستعادة ذكرياتها الجميلة مع أبويها ومع رفاقها، وكادت أن تغمض عينيها وتغفو إلا أن صوت الطرقات العالي على باب غرفتها، والمصحوب بصراخ يزيد الحاد أفزعها، وجعلها تنتفض في مكانها و...
-فرح بنبرة مذعورة: ايييه في ايه!
-يزيد بنبرة صارخة: فرح، افتحي بسرعة، سلمى محبوسة في الحمام.

-فرح بعدم اقتناع: ده ملعوب جديد منك
-يزيد بنبرة معترضة: يا شيخة ملعوب ايه الوقتي، بقولك البت مش طالعلها حس من الحمام
-فرح بعدم اكتراث: انت أكيد بتهزر
-يزيد بنبرة ضائقة وهادرة: البت بقالها ساعة جوا، وانتي بتقوليلي بهزر، أنا هاكسر الباب عليها عشان ماتتفاجئيش باللي هاعمله.

ثم انصرف بعيدا عن باب غرفتها، فاعتدل هي في الفراش، ووضعت يدها على فروة رأسها تعبث في خصلات شعرها و...
-فرح بنبرة شبه قلقة، ونظرات متوجسة: لأحسن يكون الموضوع بجد.

ثم استمعت هي إلى صوت طرقات صادح، فاتسعت عينيها في توتر، ثم نهضت عن الفراش، وركضت في اتجاه باب غرفتها، وفتحته ودلفت إلى الخارج وقلبها متوجس من أن يكون قد صار مكروها لتلك الصغيرة..
وقفت فرح إلى جوار يزيد الذي أوشك على تحطيم باب المرحاض، وصدرها منقبض بشدة و...
-فرح بنبرة مذعورة، ونظرات قلقة: سلمى، افتحي يا حبيبتي أنا فرح، افتحي متزعليش مني، أنا والله بحبك.

-يزيد بلهجة قوية وصارمة: سلمى ابعدي عن الباب، أنا هاكسره
-فرح بنبرة مرتعدة: يا لوما ردي علينا، لووما.

وبالفعل تمكن يزيد من فتح الباب بعد ضربه لأكثر من مرة بقوة شديدة بكتفه، وأمسك به من مقبضه حتى لا يسقط على الصغيرة إن كانت تقف خلفه..

خفق قلب فرح بشدة حينما لم تجد سلمى على مرآى عينيها، فركضت بخطوات متعثرة إلى داخل المرحاض، وبحثت بعينين مذعورتين عنها، فوجدتها جاثية على ركبتيها خلف الحوض تجمع شيء ما، فألقت بنفسها إلى جوارها، ثم جذبتها إلى حضنها، وأحاطتها بذراعيها، وضمتها بقوة إلى صدرها، وكانت على وشك البكاء و...
-فرح بنبرة شبه مختنقة: سلمى، الحمدلله يا رب إنك بخير، الحمد لله، أنا كنت خايفة يكون حصلك حاجة.

-سلمى ببراءة طفولية: عبة وقعت بمابس ع أرض، ولوما جيبها ( العلبة وقعت بالملبس على الأرض، وسلمى بتجيبها ).

ثم رفعت الصغيرة راحة يدها الضئيلة والتي كانت قابضة على بعض أقراص للضغط قد أخذتها من علبة طبية موضوعة بداخل الخزانة، وظنت أنها سكاكر يمكنها أن تتناولها..
نفضت فرح يد الصغيرة من الأقراص، وقبلت يدها بحب شديد، ثم انحنت على جبينها وقبلتها بعاطفة مليئة بالأمومة..

تابع يزيد ما يحدث بنظرات دافئة مليئة بالإعجاب، ثم اقترب من كلتاهما بخطوات متمهلة، وجثى هو الأخر على ركبته بجوارهما، وقام بإحاطة الاثنتين بذراعيه وضمهما إلى صدره..
ولأول مرة تستند فرح برأسها على صدره دون أن يشعر بخوفها أو ترددها منه، فابتسم في رضا، وأحكم قبضته عليهما، وقبل رأسها بشفتيه...

ظل الثلاثة على تلك الوضعية لدقائق عدة إلى أن لاحظت فرح أن الصغيرة قد غفت بالفعل في أحضانها، فرفعت رأسها لتخبر يزيد بهذا، فتفاجئت به مقتربا منها بدرجة كبيرة حد التلامس، و محدقا بها بنظرات عاشقة، فبادلته بنظرات لامعة مليئة بالخجل..

ثم مال على شفتيها ليقبلها بعاطفة مليئة بالرغبة إلى أن تنبهت فرح أن الصغيرة تتململ في أحضانها، فتنحنحت في ارتباك، ومدت يدها لتعبث بخصلة شعرها وتضعها خلف أذنها في توتر، فابتسم هو أكثر لها، و..
-يزيد بنبرة رخيمة: ناوليني سلمى أما أنيمها
-فرح بخفوت: ماشي.

وبالفعل حمل يزيد الصغيرة سلمى بين ذراعيه، وسار بها في اتجاه غرفة المعيشة ولحقت به فرح، ثم توقف هو أمام الأريكة، واستدار برأسه للخلف ليشير إليها بعينيه، و..
-يزيد بنبرة هادئة: فرح اقعدي وخدي سلمى على حجرك.

عضت فرح على شفتيها، ثم أومأت برأسها إيماءة خفيفة، ونفذت طلبه وجلست على الأريكة، ثم أسند هو الصغيرة على حجرها، وجلس إلى جوارها..

أخذت فرح تربت على الصغيرة، وتجنبت على قدر الإمكان أن تنظر إلى يزيد الجالس إلى جوارها، وحاولت أن تلهي نفسها بالنظر إلى ذلك الفيلم القديم الذي يعرض على شاشة التلفاز حتى لا يظهر توترها وارتباكها من وجودها معه، فيتأكد هو من ضعف مقاومتها، وانهيار حصون قلبها، واستسلامها كليا لمشاعره الصادقة..

بينما كان هو يتابعها بأعين متفرسة متفحصة لكل جزء فيها، هو يرغب فيها بشدة، هو يشتاق لأن يكونا سويا، أن يصبحا فعليا زوجا وزوجة..
حقا كم يقتله الشوق إلى تلمس بشرتها الناعمة لمدة أطول، والعبث بخصلات شعرها ولفه على أصابع يده، وتذوق الشهد من على شفتيها، ونهل الحب من كل جزء فيها...
ظل كلاهما صامتان بينما بداخل صدريهما بركان من المشاعر الهائجة التي تنتظر الانفجار في أي لحظة..

فكر يزيد أن يستغل الفرصة في أن يسرد لفرح عن ماضيه، ويخبرها بكل ما تعرض له حتى يبدأ معها بداية جديدة، لذا بادر ب...
-يزيد بنبرة رجولية هادئة: فرح..!
-فرح بخفوت شديد: آآ، ايوه
-يزيد بهدوء حذر، ونظرات جادة: أنا كنت عاوز أقولك على حاجات تخصني
-فرح متسائلة بنبرة متمهلة: حاجات ايه؟
-يزيد بنبرة رزينة: عن كل اللي مريت بيه في حياتي، أنا عارف إنك متعرفيش عني حاجة، ولا عن الماضي بتاعي، فأنا حابب أقولك كل حاجة.

-فرح وهي تمط شفتيها في تردد: آآ، م، مافيش، داعي
-يزيد بنبرة شبه جادة: لأ لازم، ده حقك.

أخذ هو نفسا مطولا، ثم زفره على مهل، وحدق أمامه بأعين ثاقبة، ثم بدأ في سرد كل ما مر به منذ لحظة إلتقائه بهايدي، وعلاقته بها كزوج وزوجة وما فعلته به، وكيف دفعته إلى تلك الحالة المتصلبة بغلظتها وقسوتها وقتلها البارد لجنينهما من أجل وظيفتها التي أساءت استخدامها، كذلك أخبرها بنهايتها المؤسفة وما حدث لها قبل أيام في مركزها الطبي..

لم تصدق فرح أذنيها، فلم يطرأ ببالها أن تكون تلك الطبيبة – رمز الرحمة والأمومة – ممن يمتلكون قلبا متحجرا قاسيا وقاتلا في نفس الوقت، لم تبال بأي شيء سوى مصلحتها الخاصة حتى لو كانت على حساب من يحبها بصدق، ولم تهتم بخداع الأخرين طالما أنها تغترف كميات طائلة من المال ( الحرام )...

شعرت هي بمرارة الكلمات وهي تخرج من حلق يزيد، وأدركت أنه صادق في كل كلمة يقولها، وأن لديه – إلى حد ما – الحق في ظن السوء بها حينما أوهمته أنها على علاقة بها..
تنهد يزيد بإرتياح بعد أن أخبرها بما يجيش في صدره من هموم وأثقال حملها بداخله لسنوات، وسببت له الأرق والضيق لفترات طويلة..

استدار هو برأسه ناحيتها ليرى ردة فعلها، فتفاجيء بالعبرات التي تترقرق في مقلتيها تأثرا بما قال، فشعر بوخزة في صدره لأنه أحزنها دون قصد، فمد إصبعه ناحية وجنتها، ومسح تلك العبرة التي انسدلت من عينها لتزحف على وجنتها، فنظرت هي إليه بنظرات آسفة ومليئة بالحنو..
وضع يزيد يده خلف عنق فرح، وانحنى ببطء على رأسها ليقبلها، ولكن أوقفه صوت استيقاظ الصغيرة سلمى ب...
-سلمى بنبرة طفولية: آمو زيت، فلح، بوسوا بعض!

-فرح وهي تننحنح في خجل: احم، لأ، ده، ده أنا آآآ، كانت عيني بتوجعني
-يزيد مبتسما في لؤم: ايوه، صح
-سلمى مبتسمة بمرح: تؤ، انتو بوسوا لوما.

ثم نهضت عن حجر فرح ووضعت أحد ذراعيها خلف عنق فرح، والأخر على كتف يزيد وحاولت أن تقرب رأسيهما من بعض ليقبلاها من كلتا وجنتيها...

في صباح اليوم التالي
استيقظت فرح والنشاط يملؤها، فقد شعرت أنها إنسانة جديدة مفعمة بالطاقة والحيوية، لا تعرف ما الذي أصابها تحديدا، ولكنها كانت تشعر أن كل شيء وردي في عينيها..
استدارت برأسها ناحية تلك الصغيرة النائمة بجوارها منذ الأمس، ثم قبلتها بعاطفة على جبينها، وبدأت تتمطع بذراعيها في الهواء..
رن هاتفها المحمول، فمدت يدها ناحية الكومود لتمسك به بعد أن استدارت برأسها..

نظرت فرح إلى شاشة الهاتف، فوجدت أن المتصل هي..
-فرح بنبرة متعجبة وهي تعقد حاجبيها: إيلين!

ضغطت هي على زر الإيجاب، ثم وضعت الهاتف على أذنها و..
-فرح هاتفيا بنبرة هادئة مليئة بالحياة: إيلي، حبيبتي، ازيك
-إيلين هاتفيا باستغراب شديد: مش ده رقم فرح، ولا أنا غلطانة
-فرح بنبرة رقيقة: لأ هو رقمي
-إيلين بنبرة مدهوشة: عيني عليكي باردة، أنا مش مصدقة وداني
-فرح بنبرة عذبة: ليه بس، ما أنا بكلمك عادي أهو ومافيش أي حاجة
-إيلين باستغراب: استحالة مايكونش في إن
-فرح بنبرة شبه خجلة: إيلي بليز..!

-إيلين وهي تمط شفتيها في عدم اقتناع: مممم، نبقى نتكلم في الإن دي بعدين، المهم أنا كنت عاوزاكي في حاجة ضروري أوي
-فرح وهي تعقد حاجبيها في قلق: خير؟
-إيلين وهي تتنهد في انزعاج: لأ مش خير خالص، واحدة صاحبتي المفروض فرحها النهاردة على بعد العصاري، بس للأسف المصور اللي كان هياخدها لقطات خارجية اعتذر، ومش لاقيين بديل ليه، فلو ينفع يا فرووح تيجي انتي تصوريهم يبقى كده اتحلت المشكلة.

-فرح وهي تزم شفتيها في حيرة: مش عارفة يا إيلي ظروفي ايه
-إيلين بنبرة متعشمة: بليز يا فروووح، أنا معرفش حد يقدر يساعدني غيرك، يرضيكي الجوازة تبوظ، وحياة غلاوة مارسيل عندك توافقي.

ظلت إيلين تلح على فرح لكي توافق على أن تتولى مهمة تصوير رفيقتها في حفل زفافها، فاضطرت فرح بعد إصرار منها أن توافق على طلبها، و...
-إيلين بنبرة سعيدة: حبيبتي فروووح، بجد انتي ملكيش زي
-فرح بنبرة هادئة: عشان تعرفي بس
-إيلين بنبرة متحمسة: أنا متأكدة يا قلبي، بصي العنوان مايتوهش، وهستناكي، اوعي تتأخري ماشي؟
-فرح بتنهيدة عادية: طيب، قوليلي على المكان..

ثم أنهت فرح المكالمة معها بعد أن عرفت المكان المقام به حفل الزفاف..
مازال الوقت مبكرا أمام فرح لكي تستعد، ولكن هناك عقبة واحدة أمامها، ألا وهي إخبار يزيد بأمر ذلك العمل المفاجيء..
هي لا تعرف ردة فعله بشأن ذلك الموضوع، ولكنها لا تستطيع أن تخرج دون أن تخبره، خاصة وأنه زوجها الشرعي..
فكرت هي في طريقة لابلاغه بهذه المسألة، ولم تجد أي مفر سوى أن تكون صادقة معه..

لذا نهضت عن الفراش بعد أن أزاحت الملاءة عنها، ثم توجهت ناحية خزانة ملابسها، وبحثت عن شيء ما – لائق ومحتشم – من وجهة نظرها حتى ترتديه، ورغم أنها كانت تميل إلى أن تبدو أمامه فاتنة، إلا أنها كانت ترتبك من نظراته الجريئة لها لأنها تدفعها للجنون وللإنسياق وراء مشاعر قلبها الحقيقية..

انتقت فرح بنطالا قصيرا لترتديه ( بنتاكور ) من اللون الأزرق السماوي، يصل إلى ما بعد ركبتيها بقليل، وكنزة شبه ضيقة من نفس اللون، وذات فتحة صدر دائرية، ثم مشطت شعرها للخلف، وعقصته ذيل حصان، وأسدلت فقط خصلتين على وجنتيها من الجانبين..
تأملت فرح هيئتها في المرآة، ثم أخذت نفسا عميقا، وزفرته على عجالة، وتوجهت ناحية باب غرفتها، وفتحته، ومن ثم دلفت إلى الخارج.

بحثت هي عن يزيد في الخارج فلم تجده، فظنت أنه بالمطبخ، فسارت بخطوات سريعة إلى هناك، وبالفعل رأته يعد لنفسه قدحا من الشاي..
تنفست هي الصعداء لوجوده، فاستدار هو برأسه ليجدها مبتسمة، فارتسمت على شفتيه ابتسامة صافية، ورمقها بنظرات رومانسية و..
-يزيد بنبرة هادئة: صباح الخير عليكي
-فرح بنبرة رقيقة: احم، آآ، صباح النور
-يزيد متسائلا بنبرة رخيمة: تحبي أعملك فطار؟
-فرح بإيجاز: لأ، مش مشكلة.

-يزيد بنبرة واثقة وهو يغمز لها: لعلمك أنا استاذ في الطبيخ، اتعلمت أعمل كل حاجة بنفسي، وعندي نفس حلو في الأكل
-فرح وهي تبتسم في حياء، وبنبرة عذبة: طب كويس أوي..
عضت هي على شفتيها في ارتباك، وتوردت وجنتيها قليلا، وأجفلت عينيها في توتر، وثنت ساقها قليلا في قلق، فأمعن هو النظر إليها، ثم بادر ب..
-يزيد متسائلا بهدوء: انتي عاوزة تقولي حاجة
-فرح بنبرة متلعثمة: آآ، يعني، في آآ..

-يزيد بنبرة شبه جادة: قولي على طول، أنا سامعك.

ابتلعت هي ريقها في توتر، ثم رفعت عينيها قليلا للأعلى، وحاولت أن تنظر إليه، و..
-فرح بنبرة مترددة: بص، هو، آآ، يعني إيلين صاحبتي كانت عاوزة مني، خدمة، كده، وأنا، آآ، وأنا وعدتها إني أعملها.

قطب هو جبينه في حيرة، ثم ضيق عينيه و..
-يزيد متسائلا بجدية: خدمة ايه دي؟
-فرح بنبرة متلعثمة: هي صاحبتها فرحها النهاردة بس، بس المصور بتاعها اعتذر، وآآ، ومش لاقيين حد تاني يصورها، فهي طلبت مني، يعني، آآ، ان، آآ، إن أنا أصور العروسة وكده.

مط هو شفتيه ليفكر، ثم أسند قدح الشاي على المسند الرخامي، ووضع يده على طرف ذقنه ليحكها قليلا..
تابعت هي بترقب ردة فعله، وانتظرت جوابه بفارغ الصبر..
صمت يزيد لفترة ليست بالهينة، فظنت أنه حتما سيرفض، ولكنها تفاجئت ب...
-يزيد بنبرة جادة: خلاص ماشي، أنا موافق تروحي
-فرح فاغرة شفتيها في ذهول، وبنظرات مشدوهة: هاه
-يزيد متابعا بهدوء جدي: اللي سمعتيه يا فراشتي، أنا موافق تروحي بس بشرط.

-فرح متسائلة بتلهف: شرط ايه ده؟
-يزيد بنبرة متمهلة: إني أجي معاكي
-فرح باستغراب شديد: تجي معايا؟
-يزيد بإيجاز: ايوه، ده شرطي.

عضت هي مجددا على شفتها السفلى في حيرة، ثم رفعت إصبعها وقامت بالعبث بخصلة شعرها ولفها عليه و..
-فرح بنبرة خافتة: خلاص ماشي
-يزيد بهدوء: تمام اتفقنا، وأنا هاكون جاهز قبل الميعاد
-فرح وهي توميء برأسها: اوكي.

ارتسمت ابتسامة واثقة على ثغره، وحدق في زوجته بنظرات متشوقة، فاضطربت من نظراته المتفحصة لها، وتوردت وجنتيها أكثر، ثم استدارت لتنصرف من المطبخ، ولكن أوقفها صوته ب...
-يزيد بنبرة رخيمة ساحرة: الازرق يجنن عليكي يا، يا فراشتي!

اشتعل وجهها وجسدها من تأثير كلماته عليها، فركضت مسرعة خارج المطبخ، وتوجهت ناحية غرفتها وصدرها يلهث من عاطفة الحب القوية، ثم أخذت تتمايل بجسدها طربا مع نفسها، وهي تدندن بكلمات خافتة..

تأنقت فرح وارتدت فستانا طويلا يليق بحفل الزفاف الذي تحضره، ولكنه من اللون الأسود اللامع، وذو فتحة صدر مغلقة تغطي عنقها، وأكتافه عارية، ولهذا لفت حول ذراعيها وشاحا رقيقا من قماش الشيفون لتغطيهما، ثم عقصت شعرها كحكة، وزينته بتاج رقيق..
كما ارتدت الصغيرة سلمى فستانها الوردي الجميل، وتركت شعرها ينسدل خلف ظهرها، وزينته لها فرح بمشابك فضية رقيقة، فبدت كالملاك الصغير..

عاونتها فرح في ارتداء حذائها الصغير، ثم مسحت على وجنتها في رقة، فاعتلت ابتسامة بريئة وجهها، و...
-سلمى بنبرة طفولية: كده خلاث
-فرح مبتسمة في رقة: ايوه يا لوما
-سلمى بسعادة: ماسي، لوما استنى بلا ( لوما هتستنى برا )
-فرح بإيجاز: اوكي.

ثم ركضت الصغيرة إلى خارج الغرفة بعد أن فتحت لها فرح الباب، وعادت مجددا لتكمل زينتها أمام المرآة...

ارتدى يزيد حلة سوداء لامعة ومن أسفلها قميص أبيض، ولم ينس أن يضع حول عنقه ( بابيون ) أسود، وقام بتمشيط شعره للخلف، وتأكد من اعتدال هندامه، ثم ابتسم في سعادة، فاليوم هام بالنسبة إليه..

تنهدت فرح في توتر، ثم دلفت خارج غرفتها وهي ترتجف بشدة..
تأملها يزيد بنظرات متمعنة أثارت إعجابه بشدة، وجعلته يرغب فيها أكثر، لقد كانت أميرته المتوجة، فراشته الغالية، معشوقته التي أحبها بشغف..
شعرت هي بأنظاره المسلطة عليها، فأجفلت عينيها، وحاولت ألا تلتقي عينيها بعينيه، و..
-فرح بنبرة متلعثمة، وخجل شديد: آآ، أنا جاهزة
-يزيد مبتسما في ثقة وهو يرمقها بنظرات الإنبهار: وأنا كمان..

ابتسمت هي في حياء، وظلت مطرقة لرأسها تراقب خطواتها المتعثرة..
-سلمى بنبرة عالية: ولوما تمان ( كمان )
-يزيد بهدوء وهو يشير بيده: طب يالا بينا..
دلفت الصغيرة سلمى أولا خارج المنزل، بينما انتظر يزيد اقتراب فرح منه ليثني ذراعه لكي تتأبط هي فيه، ورغم ترددها، إلا أنها بالفعل أشبكت ذراعها في ذراعه، فأمسك هو بكف يدها وربت عليه في حنو..

قاد يزيد السيارة ببطء شديد، وظل يختلس النظرات إلى فرح – الجالسة إلى جواره - بين الحين والأخر ليتفرس في ملامحها الجميلة التي جذبته..

في أحد النوادي الشهيرة بالقاهرة
صف يزيد سيارته أمام بوابة النادي، ثم..
-يزيد بهدوء: يالا يا لوما انتي وفرح انزلوا، وأنا هاركن العربية وأحصلكم
-سلمى بنبرة طفولية سعيدة: ماسى
-فرح بخفوت: اوكي.

وبالفعل ترجلت الاثنتين من السيارة، وسارت كلتاهما إلى داخل النادي، ثم سألت فرح أحد العاملين به عن مكان حفل الزفاف، فأبلغها أنه في حديقة النادي الكبيرة، وبعد دقائق وصلت فرح إلى هناك، ثم طلبت الصغيرة سلمى منها أن تمرح مع الأطفال المتواجدين بالحفل، فوافقت فرح على طلبها بشرط ألا تبتعد عن ناظريها...

وقفت فرح على أحد الجوانب، وأمسكت بالكاميرا الخاصة بها، وبدأت تتفحصها لتتأكد من أنها جاهزة للعمل..
حضرت إليها رفيقتها إيلين، و...
-إيلين بنظرات مبهورة، ونبرة متعجبة: واو، ايه الشياكة دي يا فروووح، بجد قمر
-فرح بخجل: ميرسي يا إيلي، أومال فين العروسة؟
-إيلين بنبرة متحمسة: مستنية عريسها
-فرح متسائلة بقلق: ايه ده هو لسه مجاش؟
-إيلين وهي تهز رأسها بالنفي: لأ أبدا، بس هو بيخلص شوية حاجات وجاي.

-فرح وهي تمط شفتيها: ممم، اوكي.

بعد عدة دقائق كان الجميع قد احتشد عند مدخل الحديقة، وتعالت الموسيقى معلنة قدوم العروسين..
بحثت فرح بعينيها عنهما، ولكنها لم تلمح أي أحد، فحاولت اختراق الصفوف من أجل أن تصل إلى المدخل..
تفاجئت هي بيزيد يقف في المقدمة وهو جاثي على أحد ركبتيه، ويحمل في يده باقة ورد بيضاء، وفي اليد الأخرى علبة حمراء صغيرة ممدودة إليها، و...
-يزيد بنبرة رجولية عميقة: تقبلي تتجوزيني يا فرح عبد الحميد فرغلي.

فغرت فرح شفتيها في ذهول جلي، واتسعت مقلتي عينيها في عدم تصديق..
ابتسم لها في عذوبة، ثم أعاد تكرار السؤال مجددا، و..
-يزيد متابعا بنبرة آسرة، ونظرات والهة: تقبلي يا فرح تكوني حبيبتي ومراتي وبنتي وأمي وكل دنيتي؟!

ثم وجدت من تضع يدها على كتفها، فاستدارت برأسها لتجد ايلين وإلى جوارها شيماء وكلتاهما تبتسمان لها في سعادة وابتهاج، كما كان يقف خلفهما آدم وهو يحمل صغيرته سلمى، فلوح لها بيده و..
-آدم مبتسما بسعادة: وافقي يا فرح عشان خاطر لوما
-سلمى بنبرة طفولية: أه.

ترقرقت العبرات في عينيها، ووضعت كلتا يديها على فمها في صدمة، فهي لم تتوقع أبدا أن يعرض عليها يزيد الزواج، ويتعهد بالحب لها...
نهض هو عن الأرضية الخضراء، ثم اقترب منها بخطوات ثابتة، ومد ذراعه حول خصرها، وضمها إلى صدره، ثم حدق في عينيها بنظرات ناعمة ورومانسية و..
-يزيد بنبرة هامسة: أنا بحبك يا أحلى فرح في حياتي، موافقة تكملي حياتك اللي جاية معايا؟
-فرح بخفوت: آآآ، أنا.

-يزيد متابعا بنبرة خافتة: أوعدك أني هاعوضك عن كل اللي فات، إني مش هابطل في يوم أحبك، إني هاكون آآ...
-فرح مقاطعة بجدية: انا موافقة
-يزيد بنظرات مصدومة، وبنبرة متحمسة: قولتي ايه؟

أطرقت هي رأسها في خجل، وأجفلت عينيها في حياء و..
-فرح وهي تتنحنح بخجل: احم، خلاص بقى.

ثم تعالت أصوات الزغاريد في أرجاء المكان، ومعها أصوات الموسيقى المليئة بالبهجة وكذلك التصفيقات والتصفيرات العالية..
وقف كلا من يزيد وفرح في منتصف الحديقة، ليرقصا سويا على أنغام تلك الموسيقى الهادئة والساحرة..
أحاطها يزيد بكلا ذراعيه من خصرها، وضمها إلى صدره، وتمايل معها في خفة، بينما إستندت هي بقبضتي يدها الرقيقتين على صدره، ورمقته بنظرات دافئة...
ابتسم هو لها في سعادة جلية، و...

-يزيد بنبرة مازحة: لقد هرمنا من أجل تلك اللحظة
-فرح بنبرة رقيقة: للدرجادي؟
-يزيد بجدية: طبعا، ده أنا لو بحارب مكونتش هاتعب أوي كده
-فرح مبتسمة في حياء: معلش بقى، المهم احنا هانرجع البيت بعد ما نخلص؟
-يزيد بنبرة واثقة: لأ طبعا، احنا هنبدأ شهر العسل بتاعنا أو ما يدعى بال ( هاني مون )
-فرح في خجل: أها.

-يزيد متابعا بنبرة أكثر ثقة: أما أنا هوديكي حتة جزيرة حكاية، شوفتها بالصدفة واحنا في المناورة، مافيهاش صريخ ابن يومين، هانعيش حياتنا بقى ونزأطط وآآآ، وانتي عارفة بقى الباقي.

توردت وجنتيها من تلميحاته لها، وأشاحت برأسها قليلا للجانب لتتجنب النظر في عينيه، فمد هو اصبعيه ووضعهما على طرف ذقنها، و..
-يزيد بنبرة عاشقة: اوعي تحرميني من عينيكي الحلوة، اتفقنا؟

أومأت هي برأسها إيماءة خفيفة، ثم مال على أذنها ليهمس لها ب...
-يزيد بنبرة هامسة مليئة بحرارة الحب: حبك بالنسبالي إجباري مش اختياري، يا، يا أحلى فراشة دخلت حياتي...!

تمت
الجزء التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة