قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية فراشة أعلى الفرقاطة للكاتبة منال سالم الفصل الأول

رواية فراشة أعلى الفرقاطة للكاتبة منال سالم الفصل الأول

رواية فراشة أعلى الفرقاطة للكاتبة منال سالم الفصل الأول

في أحد القاعات الفاخرة والملحقة بفندق شهير بالقاهرة، تجمع عدد من المدعوين والمتأنقين حول طاولات بيضاء مزدانة بالمزهريات وباقات الورد...
تعالت همهمات الجميع بالحديث الغير مفهوم، وسادت أجواء موسيقى هادئة في الخلفية..

ثم بدأت الأصوات تنخفض تدريجيا حينما صعد شخص ما وقور – ويبدو على ملامحه الرزانة والهيبة في منتصف الخمسينات من عمره، ولديه شارب كث، وشعر رمادي خفيف ومتناثر في رأسه - على مسرح تم اعداده مسبقا ليتناسب مع هذا الحفل البهيج، ثم وقف أمام منصة خشبية ذات لون بني غامق، وعدل من وضعية نظارته الطبية على أنفه، ورمق الحاضرين بنظرات متفحصة..

تنحنح هذا الشخص في البداية، فانتبه الجميع له، ثم بدأ البعض بالتصفيق عاليا و...
-عبد السلام بصوت رخيم: مساء الخير عليكم جميعا.

عبد السلام البدوي هو مدير تحرير أحد الجرائد الخاصة، والتي تصدر بشكل يومي، تولى إدارة جريدة ( الضحى ) قبل عدة سنوات، وخلال تلك الفترة استطاع أن يغير من طبيعة الجريدة لتصير من أهم الجرائد المتخصصة في كل ما يهم المواطنين..
رحب الأستاذ عبد السلام بجميع الحضور، وقدم الشكر لهم جميعا لتشريفهم حفل تكريم الجريدة السنوي..

في البداية أشاد الأستاذ عبد السلام بدور الشباب الواضح في النهوض بالجريدة بما يتواكب مع متطلبات العصر، ثم بدور المخضرمين من رجال الإعلام والصحافة في تناول موضوعات حيوية وخاصة...
أثنى الأستاذ عبد السلام على جهود الجميع المضنية من أجل تحقيق هذا النجاح المرموق..
وبعد أن انتهى من كلمته الموجزة، أشار إلى..

-عبد السلام بنبرة حماسية: والوقتي جت لحظة التكريم اللي الكل مستنيها، أنا عارف إن المنافسة كانت صعبة، بس مش هاقدر أغفل عن دور البعض الحيوي منكم.

تعالت تصفيقات الحضور، وبعض الصافرات في انتظار تلك اللحظة المبجلة، فالتكريم في ذلك الحفل يعد وسام شرف على صدر من يناله، وربما يتيح له فرصة جيدة للعمل في أماكن أكثر رقيا وبرواتب مجزية..
بدأ الأستاذ عبد السلام في إعلان بعض أسماء من وقع عليهم الاختيار، وإزدادت الأجواء إثارة وحماسة، فقد كان معظم المكرمين هذا العام من الشباب، وبالتالي استحقوا عن جدارة كل التشجيع والتقدير..

من بين الحضور جلست فتاة على طاولة خلفية في أوائل العشرينات من عمرها، ذات بشرة بيضاء، وملامح هادئة، وشعر بني متوسط الطول ومموج رغم خصلاته الناعمة، وعيني بنيتان تلمعان بشدة من الإضاءة القريبة منها..

كانت تلك الفتاة ترتدي في الأسفل بنطالا من الجينز ذو لون أزرق داكن، ومشبح ببعض الخيوط الرمادية الرفيعة، أما من الأعلى فقد ارتدت كنزة من قماش ( الجيل ) وذات لون أزرق أفتح قليلا، ولها فتحة صدر مثلثة مغلقة حتى عنقها العاجي الطويل، وتفتح عن طريق السحاب..
تركت تلك الفتاة شعرها المموج ينسدل خلف ظهرها، ثم مدت يدها لتجمع بعض خصلاته المتناثرة والمتمردة على الجانب، لتبرز قرط أزرق طويل يتدلى من أذنها..

إستندت الفتاة برأسها على ساعدها، وظلت تتابع عن كثب ما يقوله الأستاذ عبد السلام، وبدأت ملامحها نوعا ما في التوتر، وفجأة انتبهت لصوت فتاة أخرى جالسة إلى جوارها تناديها، فأزاحت رأسها عن راحة يدها، والتفتت ناحيتها و...
-فرح بنبرة شبه جادة: أيوه يا إيلين
-إيلين بصوت هاديء: ايه يا فرح انتي سرحانة في ايه كده؟
-فرح مبتسمة نصف ابتسامة: لأ مش سرحانة، أنا بس مركزة مع مستر عبد السلام.

أعادت إيلين رأسها للخلف قليلا، ثم حدقت في فرح بنظرات شبه متفحصة و...
-إيلين وهي تمط شفتيها: مممم، شكلك متوقعة إنك هتكرمي النهاردة
-فرح بصوت خافت: يا ريت، لأني بجد تعبت أوي السنتين اللي فاتوا دول، وربنا اللي عالم.

مدت إيلين يدها وأمسكت بكف يد فرح، ثم ربتت عليه بحنية و...
-إيلين بنبرة متعشمة: أنا عارفة يا قلبي، ربنا يوفقك.

ابتسمت فرح ابتسامة هادئة، ثم شردت لوهلة تستعيد ذكرياتها...

فرح عبد الحميد فرغلي، هي شابة صغيرة في مقتبل العمر، مرحة، ومحبوبة، ونشيطة للغاية، ولدت في الإسكندرية، ثم انتقلت للعيش لاحقا مع والدتها في القاهرة قبل سنوات، وهي خريجة كلية الإعلام، وإلتحقت بالعمل في جريدة ( الضحى ) عقب تخرجها بفترة قصيرة، ولكن كصحفية تحت التمرين، وقبل هذا بسنوات أجادت فرح هواية التصوير الفوتغرافي، مما دعم موهبتها في تناول المقالات الصحفية بطريقة مختلفة نوعا ما، فحققت نجاحا ملحوظا خلال فترة قصيرة، وبرزت بين المتدربين، فإستطاعت أن تسطر إسمها في عالم الصحفيين الشباب بأحرف من نور في فترة وجيزة...

استغلت فرح موهبتها في التصوير الفوتغرافي في أن تشترك في بعض المعارض الخاصة بالتصوير، ونالت بعضا من الجوائز العينية والمادية، كما تفننت أيضا في إلتقاء بعض الصور المميزة لرفيقاتها في حفلات خطبتهن أو حتى زفافهن، ورغم إصرار بعضهن على أن تجعل التصوير حرفتها الأساسية التي تكتسب منها رزقها إلا أنها رفضت هذا، فهي تعشق التصوير ذاته، وليس كمهنة تتربح من ورائها..

أدركت فرح شغفها بفن التصوير من خلال متابعتها لأحد أصدقاء والدها الراحل وهو يصور المناظر الطبيعية بزوايا مختلفة في نادي اليخت بالإسكندرية، فأسرت انتباهها بطريقة ملموسة، فساعدها في تعلم تلك الهواية حتى أصقلت موهبتها بنفسها...
تعيش فرح مع والدتها في منزل متوسط الحال بالطابق التاسع، في حي مصر الجديدة في بناية عتيقة، ولكنها ذات طابق خمسيني مميز...

والدتها السيدة فوزية هي ربة منزل، في أوائل الخمسينات من عمرها، تعيش على معاش زوجها الراحل عبد الحميد فرغلي، والذي كان يعمل قبطانا لأحد السفن التجارية..
توفي عبد الحميد بعد ولادة ابنته فرح بشهور معدودة على إثر حادث غرق السفينة التي كان هو ربانها..

عانت زوجته فوزية كثيرا من الناحية النفسية بعد وفاته، فقد أحبته حبا جما، وعشقته حتى بعد مماته، ورفضت أن تتزوج من بعده، فلا يوجد من يستطيع أن يعوضها حبه الخالد، وأثرت أن تفني حياتها في تربية ابنتها الوحيدة فقد كانت تردد أن حبه قد كفاها حتى نهاية حياتها...
في البداية كانت فوزية تعمل في مجال المحاسبة، ولكنها تركت العمل بعد وفاة زوجها، ثم انتقلت للعيش في القاهرة لتهرب من ضغوط عائلتها بالزواج مجددا...

اكتفت فوزية بالمكافأة التي صرفت كتعويض عن وفاة زوجها، وبالمعاش الخاص به لتنفق به على نفسها وعلى ابنتها فرح، وتفرغت تماما لتربيتها ورعايتها، وتعويضها عن فقدان الأب الحاني..
في العام الدراسي الأخير لفرح في كلية الإعلام، تقدم أحد الشباب لخطبتها – ويدعى كريم بركات – والذي أحب بساطتها وروحها النقية ومرحها الممزوج بخفة دمها..

وافقت فرح على الخطبة بعد أن تعرفت على كريم وأدركت أنه يكملها بالفعل، وبعدها بعدة أشهر عقدت قرانها عليه، ثم سافر بعدها كريم للعمل في دولة السعودية من أجل توفير المتطلبات المادية التي تمكنه من إتمام زيجته منها...
ظل الاثنين على تواصل طوال الأشهر المنصرمة من أجل إتمام الاتفاق على الترتيبات الخاصة بإعداد مسكن الزوجية
كما تواصلت فرح مع عائلة كريم الطيبة، وتبادلت معهم الزيارات شبه الاسبوعية...

كان كريم مقتنعا بعمل فرح، وفخورا بنجاحاتها المتتالية، وعشق تفوقها فيه، بل إنه كان يهديها كلما حققت إنجازا ما في عملها لوحة زجاجية صغيرة من الكريستال محفور عليها إسمها وسبب التكريم، كنوع من التشجيع والدعم المعنوي لها..
حمدت فوزية الله دوما على تعويض ابنتها عن فقدان حنان الوالد بالزوج الطيب والصالح، فقد كان كريم نعم الابن البار بأهله وبزوجته..

أفاقت فرح من شرودها على صوت الأستاذ عبد السلام وهو يصدح ب إسمها عبر الميكروفون المثبت أمامه و..
-عبد السلام بنبرة حماسية هادرة: فرح عبد الحميد فرغلي
-إيلين بنبرة سعيدة: انتي يا فرح، اسمك أهوو، مبروك يا حبيبتي على التكريم.

نهضت فرح عن مقعدها الجلدي وهي شبه مصدومة غير مصدقة أنها بالفعل من المكرمين، احتضنتها رفيقتها في العمل إيلين، وضمتها إلى صدرها بقوة، وقبلتها من وجنتيها بابتهاج، ثم دفعتها برفق من ظهرها لكي تتقدم إلى الأمام، وتتجه نحو المنصة...
توالت التهنئات على فرح أثناء سيرها بين الطاولات وهي تتجه نحو المسرح لتصعد درجاته وهي ترتجف نوعا ما...

مدت فرح يدها لكي تصافح الاستاذ عبد السلام الذي قدم لها درع التفوق والإبداع، وهو يبتسم لها ابتسامة عريضة من بين أسنانه شبه السوداء من دخان السجائر و...
-عبد السلام بنبرة مألوفة: مبروك يا بنتي
-فرح بنبرة مبتهجة: الله يبارك فيك يا مستر عبد السلام، بجد أنا مش عارفة أقول لحضرتك ايه
-عبد السلام بنظرات إعجاب: انتي تستاهلي أكتر من كده يا بنتي، وبالتوفيق دايما
-فرح بنظرات خجلة: ميرسي لحضرتك.

رفعت فرح الدرع الذي حملته في يدها عاليا حيث صفق لها الحضور عاليا، وتم إلتقاط صورة تذكارية لها، ثم تابع الأستاذ عبد السلام باقي الحفل، في حين نزلت هي عن الدرج وقلبها يخفق عاليا من السعادة..
عادت فرح إلى طاولتها وهي تكاد لا تصدق أنها حازت على التكريم أخيرا بعد سنتين من العمل الجاد والمضني..

تنهدت فرح في ارتياح، ثم مدت يدها لتمسك بحقيبتها المصنوعة من قماش الجينز، وبحثت عن هاتفها المحمول بداخلها، ومن ثم أخرجته لتبعث برسالة ( واتس آب ) إلى حبيبها كريم تبلغه فيها بحصولها على التكريم..
ارتسمت ابتسامة دافئة على شفتيها، وتوردت وجنتيها قليلا، وهي تقرأ رد كريم عليها، وتهنئته الممزوجة بالغزل الصريح لها..

في أحد نوادي التجديف بالقاهرة،
تسابق عدد من الشباب ببعض القوارب المخصصة للتجديف أمام مرساة تابعة للنادي و...
-آدم بنبرة هادرة ونظرات متوترة: بسرعة الله يكرمك يا زيزو، هنخسر، يحيى مش سهل.

أمسك يزيد بالمجدافين الخاصين به، وظل يجدف بمهارة فائقة جعلت القارب ينطلق بخفة على صفحة المياه و...
-يزيد وهو يعض على شفتيه بحنق: ما انت لو تبطل كلام وتجدف عدل هنسبقه
-آدم بمزاح: ما هو أنا يا اتكلم يا أدف
-يزيد بحدة، ونظرات ضيقة: يبقى تأدف أحسن!

-آدم بنبرة صادحة، ونظرات مصدومة: لألألألألأ، مش ممكن أدينا خسرنا، ولبسنا الليلة كلها يا معلم!

زفر يزيد في ضيق، ثم أرخى قبضتي يده عن المجدافين، ورمق آدم بنظرات محتقنة و...
-يزيد على مضض: دي أخر مرة هابقى معاك على نفسك المركب
-آدم بتهكم: كل مرة بتقول كده، ومش بتلاقي حد إلا انا يرضى يركب معاك، ده سترك وغطاك.

أشاح يزيد بوجهه، وظل يتمتم بكلمات غير مفهومة ووجهه عابس نوعا ما و...
-يزيد وهو يزفر في ضيق: أووووف..!

لوح آدم بيده إلى أحد الأشخاص ثم هنئه على فوزه، ووعده بمنافسة أخرى لاحقة لرد إعتبارهما...
تأمل يزيد انعكاس أشعة الشمس اللامعة في المياه، وشرد للحظات في ذكريات ماضيه الآليمة.

يزيد سليمان جودة، هو شاب قارب على منتصف الثلاثينات من عمره، يعمل بالقوات البحرية المصرية، في رتبة مقدم، وينحدر من أصول صعيدية، يمتاز يزيد بالجسد الرياضي المفتول نتيجة ممارسته لرياضة التجديف بإستمرار، أما بشرته فهي قمحية خشنة، ملامح وجهه شرقية بحتة، ووجهه دائما يشير إلى صرامته، وقسوته، أما عينيه فهي عميقة و تمتاز باللون الزيتي الممزوج باللون العسلي، ورغم نعومة خصلات شعره الأسود الدهني إلا أنه دائم حلقه إلا في العطلات الطويلة من عمله الذي يتطلب هذا على الدوام..

تزوج يزيد بعد تخرجه من الكلية البحرية بعامين من شابة تدعى هايدي وتعمل كطبيبة أمراض نساء، واستمر زواجهما لعدة سنوات قبل أن يحدث الانفصال بينهما منذ خمسة أعوام، لم ينجب يزيد أي أطفال رغم رغبته الشديدة في هذا، وذلك بسبب إصرار زوجته وقتها على الاهتمام بعملها أولا و...

Flash Back لما حدث،
في منزل يزيد،
ألقت هايدي بثياب عملها على الأريكة الموضوعة في غرفة نومهما، ثم استدارت بجسدها لتنظر إلى زوجها، ووجهها مكفهر، و..
-هايدي بحدة، وبنظرات حانقة: أنا قولتلك بعد الدكتوراة هابقى أشوف الموضوع ده
-يزيد بحنق وهو يجز على أسنانه: يعني موت يا حمار
-هايدي بنبرة ممتعضة: حسن اسلوبك شوية معايا، أنا مش شغالة عندك، وأظن احنا متفقين على كده.

-يزيد بنبرة غاضبة: الكلام ده كان من سنين يا هانم، وأنا خلاص زهقت وعاوز عيال
-هايدي بإصرار: وأنا مش هاضيع شغلي ولا اللي وصلتله عشان خاطر العيال وقرفهم
-يزيد بنظرات نارية مشتعلة، ونبرة هادرة: وأنا مش عاوزك تشتغلي، سيبي أم الشغل ده، واتفرغي ليا ولبيتك
-هايدي بتهكم: هه، أتفرغلك! ده على أساس إنك 24 ساعة هنا، وأنا مش ملاحقة على طلباتك، ده انت يوم هنا، و20 لأ، انت ناسي ولا ايه!

-يزيد وهو يلوي فمه في انزعاج: والله مش ذنبي انك اتجوزتي ظابط بحري..!
-هايدي بنظرات متحدية، ونبرة عنيدة: ومش ذنبي أنا كمان، انت عارف كويس أد ايه شغلي ومنصبي مهمين بالنسبالي.

أمسك يزيد بذراع هايدي، وجذبها نحوه بقوة، ثم حدق في عينيها بشراسة و...
-يزيد بنبرة قوية غاضبة: وأنا فين يا هانم من شغلك
-هايدي متآلمة: آآآه، سيب ايدي.

أرخى يزيد قبضة يده عن ذراع هايدي ثم دفعها للخلف، وأشاح بوجهه بعيدا عنها وهو يزفر في انزعاج و...
-يزيد وهو يحاول السيطرة على انفعالاته: يا هايدي أنا بحبك، وعاوز أخلف منك عيال، ليه مش عاوزة تفهمي ده.

أخذت هايدي نفسا عميقا، وحاولت هي الأخرى أن تبدو طبيعية أمام زوجها و...
-هايدي بصوت هاديء وناعم: حبيبي، أنا معنديش مانع نخلف.

ثم صمتت هايدي للحظات تترقب ردة فعل زوجها، وتابعت ب...
-هايدي بخفوت، ونظرات متوجسة: بس مش دلوقتي!

استدار يزيد برأسه ناحيتها، ثم حدق في عينيها و...
-يزيد بعصبية: أومال امتى؟ اديني ميعاد مناسب ليكي يا هانم
-هايدي بنبرة ممتعضة: قريب ان شاء الله
-يزيد متسائلا بضيق: يعني امتى؟
-هايدي بجدية: لما أخلص مناقشة الدكتوراة
-يزيد وهو يزمجر بعنف: يادي الزفتة الدكتوراة دي، يعني انتي مش بتحسي بالغيرة وانتي شايفة كل ست بتجيلك تكشف عندك وهتبقى أم، وتتمني تبقي زيها
-هايدي بإيجاز: لأ.

-يزيد بنبرة منزعجة: يا شيخة ده طباخ السم بيدوقه
-هايدي وهو تزفر في غضب: يووووه، انت مش همك إلا نفسك، عاوزني أتلبخ في الخلفة والعيال، وأضيع تعب السنين دي كلها عشان انت تبقى أي
-يزيد بإنفعال مفرط: إنتي اللي بتبقي شغلك عليا! وأنا راجل صعيدي مقبلش كده، أنا عاوز عيال وأسرة وآآ..
-هايدي مقاطعة بتهكم صريح: قولتلي بقى، العرق الصعيدي الجاهل المتخلف ده هيطلع عليا..!

لم يتحمل يزيد إهانة زوجته لأصول عائلته، فرفع يده عاليا في الهواء، ثم هوى بها على وجهها ليصفعها بقسوة
-يزيد بصوت هادر، ونظرات شرسة: اخرسي...!

تأوهت هايدي من الآلم، ووضعت يدها على وجنتها، ونظرت إلى يزيد بنظرات ساخطة و...
-هايدي بنبرة صادحة: انت انسان همجي ومتخلف..!

أمسك يزيد هايدي من شعرها، وجذبها بعنف منه، فهددته بتحرير محضر ضده، واتهامه بالاعتداء عليها، وفضحه في عمله، فحرر خصلات شعرها من أصابع يده، ودفعها بعنف للخلف، فاعتدلت هي في وقفتها واستمرت في توجيه نظراتها الساخطة له وآآ...

قاطع شرود يزيد صوت رفيقه آدم القوي، فانتبه له، وحدق فيه وهو مقطب الجبين و...
-آدم بنبرة عالية: يزيد باشا، روحت فين بس؟
-يزيد وهو يزفر بإنزعاج: ولا روحت ولا جيت، أديني أعد اهوو
-آدم بنبرة شبه آمرة: طب يالا عشان نلحق ناخد شاور ونغير هدومنا ونلحق نروح عند الجماعة زمانتهم مستنينا
-يزيد وهو يلوي فمه: طيب، ولو إن مالهاش لازمة العزومة دي.

-آدم بتوجس: وأنا مالي، عاوز تعترض يبقى تقول للحكومة الكلام ده، مش للغلبان اللي زيي
-يزيد بنبرة جادة، ونظرات فاغرة: طب يالا، ما أنا عارف إني مش هاخلص منك.

وصل كلاهما بالقارب الرفيع إلى جوار المرساة، ثم بخفة ومهارة تعاون كلاهما معا في رفع قارب التجديف عن صفحة مياه النيل الراكدة، وسارا في اتجاه المكان المخصص للمعدات الرياضية لكي يضعا القارب الخاص بهما في الداخل.

في أحد المطاعم،
قررت السيدة فوزية أن تحتفل بإبنتها الوحيدة عن طريق دعوتها للغذاء في أحد المطاعم الهادئة..
جلست فرح على المقعد الجلدي الأسود بعد أن سحبته، ونظرت إلى والدتها نظرات إمتنان و...
-فرح بنبرة مبتهجة، ونظرات دافئة: ميرسي يا مامي على العزومة دي، مفاجأة حلوة أوي
-فوزية بنبرة رقيقة وناعمة: ربنا يسعدك يا حبيبتي، أنا كمان كلمت مامت كريم وعيلته، وشوية وهتلاقيهم موجودين.

-فرح بنبرة حماسية، وأعين لامعة: بجد!
-فوزية وهي توميء برأسها، وبصوت ناعم: طبعا يا حبيبتي، أنا عارفة انتي بتحبيهم أد ايه، وقولت أكيييد هتتبسطي أوي لما يشاركونا فرحتك يا فرحة.

نهضت فرح عن مقعدها، ودارت حول الطاولة لتنحني على والدتها، ثم احتضنتها، وقبلتها على جبينها و...
-فرح بنبرة شاكرة: حبيبتي يا مامي، ربنا ما يحرمني منك أبدا
-فوزية وهي تربت على يدها: ويخليكي ليا يا فرحتي.

وما هي إلا لحظات حتى انضمت إليهما عائلة كريم بركات، فرحبت بهم فرح ووالدتها، ودعتهم للجلوس.

تتكون عائلة كريم من والده الأستاذ بركات ( موجه لمادة العلوم )، وزوجته السيدة سميرة ( ربة منزل )، وابنتهما كاميليا ذات الثمانية عشر عاما...
-سميرة بصوت عالي: مبروك يا فرح، انتي فرح وكل حاجتك فرح، ربنا يكرمك انتي وكريم وأشوفكم في بيت العدل عن قريب يا رب.

أطرقت فرح رأسها في خجل، وتوردت وجنتيها قليلا و...
-فرح بنبرة خجلة: تسلميلي يا طنط
-بركات بصوت آجش: الواد كريم عرف ولا لسه؟
-كاميليا بنبرة جادة: اكيد يا بابا، هي فرح تقدر تخبي حاجة على كيمو حبيب القلب
-سميرة بنبرة دافئة: الله! مش جوزها يا بت.

عقدت كاميليا حاجبيها في ضيق زائف و...
-كاميليا وهي تلوي شفتيها: يووه يا ماما، أنا مش بحب كلمة بت دي! أنا في سنة أولى اقتصاد، يعني كلها كام سنة وأبقى سفيرة
-سميرة باستخفاف: برضوه هاتفضلي بت في نظري.

جلس الجميع يتبادلون أطراف الحديث المرح والجاد، وتطرقوا إلى الكثير من المواضيع أثناء تناولهم للغذاء..

قررت فرح أن تفاجيء كريم، وتتصل به عن طريق برنامج المكالمات بالفيديو ( سكايب ) لكي يتحدث مع عائلته، وبالفعل أجرت الاتصال، وكانت مكالمة مثمرة للغاية، حيث اتفق مع كلا العائلتين على جعل موعد الزفاف بعد شهرين، فتعالت الزغاريد في أرجاء المطعم، واحتضنت السيدة فوزية ابنتها، في حين قبلت السيدة سميرة زوجة ابنها المستقبلية، بينما ربت الأستاذ بركات على ظهر كنته برفق..

في مقر جريدة الضحى،
توجه السيد أمجد البسيوني – مدير قسم التحقيقات بالجريدة - إلى مكتب مدير إدارة الجريدة، ورئيس التحرير الأستاذ عبد السلام لمقابلته في أمر عاجل..
كان السيد أمجد ذو ملامح جادة، ووجه عبوس رغم قلبه الطيب، ولكن حبه لعمله، وخاصة أن القسم الذي يتولاه يتناول موضوعات حساسة جعلته دائما يبدو جاد الملامح مكفهر الوجه إلا في مناسبات نادرة..

سمحت السكرتيرة للسيد أمجد بالدخول إلى مكتب رئيس التحرير الذي نهض عن مقعده فور رؤيته إياه و...
-عبد السلام بنبرة هادئة وهو يشير بيده: اتفضل يا استاذ أمجد
-أمجد بنبرة جدية: شكرا يا أستاذ عبد السلام
-عبد السلام بصوت رزين: خير، حضرتك كنت عاوزني في ايه؟
-أمجد بنظرات ثابتة، ونبرة أقل جدية: اطمن يا أستاذ عبد السلام، دي حاجة عادية
-عبد السلام وهو يمط شفتيه: ممممم، بس وشك بيقول غير كده!

-أمجد بنظرات حادة، ونبرة شبه رسمية: انت عارفني يا استاذ عبد السلام، في الشغل ببقى زي الألف، مش بعرف أفرد وشي ولا آآآ...
-عبد السلام مقاطعا بصوت رخي: عارف، عارف..!
-أمجد بنبرة متريثة: أنا كنت عاوز أقترح على حضرتك حاجة، أنا عارف إنه لسه بدري على ما يجي وقتها بس إنت عارفني يا أستاذ عبد السلام، بحب أرتب كل حاجة لمدة شهرين قدام
-عبد السلام وهو يهز رأسه: مفهوم طبعا.

-أمجد بهدوء زائف: أنا بقترح إننا نخلي قسم التحقيقات ينزل إنفرادات عن أهم إنجازات القوات المسلحة بكافة فروعها على مدار سلسلة تحقيقات متتالية.

عدل الاستاذ عبد السلام من وضعية نظرته الطبية التي انزلقت نوعا ما على أنفه، ثم رمق السيد أمجد بنظرات حائرة و..
-عبد السلام بعدم فهم: ممكن توضلحي أكتر.

بدأ السيد أمجد في طرح فكرته القادمة والتي سيتم نشرها خلال فترة الاحتفالات الخاصة بأعياد تحرير سيناء، والتي يحبذ فيها تناول تاريخ كل فرع من أفرع القوات المسلحة على حدا، وكيف تم تطويره منذ حرب 73 إلى الآن كبديل عن التطرق إلى الذكريات الخاصة بالشهداء المعروفين والتي استهلكت على مدار سنوات.

اعترض الأستاذ عبد السلام على تجاهل دور شهداء الجيش خلال تلك الحرب الضروس، ولكن برر السيد أمجد رأيه بأنه لن يغفل ذكرهم، ولكنه سيجعل الجزء الأكبر من التحقيقات مسلطا على تلك الجزئية..
-عبد السلام بنبرة ضائقة وهو يزم فمه: مممم، طيب سيبني أفكر في الموضوع ده شوية
-أمجد بجدية، ونظرات إصرار: صدقني يا أستاذ عبد السلام، الفكرة دي هاتخدمنا أكتر من إننا نكرر مواضيع الكل عارفها
-عبد السلام بإقتضاب: ربنا يسهل.

-أمجد بنبرة متحمسة: أنا هاعمل فريق تحقيقات من الشباب يساعدني في فكرتي دي وآآ...
-عبد السلام مقاطعا بحزم: اصبر بس يا أستاذ أمجد، وبعد كده نتكلم.

زفر السيد أمجد في انزعاج، ورمق الأستاذ عبد السلام بنظرات جادة و..
-أمجد بتبرم: ماشي، أنا هاروح مكتبي، وهاستنى ردك
-عبد السلام بخفوت: بأمر الله.

نهض أمجد عن مقعده الجلدي، ثم توجه ناحية الباب، ودلف إلى الخارج، في حين دون الأستاذ عبد السلام بعد الملحوظات الخاصة بإقتراح السيد أمجد كي يتمكن من التفكير فيها بتأني...!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة