قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية فراشة أعلى الفرقاطة للكاتبة منال سالم الفصل الثاني

رواية فراشة أعلى الفرقاطة للكاتبة منال سالم الفصل الثاني

رواية فراشة أعلى الفرقاطة للكاتبة منال سالم الفصل الثاني

في منزل آدم
تناول يزيد طعام الغذاء مع عائلة رفيقه المقرب آدم، واستمتع بالمأكولات الشهية التي أعدته زوجته شيماء، ونعم الجميع بجو أسري بسيط وهاديء..

آدم علي الجزار هو رفيق يزيد المقرب، تعرف كلاهما على الأخر في الكلية البحرية وظلا متلازمين إلى أن تخرجا، ثم التحق كلاهما بقاعدتين بحريتين مختلفتين إلى أن شاءت الأقدار أن يلتقيا مجددا بعد ثلاث سنوات من التخرج ثم انتقل آدم للعمل مع يزيد في القاعدة البحرية بالإسكندرية...

تزوج آدم قبل أربعة سنوات من ابنة عمه شيماء، ورغم أن زواجهما كان زواجا تقليديا، إلا أنهما يحبان بعضهما البعض حبا نمى مع الأيام، ووجد طريقه بالعشرة والمودة الصالحة، ثم رزقهما الله بطفلة صغيرة أسماها آدم ( سلمى )..

آدم ذو طول فاره، ومنكبين عريضين، ورغم أنه قليل الوزن بدرجة لا تتناسب مع طوله إلا أنه رياضي بدرجة كبيرة، يمتاز آدم بالشعر الأسود، والعينين العسليتين، والبشرة البيضاء التي تتفنن الشمس في صبغ آثارها على بشرته..

شيماء محسن الجزار، هي زوجة آدم، وابنة عمه، تخرجت من كلية البنات قبل عدة أعوام، من قسم الكيمياء، ثم التحقت بالعمل في أحد المدارس التجريبية الخاصة كمعلمة علوم، شيماء شابة خلوقة وطيبة، ذات بشرة قمحية عادية، وعينين بنيتين، وجسد رشيق، ومتوسطة الطول، ارتدت الحجاب في أول عام لها في الجامعة، ورغم إصرار رفيقاتها أن تظل بشعرها الكثيف والطويل كي تتمكن من إصطياد العريس المناسب، إلا أنها رفضت هذا لأنها كانت تكن حبا خفيا لابن عمها آدم..

رفضت شيماء الإفصاح عن حبها له إلا بعد أن تقدم لخطبتها - والتي دامت لثلاث سنوات – ثم بعدها تم الزواج..
ورغم أن يزيد كان يعاني من قضية إنفصاله عن زوجته السابقة هايدي، إلا أنه وقف بجوار رفيقه وعاونه حتى اطمئن عليه في زيجته..
أصر آدم على أن يكون يزيد هو صديق العائلة المقرب، وأحب يزيد هذا الدور كثيرا، وتعلق بإبنة رفيقه سلمى واعتبارها كإبنته التي تعوضه عن فقدان شعور الأبوة..

جلس يزيد في غرفة الصالون المجاورة لغرفة الطعام بعد أن غسل يديه في المرحاض..
أثنى يزيد على مهارة شيماء في طهي الطعام و...
-يزيد بنبرة حماسية، ونظرات امتنان: لأ بجد يا مدام شيماء نفسك حلو أوي في الأكل، انتي بترحمينا من أكل العساكر الناشف اللي لا لون فيه ولا طعم
-شيماء بصوت رقيق: أنا معملتش حاجة يا سيادة المقدم
-آدم بإنزعاج زائف: وليه تفكرنا يا زيزوو بالغلب ده، ما احنا كنا ماشيين زي الفل.

ضيق يزيد عينيه، ورمق آدم بنظرات شبه ساخطة و..
-يزيد بجدية: مش ندي للمدام حقها في واجباتها المنزلية! ولا انت عندك اعتراض؟!
-آدم وهو يمط شفتيه في توجس: مممم، اعترض ايه بس، هو أنا أد زعلها، ولا بوزها...!
-يزيد بخفوت، وبنظرات محذرة: بلاش انت، لأحسن تتكدر
-آدم بنظرات متوترة، ونبرة قلقة: على رأيك، ده زعلها أقوى من زعل رئيس الأركان..!

ركضت الطفلة الصغيرة سلمى – والتي تقارب على إتمام عامها الثالث – في اتجاه يزيد وهي تضحك ببراءة و...
-سلمى بنبرة طفولية مرحة: آمو زيت، آمو زيت
-آدم بنبرة حادة: اسمه عمو يزيد مش زيت
-يزيد بابتسامة عريضة: يا بني سيبها تقول اللي هي عاوزاه، مالك واقفلها على الواحدة ليه
-آدم بوجه مكفهر، ونبرة منزعجة: الله! مش بعلمها تتكلم صح بدل ما بؤها يطلع معوج، وبعدين مش عيب واحد شحط زيك كده ويتقاله زيت!

-يزيد باستغراب: وانت مالك، أنا قابل!

ارتمت الطفلة سلمى في أحضان يزيد، فمد ذراعيه وأحاطها بحنية أبوية يفتقدها، ثم أغمض عينيه ليقاوم رغبته المكبوتة في أن يصير أب..
رفع يزيد الطفلة سلمى قليلا عن الأرض ليجلسها على حجره و..
-يزيد بصوت دافيء، وناعم، ونظرات حانية: لوما، ازيك يا حبيبة قلب عمو؟

وضعت الطفلة سلمى أصابعها الدقيقة والرقيقة على ( تي شيرت ) يزيد وظلت تعبث به وهي تهمس ب...
-سلمى بنبرة طفولية خافتة: آمو زيت، فين الآلوسة ( عروسة ) بتاعتي؟

رفع يزيد يده عاليا، ثم ضرب بها جبينه، وعبس وجهه، وقطب جبينه في ضيق زائف و..
-يزيد بنبرة حزينة مصطنعة: أووبا، معلس يا لوما، أنا نسيت خالص، إن شاء الله المرة الجاية هاجيبك عروسة أد كده
-آدم بسخرية: والعروسة دي هاتكون على حساب مين؟
-يزيد وهو يلوي فمه في ضيق: على حساب الزبون طبعا، هو حد يقدر ياخد منك مليم
-آدم غامزا، وبنبرة واثقة: ما هو ده الذكاء.

-يزيد بنظرات ممتعضة، ونبرة شبه متأففة: لأ ده بخل يا أفندي!

عادت شيماء إلى غرفة الصالون، وهي تحمل في يدها صينية فضية عريضة ذات إطار ذهبي، وموضوع عليها بعض الصحون الفخارية التي تحتوي على الحلوى، ثم انحنت قليلا بجسدها نحو الطاولة الرخامية الموضوعة في منتصف الغرفة لتسند عليها الصينية و...
-شيماء بصوت رقيق، ونظرات عادية: اتفضل يا سيادة المقدم، البسبوسة دي عمايل ايدي، دوق وقولي ايه رأيك
-يزيد بنبرة جادة: أكيد كالعادة يا مدام شيماء، سوبر..!

-شيماء بخجل: الله يخليك يا رب، دايما مقدر مجهودي مش زي ناس..
ثم التفتت شيماء برأسها ناحية زوجها آدم، ورمقته بنظرات حادة، فأشاح هو بوجهه للناحية الآخرى و...
-آدم بنبرة مرحة: طبعا مش ليا الكلام ده.

وضعت شيماء يدها في منتصف خصرها الذي يغطيه عباءتها المنزلية الفضفاضة، ورمقته بنظرات حادة و..
-شيماء بنبرة منزعجة، ونظرات ضيقة: أومال لمين؟
-آدم مبتسما ابتسامة عريضة: لسلمى طبعا..!

التفتت شيماء برأسها ناحية يزيد، وأشارت بيدها و...
-شيماء وهي تزفر في انزعاج: شايف عمايله
-يزيد مبتسما في هدوء: الله يعينك...!

قدمت شيماء صحون الحلوى لزوجها ورفيقه آدم، ولطفلتها الصغيرة..
ترددت شيماء للحظات قبل أن تفاتح يزيد في ذلك الموضوع المتكرر، ولكن لا ضرر من المحاولة، فهي تريد أن تراه سعيدا في حياته، وخاصة أنها تعلم جيدا معدنه الطيب والأصيل رغم قسوة وصرامة ملامحه..
تنحنحت شيماء قبل أن تبدأ بالحديث و...

-شيماء بنبرة متلعثمة، ونظرات مرتبكة: كنت آ، كنت عاوزة أقولك يا سيادة المقدم إن في بنت، آآ، بنت جميلة أوي بتيجي معايا الجمعية الخيرية، ومتعينة مدرسة فرنساوي و، آآ.

اعتدل يزيد في جلسته، وتوقف عن لوك الحلوى في فمه، وظل ممسكا بكوب العصير الزجاجي، وأصغى بإنصات منزعج لما تقوله السيدة شيماء دون أن يقاطعها..
لاحظ آدم تبدل ملامح يزيد للانزعاج رغم عدم حديثه عن هذا، فبادر ب...
-آدم مقاطعا بنبرة محذرة: شيماء مافيش داعي لحوارات من النوع ده
-شيماء بنبرة عنيدة: لأ في، أما تكون في بنت كويسة ومميزة، وأخلاق وبتشتغل وآآ...

أثارت كلمة العمل انزعاج يزيد، وعادت إلى ذاكرته بعض الذكريات الآليمة...

Flash Back لما حدث قبل سنوات
احتدم الجدال بين يزيد وزوجته هايدي حينما أصرت على عدم الانجاب قبل إتمام حصولها على شهادة الدكتوراة، والتي ستستغرق ما يزيد عن ثلاثة أعوام، حاول يزيد جاهدا إقناعها بالعدول عن تلك الفكرة، ولكنه أصرت على تحقيق نجاحها المهني أولا، وما أشعل نيران الغضب بينهما أكثر هو تولي هايدي رئاسة البعثة المصرية المسافرة للعاصمة البريطانية لندن والتي ستمكث هناك مدة تقارب الشهرين..

إعترض يزيد وبشدة على سفر زوجته و...
-يزيد بغضب: لازم ترفضي يا هانم
-هايدي بإصرار، ونظرات ضائقة: دي فرصة، إزاي عاوزني أضيعها من ايدي!
-يزيد بنبرة هادرة: عاوزة تغيبي عن بيتك شهرين، ومحدش يعرف عنك حاجة عشانها فرصة!
-هايدي بنبرة عنيدة، ونظرات قاتمة: ما أنت بتغيب بالأسابيع وأنا مش بتكلم، ولو هو حلال ليك، وحرام عليا!

استدار يزيد بجسده بعيدا عن هايدي محاولا السيطرة أكثر على عصبيته، و...
-يزيد وهو يجز على أسنانه في انفعال: الله يحرق ده شغل، مش جايلي منه غير وجع القلب.

عقدت هايدي ساعديها أمام صدرها، وأشاحت بوجهها الغاضب في الناحية الأخرى و...
-هايدي بحنق: شغلي اللي مش عاجبك ده هو اللي عاملي قيمة وسط الناس، ومخليك رافع راسك وسطهم، وبتقول الدكتورة هايدي دي تبقى مراتي، ولا انت كنت عاوزني أعد أخبز، وأحلب الجاموسة عشان أعجب، ماهو ده اللي كان ناقص
-يزيد بزمجرة عالية: أنا طهقت من دي عيشة..!

-هايدي بتهكم واضح: ظهقت عشان الكلام مش جاي على هواك، إنت عاوزلك واحدة تكون زي الأرنبة تخلف وبس.

أثارت كلمات هايدي إنفعال يزيد أكثر، فالتفت ناحيتها، ورمقها بنظرات نارية و...
-يزيد بنبرة صادحة: هو أنا كفرت عشان عاوز أكون أب، حرام عليكي يا شيخة حسي بيا!
-هايدي ببرود مستفز: وأنا قولتلك أنا مش هاضحي بشغلي ولا بطموحي عشان شوية عيال
-يزيد بغضب جم، ونظرات استهزاء: ظلمك اللي خلاكي دكتورة نسا...!

عاد يزيد من شروده على إثر الجدال الدائر بين آدم وزوجته شيماء، فنهض عن الأريكة المذهبة و...
-يزيد بحزم، ونظرات فارغة: عند اذنكم، وشكرا مرة تانية على العزومة دي
-آدم باستغراب شديد: في ايه يا يزيد، انت لحقت، ما تستنى شوية
-يزيد بجدية، ووجه جامد، وخالي من التعبيرات: لأ معلش، أسيبكم ترتاحوا، وألحق أنا كمان أروح عشان أجهز نفسي للسفر، انت ناسي، احنا راجعين بكرة الوحدة بتاعتنا..!

-آدم بإحراج: ماشي يا زيزوو، اللي يريحك
-يزيد وهو يتمتم بإقتضاب: سلامو عليكم..
سار يزيد بخطوات سريعة ناحية باب المنزل، ثم دلف للخارج وأغلق الباب من خلفه، في حين عاتب آدم زوجته على ما فعلت ونهرها بشدة و...
-آدم بحنق: ينفع كده، أهوو الجدع خد في وشه وطار
-شيماء بعدم اكتراث، وببرود: والله أنا عاوزة مصلحته، ماهو مش هايفضل طول عمره كده
-آدم بعصبية نسبية: هو مبسوط كده، إنتي مالك.

-شيماء بجدية، ونظرات حادة: لأ مالي ونص، لما ألاقي بنت حلوة وجميلة وزي الفل، وألف مين يتمناها تضيع كده من غير ما ألحق أحجزها أبقى هبلة
-آدم بنبرة ساخرة: يكونوش عينوكي خاطبة وأنا معرفش..!
-شيماء بنبرة عنيدة: أه، طالما بسعى في الحلال، يبقى ليه لأ
-آدم مازحا، وهو يغمز: وأنا ميرضنيش أضيع عليكي الفرصة، إنتي جوزهالي في الحلال، وأهو تبقي كسبتي فيها وفيا ثواب.

احتقن وجه شيماء من الغيظ، وضاقت عينيها فجأة، وامتعض وجهها، ورمقت آدم بنظرات متوعدة..
ثم فجأة وجد آدم لعبة ما تخص طفلته الصغيرة تلقى في إتجاهه بسرعة الصاروخ، فإنحنى بجذعه للأسفل لكي يتفاداها و...
-آدم بنبرة فرحة، ونظرات سعيدة: الحمدلله مجتش فيا.

لم يتمكن آدم من تفادي اللعبة الأخرى التي إلقيت في وجهه بنفس القوة والسرعة، فتأوه من الآلم بعد أن ارتطمت بعينه اليسرى و...
-آدم متآلما وهو يمزح: آآآآآه، ويوم ما تنشن، لازم تصيب، آآي..

في مقر جريدة الضحى
طلب الأستاذ عبد السلام البدوي لقاء الأستاذ أمجد بعد أن فكر مليا في فكرته المقترحة والتي عرضها عليه قبل يومين..
توجه الأستاذ أمجد إلى مكتب مدير التحرير وقلبه متوجس خيفة من أن يرفض اقتراحه، ولكنه تفاجيء ب...
-عبد السلام بنبرة هادئة رزينة: أنا موافق على فكرتك يا أستاذ أمجد.

تهللت أسارير الأستاذ أمجد، وانفرجت ملامحه، وظهرت ابتسامة عريضة من بين أسنانه و...
-أمجد بنظرات فرحة، ونبرة حماسية: أنا مش عارف أشكرك ازاي يا أستاذ عبد السلام، إنت مش متخيل آآآ...
-عبد السلام مقاطعا بجدية: بس عندي شرط.

تبدلت ملامح أمجد للجدية سريعا، ثم حدق في عيني الأستاذ عبد السلام بنظرات حائرة ومتوترة و..
-أمجد بتوجس: شرط ايه؟
-عبد السلام بنبرة متمهلة: إنك تراعي دور الشهداء في الحرب، بس الشهداء اللي مش معروفين
-أمجد فاغرا شفتيه: هه.

-عبد السلام متابعا بنفس الثبات الانفعالي: يعني زي ما هنتكلم عن الجديد، لازم نراعي دور القديم، ومتقلقش أنا هتكلم مع مسئولي إدارة الشئون المعنوية للقوات المسلحة، ونشوف التصاريح اللازمة والمطلوب بحيث نمشي قانوني
-أمجد وهو يهز رأسه بجدية: مافيش مشكلة يا أستاذ عبد السلام، وأنا هابدأ أجهز فريق العمل معايا.

-عبد السلام وهو يمط شفتيه وبنبرة تشجيع: عظيم أوي، وأنا مستني قايمة الأسماء عشان التصاريح، انت عارف الحاجات دي بتاخد وقت
-أمجد بنبرة حماسية: أنا هاشتغل على القايمة، وكده كده معظم اللي هاينضموا للفريق معايا من الشباب، وهاقسمهم بحيث يغطوا كل الأفرع
-عبد السلام بنبرة محذرة: لو هتضم لفريقك بنات خليهم يقوموا بالعمل الكتابي، والتنسيقات، انت عارف إن آآآ...

-أمجد مقاطعا بجدية: مفهوم يا أستاذ عبد السلام، عشان نتجنب الحرج، وكمان المواضيع دي عاوزة تفرغ ومجهود كبير، ومش هاينفع ان اي بنت تسيب بيتها وتقعد بالأيام متفرغة للتحقيق ده
-عبد السلام بحزم: بالظبط، احنا برضوه لازم نراعي بناتنا..
-أمجد بنبرة حماسية، ونظرات متفائلة: وأنا متوقع إننا هانعمل شغل عالي إن شاء الله
-عبد السلام بهدوء: يا مسهل.

ظل الاثنين يتناقشان حول الخطوط العريضة الخاصة بتلك السلسلة الخاصة من التحقيقات، ثم استأذن لاحقا الأستاذ أمجد لكي ينصرف، فأوميء الأستاذ عبد السلام برأسه موافقا، ثم انطلق الأستاذ أمجد ناحية باب المكتب، ودلف للخارج ليعود إلى مكتبه وعلى وجهه ابتسامة عريضة، وقوة داخلية محفزة لكي يبدأ في تنفيذ ما عقد العزم عليه...

في قسم التحقيقات بالجريدة
جلست إيلين على مكتبها، وبدأت في طبع بعض الكلمات على لوحة المفاتيح الخاصة بحاسوبها الإلكتروني، ثم مدت يدها لتمسك بشطيرة ما تلتهمها بشراهة، ومن ثم عاودت الكتابة من جديد...

إيلين عبد النبي، هي الرفيقة المقربة لفرح - رغم كونها مسيحية الديانة – والأحب إلى قلبها، تعرفت كلتاهما على الأخرى في خلال فترة التدريب الخاصة بالصحفيين المستجدين في الجريدة، ومن وقتها صارت رفيقتين، تتشاركان كل شيء..
إيلين فتاة قصيرة الطول، وذات جسد مكتنز، وبشرة بيضاء ناعمة، وأعين بنية ضيقة، وشعر كستنائي طويل..

تزوجت إيلين قبل عام من زوجها أمير، ثم أنجبت مؤخرا طفلتها الأولى مارسيل، والتي تبلغ من العمر حاليا ثلاثة أشهر..
تحب إيلين رفيقتها بشغف، فهي دائما تقف بجوارها خاصة في وقت الأزمات، كما تشهد إيلين حاليا على قصة الحب الملتهبة بين فرح وزوجها كريم رغم بعد كلاهما عن الأخر بسبب ظروف عمل كريم، فهما عادة تثرثران في أمور الحب والغرام من أجل التفنن في إسعاد زوجيهما..

أوشكت إيلين على الانتهاء من كتابة التقرير الموضوع أمامها حينما باغتها فرح ب...
-فرح بنبرة عالية: إيلي.

انتفضت إيلين في مكانها فزعة، وألقت الشطيرة التي بيدها و..
-إيلين وهي تتنهد بإرتياح: حرام عليكي يا فرح، كده تخضيني، ده أنا فكرتك مستر أمجد.

ضحكت فرح قليلا وهي تنظر إلى ملابس إيلين التي اتسخت بفعل بقايا الطعام و..
-فرح وهي تحاول كتم ضحكاتها: سوري إيلي، أنا مقصدش، بس كنت عاوزة أقولك إني نازلة المطبعة تحت أودي حاجة لمستر أمجد، وهاحط موبايلي في الشاحن لأحسن قرب يفصل، فلو مامي اتصلت بليز ردي عليها وقوليلها أنا مش هتأخر، ساعة بالكتير وهاكون في البيت.

أمسكت إيلين بمنشفة ورقية تحاول إزالة بقايا الطعام عن كنزتها الحمراء و..
-إيلين بإنزعاج: طيب، حاضر، بس تاني مرة متعمليش كده فيا وتخضيني.

تذكرت فرح هيئة إيلين المزعورة وهي تصرخ بها عاليا، فضحكت مجددا، فرمقتها إيلين بنظرات منزعجة، ثم أمسكت بعلبة المناشف الورقية وألقتها في اتجاهها بضيق..
دلفت فرح إلى خارج غرفة المكتب، في حين عاود إيلين متابعة عملها..
مرت عدة دقائق ثم رن هاتف فرح، فاضطرت إيلين أن تنهض عن مقعدها الحديدي ذو القاعدة الجلدية لكي تجيب على هاتف فرح..

اتجهت إيلين ناحية مكتب فرح، ثم أمسكت بهاتفها، ونظرت في شاشته لتجد أن المتصلة هي كاميليا..
ترددت إيلين في الإجابة على إتصالها الهاتفي، فصمت الهاتف عن الرنين، فتنهدت إيلين في ارتياح، ثم تركت الهاتف مجددا على سطح المكتب، وسارت في اتجاه مكتبها، ولكن عاود الهاتف الرنين مجددا، فاستدارت بجسدها المكتنز ناحية مكتب فرح مجددا، ثم أمسكت بالهاتف لتجد أن المتصلة هي كاميليا..

قررت إيلين أن تجيب تلك المرة على اتصالها، وتبلغها بأن فرح ليست متواجدة حاليا بالمكتب، ولكن بعد أن ضغطت على زر الإيجاب، تبدلت ملامحها للصدمة، واتسعت عينها في رعب و...
-إيلين هاتفيا بنبرة مختنقة ومتلعثمة: مش ممكن، امتى ده حصل، طب، طب انتو عرفتوا إزاي؟

ابتلعت إيلين ريقها في توتر، وحاولت قدر الإمكان أن تسيطر على إنفعالاتها، ولكنها للأسف لم تستطع، فقد كان الخبر أقوى من قدرتها على الاحتمال..
ركضت إيلين خارج غرفة المكتب، وصدرها يعلو ويهبط في فزع شديد، خانتها عبراتها، وبدأت تنسدل على وجنتيها وهي تركض في اتجاه المطبعة الملحقة بالجريدة..

وصلت إيلين إلى المطبعة، وجابت ببصرها المكان بحثا عن فرح..
نظر بعض العاملين بالمطبعة إلى إيلين وهيئتها الحزينة في حيرة وتساؤل..
لمحت إيلين رفيقتها فرح وهي تقف بجوار أحد الأشخاص وممسكة في يدها بعدة أوراق تراجعها معه، فتوجهت ناحيتها بخطوات مرتبكة، ثم وقفت قبالتها وهي تلهث وتبكي بغزارة..
رفعت فرح رأسها لتنظر إلى إيلين بتوجس، ثم رمقتها بنظرات متفحصة و...
-فرح بنبرة قلقة: في ايه يا إيلي؟ مالك؟

أخذت إيلين نفسا مطولا محاولة به السيطرة على شهقاتها المتسارعة، وحاولت أن تبلغ فرح بما عرفته للتو..
وضعت فرح يدها على كتف إيلين، ونظرت إليها بنظرات أكثر تمعنا و..
-فرح بنظرات حائرة، ونبرة متوجسة: في حاجة حصلت؟ ما تتكلمي!

ابتعلت إيلين ريقها في مرارة، ثم أطرقت رأسها في حزن شديد، وأمسكت بكف يد رفيقتها فرح، ونظرت إليها بأعن دامعة و..
-إيلين بصوت مختنق من البكاء: ك، كريم.

خفق قلب فرح بشدة، وتسارعت دقاته في خوف، وحدقت في عيني إيلين بتساؤل مثير و..
-فرح بنبرة مزعورة: ماله كريم؟

أجهشت إيلين بالبكاء وهي تحاول إبلاغها ب...
-إيلين بنبرة باكية، ومتلعثمة: ك، كريم مات...!

اتسعت حدقتي عين فرح في صدمة تامة، وتجمدت ملامح وجهها فجأة، وشحب لون بشرتها، وشعرت أن قلبها يعتصر من داخلها بقوة شديدة، ثم...!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة