قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية غيمة في سمائك للكاتبة مي علاء الفصل العاشر

رواية غيمة في سمائك للكاتبة مي علاء الفصل العاشر

رواية غيمة في سمائك للكاتبة مي علاء الفصل العاشر

حمل احمد جوانة بين ذراعيه و خلفه اشرف و رجلين تابعين له، اسرع صاعداً السيارة بها مُنطلقاً الى الفيلا.
كان يمسح على شعرها بكفه، ينظر لها بإشتياق و خوف و حزن، مشاعر الاشتياق تدفعه لأن يضمها، مشاعر الخوف من فقدانها مرة أخرى فهو لم يتمنى و لو لمرة ان تموت فكيف له ان يتمنى ذلك لأخته!، مشاعر الحزن على تعرضها لذلك بسببه، توعد بأن يأخذ ثأر ما فعله بها خليل، كيف يتجرأ و يلمس فرد من عائلته؟!

حملها مترجلاً من السيارة مُتجهاً لأقرب غرفة، ضربت ندى صدرها بصدمة فور رؤيتها لحالة جوانة بل لرؤية جوانة نفسها، وصل الطبيب و مساعدته بعد دقائق من وصول احمد و اسرع لأداء عمله.

- فاكر انك هتهرب مني لغاية امتى؟
قالها جاسر بحدة و هو يمسك سامح من رقبته ويجره لمكان بعيد عن الأنظار، أزاح الأخير يد جاسر و صرخ بغضب و نفاذ صبر
- انا زهقت منكم كلكم، خرجوني من القرف اللي بتعملوه ده بقى
- نخرجك بعد ما طينت الدنيا و قولت لجوانة عن الحقيقة!
سخر جاسر بنبرة عنيفة، تعالى صوت سامح بانفعال.

- اة انا قولتلها عشان حاسس بالذنب، هي متستاهلش اللي بيحصل فيها لا من اوس و لا رزان، لو تشوف بصتها ليا قتلتني ازاي، هي وثقت فيا و فيكم لكم و كلنا خُناها
- انت شوفتها فين؟
أضاق جاسر عينيه و هو يراقب سامح بريبة، توتر الأخير قليلاً و أخذ يتلعثم و هو يُجيب
- شوفتها، شوفتها
- قول و متكدبش
حذره جاسر، و أضاف بمكر
- و احنا عارفين انها هربت، شكلك عارف مكانها
صمت سامح لوهلة قبل ان يهتف بحنق.

- هي اتخطفت مش هربت، و اسأل رزان عن الباقي
- نعم!
عقد جاسر حاجبيه بتشتت فأستغل سامح ذلك ليفر هارباً فلم يستطع الآخر ان يلحق به، ضرب الأرض بقدمه بغضب، اخرج هاتفه واتصل بأويس
- انا جايلك البيت، استناني انت و رزان
- لقيتها؟
سأله اويس بلهفة لكن جاسر قد كان اغلق الخط.
وصل جاسر بعد طريق استغرق منه ساعة، كان يحدق برزان الجالسة امامه، أتى اويس بعده بدقائق و قد كان يلهث و يتصبب عرقاً
- لقيتها و لا إيه!

- انا قابلت سامح
- و هو فين دلوقتي؟
- هرب
- ازاي تسيبه يهرب؟
- مش بأيدي
نظر جاسر ل رزان و سألها بشفافية
- هتقولي اللي تعرفيه و لا إيه؟
- قصدك إيه مش فاهمة!
تعجبت رزان، تهجم وجه جاسر اثناء قوله
- قابلت سامح عند فيلا احمد كان قريب من هناك و قالي حاجة غريبة غير اللي قالتها رزان، قال ان جوانة اتخطفت مش هربت زي ما قولتِ، و الأغرب انه قال انك عارفة الباقي اللي هو إيه معرفش
- اتخطفت!

تمتم اويس بإستغراب، نقل نظراته لرزان مُنتظراً توضيحاً منها، فتوترت الاخيرة
- قصدك إيه يا جاسر!، انت بتقول اني بكدب مثلاً!
- اومال ليه قال اسمك انتِ بذات؟
- معرفش
- رزان
جز اويس على اسنانه و هو ينطق اسمها و نظرة حادة تصاحبه، هتفت بحنق
- ايوة هي اتخطفت و مكُنتش عايزاك تعرف عشان متدخلش و تساعدها
حاول ان يظل هادئاً ليأخذ جميع المعلومات التي يريدها
- و انتِ تعرفي مين اللي خاطفها!
- ايوة
- مين؟

اشاحت بوجهها و لم تُجيب، تقدم منها و جذبها من ذراعها بقوة ليجبرها للنظر اليه، فقالت بهدوء تخفي خلفه شعورها الحقيقي
- مش هي اتخطفت و بعدت عننا و خلاص، فمش لازم تعرف
- رزان
زمجر و هو يغرز اصابعه بذراعها، فدفعته بقوة و لحقت فعلتها بصراخها المليء بالكره و الأنانية
- انا سلمتها لرجالة خليل عشان عايزة اخلص منها و اخرجها من حياتك بقى
- ازاي سلمتيها ليهم!
تدخل جاسر بذهول، فأجابته بسرد ما حدث.

- سامح جه قالي ان خليل بيدور على أخت احمد عشان يصفي حسابه من خلالها فأنا اقترحت عليه اننا نسلمها ليهم و سامح هيكسب فلوس و حريته و انا هكسب اني أكون بعدتها عنك
- يعني إيه تكوني بعديها عن حياته!، انتِ كده بوظتي كل حاجة
صرخ جاسر بغضب، فابتسمت بمكر و وضحت.

- لا مبوظتش حاجة، بالعكس احنا كسبانين كده عشان خليل هيعمل اللي هيعمله في جوانة و اللي هو نفس اللي كنا هنعمله فيها، بس الفرق ان احنا ايدينا نضيفة و بنتفرج من بعيد
- و انتِ فاكرة اني هبقى راضي عن اللي عملتيه؟
سألها اويس بحنق، فأستفزته بردها الواثق
- اة هتبقى راضي
كور قبضته بجانبه محاولاً تمالك أعصابه فقال من بين اسنانه
- امشي و مش عايز اشوفك لحسن...
قاطعته بإنزعاج.

- هتضربني!، عشان عملت فيها كده!، انت المفروض تبقى مبسوط
اخرجت هاتفها عند وصول رسالة من قِبل سامح و قامت بتشغيل مقطع الفيديو، التقطه منها اويس و شاهده، تصاعدت الدماء لرأسه من كُثر غصبه، مشاهدته لتعرض جوانة للضرب من أولائك الحُقرا جعله يفقد اعصابه، أراد ان يحطم كل شيء، فألقى بالهاتف ليتحطم بوحشية و أخذ يضرب الحائط بقبضته حتى سالت دماءه، صرخت رزان بخوف عليه و أمسكته من ذراعه صارخة بقهر.

- بتعمل كده ليه بنفسك! ليه
استدار بغتة ليقبض على رقبتها، كان كالثور الهائج بهيئته المخيفة هذه، همس بأنفاس مليئة بالغضب
- ازاي تسلميها للحقرا دول، ازاي؟!
هرع جاسر ليحررها من قبضة اويس، فأخذت تسعل ثم قالت بصوت مخنوق
- ما انت كمان كنت هتعمل فيها كده و اسخن، إيه الفرق بينهم و بينك!
أتى ان ينقض عليها لكن جاسر منعه ممسكاً اياه، صرخ اويس بصوت جهوري.

- انا اعمل فيها اللي اعمله، ان شاء الله أموتها، بس مش حد تاني يلمسها، فاهمة
- و ليه ده ان شاء الله؟
سخرت منه، و اضافت بخبث و هي تراقبه
- لتكون حبيتها و مش قايل!
- مشيها من قدامي و إلا والله لتكون نهايتها على أيدي النهاردة
حذر اويس جاسر الذي يعلم ان صديقه قد يفعلها حقاً، فأخذ جاسر رزان و أرغمها على المغادرة.
- دي اتجننت
- انت عارف انها بتحبك و عملت كده عشانك
برر جاسر، فنهره اويس.

- متبررلهاش تاني، خاصةً بالحجة دي
قهقه بغضب ثم تابع مُتهكماً بحدة
- بتقول اني بحب جوانة، دي اتهبلت!، هو الواحد لما يحب واحدة هيأذيها!، ده انا هاجمتها و خوفتها و سبتها في الشارع اكتر من ساعة مستنياني و انا شايفها بس سايبها تموت من البرد، شوفتها و هي بتجري بلهفة اول ما لمحتني بس متهزتليش شعراية، ده كمان العربية كانت هتدوسها بس مهتمتش برضوا، فمن اي ناحية انا بحبها!، كل اللي عملته فيها و بتقولي بحبها!

تنهد جاسر و أخذ اويس ليجلسا، صارحه جاسر
- هي حقها تتوقع كده من رد فعلك الغريب زائد ان اللي عملته رزان فعلاً لمصلحتك بس هي غلطت لانها اتحركت من دماغها، و الصراحة انا جه في بالي نفس الاستنتاج اللي هي استنتجته لما شوفتك اتحولت فجأة كده افتكرت ان جواك مشاعر ليها
هتف اويس بجنون
- انت اتهبلت انت كمان!
- اصل مش رد انك تقول محدش يلمسها غيرك!، اصل هي مش ملكك
- لا ملكي و مراتي.

قالها اويس باندفاع ندم عليه، لا يصدق ان ذلك الرد السخيف الغير واقعي خرج من فمه، رفع جاسر حاجبيه بذهول و ضحك، هز رأسه و تمتم
- طب سيبك دلوقتي من الكلام ده و تعال طهر جرح أيدك.

مساءً.

تململت جوانة على الفراش و قطرات العرق تزحف ببطء على وجهها مع اضطراب ملامحها مما يظهر انها تعاني من رؤية كابوس، أسرعت ندى بجانبها لتمسد على وجهها و رأسها بحنان و تهمس
- كابوس و هيروح، معلش
فتحت جوانة جفونها و هي تصرخ بزعر، حركت حدقتيها بقلق حولها و هي تلهث بعنف، استقرت نظراتها على ندى التي ابتسمت لها بتأثر و اشتياق
- اخيرا صحيتي، حمدالله على السلامة
- ندى!

قالتها بصوت متحشرج و اندفعت لتنهض لكن ألم ذراعها و جسدها منعاها، نظرت لجبيرة يدها فقد كُسِرت، جذبتها ندى لتعانقها بخفة تحسباً لآلام جسدها، فبكت جوانة و هي تبادلها العناق بيدها الأخرى، تحدثت بقهر
- شوفتِ اللي بيحصلي يا ندى!، انا مش عارفة كله بيجي عليا انا ليه
توقفت دموعها و هي تبعد رأسها وتنظر حولها مدركة اين هي، سألت لتتأكد
- انا فين!، انا، في
- في بيتك يا جوانة.

إجابتها ندى بسلاسة، و اضافت بسعادة صادقة
- ده انا مصدقت انك عايشة اصلاً، مش مصدقة اني شايفاكِ و بلمسك كده
اخذت تتسارع انفاس جوانة و هي ترفض تصديق وجودها في الفيلا
- لا، لا، لاااااا
- اهدي يا جوانة اهدي، طب مالك فهميني
هتفت ندى بقلق و هي تربت على كتفها، اقتحم احمد الغرفة بفزع لسماعه لصراخ جوانة، توقفت قدمه قبل ان يصل اليها فحين تلاقت نظراتها معه اشعرته بألم.

- اخرج، اخرج برة مش عايزة اشوفك، انت السبب اخررررج
صرخت جوانة بكل ما لديها من قوة، لا تريد رؤيته، يملأها شعور الكره في هذه اللحظة، تريد ان تقتله بما سببه له من تعاسة و ألم، التقطت يدها كوب ماء لتلقيها عليه لكنها فشلت في تسديد الهدف، حين رأت ندى ذلك ترجت احمد بأن يغادر الغرفة، فغادر.
حاولت جوانة النهوض فأسرعت ندى لتمنعها و هي تهتف
- عايزة إيه وأنا هجيبهولك
نظرت لها جوانة و تحدثت بأنفاس متقطعة.

- عايزة اخرج من هنا، مش هبقى في مكان واحد معاه
- هتروحي فين بس ده بيتك
- بيتي!
تهكمت جوانة و هي تشيح بنظراتها عن الأخرى، ساد الصمت لفترة وجيزة، تحدثت ندى بعد ان لاحظت انتظام انفاس جوانة و هدوءها
- عايزة أكلمك بهدوء بقى، فهميني كنتِ فين كل ده!، ازاي عايشة و احنا دفناكي بايدينا؟
- شكلكم مش مبسوطين اني طلعت عايشة؟
نهرتها ندى على قولها الفظ.

- انتِ هبلة بتفكري كده ازاي؟ ازاي هنبقى مبسوطين بموتك!، انا بسأل بطمن، ده انا بحمد ربنا انك عايشة و اني شايفاكي قدامي دلوقتي، و احمد، احمد بعد موتك كان منهار احيانا، لا ده دايماً كان بيحاول يبين انه كويس و انه مشغول في شغله بس لمعة عنيه كانت تفضحه قدامي، فأنتِ ازاي تعملي كده فينا؟
قهقهت جوانة هول ما سمعته، نظرت ل ندى بعسليتين مشتعلتين و نبرة خشنة غير مراعية.

- يا عيني لمعة في عين احمد!، تعرفي اصلا ان هو السبب ورا الحادث اللي اتعرضله! عارفة ان احمد هو اللي كان عايز يموتني!
ظهرت الصدمة على ملامح ندى، بينما أكملت جوانة بنفس الخشونة
- و الحالة اللي انا فيها دلوقتي هو السبب فيها، كل أعداءه واللي بيكرهوه بيصفوا حساباتهم معاه عليا انا
استندت ندى على الكومود ثم جلست على الفراش بجانب جوانة، ترجتها بصوت خافت متشتت اثر صدمتها.

- استني عليا كده، احمد كان عايز يقتلك!، ازاي؟
- خلا ناس تلحقني بعد ما خرجت من هنا و انا متخانقة معاه
- مستحيل احمد يعمل كده
رفضت ندى تصديق تلك الحقيقة الصادمة، فغضبت جوانة و تراجعت عن قرار صمتها لتخرج عنه
- انتِ متعرفيش حاجة عن احمد، احمد ده مجرم لازم يدخل السجن، بيعمل كل حاجة تتخيليها من تهريب و قتل لإغتصاب
شهقت ندى بعنف اثر تلك الكلمات القاسية، لم تكترث جوانة و تابعت بمرارة تحرقها من الداخل.

- ده وصل ليه انه يخلص على اخته اللي هي انا بس عشان بحاول امشيه على الطريق الصح
اعاقتها دموعها فتوقفت و هي تشيح بوجهها بعيداً، مسحت عينيها من دموعها التي احتجزت اسفل جفونها و تراجعت بجسدها لتدثر تحت الغطاء، قالت بجفاء
- اخرجي لوسمحت، عايزة ارتاح و انام.

نظرت لها ندى بعيون ضائعة، نهضت مغادرة الغرفة و هي تشعر بفراغ مريب بداخلها، توقفت لتنظر لأحمد الذي يقف في نهاية الرواق ملويها ظهره، اقتربت منه بخطوات مترددة لكنها استجمعت شجاعتها لتسأله حين أصبحت امامه
- انت فعلا اللي ورا حادث جوانة؟ انت حاولت تقتلها!
استدار لها و ظل صامتاً للحظات، تنهد باستياء و قال
- ده اللي قالته جوانة!

امسكها من ذراعها و اخذها لغرفتهم ليتحدثا براحة، فور دخولهم ازاحت يده عنها بنفور، نظر لها بخيبة أمل
- انتِ مصدقاها!
- انا عايزة اسمع منك، انت عملت كده ولا لا؟
تحدثت بتشتت ظاهر في حدقتيها و بشدة، هز احمد رأسه و اجابها بصدق.

- انا فعلاً بعتت رجالة وراها، بس مش عشان يقتلوها، انا كنت عايزهم يوقفوها بس، بس لقيتهم بيقولولي انها عملت حادث و بعدها انفجرت العربية، بس و الله العظيم اني محاولتش و لا عمري فكرت اني اموتها، ازاي افكر اني اموت اختي انتوا ازاي بتفكروا!

انهى قوله بإنفعال و حرقة، حدقت به ندى و قد ايقنت انه صادق، انها تعرفه جيداً و تعلم متى يقول الحقيقة و متى يكذب، مسحت وجهها بكفها و هي تتنهد، امسكت بيده و اقتربت منه و هي تتعمق في حدقتيه، قالت بخفوت حاني بجانب عيونها التي تلمع بالدموع
- انا بثق فيك، مش هسألك و لا هتأكد من اللي قالته جوانة ليا، بس طمني انك ماشي في الطريق الصح.

بلع لعابه بصعوبة و أشاح بنظراته عنها لبرهه ثم أعادها اليها، ضمها اليه هامساً
- اطمني.

في منزل رزان
ناولت رزان الدواء لوالدتها التي تُلازم الفراش ليلاً نهاراً، أحكمت رزان عليها الغطاء ثم اغلقت الضوء لتنعم والدتها بنوم مريح، قطعت والدتها هدوء الليل بسؤالها القلق
- مالك يا حبيبتي؟، حاسة ان في حاجة
تنهدت رزان تنهيدة طويلة خلفها الكثير و الكثير من الكلام، حثتها والدتها للتحدث بودها
- متشيليش في قلبك، احكي و فضفضي.

- انا مبقتش عارفة انا واحدة كويسة و لا وحشة يا ماما، انا رزان اة، بس لما ببقى مع اويس ببقى واحدة تانية خالص مش بفكر قبل ما بتصرف، بيبقى كل اللي شاغل بالي هو و بس، ممكن اتصرف نيابة عنه بس لمصلحته، بس هو مش مقدر ده و مش عاجبه
كانت تتحدث بضيق و انزعاج، أخبرتها والدتها بهدوء
- طب ما ممكن هو مش مقدر و شايف التصرف ده غلط لانك بتعمليها بطريقة غلط اصلاً!
- طب ما انا اصلاً معنديش طريقة تانية اتصرف بيها غيرها.

هتفت رزان بعجز، و اضافت بانفعال
- انا مش عايزة أشوفها جمبه، عايزة اخرجها من حياته و في نفس الوقت عايزة انهي موضوع اخته عشان ارضيه، فملقتش طريقة غير دي أكون فيها ضربت عصفورين بحجر واحد
- مش موضوع اخته خلص من زمان بيفتحه ليه تاني، هو غلطان
صارحتها والدتها بأسف، و تابعت بتساؤل
- و مين دي اللي في حياته!

صمتت رزان قليلاً مستسلمة لصراعها الداخلي، صراعها بين جانبها الخيّر و الشرير، هي تشفق على جوانة و ترى انها بريئة ليس لها ذنب في ذلك و كم تمنت في بداية لقاءها بها ان تخرجها من هذا الأمر، لكن رؤيتها لإعجاب جوانة ب اويس و الشك الذي تملكها بخصوص امتلاك كلاً من اويس و جوانة مشاعر كل منهم للآخر جعلها تريد التخلص منها، فماذا تدعوها الان و بماذا توصفها لوالدتها!، تعلم ان الشك الذي بداخلها قد لا يكون حقيقي بالمرة لكن ماذا تفعل بغيرتها المفرطة، فهي لا تريد قرب جوانة من اويس حتى.

تهربت رزان بقولها التالي
- واحدة و خلاص، و نامي بقى عشان كتر الرغي بيتعبك، تصبحي على خير.

كان اويس يقف بين تلك الأشجار الكثيفة، ينظر من بعيد الى فيلا احمد البيومي بسماءه المظلمة و الغامضة.
أسرعت رئيسة الخدم بخطوات سريعة متوترة، توقفت امام اويس و هي تلهث فسألها مباشرةً
- إيه الاوضاع في الفيلا؟
- الدنيا متكهربة اوي، كان في صريخ في أوضة الآنسة جوانة
- و مسمعتيش اي حاجة؟
- معرفتش خالص
- خلاص، ارجعي يلا
أومأت رئيسة الخدم و التفتت لتغادر، توقفت و استدارت لأويس اثر سؤاله.

- و هي حالتها إيه!، قصدي على جوانة
اخرج سؤاله بعد صراع كبير، اخرجه من بين شفتيه بحروف مترددة، اجابته ريئسة الخدم بشفقة
- ياعيني مفيش حتة في جسمها سليمة، وشها و جسمها كله كدمات زرقا ياعيني و أيديها مكسورة، ولاد الحرام تنقطع اديهم
شعر بإنقباض قلبه بداخله، هز رأسه بعنف و استدار مغادراً دون كلمة، هزت رئيسة الخدم كتفيها بإستغراب و عادت للفيلا.

بعد منتصف الليل
دلف احمد بحذر للغرفة التي توجد بها جوانة و تقدم منها و هو يشعر بدقات قلبه المتسارعة من توتره!، توقف امام الفراش ينظر لوجهها المتورم بألم، يعلم ان هذا حدث بسببه لذا هو يحمل نفسه الذنب، جثى على ركبتيه و مد يده يتلمس خصلات شعرها بأصبعه و قد لمعت الدموع في عينيه، اخفض رأسه و هو يهمس بصوت متألم
- اسف
- تقتل القتيل و تمشي في جنازته.

أخترق صوتها طبلة أذنه فجأة مما افزعه و أسقطه ارضاً جالساً، فتحت جوانة عينيها و صوبت نظراتها المستحقرة له، رفعت زاوية فمها بسخرية
- تصدق كنت هتأثر بنبرة صوتك، لمستني من جوة الصراحة
بلع لعابه بصعوبة ثم نهض و هو يبعد نظراتها عنها، بينما اعتدلت جوانة لتصبح جالسة، تحدثت ببرود
- مش هسألك عملت كل ده ليه فيا عشان انا عارفة الجواب، عندي سؤال واحد بس
- انا معملتش حاجة فيكِ.

اخبرها بثبات، رمقته بسخرية ثم رسمت ابتسامة صفراء على شفتيها و سألته
- اويس صالح الممدوح، تعرفه؟
عقد احمد حاجبيه بإستغراب و استفسر بحدة
- تعرفيه منين؟
- رد على سؤالي
- يعني إجابة السؤال ده اهم من الحاجات التانية اللي المفروض نتكلم فيها؟
ثم هتف متذكراً
- اها اكيد من الملف اللي سرقتيه مني
لم تتذكر جوانة انها رأت اسمه في الملف لكنها سايرته و وافقته، فأجابها على سؤالها بطريقة لم تعجبها ابداً.

- ايوة اعرف الحقير ده، كان شغال عندي بس خان ثقتي و غدر بيا
- ازاي؟
سألته بفضول، لاحظ احمد فضولها الذي جعله يندهش، قرر ان يُجيبها على جميع اسألتها ليعرف نهاية هذا الفضول
- هو كان أيدي اليمين قبل سامح...
قاطعته جوانة
- ازاي و انا مكنتش بشوفه!
- كان أيدي اليمين في الشغل اللي برا، يعني يخلص الشغل اللي بدهوله بالخفا كأنه مش شغال معايا
- زي إيه الشغل ده؟

سألته بريبة فهي خائفة من سماع الإجابة، هل اويس مثل احمد؟، هل كان يقتل و يختلس و يتاجر!، ظل احمد صامتاً و قد استشعرت جوانة بتوتر حدقتيه فتأكدت من مخاوفها، فقالت بخفوت مليئ بخيبة أمل
- بيقتل و يتاجر بالمخدرات، نفس طريقك القذر صح؟
اتى ان يتكلم احمد لكن جوانة اوقفته
- متقولش اي حاجة خلاص فهمت، كمل، ازاي غدر فيك؟
- و انتِ مهتمة بالموضوع للدرجة دي ليه؟
سألها احمد بنظرات متفحصة مُنتظراً ردها، كذبت جوانة.

- سامح قالي عليه، عشان كده بسأل
غمغم احمد و قال
- هقول عشان عارف انك مش هتتكلمي عن اي موضوع تاني الا بعد ما انهي فضولك
قرب الكرسي من فراشها و جلس عليه، ثم بدأ في أخبارها عما تريده.

- زي ما قولت اويس كان شغال تحت أيدي يستلم و يأمن طريق نقل السلاح، في ف يوم لاقيته جاي يقولي انه هيسيب الشغلانة دي خالص، كنت رافض انه يسيب الشغل معايا لانه خسارة ليا و لانه من احسن الناس اللي تحت أيدي المهم في الاخر وافقت، في اخر صفقة سلاح ل اويس معايا فشلت تعرفي ليه؟، لان الشرطة جت و عملت ضبط لكل البضاعة بس ربنا سترها و اسمي متجبش في الموضوع زي ما حصل في الصفقة الاخيرة لسامح، بعديها اكتشفت ان اويس هو اللي ورا مِجي الشرطة علينا و هو اللي خبرهم.

توضح الكثير امام جوانة و حصلت على اجابة اسألتها التي كانت دون إجابة، صرخت بحنق و لكنة خشنة حادة النظرات
- فعشان تربيه على غدره تروح تخطف اخته و تأذيها بالطريقة دي؟
برر احمد موقفه من وجهه نظره الأنانية التي استحقرتها جوانة، بل استحقرته هو نفسه.

- مكنتش عارف اوصله، كان اختفى فمكنش قدامي طريقة غير اني اصطاده عن طريق اخته بس هو أتأخر و فضل مستخبي، هو غِلط لانه مخدش كلامي على محمل الجد، الغبي كان فاكر اني بهوشه بس
صرخت بغضب أظهرت عروقها و آلمت حلقها، كانت منفعلة و فاقدة أعصابها من مبرره الغبي.

- تروح تعمل في بنت الناس كده!، تروح تأذي واحدة بريئة ملهاش ذنب!، تصفية الحساب بينك و بينه ليه دخلت اخته و ليه أذيتها، ازاي طاوعك قلبك و انت بتسمع صريخها و توسلاتها ليك!، ازاي قولت لرجالتك بقلب جامد انهم يغتصبوها ازاااي!

تهدج صوتها في نهاية حديثها أثر دموعها التي خنقتها و سالت كالسيل على وجنتيها، كم تشعر بالخذي و الألم لما حدث و للحال الذي وصل لها اخيها، هل اصبح غير انساني لهذه الدرجة!، انها لا تشعر بحزنه او ندمه على ما ارتكبه من جريمة، مسحت دموعها بحسرة مماثلة لنبرة صوتها.

- لو بابا كان عايش و شاف اللي بتعمله دلوقتي كان ندم لأنه سلمك شغله اللي تعب فيه، شغله اللي عمره ما دخل منه فلوس حرام، انا زعلانة عليك و عليا، عليك لانك واقع في حفرة عمرك ما هتعرف تخرج منها اصل الوقت فات خلاص و هتتعاقب يعني هتتعاقب و لو مش في الدنيا هيبقى في الآخرة، اما زعلانة على نفسي لأني اختك
توقفت عن الكلام للحظات عم فيها الهدوء المتوتر، ابتسمت جوانة بمرارة و هي تحرك عسليتيها اليه بحزن قائلة.

- تعرف بيحصل فيا كده ليه!، اقولك، عشان عندي اخ زيك، ربنا بيرجعلك اللي عملته في الناس في اقرب ناس ليك، ياريت بس الموضوع ينتهي عليا و ميوصلش ل ندى او نونة
اندفع احمد ناهضاً هاتفاً بحدة
- عمري ما هسمح لحد انه يلمسكم انا هحميكم، واللي عمل فيكي كده هربيه اصبري عليا
رفعت جوانة حاجبها و هي تنظر له للأعلى ساخرة
- هتربيه أزاي هتقتله و لا هتخطف حد من عيلته و لا هتعمل إيه!، كفايا تستعمل طرق المجرمين، كفايا.

صرخت في النهاية بنفاذ صبر، شرح لها احمد
- الناس دي مش بتيجي غير بالطريقة دي عشان كده بستعملها معاهم، غير كده كان زماني تحت رجليهم
- انت اللي دخلت نفسك في طريق الناس دي و انت اللي اخترتهم
- ايوة اخترتهم لأني لو معملتش كده كان كل شغل ابونا راح
ضحكت جوانة بتهكم و رمقته ببغض
- كل شوية يطلع سبب و مبرر جديد.

هز احمد رأسه بغضب و هو يخلل أصابعه بين خصلات شعره السوداء، ابتعد عن جوانة و أخذ يجوب الغرفة ذهاباً و إياباً، كيف يقنعها و يغير تفكيرها هذا؟، بعدها بدقائق هتف بإنفعال
- مش عارف ليه ماخدة عني الفكرة دي، مش عشان مشيت في الطريق الغلط يبقى انا وحش، ليه مش باصة على اني اتجبرت اني امشي في الطريق ده، أيوة انا واحد حقير دلوقتي بس ده مش معاكم، مش مع اهلي، فأنتِ مأزمة الموضوع للدرجة دي ليه!

لم تنظر له جوانة لكن احمد استشعر انزعاجها من صوتها حين سألته
- مأزمة الموضوع ليه!، يعني انت شايف ان الموضوع عادي!
- ايوة
اجابها بحزم، اشتعلت حدقتي جوانة بشراسة وهي تخبره بنبرة هادئة معاكسة لحروفها التي تخرج بعنف
- و انا أوعدك لو جتلي الفرصة اني أساعدهم على انهم ياخدوا حقهم منك، هساعدهم و هبقى معاهم ضدك
ابتسم احمد ابتسامة صفراء و هو يقول
- باين انك تعبانة دلوقتي، نكمل كلام في وقت تاني.

ثم غادر الغرفة قبل ان يفلت زمام غضبه عليها، فقد أغضبه و استفزه كلامها الاخير، هل ستقف ضده!، يتمنى الا تفعل ذلك فإذ فعلت ذلك سيتوجب عليه الانسحاب و هو لا يريد ذلك.

اليوم التالي، بعد الساعة الثانية عشر ظهراً بقليل
استيقظت جوانة على صوت ضحكات نونة الطفولية التي اخترقت طبلة اذنها، فتحت جوانة عينيها و نظرت لنونة بعيون ناعسة و حين تقابلت نظراتها بنظرات تلك الصغيرة ابتسمت لها
- إيه ده إيه ده، بترسمي وردة على أيدي المكسورة!
هزت نونة رأسها و تعالت ضحكاتها، و في تلك اللحظة دخلت ندى و هي حاملة صينية الفطور
- يلا يا نونة سيبي عمتو جوانة و تعالي كلي و تأكليها.

- لا انا برسم وردة دلوقتي
رفضت نونة بصوتها الطفولي، تدخلت جوانة
- خليها عادي مدام هي مبسوطة، و انا هأكلها
هزت ندى رأسها موافقة و وضعت الصينية امام جوانة.
مر الوقت و هما يتحدثان بأمور عدة، يضحكون حيناً و يبكون حيناً اخر، و كانت نونة تشاركهم ضحكاتهم دون فهم ما يقولونه.

مع بداية غروب الشمس، صعدت رئيسة الخدم درجات السلم بتعجل ثم انحرفت يميناً حتى تصل للغرفة التي توجد بها جوانة، طرقت الباب بلطف و دلفت، حمدت الله ان جوانة كانت بمفردها في الغرفة و قد كانت نائمة، تقدمت لتضع تلك الرسالة الورقية بجانب وسادتها ثم غادرت بخفة.
شعرت جوانة بخروجها ففتحت عينيها و نظرت لما تركته تلك الخادمة، شعرت بالحيرة من تصرف تلك الخادمة التي لم تستطع ان ترى وجهها.

اعتدلت لتصبح جالسة و قامت بفتح الرسالة و قراءة محتواها
هستناكي قدام الفيلا ع الساعة ١٢، لو اتأخرتي دقيقة هجيلك و مش هاخدك انتي بس، متتأخريش
اتسعت مقلتيها بصدمة، هل صاحب هذه الرسالة هو اويس!، و هل يقصد بجملته الاخيرة ندى و نونة!، ارتجف قلبها خوفاً.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة