قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية غيمة في سمائك للكاتبة مي علاء الفصل السادس

رواية غيمة في سمائك للكاتبة مي علاء الفصل السادس

رواية غيمة في سمائك للكاتبة مي علاء الفصل السادس

و كأن الوقت توقف للحظات بعد عرضه الغريب، و اخذت تحدق به بصدمة محاولة ان تدرك ما قاله، توتر أويس قليلاً و لكنه أضاف موضحاً
- مش نيتي حاجة وحشة من الجواز ده، انا بساعدك بس، انا معايا فلوس و اقدر اديهالك و تستخدميها في اللي انتِ عايزة تعمليه، اقدر أكون واقف في طهرك لو وقعتي في مشكلة
- و انت هتستفاد إيه من الجوازة دي؟

أشاح بناظريه بعيداً و التزم الصمت لدقائق، و في حين صمته اخذت جوانة تدرس ملامحه و تعابير وجهه، طرحت سؤالاً آخر
- و انت يتشتغل إيه!، و معاك فلوس منين و انت عايش في شقة زي دي؟!
نظر لها و أجابها برسمية
- انا رجل أعمال، باجي الشقة هنا من فترة للتانية عشان ده بيت اهلي زي ما قولتلك قبل كده
همهمت متفهمة، نهضت و اتجهت لغرفتها دون قول كلمة، و لم يوقفها.

اليوم التالي
داخل مكتب جاسر في مركز الشرطة، كانت جوانة تتحدث مع جاسر حول أمر سامح و احتمالية براءته، لم يتحدث معها كثير عن الأمر، فقد اصطحبها لترى الأخير.
حين رأت سامح خلف القضبان امتلأت مقلتيها بالدموع، و كم آلمها قلبها حين تلاقت حدقتيهما، احترقت بنظرته المُعاتبة لها و الغاضبة في آن واحد، توقفت أمامه و أخذت تعتذر بصدق.

- آسفة، مش عارفة ازاي انت هنا و لا إيه اللي حصل!، كل حاجة انقلبت و كل اللي مخططين ليه متحققش
- انا وثقت فيكِ
قالها سامح بنبرة مُعاتبة، بجانب خيبة أمل، سالت دموعها بعد قوله، تهدج صوتها و هي تعده
- آسفة لأني خيبت ثقتك، و انك آمنتلي و في الاخر انت هنا، بس هخرجك، هحاول اتصرف متقلقش، مش هسيبك.

ارتفعت زاوية فمه بسخرية و عدم تصديق، و عاد ليجلس على الأرض مرة أخرى، ظلت واقفة للحظات تنظر له، تنهدت بأستياء ثم استدارت لتغادر لكن قول سامح اوقفها
- مش هتعرفي تواجهي احمد لوحدك، انتِ محتاجة حد قوي جمبك و إلا هتبقي جمبي او تحت التراب، حسب ما يقرر احمد
لم تستدير، لكنها أصبحت تدرك حقيقة عدم قدرتها لمواجهة اخيها، فهي ضعيفة و مُفلِسة و حالتها مثيرة للشفقة.

داخل شركة احمد البيومي
كانت قهقهت احمد تصدع بين حيطان الغرفة اثناء مشاهدته لصور سامح و هو خلف القضبان، طأطأ بأسف لازع مزيف ثم هدأ قليلاً و حدث نفسه بسخرية
- و انت فاكر نفسك هتوقعني انا في الليلة دي و انت هتهرب!، تبقى اهبل يا حبيبي
عاد بظهره للخلف و هو يتنهد بتلذذ و يتابع
- بعد كل السنوات دي و انت مش عارف مين انا!، انا مش سهل يتلعب معايا، ده انا أوقعك في الحفرة اللي حافرهالي بدون ما تحس.

بعد ان دخلت جوانة الشقة، أتاها صوت أويس المنفعل من خلف باب غرفته، لم تكن لتكترث لسماع او معرفة سبب إنفعاله، لكن اسمها الذي سمعته في المنتصف جعلها تشعر بالفضول و الحيرة، لذا وقفت خلف باب غرفته لتستمع بشكل أوضح، لكن خلال ثواني تغيرت ملامح وجهها و لمعت حدقتيها بالدموع لما سمعته.
حين تضاءل صوته و ادركت انه ينهي المكالمة، تحركت سريعاً اتجاه غرفتها و كادت ان تسقط اثناء محاولتها للوصول قبل خروجه.

عندما خرج أويس من غرفته توقف للحظات، ادرك انها عادت حين شم رائحتها التي تركتها خلفها، اتجه لبابها و طرق عليه
- رجعتي؟!
اتته الإجابة بعد لحظات
- ايوة
- كلتي و لا لسة!
- مش عايزة
بعد قولها لم يقُل شيء، بينما هي داخل الغرفة، كانت جالسة بذهول، هل حقاً ما سمعته صحيح!، هل هذا هو السبب الرئيسي خلف عرض الزواج!، لما تشعر بالقلق رغم ان هذا شيء مُربِح لها!

القت بجسدها على الفراش و طبقت جفونها بقوة اثناء تردد كلماته داخل أذنها بإستمرار و بصخب.
- ايوة انا مُعجب ب جوانة، و انا مستعد اقف جمبها و أساعدها على انها تاخد حقها من اخوها، مش هاممني اني بدخل نفسي بمشاكل او اني كده بروح للمشاكل برجلي، اللي اعرفه اني مش هسيبها لوحدها
صمت لدقائق يستمع لقول الطرف الاخر و يجيب بعدها.

- ايوة ورا طلب جوازي منها ان في جوايا مشاعر ليها، كده يعتبر اني بخدعها!، لا طبعا، انا مش بأذيها بكدة و لا عمري هأذيها.

في المستشفى
كانت رزان جالسة في غرفة استراحة الموظفين تتناول طعامها بين زُملاءها، أتاها اتصال من أويس فخرجت لتتحدث معه، بعد التحية و السؤال عن الحال اخبرها
- انا طلبت أيد جوانة، امبارح
ظلت صامته لثواني، ثم اصطنعت الذهول
- بجد، طب وافقت؟!
- لسة، مستني ردها
- عايزني اكلمهالك او حاجة!
- لا، انا هتصرف
- ماشي
ساد الصمت، لم تجد رزان ما تقوله و هو أيضا
- طيب هقفل دلو...
قاطعته رزان بانزعاج.

- افتكر بس اني مش موافقة من البداية
سمعت تنهيدته التي تدل على نفاذ صبره، تمتم قبل ان يغلق
- سلام يا رزان
وضع أويس الهاتف جانباً و حمل صينية الطعام ليضعه على السفرة الصغيرة، ثم اتجه لغرفة جوانة و استدعاها لتناول الطعام، كان يتوقع ان ترفض استناداً لمحادثته الأخيرة معها، لكنها فعلت عكس ما توقعه فقد خرجت لتتناول معه الطعام.

أنهت ما بداخل طبقها من طعام بهدوء، و هو كذلك، أتى ان ينهض لكنها اوقفته بقولها المفاجئ
- انا موافقة
عقد حاجبيه و هو يسألها بحيرة
- موافقة على إيه!
- اننا نتجوز
عاد ليجلس مرة اخري و هو يحدق بها، تمتم بعدم تصديق
- بجد!
أومأت برأسها و هي ترسم على شفتيها ابتسامة صغيرة، ثم قالت برجاء
- اتمنى بس نعمله خلال الأسبوع ده، و على الضيق
- ماشي، زي ما تحبي.

قالها بإحباط و قد انطفئ لمعان حدقتيه، لاحظت جوانة ذلك لكنها حاولت تجاهله، نهض و حمل الصينية ليتجه للمطبخ، نهضت جوانة خلفه للمطبخ، سألته حين استدار
- رزان عارفة عن اللي هنعمله؟
- ايوة، قولتيلها
- و ردها إيه؟
- مش فاهم!، ردها هيبقى ماله!
عقد حاجبيه بعدم فهم، تنهدت و تمتمت
- مفيش
تخطاها للخارج، فتبعته مرة أخرى فتوقف بنفاذ صبر و قال
- قولي اللي عايزة تقوليه
ابتسمت و هزت رأسها، ثم أخبرته و هي تبعد نظراتها عنه.

- اصل انا حسيت، يعني ان في حاجة بينكم، فأنا خا...
قاطعها بسخرية تبعها بقهقه
- انا و رزان!، مستحيل
رد فعله فاجأها، لكنها شعرت بالراحة.

بعد مرور أسبوع، مساءً
شكر أويس إمام المسجد فتحي الذي وافق ان يصبح ولي لجوانة، حيث اخبره أويس عن انها يتيمة و ليس لديها غير اخيها الفاسق و بهذا أخذ الموقف على انه مانع شرعي.
غادر المأذون و الإمام فتحي و قد أوصله صديق أويس الذي كان شاهد على الزواج، تقدمت رزان من أويس و باركت له مع ابتسامة صفراء، ثم اتجهت ل جوانة و عانقتها دون ان تقل شيء، همست جوانة لها
- انا آسفة.

شعرت جوانة انها بحاجة لأن تعتذر من رزان، فقد لاحظت ملامحها الحزينة و محاربتها للدموع التي تمتلأ داخل مقلتيها من حين لآخر، و كم ذلك أشعرها بالذنب و الندم.
ابتعدت رزان و استدارت لتتجه للباب مغادرة
- امشي انا بقى و اسيبكم لوحدكم، مبروك مرة تانية.

و اختفت سريعاً من أمامهم، تنهدت جوانة و قد ثقل صدرها، اتجهت لغرفتها سريعاً لتختبئ هناك و تخرج ما بداخلها، لكن أويس امسك بذراعها موقفاً إياها، نظرت له و قد انهمرت دموعها على وجنتيها، سألها بقلق
- مالك؟!
- عايزة ادخل ارتاح
ترك ذراعها و هو يتنهد، قال بلطف
- ماشي هدخلك ترتاحي، بس استني عايزة اديكي كام حاجة
أومأت برأسها و تبعته بنظراتها و هو يتجه لغرفته ليغيب بضع دقائق و يخرج لها مرة أخرى حاملاً صندوق صغير.

- خدي ده، هتلاقي فيه كل حاجة انتِ محتاجاها
تناولت منه الصندوق و هزت رأسها ثم اتجهت لغرفتها و اغلقت الباب بالمفتاح الذي أعطاه لها هو.
فك أويس ربطة عنقه بعنف و القاها أرضاً و اتجه هو الاخر لغرفته.

صباح اليوم التالي
داخل فيلا احمد البيومي..
دخل اشرف و الذي كان يد احمد لكن في أمور محدودة و ليس كسامح
- جبت اللي قولتلك عليه؟
- كله موجود في الظرف ده، المكان اللي اتبعت منه الظرف، و الصور
و قدم الظرف له، سأله احمد بخشونة
- يعني جوانة عايشة و لا لا؟
- هي ملهاش اثر، ممكن اللي باعتها بيحاول يخوفك
- و انا هبينله اني خوفت قد إيه.

قالها بإستهزاء و توعد اثناء فتحه للظرف، لكنه توقف حين تذكر الشيء الأمر الذي أمره به و نظر ل فادي و سأله
- و عملتوا إيه مع البستاني اللي شاف العملية؟، خلصتوا عليه؟
- بكل سهولة، و دفناه كمان
ظهرت انيابه و هو يبتسم بشر.

خرج أويس من غرفته و قد وقف لبرهه و هو متفاجئ مما يراه، جوانة قد حضرت له الفطار؟!، هل يحلم؟، استدارت الأخيرة فوجدته يقف بحالته تلك، فمنحته ابتسامة رقيقة مشجعة له، بادلها الابتسامة و جلس.
- يارب يعجبك.

همست له و هي تراقبه يضع الطعام في فمه، شعرت بالرضا عندما شاهدت ملامح وجهه المتلذذة بعد تناوله ما صنعته، فهذا اقل ما تستطيع ان تقدمه له مقابل ما قدمه لها بالأمس، لذا شكرته بصوت مبحوح و هي تتفادى النظر اليه
- شكرا جدا ع البطاقة و الموبايل و اللبس و كل اللي جبته و عملته واللي هتعمله علشاني
بلع ما بداخل فمه و هو ينظر لها بعتاب أكمله في حديثه
- متقوليش كده، ده واجب عليا، لأني جوزك.

هزت رأسها و هي تبتسم له بإمتنان و بدأت بتناول طعامها.
في المنتصف تعالى رنين هاتف أويس لدا نهض ليتحدث، و حين انتهى عاد لجوانة و سأله بإكتراث
- لازم اروح الشغل، معندكيش معانا صح؟
- لا لا روح عادي
نهضت و هي تجيبه، و اضافت
- و انا هروح للمطعم، لحسن هتطرد، او ممكن أكون اتطردت
- لا مش هتروحي الشغل ده تاني، انا موجود و انتِ مش محتاجة...
قاطعته بإستنكار
- لا، انا محتاجة اكمل شغل
- انا موجود.

قالها و قد اتكأ على حروفه و أصبحت ملامحه جدية و لاحظت هي ذلك، لذا صمتت، بينما غادر هو دون إضافة كلمة.

قبل غروب الشمس بقليل، دخلت جوانة الشقة، فرعت حين رأته جالس على الأريكة و كان يبدو انه ينتظرها!، و ملامح وجهه تدل عن غضبه و انزعاجه، و قد تأكد ذلك حين اخرج كلماته بغضب يبدو انه يحاول كظمه
- قوليلي يا جوانة قولتلك إيه الصبح؟
- الحج راضي اتصل بيك؟
تجاهل قولها، جز على اسنانه و هو يطرح سؤال اخر
- ليه روحتي يا جوانة؟
- مروحتش عشان اشتغل، روحت عشان اسلم على الحج راضي بس، حتى اسأله.

- و ليه مقولتليش قبل ما تخرجي من البيت؟، و لا انا كيس جوافة؟
اشتعلت حدقتيه بنيران مع كلماته الأخيرة، تمتمت مبررة موقفها
- قولت انك في الشغل و مش عايزة اعطلك
اجفلت حين ضرب الحائط بعنف بقبضته ثم اقترب منها، شعرت بالخوف بعض الشيء من قربه، لكنه تنفس بقوة ثم قال بهدوء.

- عارف ان جوازنا ميعتبرش جواز و انك وافقتي عليا لسبب معين، بس ده ميعنيش انك تتصرفي براحتك و بتهور بدون ما ترجعيلي حتى، فلوسمحت احترمي النقطة دي، عشان انتِ مراتي
- آسفة
قالتها بصوت منخفض و هي تنظر للأرض بإحراج، فهو معه حق و هي قد ارتكبت خطأ.

دقت عقارب الساعة على العاشرة مساءً و معه قد كانت رزان تجلس مع جوانة و أويس، فقد أنهت عملها و احضرت العشاء و ذهبت لهما.
لاحظت رزان الصمت الذي كان يُلازِمهما، لذا سألت
- مالكم؟، ساكتين ليه و مش طبيعين، جيتي ضايقتكم؟
سارعت جوانة و أنكرت ذلك بصدق
- لا طبعا، ده كويس انك جيتي
- أومال؟
حانت من جوانة التفاتة ل أويس الذي لم يحرك ساكناً، ترددت كثيرا قبل ان تخبر رزان عما حدث، و قد قامت الأخيرة بعتابها.

- احنا عارفين ان ده جواز مصلحة، بس اللي انتِ عملتيه غلط ح...
قاطعتها جوانة بضيق
- و الله العظيم انا ما قصدي، و انا عارفة اني غلطت و اتأسفت و مش هكررها تاني
- اقفلوا الموضوع
صدح صوته الجهوري فجأة، لذا صمتا كلاهما و تابعا تناول طعامهما ثم غادرت رزان و قد قام أويس بإيصالها.

صباح اليوم التالي، داخل سيارة أويس الجديدة
- هشتغل في شركتك؟، ازاي؟
هتفت جوانة بذهول، أتتها إجابته بهدوء
- مش انتِ عايزة تشتغلي؟، هشغلك
صمتت تفكر بها لبرهه، و علقت
- بس انت عارف ان مش هدفي الشغل و المسؤولية، انا عايزة انتقم
- امال عملتي خناقة امبارح ليه؟
- مش خناقة، كنا بنتنااقش
صححت له، و كادت ان تتابع لكنه سبقها.

- انا عارف انا بعمل إيه، و حاطك في الشركة بتاعتي ليه، و عارف انك عايزة تنتقمي، بس ممكن تثقي فيا و بس!
أنهى حديثه و هو ينظر لها بدفىء، ابتسمت بهدوء و أخبرته بلطف
- بثق فيك، بس ممكن تفهمني ناوي على إيه؟
- هقولك بس بعدين، عشان مش عايزك تدخلي في اللي هعمله حالياً
تنهدت و هي تومأ برأسها، أضاف أويس قبل ان يسود الصمت.
- و في الشركة انتِ مش مراتي، محدش عارف و لا هيعرف انك مراتي.

داخل الشركة
انبهرت جوانة حين دخلت شركته الكبيرة، كم كانت بلهاء حين اعتقدت انه فقير و مفلس، كيف لم تلاحظ هيبته من قبل، و هي تراه يسير بين موظفيه الذين يقوموا بتحيته.
- خليكي هنا
امرها قبل ان يدخل مكتبه الخاص، و رجل خلفه، جلست هي جانباً و نظرات السكرتيرة تخترقها.
بعد نصف ساعة خرج الرجل و الذي عرف نفسه لها فور خروجه بجمود
- انا سيد، مديريك و اللي هيعرفك شغلك صح.

قامت بتحيته و هي تشعر بالقلق منه، لم تشعر بأن كلماته مرحبة بها، سمعتها على انها تهديد و وعيد!

و كأن بركان انفجر داخل فيلا احمد البيومي، حيث كان صوت احمد المرتفع الغاضب كالقنبلة التي هزت حيطان و كيان كل من داخل الفيلا.
- فين الملف؟، ده هيودينا في مصيبة لو وقع في أيد حد، ازاي اتااااخذ!، ازاااااي
و تابع تحطيم كل شيء يراه امامه، كان مخيف، مخيف كالثور الهائج، يصرخ و يضرب كل من يقف أمامه دون اكتراث بالعواقب، لذا ابتعد جميع الخدم، حتى زوجته ندى ابتعدت خوفاً منه.

- دورولي على الملف، شقوا الأرض، شقووووها و جيبولي ال اللي اتجرأ و دخل لحدودي و خدها.

خرجت جوانة من المكتب وقت الغداء و اتجهت لمكتب أويس، أتت ان تضع كفها على قبضة الباب لكن اوقفتها السكرتيرة بطريقة غير مهذبة
- رايحة فين يا انتِ؟، هو باب بيتكم؟
تمالكت جوانة أعصابها بصعوبة، التفتت و ابتسمت بطريقة مستفزة
- ايوة باب بيتنا، أستاذ أويس جوة و لا؟
- ثواني هقوله انك عايز...
قاطعتها جوانة بطريقة مستفزة
- مش لازم، انا هقوله لما ادخل
ثم دخلت متجاهلة الأخرى التي سقط فكها بذهول من حركتها.

- هو ده اللي اثق فيك واتكل عليك؟، انت بعقلك موديني ل أستاذ سيد، المجنون!، بقولك مش عايزة شغل و مسؤولية و انت عملت إيه؟!
قالت بإنفعال و حنق و هي تتقدم منه بخطوات واسعة، قابل عسليتيها المشتعلة و غضبها بهدوء اعصاب استفزها لتتابع
- و السكرتيرة اللي برة دي، و انت، كلكم مستفزيين انت جايبني هنا عشان دمي يتحرق من اول ساعة!
طلب منها بلطف
- طب ممكن تقعدي و توطي صوتك!
تنفست بعمق و هي تستجيب لطلبه، ابتسم و تابع.

- استحملي بس الأسبوع ده، و بعدها هنقلك
- أسبوع بحاله!
فتحت فمها بإنزعاج و عضت شفتيها، حدق بها صامتاً بسماء حدقتيه للحظات، ثم تمتم
- معلش، استحملي
لم تعلق، نهضت فقط و غادرت صافقة الباب بقوة.

اثناء تناول جوانة الطعام مع زملائها، تعرفت على جميعهم بشخصيتها المرحة و التي اشتاقت هي لها، فهي كانت اجتماعية جدا و ثرثارة لدرجة انها تتحدث اثناء تناولها الطعام أيضا.
- إيه رأيك بالمدير أويس؟، كويس معاكم و لا إيه؟
سألت جوانة بفضول انتابها فجأة، تريد ان تعرف كيف علاقاته مع موظفيه، اجاب احدهم
- مش بقاله كتير معانا، تقريبا سنة بس، و مش بنشوفه كتير اصلاً
- سنة بس!، هي دي مش شركته؟ مش هو اللي مأسسها!

- لا مش هو، هو استلمها من بعد ما عمه مات
اضافت أخرى
- هو في اول ما مسك الشغل كان بيجي بإنتظام و مهتم بالشركة، بس بعد فترة قليلة بقى يسيب معظم الشغل على أستاذ سيد، اللي انتِ بتدربي تحت ايده
غمغمت جوانة بدهشة، التفتت الأخيرة تتابع اويس الذي كان يتجه للخارج و يبدو انه كان متعجل بجانب ملامح وجهه القلقة، صدح صوت سيد من جانبها و الذي افزعها
- يلا كله يروح على شغله.

وصل اويس للمستشفى و ركض ليصل لغرفتها سريعاً، توقف لاهثاً أمام الطبيب و الذي قد خرج للتو من غرفة حبيبة، سأله و الخوف يملأ صوته
- مالها؟، حصلها إيه تاني؟
- الحالة اللي بتيجيلها كل فترة، متقلقش هديناها
كور قبضته بغضب، و سأل الطبيب بعنف
- و مفيش اي تحسن في حالتها ليه؟، دي خامس مستشفى انقلها ليها، و كل ما انقلها لمكان مش بلاقي اي تحسن، العيب من الدكاترة و لا إيه!

- انا و انت عارفين ان حالتها صعبة، و هي نفسها مش راضية تستقبل اي علاج معنوي، انا و غيري بنحاول نعالجها بس الطرق مش جايبة اي نتيجة، بس في دكتورة شاطرة جدا جاية للمستشفى بتاعتنا، هي كانت في امريكا
حاول الطبيب ان يُطمأن اوس بكلماته، زفر الأخير و تمتم برجاء
- هنشوف.

ثم دخل لغرفتها، امتلأت مقلتيه بالدموع لكنه مسحها سريعاً، حالتها تلك و التي مرت عليها اكثر من عامين تؤلمه بل تقتله في كل مرة يراها بها، هي ضعيفة جداً جداً، ملامحها أصبحت باهتة بل قاربت تصبح كالأموات، حتى جسدها يكاد ان يختفي.

جلس على الكرسي الموضوع بجانب سريرها و التقط كفها الناعم بين كفيه برفق شديد و كأنه خائف ان يكسرها، و بالطبع لن تخلو زيارته من تذكر ما حدث لها، تأنيب ضمير وشعور بالذنب و اشتعال صدره بنيران الغضب، مشاعر كثيرة متناقضة قاتلة يشعر بها الآن.

مساءً
مرت نصف ساعة تحاول فيها جوانة الوصول ل أويس لكنه لا يجيب على إتصالاتها، وضعت يدها جانبها بهاتفها و قد فقدت الأمل في استقبال اتصالاتها، نظرت للسيارات التي تتحدك أمامها، كيف ستعود للمنزل الان!، هو ليس موجود حتى لتعود معه، رفعت هاتفها مرة أخرى و اتصلت برزان و التي لم تستقبل اتصالها أيضا
- هو كلكم متفقين عليا النهاردة و لا إيه؟!

قالتها و هي تزفر بضيق، جلست على المقعد الخشبي و ظلت منتظرة اتصاله او قدومه.
مرت ساعة على انتظارها، كم تشعر بالبرودة في هذه اللحظة، نهضت و جالت بنظراتها حولها بتشتت، لكن جذب انتباهها سيارته التي تقف بعيداً، قفز قلبها بسعادة و إرتسمت على شفتيها ابتسامة واسعة و هي تهمس بإسمه
- اويس.

ركضت كالطفلة التي وجدت والدها، ركضت ناحية سيارته دون اكتراث للسيارات التي تمر أمامها، و نتيجة لذلك كادت ان تصطدم سيارة بها لكن لحسن حظها قد ضغط السائق على الفرامل في الوقت المناسب و لكنها سقطت أرضاً بصدمة، نزل السائق فأعتذرت منه و تركته لتسرع ل اويس و الذي رأته داخل السيارة، فتحت باب السيارة و جلست بجانبه و هي تقول بينما تلهث
- كنت فين كل ده!، حرام عليك استنيت...

تلاشت حروفها تدريجياً و هي تنظر له، بحدقتيه التي بدت لها باردة كالثلج و ملامح وجهه الجامدة، هناك هالة غريبة حوله أشعرتها بالريبة، و كأنه ليس هو، أزاح أويس نظراته عنها ببرود شديد و ادار المقود ليغادر، فنظرت جوانة للطريق من خلف الزجاج، هل رآها و هي تكاد ان تموت لهرولتها له! هو كان ينظر لها، و تجاهلها!
اوقف اويس السيارة أمام المنزل، ترجلت جوانة فوجدته غادر دون قول كلمة.

اليوم التالي
- يلا جاهزة؟
سألت رزان جوانة و هي تقف عند باب الشقة، أتاها صوت الأخيرة من الداخل
- جاية اهو
خرجا معاً و اتجها لمحطة الباصات، سألت جوانة رزان
- انتِ تعرفي اويس فين؟
- مش عارفة، هو بعتلي الصبح رسالة اني أوصلك للشغل، غير كده معرفش، هو حصل حاجة امبارح؟
- أبداً، هو خرج من الشركة كان باين عليه انه مستعجل، باين ان في حاجة حصلت
- متقلقيش عموماً، هنعرف لما نشوفه.

طمأنتها رزان، هزت جوانة رأسها و انصتت لشرح رزان للطريق.

- وحشتك يا سامح، صح؟
قالها احمد و هو يجلس امام سامح الذي يقف خلف القضبان، رمقه الأخير ببغض و أشاح بوجهه، ضحك احمد و أضاف بسخرية
- المكان ده لايق عليك اوي، اخيرا بقيت في المكان اللي يناسب أشكالك
- ده مكانك انت مش انا
قالها سامح و هو يجز على اسنانه بحدة، اقترب احمد و قد احتدت نظراته و برزت عروقه و هو يقول بصوت منخفض مخيف
- فين الملف يا سامح؟
- صباح الخير.

رفع سامح زاوية فمه بسخرية، جذب احمد الاخر بعنف من قميصه
- انت اللي خدته على كده
- انا مش ضعيف زي ما انت فاكر يا احمد
- احمد!، حاف كده
أزاح سامح يد احمد بخشونة و رتب ثيابه بشموخ اثناء مساومته
- عايز الملف، خرجني من هنا
- انت هتتعفن هنا
- و انت هتلحقني قريب على كده
قالها سامح و هو يهز كتفيه، استدار و جلس على الأرض بعيداً، ينظر ل احمد بتحدي.

عصر اليوم، لمحت جوانة اويس و هو يتجه لمكتبه، ارادات ان تلحق به لكن زمجرة سيد حين رأها و هي تنهض منعتها و اعادتها للجلوس مرة أخرى.
وقت الغداء، أعلن هاتفها عن وصول رسالة و التي كانت من أويس، و كان محتواها
هستناكي عند محطة الباصات في العربية، متتأخريش
التقطت حقيبتها و أسرعت لتذهب له، وجدته فعلاً ينتظرها، صعدت بجانبه وهي تلهث، لم تنظر له ظلت تحدق أمامها، ادار اويس المقود و هو يسألها.

- حابة نروح ناكل فين؟
- اي حتة
اجابته بإمتعاض، هز اويس رأسه و هو يخطف نظرة سريعة اتجاهها.
حين ترجلا و دخلت المطعم، حدقت جوانة به بحنق، من يراه و هو يبتسم مع النادل لا يراه امس و هو صامت و بارد، لِم هو متقلب هكذا؟، لم تعد تفهم.
- روحت فين امبارح بعد ما مشيت بدون و لا كلمة
سألته جوانة و هي تراقبه بحسم، تلقت اجابته العشوائية
- كنت عند صاحبي و بس
- انت كنت غريب امبارح.

لم تجد اي رد منه على قولها، مالت قليلاً و هي تحدق بصفاء عينيه
- انت كويس؟!
ابتسم لها و هو يضع إصبعه على جبينها و يبعدها بلطف
- كويس، متقلقيش
وضع النادل الطعام و بدأ كلاهما في تناوله.

دفع اويس الفاتورة و اتجه معها للخارج، لكن قبل ان تخط جوانة للخارج وجدها تتوقف و قد تغيرت ملامح وجهها و اهتزت عسليتيها بتوتر، امسك ذراعها و أدارها له فوجدها تختبئ في حضنه و تخفي وجهها، همست له بصوت مرتجف و هي تتعلق بقميصه اكثر
- احمد هنا، احمد جاي علينا.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة