قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية غيمة في سمائك للكاتبة مي علاء الفصل السابع

رواية غيمة في سمائك للكاتبة مي علاء الفصل السابع

رواية غيمة في سمائك للكاتبة مي علاء الفصل السابع

لمحت جوانة قبل خروجها من الباب احمد، خفق قلبها و اضطرب و هي تتأكد إذ كان هو، مرت بجسدها رعشة حين ايقنت انه هو، احمد في طريقه إلى المطعم الذي هي فيه، تضاربت الأفكار في رأسها بطريقة جنونية اعاقتها عن الحركة، لكن جذب اويس لها كان كالمنبه لحواسها و للخطر الذي يواجهها، لذا اختبأت فيه، و تمسكت به.
- احمد هنا، احمد جاي
نظر أويس للخارج و قد اظلمت حدقتيه، وضع ذراعه حول جوانة و همس بجانب أذنها.

- أمشي معايا، و متخافيش
هزت له رأسها و سارت و هي تختبئ داخل احضانه، مر أويس بجانب احمد الذي كان مقابل له و تخطاه، بينما توقف الأخير و هو ينظر للخلف حيث أويس، رفع حاجبه و هو يحدق بظهره ثم عاد و اكمل طريقه لداخل المطعم.
- اهدي خلاص هو مشي
طمأنها اويس و هو يبعدها برفق عنه، تنفست جوانة الصعداء و هي تنظر خلف الاخر، فتح لها باب السيارة فصعدت ثم اتخذ مكانه خلف المقود.

جفلت جوانة حين وجدت أويس يمسك بكفها و يربت عليه و هو يخبرها بدفئ
- حتى لو شافك مكنش يقدر يلمسك و انا جمبك
ابتسمت بإمتنان له و راحة، اغلقت على كفه الممسك بها بقوة، معبرة له عن ثقتها به.
بعد ان عادا للشركة و دخلت جوانة مكتبها، وصلت لها رسالة اثارت ريبتها
جوانة انا سامح، الملف بتاع احمد اللي اتدهولك، انا عايزه عشان اخرج من هنا، مستنيكي تجيبيه ليا.

مساءً
أسرعت جوانة بعد ان دخلت للشقة إلى غرفتها، لم تخبر أويس عن الرسالة التي وصلتها و لم تكن تنوي ان تفعل، لكن عدم ايجادها للملف في المكان الذي وضعته فيه صعقها، اين اختفى؟، اخذت تبحث في ارجاء الغرفة لعلها غيرت مكانه و قد نسيت لكن لا نفع، لم تجد شيء.
سقطت جالسة على الأريكة و الأفكار تعصف برأسها، كيف اختفى و متى؟، هل اضاعته حقاً!، إذا هل سُرِق؟ و إذ كان كذلك من سيك..

لم تكمل تفكير لظهور اسم احمد في المقدمة، لحظة، هل اكتشف امرها؟، هل هو من اخذه؟، هل يعلم انها حية؟، هزت رأسها بعنف طاردة تلك الأفكار، نهضت و قد اصبح جسدها يرتجف من تلك الأفكار، فهذا باكر جداً.
- مستحيييييل، مستحييييييل
اخذت تصرخ بهستيرية و هي تضرب رأسها بكفيها حين و تحطم ما تتناوله يدها في حين اخر، هرع اويس حين سمع صراخها، امسك رسغها بقوة آلمتها و جذبها بعنف و هو يهتف
- كفاية، بتعملي إيه.

أخذ ما بيدها و وضعه جانباً، و امسك بكتفيها مائلاً
- مالك، حصل إيه؟
- كان في ملف هنا، اختفى، اختفى
أخبرته و هي تلهث، عسليتيها مضطربتين و لامعتين بالدموع، اشفق أويس عليها، ربت على كتفها بحنان، بينما اضافت و هي تجول بنظراتها حولها بريبة
- احمد، احمد شكله عرف اني عايشة، اني هنا، هو اللي اخد الملف
- اهدي، اهدي
مسح وجهها بكفيه و جعلها تنظر له، حاول ان يبث لها الراحة و لو قليلاً.

- قولتلك مش هيقدر يعملك حاجة و انا معاكِ، و حتى لو هو اللي اخد الملف، خليه ياخذه، هو دلوقتي بيحاول يخوفك بس، و نجح
ابتسم و أضاف
- شوفي حالتك، ازاي عايزة تواجهيه و انتِ خايفة كده!
اشتعلت عسليتيها بغضب فجأة، أخبرته بشراسة
- مش خايفة منه، انا مش عايزة اتكشف دلوقتي، انا لسة متحركتش و ولا عملت اي حاجة اقدر فيها اني اواجهه
أعاد خصلة شعرها خلف اذنها و هو يقترب قليلاً
- طب براحة عليا هتاكليني.

لحق قوله بغمزة جعلت وجنتيها تتورد من الخجل.

أشرقت شمس يوم جديد
ذهبت جوانة لزيارة سامح، أخبرته عن امر الرسالة فأكد لها انه هو الذي ارسلها، و قص عليها حدث مجيء احمد و ما قاله، فزادت شكوكها بأمر ان احمد هو الذي أخذ الملف
- هو عرف اني عايشة بأي فرصة؟!
- تقريباً لا
- اصل الملف اختفى، مش لاقياه
- يعني إيه؟
هتف سامح بصدمة، قالتها بضياع
- انا مش عارفة راح فين، مش في مكانه، دورت عليه، اختفى اختفى، فمفيش حد هيكون ورا الموضوع ده غير احمد.

- طب ما يمكن يكون في طرف تاني في الموضوع!
ضاقت عيني جوانة بعد قول سامح، و فكرت، هل من الممكن ان يكون هناك شخص غير احمد!، و إن كان هناك فمن سيكون؟

- هنروح للمصنع قبل ما اروح للشركة، و انا قولت ل سيد انك هتتأخري النهاردة
التفت برأسه لها، كانت شاردة تنظر للخارج و كما يبدو انها لم تسمعه، لم يُرِد ان بقطع حبل تفكيرها لذلك تابع الطريق صامتاً.
اُنتُزِعت من شرودها بعد فترة من ذلك الصمت حين اندفعت للأمام اثر ازدياد سرعة السيارة، نظرت لأويس و هتفت بقلق
- في إيه؟، هدي السرعة شوية.

لم تتلقى منه اجابة، وجدته ينظر من المرآة للسيارة التي تلاحقهما، انقبض قلبها و قد أصبحت السرعة جنونية، عصفت في مخيلتها تلك الذكرى المخيفة، حين اصابها الحادث، شعرت و كأن ذلك المشهد يكرر ثانية الان، أمسكت بالكرسي بقوة و قد بدأت تشعر بالإختناق و الدوران، هناك ضباب يحجب رؤيتها و طنين في أذنها صااخب جداً، طبقت جفونها بقوة و هي تحاول ان تقاوم ذلك الجحيم الذي تغرق به.
- أويس، أويس، الحقني.

اخرجت كلماتها بصعوبة و هي تلتقط انفاسها بصعوبة، ثم تراخت قواها، لكنها شعرت بتوقف السيارة و هدوء الوضع، فتحت عينيها قليلاً، لمحت ابتسامة بغيضة شريرة أمامها، ارتابت، هل هذا أويس أم شخص آخر؟!

كانت تشعر بما يدور حولها لكن بتركيز ضئيل، ادركت ان هذا صوت رزان و التي على ما يبدو انها توبخ اويس و تعاتبه!، فتحت جفونها ببطئ و جالت بنظراتها حولها لتجد نفسها في غرفتها، اعتدلت و هي تمسك رأسها و الذي مازال يؤلمها، اتسعت مقلتيها حين تذكرت من كانوا يلاحقونها و انتفضت من فوق السرير لتفتح باي الغرفة بقوة و تخرج، لمجرد رؤيتها ل أوس هتفت
- حصل إيه؟، ملحقوناش!، قدرنا نهرب!
نظر لها اويس بإستغراب و قال.

- بتتكلمي على إيه؟
- العربية اللي لحقتنا، و انت كنت بتحاول تهرب، و انا كنت معاك بس أغمى عل...
قاطعها و هو يقترب منها ويضع يده على جبينها بحدق بها بقلق
- انتِ كويسة؟، احنا مخرجناش لسة من البيت
- ازاي!
قالتها بنبرة تائهة، و اضافت بخفوت
- انت قصدك انا كنت بحلم!
هزت رأسها بعنف و هي تنكر بعنف
- لا مكنش حلم صدقني، انا كنت حاسة بكل حاجة
تقدمت رزان و عانقتها بشفقة و تمتمت.

- اهدي يا جوانة اهدي، مفيش حد بيلحقك، انتِ في أمان هنا
اخذت جوانة تلهث و هي تشعر بالضياع، ضحكت بسخرية و لحقت ذلك بإستنكار
- حلم!

في فيلا احمد البيومي
كان يتناول احمد الطعام مع ندى و إبنته الصغيرة التي كانت تتحدث بلغتها الطفولية الغير مفهومة، كان احمد يُسايرها و يحدثها اما ندى كانت تضحك عليهما.
- كفاية بقى يا نونة كلام و كملي أكلك
قالتها ندى بحزم و هي تقرب الطبق من نونة، لكن الأخيرة رفضت و نهضت راكضة للخارج
- خلاص سيبيها يا ندى براحتها
اوقف احمد ندى بقوله من لحاق الأخيرة لطفلته، تنهدت ندى و قالت بتعب.

- البنت دي عنيدة و مشاغبة زي مين بس
- زي جوانة، للأسف
ابتسم احمد و هو يجيبها بنبرة حانية، حدقت به ندى و ابتسمت بحزن.

لم تذهب جوانة للشركة في هذا اليوم و ظلت بمفردها في الشقة حيث ذهب اوس للشركة اما رزان ذهبت للمستشفى لتتابع عملها.
ظلت جوانة جالسة في غرفتها، تفكر في أمرين و هما، هل حقيقي أنها كانت تحلم!، ألم يكن يلاحقهما احد!، نظرت لجسدها هل هناك اي خدش يؤكد ان ذلك حدث!، لم تجد، هل كان حلم حقاً!

انشغلت في حين اخر بكلام سامح، هل هناك طرف ثالث في الأمر!، و لماذا؟، هل هناك أعداء كُثر ل أحمد!، سخرت من سؤالها، بالطبع لديه أعداء كُثر يُريدون قتله و الانتقام منه بسبب افعاله الشنيعة، و هو يستحق.
غطت في نوم عميق اثناء تفكيرها بكل ذلك.

دخل رجل بوجهه ندبة قبيحة، جلس بجانب سامح الذي كان شارد، تحدث له بصوته الخشن
- كفاية عليك قعدة في السجن و لا إيه رأيك؟
نظر له سامح ببرود، و قال بسخرية
- جه الإفراج من البيه خلاص!، لا بدري
تجاهل الرجل سخرية الاخر و قال
- بكرة هتخرج.

مساءً
كانت تقف جوانة في الظلام تنظر لفيلا احمد البيومي عن بُعد، شعرت للحظة بالحنين إلى ذلك المكان الذي كبرت به و الذي يحمل كل ذكرياتها الأخيرة مع والدها، و كم اشتاقت الى الصغيرة نونة، كم كانت تحبها هي و ندى، ندى التي كانت بمثابة اختها.
حتى انها كانت تحب اخيها رغم كثرة الخلافات بينهما، كرهها لما يفعله لكن في النهاية هو اخيها و هي تحبه، لكن بعد ما تعرضت له بسببه و محاولة قتله لها، أصبحت تكرهه!

اظلمت حدقتيها حين رأته يترجل من السيارة قبل عبور البوابة، كان يتحدث على الهاتف، و ضحكاته تقتل سكون الليل و جماله، و تشعل بداخلها نيران الغضب و البغض!، التقطت يدها حِجارة و صوبتها نحوه، لم تصبه لكنها جذبت انتباهه، استدار احمد لينظر خلفه، أشار للحراس ان يذهبا و يرا ما يحدث فتحركا اتجاهها.

قبل ان تستدير حتى وجدت يد تُضع على فمها وتسحبها بعيداً، عضت يده لإعتقادها انه احد رجال احمد، أدارها و كمم فمها بكفه و هو يقربها منه و يهمس لها
- انا اويس
رفعت عسليتيها التي لمعت مع ضوء القمر لتجذب انتباهه للحظات، أبعدت يده و همست هي الأخرى
- بتعمل إيه هنا!
- ده وقته؟

اختبئ بها في اول زقاق قابله، كان ضيق جدا لذا كانت المسافة ضئيلة بينهما لدرجة شعورها بأنفاسه الدافئة ضد بشرتها، بجانب رائحة عطره التي تخترق انفها، بلعت لعابها و همست
- خلاص و لا لسة بيدوروا؟
لم تتلقى اجابته سريعاً، ظل دقائق هادئاً ثم قال لها
- يلا بسرعة
امسك بكفها و ركض بها حيث سيارته.
و اثناء طريقهما للعودة كانت جوانة تطرح الاسئلة دون توقف، حتى انه لم يكن له مجال في ان يُجيب، هتف بنفاذ صبر.

- طب ممكن توقفي ماسورة الاسئلة دي و تسمعي إجابتي؟
وضعت كفيها فوق بعضهما بطريقة درامية، قالت و هي تُسلط نظراتها عليه
- قفلت الماسورة، اتفضل
- و انا راجع من الشغل شوفتك عند محطة الباصات، فقلقت يعني انتي رايحة فين في الوقت ده و لوحدك!، فلحقتك، و الحمدالله اني عملت كده
غمغمت و عادت لتعتدل و تنظر أمامها، تنفست بعمق و هي تفكر في هذه اللحظة، هل هي ممتنة لما فعله أم لوجوده!

تعدت الساعة منتصف الليل
فتحت جوانة جفونها على صوت حركة غريبة في الخارج، أبعدت الغطاء لتنهض و تلامس قدميها الأرض الباردة، خطت خطواتها ببطئ و حذر لخارج غرفتها، فتحت الباب قليلاً و نظرت للخارج، الظلام دامس و قد التقطت اذنيها صوت خطوات احدهم من أمامها و من خلفها، خلفهااا!

انقبض قلبها و تملكها الخوف لشعورها بذلك، بلعت لعابها و قد تسارعت انفاسها و هي تستدير لتنظر خلفها بجسد مرتعش، لم ترى احد، مدت يدها للحائط باحثة عن مقفل الضوء، شعرت بيد تتلمسها اثناء بحثها، حين ادركت ذلك صدقاً، سقط قلبها بين قدميها، صرخت بزعر و هي تفتح الباب و تهرب، لكنها لم تلبث ان تخطو خطوتين حتى اصطدمت بجسد اسقطته معها أرضاً على ما تعتقد!
- آآآه.

سمعت تأوهات أسفلها تخبطط بأذنها مباشرةً، ادركت انها فوقه مع شعورها بتنفسه و حرارة انفاسه على وجهها!
- اويس!
قالتها بخفوت، عرفته من رائحته، اغلقت عينيها بقوة حين سلط ضوء الكشاف على عينيها، اكد لها بصوته المتألم
- للأسف انا
ابعدت الضوء عن عينيها و تذكرت ما حدث منذ دقائق، هتفت بخوف مع رعشة واضحة في صوتها و جسدها
- في حد في الأوضة عندي، في أيد، في حد كان ورايا
- طب قومي من عليا و بعدها نشوف الموضوع ده!

طلب منها و هو يجز على اسنانه بألم، لكنه لم يجد منها اي رد، شعر بدموعها التي وصلت لوجهه، تنهد، لافائدة، احاط خصرها بذراعه و نهض بها، شعر بتمسكها الضعيف بقميصه فظهر شبح ابتسامة على وجهه.
- النور قطع بعد ما دخلتي تنامي، فأكيد انتِ اتخضيتي لما صحيتي و لاقيتي الدنيا ضلمة
- انا بخاف من الضلمة
- طب اقعدي عقبال ما...

لم تسمح له بأن يكمل قوله او ان يبتعد بل تمسكت به حيث حاوطت عنقه بذراعيها بقوة و هي تهز رأسها و ترفض بطريقة طفولية احبها
- لا لا مش هقعد، انا معاك و مش هسيبك، انا خايفة، و انت مش هتبعد
- مش هبعد بس كده هتخنق
- اتخنق
سمعت صوت ضحكته بعد قولها السخيف، خففت من قوة تعلقها به قليلاً و قد احمر وجهها، سألته بخفوت
- النور هيرجع امتى؟
- بكرة
- ليه كل ده؟
قالتها بإنزعاج، ثم هتفت فجأة في اذنه.

- كان في حد في الاوضة عندي..
- ما كنت هروح اشوف بس انتِ مش عايزة تسيبيني
- اة مش هسيبك، و هروح معاك، متروحش لوحدك بردوا عشان لو ضربك اعرف أساعدك
سخر منها
- هتساعديني و انتي ماسكة فيا بالطريقة دي؟
تركت عنقه و اختبأت خلفه ممسكة بذراعه بقوة بل كانت معانقة لها، همست
- يلا ندخل و نشوف
رفع زاوية فمه بسخرية و لم يعلق، اتجه للغرفة و دخلها، أنار الغرفة بضوء الكشاف و مر عليها، كل شيء كما هو ولا اثر لأي دخيل.

- باين عليكي انك كنتِ بتتخيلي
- مستحيل
- طب انتِ شايفة اي اثر لحد؟
- لا
تمتمت بإحباط، هز كتفه و قال
- انا هروح اكمل نوم
- تكمل نوم!، و هتسبني لوحدي!
- ورايا شغل بكرة
استدار و غادر الغرفة و اتجه لغرفته و هي مازالت ممسكة به و تسير خلفه، حرر ذراعه منها و اجلسها على الكرسي الموضوع امام سريره و وضع بين كفيها الكشاف، قال بصوت ناعس
- ممكن تقعدي هنا و اهو معاكي الكشاف، و انا هنام.

و تركها ليتخذ مكانه على السرير و ينام، نهضت و حركت الكرسي لتضعه بجوار السرير و تمسك يده، تنفس بعمق و تمتم و هو مازال مغلق عينيه
- مفيش فايدة.

تسللت أشعة الشمس لغرفته و تسلطت عليه لتوقظه، فرك عينيه بيده و نظر بجانبه حين شعر بثقل رأسها على يده، ابتسم تلقائياً و هو يراها نائمة هكذا، كم تبدو جميلة!، اعتدل بنصف جسده ليتأمل ملامحها عن قرب، مد يده و وضع خصلتها البنية خلف اذنها برفق و تابع تأمله.

رموشها الطويلة و حاجبيها، انفها الحاد و شفتيها الصغيرتين بجانب وجنتيها المُمتلئتين، حفظ كل تفصيلة بها، حتى تلك الشامة أسفل شفتيها و التي لم يلاحظها قبلاً، لا يوجد اي تشابه بينها و بين اخيها، حتى تصرفاتها و مبادئها عكسه تماماً.
نهر نفسه لانه فكر للحظة بتلك الطريقة، لا حاجة للتفريق بينهما، هي اخته، و هذا ما يهم فقط.
سحب يده من أسفل رأسها و غادر الغرفة صافقاً الباب جعلها تستيقظ فزعة.

رفع سامح ذراعيه في الهواء و هو يلتقط انفاسه بقوة و سعادة، كم اشتاق لحريته، التفت لصوت زمير السيارة و اتجه نحوها ليصعدها
- ها يا سي جاسر، افرجتوا عني بدري ليه ما كنتوا تسبوني شوية كمان
كان سامح يتحدث بنبرة ساخرة، غضب جاسر فقال و هو يجز على اسنانه
- مش ناقصة سخافتك، خد ده، و هتوصله ل احمد، و انت عارف هتعمل إيه و هتقوله إيه كويس
زفر سامح و هو يأخذ ذلك الظرف، سأل بضجر
- اخرة ده كله إيه؟

- ربنا وحده اللي عالم
حرك جاسر المقود و هو يجيب بقلق خفي.

قبل ان يغادر اويس كانت رزان قد أتت، ألقى التحية عليها ببرود و غادر، بينما جلست رزان مع جوانة و ظلت تتحدث الأخيرة عما حدث معها ليلة امس، اخذت الأخرى تضحك و شاركتها جوانة ذلك.
احضرت جوانة الشاي و قدمته، لاحظت شرود رزان، فسألتها و حثتها على ان تخبرها بما يُشغِل بالها، فأخبرتها الأخيرة
- اويس قالي مقولكيش، بس انا هقولك و ربنا يستر.

قلقت جوانة، ما الذي لا يريدها ان تعرفه!، نفذ صبرها حين أطالت رزان في صمتها، فصرخت بحدة
- ما تقولي يا رزان، في إيه؟
- اويس هيبعتني للفيلا بتاعت اخوكِ عشان أساعدك في انه يوصل لأي حاجة تساعدك في انتقامك
لانت ملامح جوانة و تلألأت حدقتيها بتأثر لمحاولة مساعدته لها، تابعت رزان و قد تراقص الخبث داخل حدقتيها
- إيه رأيك تروحي بدالي؟، انتِ هتساعديه احسن مني لانك عارفة كل شِبر في بيتك.

لم تفكر جوانة بالأمر و أجابت بتلقائية
- موافقة، امتى المفروض اروح؟
- دلوقتي، قومي البسي، احنا مظبطين كل حاجة
نهضت جوانة سريعاً لتبديل ملابسها، ثم ذهبت مع رزان.

دخلت جوانة الفيلا و قد تنكرت بثوب الخادمات و وضع بعض اللمسات على وجهها و التي تغير ملامحها قليلاً بجانب اخفاء شعرها بأكمله اسفل القبعة عدا غرة تخفي احد عيناها.
اخفضت رأسها حين توقفت امام ندى و التي رحبت بها بإبتسامتها البشوشة كعادتها
- أهلا بيكي، اتمنى تبقى مبسوطة في الشغل عندنا، هو متعب حبتين بس ربنا يعينكم.

هذا هو طبع ندى الطيب، بلسانها المعسول و شخصيتها البسيطة و المحبوبة، كم ارادت جوانة ان تركض لها وتعانقها، كم اشتاقت لها.
- شكرا لحضرتك
قالتها بصوت حاولت جعله غليظ مختلف، ثم تبعت رئيسة الخدم التي أدخلتها الفيلا و التي لم تتعرف عليها رغم انها كانت تعمل في هذه الفيلا منذ زمن، منذ ثلاث سنوات تقريباً، فهل لم تتعرف عليها حقاً!
- عليكِ تنضيف الدور التاني، اتفضلي.

قالتها رئيسة الخدم و غادرت، التقطت جوانة أدوات التنظيف و اتجهت للأعلى.
صعدت درجات السلم و دقات قلبها تتسارع، كم اشتاقت لمنزلها!، توقفت للحظات تنظر لأعلى السلم، تذكرت آخر مرة كانت تقف فيها على هذه الدرجات، تذكرت صراعها الداخلي في تنفيذ ما توعدت له، اخفضت رأسها و هي تتابع صعودها، نظرت لغرفتها بحنين، تقدمت بخطوات مترردة و أتت ان تدخلها لكن خادمة أخرى نبهتها
- الاوضة دي ممنوع حد يدخلها
- ليه؟

- هي دي التعليمات
ثم غادرت، كسى وجهها الحزن و تراجعت، بكن فجأة دب بداخلها سعادة غامرة و هي تسمع صوت ضحكات طفلة، ادركت سريعاً انها نونة، تقدمت بلهفة للغرفة المقابلة لخاصتها، و دخلت، توقفت نونة عن الضحك و نظرت لها بعينيها البريئتين، قالت بصوتها الطفولي الناعم
- تعالي العبي معايا
مضت جوانة لها و جثت على ركبتيها بجانب الصغيرة بمقلتين ممتلئتين بالدموع، قالت بتأثر
- كبرتي يا نونة و بقيتي حلوة.

ثم عانقتها بلهفة و اشتياق بلغ اشُده، عانقتها بقوة جعلت نونة تختنق، هتفت الصغيرة بإنزعاج
- بتعملي إيه، ابعدي عايزة العب
مسحت جوانة دموعها التي انهمرت و ابتعدت و هي تعتذر لكن الابتسامة تملأ وجهها
- آسفة، يلا نلعب
قضت معها ربع ساعة تتأملها بها، محاولة ان تشبع منها، انتفضت واقفة حين سمعت صوت احمد الغاضب من خلفها
- بتعملي إيه هنا؟، بتلعبي مع طفلة يدلنا تشوفي شغلك!

كان يوبخها، لم تستطع ان ترفع رأسها فهكذا سيكشف هويتها، اعتذرت بخفوت و غادرت سريعاً، بل فرت هاربة، تنفست الصعداء حين أصبحت بعيدة عنه.

بدأ الليل يسدل ستائره، تابعت جوانة احمد و هو يغادر الفيلا فأسرعت لتدخل مكتبه خُلسة، داهمتها ذكريات كثيرة عندما خطت لهذا المكتب، فمن هُنا قد بدأت الأمور بالإنعكاس، هُنا اكتشفت ما يفعله اخيها من أمور كريهه، كانت صدمة كبيرة لها، تذكُر محاولاتها الكثيرة في إصلاحه لكن كل مُحاولاتها انتهت بالفشل، لذا قررت منذ ذلك الحين ان تقف ضده و تسحب كل ما هو ملكها و ما يخصها من اسفل يده لعله يُراجع نفسه لكنه لم يكترث، لذا فعلت ما هو اخر شيء قد تفعله لصالحه، او هذا ما تراه لصالحه، لكنه غدر بها و حاول قتلها.

هزت رأسها يعنف و قامت بتحفيز نفسها، اخذت تبحث بين تلك الأوراق الموضوعة فوق مكتبه ثم تلك الأدراج و لكنها لم تجد شيء جميعها أوراق غير مفيدة لها، وصلت للخزنة و وضعت اكثر من كلمة مرور و كلها كانت غير صحيحة و لكن في النهاية نجحت، لم تجد الكثير في الخزنة، وجدت نقود و علبة صغيرة و التي كان بداخلها قرص إلكتروني، اخذت الشيء الأخير، و أتت ان تغلق الخزنة انتبهت لذلك الملف الموضوع اسفل النقود، أخرجته و قبل ان تفتحه وصل لأذنها صوت ندى و نونة و التي يبدو انها قادمان لهنا، تعجلت و توترت، اعادت الملف و اغلقت الخزنة و اختبأت، و ادركت غباء فعلتها حين نظرت لما بحوذتها و الذي كان القرض الإلكتروني فقط، لعنت غباءئها.

حين وصلت رسالة لأحمد من سامح الذي طلب مقابلته، ما كان ليذهب احمد لكن حالما وصلت له فيديو قصير ل جوانة، انتفض قلبه، و اتصل بسامح ليتقابلا.
- ازاي جبت الفيديو ده؟
ترجل احمد و هو يصرخ بذلك القول، مد سامح يده بالظرف و قال ببرود
- أختك عايشة.

حملق احمد و اسكتته تلك الحقيقة الصادمة له، مازال يحاول استيعاب ما قاله سامح، حرك نظراته للظرف و التقطه بعنف ليمزق خارجه كالمجنون و يصل لما بداخله، كان يحمل صور متعددة لجوانة مع تاريخ التقاطها.
- جوانة عايشة..
سقطت الصور من يده لتتناثر على الأرض، تسارعت انفاسه و ذكرى اخر مواجهه بينهما تمر امام عينيه.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة