قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية غيمة في سمائك للكاتبة مي علاء الفصل الثامن

رواية غيمة في سمائك للكاتبة مي علاء الفصل الثامن

رواية غيمة في سمائك للكاتبة مي علاء الفصل الثامن

- جوانة عايشة، ظهرت من شهرين كده وجتلي عشان أساعدها في انها تنتقم منك و انا ساعدتها، الملف بتاع مصايبك معاها، هي هتقضي عليك
سقطت الصور من يده لتتناثر على الأرض، تسارعت انفاسه و ذكرى اخر مواجهه بينهما تمر امام عينيه.
- ازاي، ازاي و العربية انفجرت؟، قالولي انها ماتت!، طب هي عايشة امال الجسم اللي في قبرها جسم مين؟

حدث احمد نفسه بصوت مسموع لاهث، بريبة يسرد أفكاره و بحيرة، حين لمح ابتسامة سامح الخبيثة جذبه من قميصه و هتف بفحيح غضب يكاد يحرق بشرت الاخر
- مين وراك ها؟، انتوا بتلعبوا بيا و انا عارف، و رحمة ابويا لقتلك انت و اللي ور...

انقطعت حروفه من اواصلها حين دخل لمسامعه صوت جوانة و الذي ادرك ان سامح قد قام بتشغيل تسجيل مكالمته الأولى معها، نظر للهاتف ثم لسامح، تراجع للخلف و قد اهتز كل إنش بداخله، تعثر فسقط أرضاً دون مقاومة، تقدم سامح و انحنى ليهمس بسخرية
- خايف منها و لا إيه؟
امسك احمد رقبة سامح بغتة و سأله بخشونة
- هي فين؟
- دور عليها حوليك، هتلاقيها
و أزاح يده بعنف و غادر، اخرج احمد هاتفه واتصل بأشرف ليأمره بإنفعال.

- دورلي على جوانة، طلعها من تحت الأرض.

دخل اويس شقته و هو يشعر بالإرهاق الجسدي و التعب النفسي، فهذا حاله دائماً حين يذهب لزيارة حبيبة، بعد دقائق من جلوسه و أخذ انفاسه، تعالى رنين هاتفه ليجيب على رزان بسؤاله
- ها عملتي إيه؟، لقيتي حاجة؟
- هي جوانة عندك ولا لسة مرجعتش
سألته رزان بتردد، عقد حاجبيه مُتسائلاً
- هي خرجت اصلا؟
- خمس دقايق و أبقى عندك.

قالتها متهربة، اغلق اويس الخط و اتجه لغرفتها ليفتح بابها و يبحث عنها بنظراته، فلم تكن موجودة، اين ذهبت مرة أخرى دون إخباره؟!
لم يمر الكثير حتى كانت رزان أمامه، تابع سماع حديثها بعين ضيقة، قاطعها بضجر
- جيبي المفيد يا رزان، يعني انتِ مروحتيش عشان الحجة تعبانة، ماشي
أضاف و هو يخفض كتفيه و يسألها بفضول
- بس بتقولي انك بعتي حد مكانك، مين؟
- ج، جوانة.

اخرجت الاسم بتقطع و هي تراقب تجهم وجهه و احمرار سماء عينيه لتصبح مظلمة، مرت ثوان من الصمت و الهدوء الذي يسمونه ما يسبق العاصفة، شق ذلك الصمت بخشونة صوته الخافت
- بتقولي مين!، انا سمعت صح؟
- انا عرضت عليها و هي وا...
جفلت حين فز واقفاً بعنف، تسمع صوت تنفسه الخشن و هو يقذفها بنيران حدقتيه قبل ان يصرخ بها فاقداً السيطرة على غضبه.

- انتِ ازاي تعرضي عليها اصلاً، ازاي توديها هناك و انتِ عارفة انه خطر عليها، ده مش الوقت المناسب عشان تكشف حقيقة وجودها، انتِ ازاي
لم يكمل و ركل الطاولة الصغيرة بقدمه بغضب جامح، مرر أنامله من بين خصلات شعره بعنف، ماذا سيفعل الان اذ اصابها شيء!
كانت رزان تتابع تصرفاته بخوف قليل و حنق يملأها، خرج ما بداخلها دون إرادة منها بإنفعال.

- انت خايف عليها اوي كده ليه!، ما تخلي اخوها يكشف حقيقة انها عايشة، انت ليه دخلتها في خطتنا من الاول، آآآه
صرخت في النهاية حين شعرت بألم يعتصر فكها، فقد قبض اويس عليه بقوة تكاد تكسره، واجهت رزان ملامحه الغاصبة عن قرب و هو يجز على اسنانه ليخرج حروفه بصرامة حادة
- اياكي و اياااكي تدخلي في اي حاجة في الموضوع ده، انا عارف بعمل إيه كويس و مش انتِ اللي هتحاسبيني.

دفعها بقسوة و هو يبتعد و لكن حالما تركها عاد من جديد بوعيد
- لو مرجعتش سليمة خلال ساعة، يبقى مشوفش وشك تاني
ثم غادر الشقة صافقاً الباب.

في فيلا احمد البيومي
اخرجت ندى المفتاح و وضعته داخل القفل لكنها وجدت ان الباب مفتوح، هل تركه احمد هكذا!، لقد رأته و هو يخرج و كان يبدو انه في عجلة من أمره لذا اعتقدت انه قد نسى إقفاله، دخلت المكتب و سبقتها نونة للداخل، قالت ندى بعتاب لصغيرتها
- انتِ ازاي دخلتِ مكتبه بدون ما يشوفك يا نونة، ازاي تيجي و تلعبي هنا و لااا، تنسي لعبتك كمان.

ضحكت نونة ببراءة حين وجدت دميتها في المكان الذي تركتها به، ركضت ل ندى حين قالت بإنفعال درامي
- يلا يا نونة يلا ل بابا يشوفنا و ياكلك و ياكلني
ثم اصطحبتها للخارج و أقفلت الباب بالمفتاح، فبعد ذلك اليوم الذي اكتشف فيه احمد ان هناك شيء سُرق من مكتبه اصبح يغلقه، و لا احد يستطيع ان يدخله الا هو او هي، فقد اعطاها نسخة أخرى من المفتاح.

تنفست جوانة الصعداء حين غادرا، خرجت من خلف السيتار و هي تنظر لأثرهما بآسى، كم تتمنى ان تقضي معهما بعض الوقت.
ايقظها عقلها و نبهها لتخرج من المكتب قبل عودة احمد، تحركت بخطوات سريعة ثم تحولت للحذر و هي تقترب من الباب و تقف خلفه، حركت قبضته ببطء لكنه لم يفتح، حاولت مرة أخرى بيأس، لقد اغلقوه بالمفتاح، تباً لحظها.

حامت بنظراتها حولها لتستقر عند النافذة، أسرعت وفتحتها لترى المسافة بينهما، خفق قلبها بخوف حين رأت المسافة الكبيرة بين الأرض و هذا العلو، اخرجت هاتفها لتستنجد برزان، وجدت ما يقارب عشرة اتصالات فائتة من قِبل اويس، لم تكترث و ضغطت بتوتر لتتصل برزان
- رزان الحقيني، انا في مكتب احمد و الباب مقفول، ازاي هخرج من هنا؟، ساعديني.

لم تجد اي رد، و قد تم إنهاء المكالمة، أبعدت الهاتف عن اذنها و وجدت انها قد اتصلت ب أويس و ليس رزان، زاد توترها، كيف اتصلت به دون علمها؟، كم هي بلهاء، هل سمع ما قالته؟، الان هو يعلم!
وضعت يدها على فمها تكتم شهقتها، ماذا سيفعل بها و برزان؟!، بالتأكيد سيوبخهما، هزت رأسها بعنف وهي تحدث نفسها
- خرجي نفسك من المصيبة دي و بعدها نشوف المصيبة التانية
نظرت للأسفل و ضربت رأسها باستياء
- هخرج ازاي دلوقتي!

اغلقت النافذة و هي تحاول ان تفكر بطريقة أخرى للخروج.
لم تمر دقائق حتى قطع تفكيرها صوت طرقات خفيفة على زجاج النافذة من خلفها، استدارت و تراجعت للخلف بحذر حين رأت ذلك الشخص المُلثم و الذي يرتدي قبعة تحجب رؤية عينيه، تابعت إشارته لها بأن تفتح النافذة لكنها هزت رأسها رافضة، لمحت تلك الأداة الحادة التي يخرجها من جيبه فتملكها الخوف، هل هو سارق؟، هل سيقتلها ليأخذ ما يريد!

تراجعت للخلف بعينين متسعتين الى مصراعيهما و الخوف يسكنها و هي تراه يدخل لها و قد فتح تلك النافذة، حركت شفتيها المرتجفة كحروفها
- عارفة انك حرامي، و براحتك اسرق اللي تسرقه مش همنعك، بس سيبني أمشي
تسارعت خطواته لها فأسدلت حروفها بعجلة و هي تقسم
- و الله ما هقول لحد و...
وضع كفه على فمها بقوة و همس بجانب اذنها بصوت خشن
- يلا عشان أخرجك من هنا.

ابعد كفه ببطء و هو مازال قريب منها، سألته بخفوت و هي تحبس انفاسها
- انت مين؟
سحبها من ذراعها للنافذة، نظرت لظهره بفضول، توقفت جوانة بتوتر حين سمعت صوت من الخارج، توقف اثر توقفها لكنه لم يلتفت لها، سمعها تقول
- في حد جي
امسكت جوانة بذراعه لتجد نفسها أمامه بحركة سريعة منه، ضغط على خصرها بأصابعه و هو يقفز بها للهاوية ممسكاً بحبل كان قد ربطه سابقاً.

تمسكت بعنقه بقوة و هي تطبق جفونها، في نفس الوقت حاولت تمالك صرختها حين قفز بها بغتة.
سمع ضحكاتها و هي مازالت تحاوطه بذراعها، امسك بذراعها و ابعدها عنه و هو يقول
- شكلك مجنونة
و استدار و تركها، أتت ان تلحق به لكن نداء احدهم لاسمها جعلها تنظر خلفها و كانت رزان التي اشارت لها بأن تسرع.

في شقة اويس
فور دخول جوانة للشقة وجدت اويس ينهض ليتقدم منها بخطوات واسعة، برغم تلك المسافة شعرت بهالة غضبه التي تحيطه، اعتقدت انه سيصرخ عليها و سيوبخها بقسوة لكن الواقع كان صادماً لها، حينما شعرت بذراعه القوية تحيط جسدها الضئيل أمامه، حرارة جسده و ضربات قلبه، كذلك رائحته التي تُفضلها!، هناك مشاعر كثيرة وجديدة بدأت تظهر بداخلها، مشاعر لم يعرف قلبها طريقاً اليهم ابداً.

رفعت يدها و ربتت على ظهره و هي تعتذر
- آسفة
ابتعد عنها لكنه امسك بكتفيها ببعض من القوة، و اصبح يوبخها، تدخلت رزان بقولها
- أهي رجعت يا اويس بالسلامة، فخف عليها شوية
- انتِ حسابك معايا بعدين
نظر لها بجدية و هو يوجه لها تلك الكلمات الحادة، ترك جوانة و ابتعد، ثم غادر الشقة.

بعد فترة وجيزة، عاد اويس و قد هدأت ملامحه، دعته جوانة ليجلس معها و قد اصرت، فخضع لها، سأل حين جلس
- رزان مشيت؟
- بعد ما انت مشيت علطول
غمغم و هو يهز رأسه و ساد الصمت لدقائق، تحدثت جوانة و هي تنظر للفراغ بشرود
- تعرف النهاردة احلى يوم عيشته بعد الحادثة، كنت مبسوطة اوي لأني شفت ندى، و نونة، نونة خلاص كبرت و بقت تتكلم، طالعة زيي عنيدة و مش بتخاف من ابوها و بتدخل تلعب في مكتبه بدون ما يحس.

ارتسمت ابتسامة صغيرة تظهر حنينها، نقلت نظراتها لوجهه و تابعت بشيء من الحماس
- تعرف اني كنت هتقفش من ندى و نونة!، بس الحمدالله مشيوا بدون ما يلمحوني، بس شخص جه و ساعدني، جه منين معرفش، افتكرته حرامي بس لقيته بيقولي انه بيساعدني و فجأة لقيت نفسي بطير برة و بقيت تحت، كنت حاسة اني مع سبايدرمان
صاحبتها ضحكة مستمتعة مع نهاية قولها، بينما كان هو يتابع حركاتها و ضحكاتها بتشفي، و نيران تشتعل بداخله!

هدأت ضحكاتها، التقطت انفاسها و هي تعود بظهرها للخلف، سمعت صوته العميق يخبرها
- انا داخل انام
- ليه!، خلينا قاعدين شوية؟
- مش قادر
ثم اختفى خلف باب غرفته، زفرت بإنزعاج و نهضت هي الأخرى لغرفتها.

اليوم التالي
استيقظت جوانة اثر نداء اويس عليها، اعتدلت قليلاً لتستند بجسدها على ذراعها، هتفت بصوت ناعس
- نعم نعم
وجدته يفتح الباب بإندفاع، بلعت لعابها و هي تتدثر اكثر بالغطاء و تمتمت
- في إيه!
- بقالي ساعة بخبط عليكي، لحظة و كنت هفتكرك مُتِ
رمقته بإستخفاف، بينما أضاف
- يلا قومي بسرعة عشان نفطر و نروح الشغل
- نسيت موضوع الشغل و الله
قالتها بخفوت و هي تنهض لتتخطاه.
اثناء تناولهما للإفطار، سألها اويس.

- لقيتي حاجة امبارح و لا لا؟
توقفت عن مضغ الطعام الموجود داخل فمها لوهلة، لم ترفع عينيها لتنظر له، كذبت و هي تُجيب
- لا، للأسف
لا تعلم جوانة لِمَ كذبت، لِمَ لم تخبره الحقيقة؟، فقط نطقت بالكذب و لا تعرف السبب، هز اويس رأسه و عاد الصمت من جديد.

دخل احمد الفيلا و كان وجهه شاحب جدا و ملابسه بحالة مُذرية، استقبلته ندى بشهقة، فهو لم يعد منذ ليلة امس و لم يكن يُجيب على اتصالاتها، و فوق كل ذلك يعود و هو بهذه الفوضى!
- مالك يا احمد؟، في حاجة حصلت معاك!
لم يجيبها، كان يتحرك ليصعد السلالم بإهمال ثم ينحرف يميناً ليصل لغرفة النوم، و كانت ندى تتبعه
- يا احمد كلمني، رد عليا، في إيه مالك!؟

اخذت تستفسر بجزع و قلق عليه، جلس على السرير ثم ألقى بجسده عليه فانحنت هي قليلاً لتسمع ما يقوله بملامح باهتة
- جوانة عايشة.

في طريقهما للشركة، جفلت جوانة حين شعرت بيد اويس التي تمسك بيدها، نظرت له بعلامات استفهام فلم يمنحها الا ابتسامة جذابة خفق قلبها لها!
سحبت يدها باستحياء لتترجل من السيارة و تسبقه لداخل الشركة.
القت جوانة التحية لسيد حين دخلت المكتب، لم يجيبها فكان مكباً رأسه على الأوراق التي امامه، جلست بهدوء و لم ترد ان تقاطعه خشيةً من غضبه، لذا ظلت منتظرة ملاحظته لوجودها لأكثر من نصف ساعة.

- متتحركيش من هنا، في شغل لفوق الراس و هتساعديني فيه
قالها سيد اثناء نهوضه بتعجل و مغادرة المكتب، تابعته بنظراتها و هو يتجه لمكتب اويس حتى اختفى.
أسرعت و اخرجت القرص الإلكتروني من حقيبتها لتضعه في حاسوب سيد و تقوم بتشغيله، وضعت السماعات في اذنها و انتظرت ظهور محتواه على الشاشة، قامت بتشغيل الفيديو الذي يحمله القرص و ياليتها لم تفعل.

وضعت يدها على فمها تكتم شهقتها، امتلأت مقلتيها بالدموع و دقات قلبها تسارعت و ارتعشت يدها و هي تسمع صريخ تلك الفتاة و حولها رجال، انهم يحاولون اغتصابها!، اتسعت مقلتيها و سقطت دموعها حين ظهر اخيها احمد و هو يتقدم منهم و يقف عن مقربة، صوته الذي سمعته و هو يقول
- مترحموهااش.

صوته كان بالنسبة لها كصوت مُنفِر كريهه، للحظة حاولت إقناع نفسها انه ليس هو، ليس احمد، انه ليس سيء لتلك الدرجة!، دفعت السماعات عن اذنها بنفور و عدم تحمل لسماع صريخ الفتاة و تلك الضجة، بحثت بيد مرتجلة عن زر اغلاق هذا الشيء اللعين و أغلقته، نهضت عن الكرسي و اعادت القرص الإلكتروني لحقيبتها و هي تلتقط انفاسها بصعوبة، و ملامحها يبدو عليها الصدمة و الخوف و الضياع!، أسرعت للخارج حيث المرحاض لشعورها بالتقيؤ و فعلت.

خرجت من المرحاض و وقفت امام صنبور المياة، فتحته و قامت بغسل وجهها عدة مرات بقوة لعلها تفيق، فجأة اخذت تضرب اذنيها ايضا، تريد ان تتخلص من تردد صرخات الفتاة، تعثرت و سقطت أرضاً لتصيبها حالة هستيرية من الصراخ و البكاء، لا تعلم لِمَ تشعر بكل ذلك الألم!
- جوانة، جوانة مالك؟، اهدي بس اهدي.

قالتها زميلتها و هي تجثوا على ركبتيها بجانب الأخرى و تحاول تهدأتها، و باقي زُملائها منهم من يحاول مساعدتها و منهم من يشاهد.
- وسعوا كده وسعوااا
قالها اويس بصوت منفعل ليفض ذلك التجمع حولها، جثى امامها بملامح قلقة و امسك بيديها بين كفه، صرخ مرة أخرى
- الكل يخرج برة، حالاً
خرج الجميع ليصبح هو فقط معها، اقترب و حاوطها بذراعه ليضمها لصدره ممسداً على شعرها بحنان بجانب كلماته الخافتة لها.

- اهدي بس، انا هنا، اهدي انا جمبك و مش هسيبك، جوانة
اختفى صراخها تدريجياً، و لكن صوت بكاءها مازال عالياً متقطعاً، ابعدها قليلاً و هو ممسك بكتفيها، مال برأسه لها
- ايوة، اهدي كده، خدي نفس طويل
لحق قوله بتحرك يده لوجهها ليمسح دموعها عن وجنتيها بلطف، قبل جبينها و عانقها مرة أخرى هامساً
- مهما كان اللي حصل، انا جمبِك.

من بين تلك المشاعر المُظلمة التي تسكنها في هذه اللحظة، قُذِفَ شعاع رفيع من الطمأنينة و الراحة بسبب قربه منها، عانقها دفئ مشاعره قبل عناقه هو لها، توقفت عن البكاء و هي لا تسمع شيء و لا تشعر الا بصوت قلبها الغريب!، تدفق استنتاج واحد مُفاجيء لها داخل عقلها، استنتاج اقنعها و أخافها و أسعدها أيضاً!، هذه ليست المرة الأولى التي تشعر بها بهذه المشاعر اتجاهه، تساءلت بداخلها هل وقعت بحبه! ام انه إعجاب! أم ماذا يوصف؟

نهض اويس و أنهضها معه ليصطحبها للخارج، بل لخارج الشركة و هو مُمسك بيدها، وصلا امام سيارته و فتح الباب لتصعد هي أولاً، اقفل الباب و هو يخرج هاتفه و يُجيب على المتصل.
- ايوة يا دكتور، ماشي ماشي، جي حالاً، مش هتأخر طبعاً
ثم تحرك بعجلة ليجلس خلف المقود، توقف لوهلة يفكر هل يأخذها معه ام يعيدها للمنزل بهذه الحالة!، لا يستطيع تركها هكذا، تنهد و حرك المقود ليسلك طريقه للمستشفى.

بدأ الغضب يتملكه مع هذا الزحام، نظر الساعة فوجد انه قد مر نصف ساعة، حانت منه التفاتة لجوانة التي كانت نائمة، ضرب المقود بغضب ثم اخرج هاتفه ليتصل بالطبيب
- حبيبة عاملة إيه!، الطريق واقف بطريقة غبية و مش عارف أوصل، لما أوصل اشوف
اغلق الخط و ادار السيارة ليسلك طريق اخر غير هذا.

وصل اويس و ترجل تاركاً جوانة نائمة، صعد درجات السلم بتعجل ليصل للغرفة المقصودة و هو يلهث، لكن قبل دخوله قابل الطبيب امام الغرفة و كان يبدو عليه التوتر، كاد اويس ان يتخطاه لكن الطبيب اخبره بتردد
- حبيبة اختفت
- نعم!، حبيبة، حبيبة اختفت ازاي؟
قالها بصدمة و حدة بجانب صوته المرتفع، اخفض الطبيب رأسه بينما ظهر غضب اويس بنبرة صوته و هو يضيف مُمسكاً بياقة قميص الاخر.

- ازاي و امتى؟!، و ازاي تهرب من المستشفى و انتوا بتعملوا إيه هنا و الأمن فين؟!
صرخ اويس بخشونة مع نهاية قوله، تنهد الطبيب و اخبره بما حدث.

- احنا كنا عرفنا نهديها و كانت نايمة، بعد ما قفلت معاك المكالمة التانية رجعت ليها، و لما رجعت ملقتهاش، اكتشفنا بعد كده انها خرجت بلبس عاملة النظافة عشان كده رجال الأمن مشكوش فيها و الكاميرات لقطتها و هي بتخرج من المستشفى غير كده الكاميرات ملقتطش و حالياً احنا بندور عليها و بنحاول نلاقيها إن...
قاطعه اويس و هو يشد على قبضته و يجز على اسنانه بتوعد بجانب ظُلمة سماء عينيه المخيفة.

- لا مش هتحاولوا، انتوا هتلاقوها و لو كانت تحت الأرض، و الا و رحمة أمي لطربأ المستشفى دي فوق دماغكم.

في فيلا احمد البيومي
خرجت ندى من غرفتهما و هي تحت تأثير صدمة ما سمعته من احمد، هل ما سمعته حقيقي؟ هل جوانة حية حقاً!، توقفت عن السير و هي تضع يدها على فمها غير مصدقة تلك الفكرة، امتلأت حدقتيها بالدموع و خفق قلبها بسعادة لذلك، استدارت و كم ارادت ان تعود للداخل و تسأل احمد عن ماهية الأمر و هل ما قاله حقيقي ام انه يسخر منها، لكنها تعلم انه لن يجيبها و هو بهذه الحالة.

استيقظت جوانة على اثر صوت انفاس لاهثة، نظرت للمقعد المجاور لها وجدته فارغ
- اويس راح فين!
حدثت نفسها بحيرة، حركت حدقتيها للمرآة فرأت من خلالها فتاة جالسة في الخلف فزعت صارخة و هي تستدير و تنظر لها، أبعدت الفتاة شعرها المبعثر عن وجهها و هي تشير لجوانة بأن تهدأ و لحقت ذلك بقولها الذي لم تستطع جوانة سماعه بسبب خفوت صوت الفتاة
- متعمليش صوت ليجيوا ياخدوني.

اضاقت جوانة عينيها و هي تدقق في النظر بها و الشك قد بدأ يتملكها، تشعر انها رأتها في مكان ما.
- انتِ مين؟، و ركبتي العربية بصفتك مين؟
سألت جوانة الفتاة بحذر في حين مراقبتها لهيئتها المريبة و تصرفاتها الغريبة في جلستها، التقطت هاتفها بخفة و اتصلت بأوس و حين استقبل اتصالها تحدثت دون ان تضعه على اذنها
- انزلي من العربية و لا هتصل بالشرطة، سامعة؟

نقلت الفتاة نظراتها لجوانة و التي أصبحت حادة مرعبة أخافت الاخيرة، تقدمت منها ببطئ و ابتسمت و هي تجيب برد بعيد عن ما قالته جوانة
- انا مش مريضة، انا عقلي احسن منك و من كل الناس، فاهمة و لا!
صرخت بشراسة و هي تكاد تلتصق بوجه جوانة التي ظهر عليها الخوف من تصرفات الأخرى، عادت و جلست بهدوئها كالسابق، التقطت جوانة انفاسها و هي تحاول ان تُهدأ من روعها، تساءلت بداخلها هل هي مجنونة؟!
- اويس.

صرخت الفتاة بإسمه و هي تسرع مُغادِرة السيارة، ظهرت الدهشة على ملامح جوانة و هي تتابع ذلك المشهد و عناقها له و قبوله هو لذلك حيث بادلها العناق أيضاً.
- يلا نروح يا اويس البيت، انا زهقت من هنا
قالتها حبيبة و هي تبتعد قليلاً، بينما عاتبها اويس و القلق ظاهر على ملامح وجهه
- تعرفي اني كنت هموت من الخوف عليكِ، ازاي تهربي من المستشفى
- انت عارف اني مش بحب المكان ده.

قالتها حبيبة و هي تُبرِز شفتيها كطفلة صغيرة، نقلت الاخيرة نظراتها خلف اويس لتجد رجال الأمن و الممرضات يسرعوا اليها فتراجعت للخلف و هي تصرخ
- لا لا، مش عايزة ارجع لااااا
امسك اويس بكتفيها محاولاً تهدأتها بكلماته
- هترجعي دلوقتي بس و أوعدك اني هاخدك في اقرب فرصة.

لم تسمعه قط، فقط كانت تحاول الهرب لكن امساكه بها يعرقلها فغضبت و اخذت تضربه و تصرخ بطريقة جنونية و زاد صراخها و نحيبها حين امسك بها رجال الأمن و خلفهم الممرضات
- كل مرة بتقول كده و مش بتخرجني من المكان ده، انا بكرهك، بكرهكم، سيبوووني.

كانت كلمات حبيبة كالسكين بالنسبة له، لمعت عينيه و هي تختفي من امامه، نظر لجوانة التي لمحها و هي تخرج من السيارة و تشاهد ما يحدث عن كثب، لم يُطِل في النظر و دخل للمستشفى تاركاً إياها بحيرتها و علامات الاستفهام الكثيرة التي تدور داخل عقلها.

بعد مرور ساعة و نصف، داخل سيارة اويس
كان الصمت مُصاحب كلاهما طول الطريق للمنزل، جوانة تنظر من خلف الزجاج ويبدو عليها الشرود، اما اويس قد كان يقود بملامح جامدة فقط.
اوقف اويس السيارة في الحي فترجلت جوانة و سبقته للشقة و لحقها هو بعد ان صف سياراته.
حين دخل من الباب وجدها جالسة على الأريكة بهدوء مريب، كاد ألا يكترث و يتجه لغرفته لكنها أمسكت بذراعه لتوقفه، نظر لها من جانبه ببرود بينما سألته بتشفي.

- تقربلك إيه البنت دي؟
- واحدة اعرفها و خلاص
أجابها بعدم اكتراث، غرزت أظافرها بذراعه اكثر و هي تراقبه بعناية
- و انت مش عايز تقول ليه!
امسك بيدها الممسكة به اثناء سخريته
- مش احنا اتفقنا ان جوازنا ده شكليات بس، فأية لازمة اللي بتعمليه ده؟
أنهى قوله بنبرة حادة مع إزاحة يدها عن ذراعه بعنف جرحه، ثم استدار ‏و خطى خطوتين حتى أوقفته مرة أخرى بقولها
- انا عارفة انها أختك، حبيبة صالح الممدوح.

التفت و نظر لها، بينما اضافت
- مش عايزني اعرف ليه؟
- عرفتي منين؟
قابل سؤالها باستفساره، فأجابت جوانة
- سألت الممرضات اللي في المستشفى
- و بعدين؟
- يعني إيه وبعدين؟
- مفيش حاجة تاني عايزة تقوليها؟
- عايزة اعرف بس ليه مخبي الموضوع عني؟
تنهد بقوة و هو يلويها ظهره، قال قبل ان يختفي خلف باب غرفته
- انا تعبان و عايز ارتاح
جلست جوانة على الأريكة و هي تفكر في سبب إخفاءه لأخته عنها، و سبب حالتها تلك!

أشرقت شمس يوم جديد
اوقف جاسر سيارته جانباً ليجري مكالمة مع احدهم، بدأ الحديث هو
- سامح مختفي و تلفونه مغلق من يوم ما خرج من السجن و انا مش مرتاح، حاسس ان في إنا في الموضوع
صمت جاسر يستمع للطرف الاخر، هتف بانفعال
- يعني إيه مقلقش، انت متستهونش بسامح برضوا، و غير كده انا عايز اعرف نهاية ده امتى!، انا شايف انك بتضيع وقت على الفاضي.

صمت مرة أخرى ليستمع لرد الاخر و يغلق دون اي تعليق او وداع، زفر بانزعاج و ادار المقود ليكمل طريقه.

استيقظت جوانة على صوت رنين هاتفها، التقطته و أجابت و هي تضعه على اذنها و تجيب بصوت ناعس ليأتيها صوت سامح الحازم لاحقاً
- بما انك عرفتي حبيبة، و الخطر بدأ يقرب منك، الحقي نفسك و اهربي
اعتدلت جالسة و هي تقول له بتشتت
- مش فاهمة حاجة يا سامح، و غير كده انت بتكلمني ازاي؟
- هبعتلك دلوقتي صورة هتفهمك كل حاجة، صورة من المستمد بتاع احمد اللي ضاع منك
- هو معاك؟، ازاي؟

- مش مهم دلوقتي ازاي معايا، بس باللي بعمله دلوقتي ليكِ اتمنى يخليكي تسامحيني
- أسامحك على إيه يا سامح!، هو في إيه؟، الووو، الووو
اغلق سامح الخط فأتت ان تعيد الاتصال به لكن وصلت لها رسالة منه ففتحتها و اخذت تقرأ محتواها، سقط الهاتف من يدها و الصدمة تعلو وجهها، ارتفعت زاوية فمها بسخرية و عدم تصديق، هل يتم التلاعب بها و خداعها!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة