قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية غيمة في سمائك للكاتبة مي علاء الفصل التاسع

رواية غيمة في سمائك للكاتبة مي علاء الفصل التاسع

رواية غيمة في سمائك للكاتبة مي علاء الفصل التاسع

كان المحتوى صورة لمستند يحمل اسم حبيبة صالح الممدوح و معها صور لها بعد ان أذاها أولائك الوحوش وعلى رأسهم احمد، توقفت عن التنفس للحظات و هي تستعيد احداث ذلك الفيديو الذي شاهدته، هل كانت هي حقاً!، و هل كان شكها في محله حين تملكها الشك عند رؤيتها لحبيبة في المشفى!

سقط الهاتف من يدها حين قرأت رسالة سامح التحذيرية لها اويس بينتقم لأخته من خلالك، فأهربي و إلا نهايتك هتكون على ايده و انتِ ملكيش ذنب، و سامحيني
رمشت كثيراً من هول صدمتها، تحاول استيعاب ما حلله عقلها من تحذير سامح لها، امسكت رأسها اثناء استرجاعها لكل الأحداث التي حدثت منذ دخوله حياتها، هل اويس يخدعها؟ يتلاعب بها؟ هل كان يخطط لكل ذلك منذ البداية!

ارتفعت زاوية فمها بسخرية من غبائها، كيف لم تشك به وبطريقة دخوله حياتها و بكل شيء حدث معها، كيف كانت بلهاء لتلك الدرجة التي تعميها عن ادراك ما يدور حولها!
تدخل قلبها في تلك اللحظة ليذكرها بجانب اخر، جانبه الوردي الدافئ، كيف يخدعها و قد كانت عينيه عالم من الدفئ و الصدق و الاحتواء؟، كيف و قد كان هو من ينقذها عند تعرضها لأي خطر؟

ما هذه الحيرة و التشتت التي أصبحت واقعة فيهما الان!، لا تعلم اين الحقيقة و اين الكذب؟، تعتقد ان هناك سوء تفاهم، هذا ما أقنعت نفسها به، لذا انزلت قدميها من الحافة لتلامس أصابعها الأرض و تنهض متجهه للخارج و تقف امام غرفته تطرق على بابه دون ان تنتظر اجابته دلفت للداخل لكنها وجدتها فارغة و مرتبة، الى اين غادر منذ الصباح الباكر؟!، لمعت حدقتيها حين وقعت على خزانته لتسرع بعدها و تبدأ في العبث و البحث داخلها، التقطت ملف تلو الاخر حتى توقفت عند احدهم و قد كان فحص و شرح شامل لحالة حبيبة الصحية، أضطرب قلبها مع قراءتها لكلمة حالة اغتصاب و اهتز كيانها لقذف ذلك المشهد البغيض من قِبل عقلها و تخيلها للأحداث عن قرب، سقط الملف من بين يديها اثر فزعها من صوت اويس الذي ظهر فجأة.

- بتعملي إيه عندك؟!
ظلت صامتة تنظر له بتوتر مع عراك صاخب داخلها، راقبته و هو يقترب منها بخطوات واسعة ثم ينحني ليلتقط الملف الذي سقط منها و ينظر فيه وهو يعتدل، بلعت لعابها و هي تكور قبضتها بجانبها لتتشجع و تسأله بحروف مُهتزة
- انت مين بظبط؟
رفع حاجبه و هو يهتف بشيء من السخرية و التي اثارت غضبها
- نعم!، انا مين؟

اخذت الملف من يده و وضعته امام وجهه و اخرجت هاتفها لتريه صورة المستند قائلة بصوت اكثر ثباتاً و انفعال
- حالة اغتصاب في التقرير بتاع أختك حبيبة، و حالة اغتصاب من الملف اللي بيكشف بلاوي احمد و اللي ضاع مني، و يا سبحان الله نفس اسم أختك، يبقى دي صدفة!، و لا في حاجة انت مخبيها؟
تحولت ملامحه لتصبح باردة لحد الاستفزاز اثناء تنقل حدقتيه بين ما تعرضه له، ثم سألها بجفاء
- يعني عايزة تقولي إيه؟
- انت عدو احمد؟

سألته بوضوح، تعالت ضحكاته و هو يتراجع خطوتين و يجلس على السرير و يضع قدم فوق الأخرى، تنفس بهدوء و قد أصبحت نبرته باردة كالثلج
- انا بقول كفاية تمثيل لحد كده
- يعني انت فعلاً...
تمتمت جوانة بصدمة قبل ان يختل توازنها للحظة فاستندت على الخزانة، امتلإت مقلتيها بالدموع وهي تشعر بتهشم كل ذرة أمل بداخلها، بينما ابتسم اويس بإستمتاع و هو يتهكم
- مش طالعة زي اخوكِ ناصحة، طالعة غبية، بس ده فادني جداً.

نهض و أخذ هاتفها بسهولة من يدها و نظر فيه ليعرف من أرسل لها ذلك و كشف الأمور، رفع زاوية فمه و هو يتابع تهكمه
- مش بقولك غبية!، ليه مسمعتيش كلامه و هربتي!
سالت دموعها على وجنتيها و اختنقت انفاسها
- انت، انت واحد حقير و، و مقرف وكداب، انت...
بلعت باقي حروفها بخوف حين قدحت عيناه بغضب مخيف، امسك بذراعها بخشونة آلمتها، و همس بانفاس حارة
- و اخيراً هعرف اخد انتقامي براحتي وعلى المكشوف و بدون اي تمثيل مقرف.

سحبها معه لنهاية الغرفة ليسحب احد الستائر ليظهر باب سري و يفتحه و يجرها للداخل، القاها فسقطت أرضاً بعنف سبب لها جروح، أضاء المصباح الأصفر ليمكنها من رؤية تلك الصور المعلقة لأحمد و لها على الحائط، اتسعت عيناها في صدمة من ذلك الكم من الصور، انه كان يراقبهما عن كثب!، رمشت بعينيها و هي تسأله بخفوت صادم
- يعني انت مخطط لكل حاجة!، و رزان!، رزان معاك في كل ده؟
- طبعاً معايا.

أتت لها بالضحك الهستيري من كثر صدمتها وعدم تصديقها لما يحدث، انقلبت حياتها في لحظة رأساً على عقب، هزت رأسها بعنف و اشتعلت عسليتيها ببريق شرس حاد اثناء نهوضها، بدت كالقطة الشرسة التي تستعد للدخول في عراك
- و انا مش هسمح انك تدخلني في انتقامك اللي انا مليش ذنب فيه
- ازاي!، ازاي ملكيش ذنب فيه؟
خرجت كلماته ساخرة، ثم أضاف بسلاسة
- انتِ ذنبك انك أخت احمد البيومي.

- انا معرفش إيه العداوة اللي بينك و بين احمد بظبط، و مش عارفة إيه العلاقة بين احمد و أختك حبيبة، بس سواء كان إيه اللي بينكم انتم التلاتة، انا بعيدة عن اللي هتعملوه في بعض
طأطأ رافضاً ثم تقدم منها و هو يقول بعيون مظلمة و نبرة غامضة
- انتِ على طرف الحبل اللي بيني و بين احمد، فلو حاولتِ تبعدي او تهربي هتكون نهايتك
- هبعد و ههرب، و وريني نهايتي هتكون ازاي.

قالتها بتحدي و توعد. وهي ترفع رأسها بشموخ، صرخت بألم حين جذبها من خصرها بذراعه القوية و اصطدم وجهها بصدره، همس بجانب اذنها و انفاسه الحارة المتوعدة تحرق عنقها و تولد الخوف بداخلها
- هكسرلك مية ضلع في كل مرة تفكري بس انك تهربي، و متستعجليش على رزقك لأن كل حاجة عملها اخوكي هردهالك، فيكِ انتِ
ثم دفعها ببغض و غادر غالقاً الباب بالمفتاح، صرخت بغضب و حنق.

- ههرب منك، و هنتقم منك، و هخليك تندم على اللي عملته فيا و اللي هتعمله، انت حقيرر، خرجني من هنااا.

- يعني إيه ملهاش اثر!، ازاي يعني فهمني
صرخ احمد بغضب ل اشرف الذي اخفض رأسه دون رد، تابع احمد
- دور تاني و تالت و عاشر، طلعها من تحت الأرض
- حاضر
- و دورلي على سامح كمان، اكيد هو عارف مكانها
بعد مغادرة اشرف بقليل دلفت ندى لمكتب احمد و جلست، سألته بفضول
- انت قولت ان جوانة عايشة، الكلام ده صحيح؟
- انا قولت كده!
اخرجها بذهول، عقدت ندى حاجبيها بإنزعاج
- يعني كنت بتضحك عليا و بتشتغلني!

توتر احمد قليلاً فشبك يديه ببعضهما مُجيباً بصوت ثابت
- تلاقيني كنت بخرف، اصلي كنت تعان اوي
- يعني اديتني أمل على الفاضي
قالتها بإحباط، ثم اضافت بعيون مُراقبة
- و ليه كنت في الحالة دي امبارح و وشك كان عامل كده ليه؟، دخلت في خناقة مع مين!
- حاجة مش مهمة، متشغليش بالِك
اجابها احمد و هو يُعيد نظره للأوراق التي امامه، زفرت بحنق و تذمرت و هي مغادرة.

- عمرك ما هتتغير، اصلاً انا اللي غلطانة اني بطمن عليك و بهتم بيك
ارتسمت ابتسامة صغيرة على شفتي احمد اثر قولها.

- جبلي سامح من تحت الأرض، هربيه على تصرفه ده هربيه
صرخ اويس موجهاً ذلك للطرف الاخر الذي يحدثه على الهاتف، تابع بجنون
- ازاي يروح يكشف حقيقتي و يتصرف بمزاجه بدون اي إشارة مني!، فهمني ازاي!
صمت لسماع رد الطرف الاخر، تنفس بقوة ثم قال
- هو فعلاً طلع مش سهل، بس مش عليا الكلام ده.

مع اذان العصر كانت رزان تخطو لداخل شقة اويس لزيارته
- ناولني مية مش قاادرة
قالتها و هي تلهث و وجهها يصب عرقاً، احضر لها كوب ماء و قدمه لها، بعد ان هدأت سألته و هي تبحث بنظراتها حولها
- إيه ده فين جوانة؟، هي خرجت؟
- سامح كلمك؟
قابل اويس سؤالها بسؤاله، اجابته
- مكلمتوش من بعد ما خرج من السجن، بس ليه في حاجة؟
- عموماً لو اتصل بيكِ او جالِك عرفيني في وقتها
- عنيا، بس في إيه؟، هو عمل حاجة!

- البيه كشف حقيقتنا لجوانة
قالها بغل، شهقت رزان بصدمة و هتفت بعدم تصديق
- مستحيل
- خرجني من هنا، خرجني من هنا يا حقير
صدع صوت جوانة، فهتفت رزان بذهول
- انت حابسها؟
- ايوة
- ليه كد...
نظرة اويس الحادة جعلتها تبتلع باقي حروفها، تنهدت و قالت
- و هتعمل إيه فيها دلوقتي؟
- اللي المفروض يتعمل
اتى اتصال لأويس جعله يغادر، لكن قبل ذلك حذر رزان
- اياكِ تفتحيلها، لو هِربت و لو حتى بدون رغبتك هحاسبِك انتِ.

ظلت رزان جالسة لدقائق بعد مغادرته، اخفضت رأسها و نظرت للمفتاح الموجود على الطاولة ثم أخذته و اتجهت لفتح الباب و عادت لتجلس خارجاً.
اندفعت جوانة للخارج حين رأت الباب يُفتح، لكن خطواتها تباطأت حين لمحت رزان و هي تشير لها لتتبعها ففعلت.
- من البداية كده، عايزاكي تكوني متساهلة معانا و متتعبناش عشان نخلص من الموضوع بسرعة
تحدثت رزان بنبرة باردة بها شيء من التهديد، رفعت جوانة حاجبها و سخرت.

- عايزاني أتساهل مع مجرمين عايزين يؤذوني!
- معندكيش حل غير كده
هزت رزان رأسها و هي تخبرها بطريقة مستفزة، نظرت لها جوانة بتحدي و قالت بانفعال
- لا، عندي حلول كتيرة و هخرج من هنا غصب عنك و عن اويس و عن اكبر كبيركم
ضحكت رزان باستهزاء أنهتها بملامح قاسية.

- انتِ فاكرة انك هتعرفي تخرجي من هنا اصلاً، و حتى لو عملتيها و خرجتي هيبقى بعد ما نصفي الحساب و اصلاً وقتها انتِ نفسك هتكوني عايزانا نستر عليكِ و لا اقولك هتبقي محتاجة تروحي مستشفى الأمراض العقلية مكان حبيبة
- انتوا ناويين على إيه؟
- ناويين على اننا ناخد حق حبيبة، اصل الدنيا دوراة و اللي عملته في غيرك هيتعمل فيك
- و انا عملت إيه عشان تاخدوا انتقامكم مني!

- انتِ معملتيش زي ما حبيبة معملتش، بس احمد هو اللي بدأ و دخَل حبيبة البريئة في عداوته هو و اويس
- و إيه السبب؟
سألت جوانة بفضول، أجابت رزان بكره ظاهر
- الحقير احمد خطف حبيبة عشان يعلم على اويس، و لما لقى ان اوس مش مستسلم ليه ولا لتهديداته راح اغتصب حبيبة و بعت الفيديو لأخوها عشان يشوفها في الحالة دي، شوفتِ حاجة احقر من كده؟

خرجت حروفها الاخيرة بغضب و استحقار، ظهر الحزن و التأثر على ملامح جوانة، تهكمت رزان
- ما انتِ من دمه
نهضت جوانة بحدة و صرخت
- بس انا مش حقيرة زيه ولا عمري اذيت حد
تأوهت جوانة حين جذبتها رزان من شعرها بوحشية و اخدت تصرخ بها.

- و لا اويس و لا اخته كانوا آذوا حد، بس بسبب واحد حقير زي اخوكِ خسروا أمهم، و اخته خسرت نفسها و مبقتش عايزة تعيش، الحقير فكك عيلته وخلاه وحيد حتى اخته اللي بقياله بقت مريضة نفسية، فمش لازم كل اللي حست بيه حبيبة انتِ تحسي بيه! و اخوكِ يحس بوجعك و يبقى بيموت من جواه لشوفتك! مش لازم نرجعله كل وجع و ألم حس بيه اويس!
امتلأت مقلتي جوانة بالدموع، ابتسمت بحسرة و هي تتمتم.

- و انتِ فاكرة انه كده هيتوجع!، انتوا عارفين ان احمد حاول يقتلني و يتخلص مني، فأزاي هيتوجع و لا هيحس بيا!
- هيتوجع، و هيتوجع اوي كمان، عُمر الدم ما هيبقى مية
أنهت رزان قولها لتجر جوانة للغرفة السرية بل سجنها، و اثناء ذلك أمسكت جوانة بيد رزان محاولة تحرير شعرها من يدي الأخيرة و هي تصرخ
- انتوا مجرمين، و انا مش هبقى الضحية، فاهمة؟
- افضلي هوهوي كده كتير.

دفعتها رزان داخل الغرفة بقوة أسقطتها ارضاً فصرخت جوانة بألم لكن الأخرى لم تكترث و اغلقت بالمفتاح.

داخل فيلا احمد البيومي
كان احمد يعمل في مكتبه لبعد منتصف الليل، فهناك الكثير من الأعمال التي يجب ان ينهيها و إضافة الى ذلك تفكيره الغير منقطع عن جوانة و حقيقة وجودها، أعلن هاتفه عن وجود رسالة و التي كانت من رقم مجهول و قد كان محتواها
الحساب متصفاش و انا عارف هصفيه ازاي
اغلق احمد الهاتف و أعاده بعدم اكتراث، فهناك الكثير منهجه الرسائل تصل اليه، يحاولون إخافته دون جدوى.

عاد اويس للشقة و قد كان يُطمأن رزان على الهاتف
- انا داخل اهو، هرتاح و أكلمك اول ما اصحى
- ماشي بس متنساش تكلمني و تعرفني اخر الأخبار اللي عندك
- ان شاء الله، سلام
دلف لغرفته و خلع سترته، تحرك اتجاه الغرفة السرية و طرق بقوة على الباب هاتفاً
- لسة عايشة!
سمع صوتها الوهن
- عطشانة، عايزة مية.

اتجه للمطبخ ليحضر الماء لها و يعود لفتح الباب، توقف بملامح باردة ينظر لحالتها فقد كانت جالسة على الأرض مرخاة قدمها و يديها بجانبها و العرق يتصبب على وجهها من انغلاق و عدم وجود منفس في هذه الغرفة، رأى ذلك الجرح الطفيف الموجود في جبهتها، ألقى لها زجاجة الماء، ففتحتها وشربت منها ثم سكبت الباقي على وجهها، لمحته و هو يغادر، فهتفت.

- انت زي احمد متختلفش عنه بحاجة، انت بتكرر عملته و بتظلمني زي ما ظلم حبيبة
توقف على اثر كلِماتها ونظر لها من فوق كتفه و غادر دون اي كلمة.

عصر اليوم التالي
وضعت رزان طبق به شطيرة الجبن امام جوانة، أبعدته الاخيرة بحدة
- مش عايزة حاجة من مجرمين زيكم
- كُلي و إلا هتموتي من الجوع
أصدرت معدتها صوت يدل عن جوعها، ابتسمت رزان و حثتها
- يلا كُلي قبل ما اويس يجي، اصله كان مانعني اني اديلك اي اكل
- و بتكسري كلامه ليه؟، من حبك فيا!
تهكمت جوانة، و اضافت ببغض
- انتِ بوشين.

رفعت رزان زاوية فمها ببرود و نهضت لتجلس على فراش اويس خارجاً و ابتسامة خبيثة ارتسمت على شفتيها، بينما اخذت جوانة تتناول الشطيرة لتستعيد قوتها و تستطيع مواجهتهم، لكن بعد تناولها الشطيرة شعرت بالدوار و النعاس، نهضت على قدميها و خطت خطوات غير ثابتة، كانت تمسك برأسها و تلهث و هي تقول
- انتِ حطالي إيه في السندويتش؟

نقلت نظراتها التي أصبحت مشوشة للخارج، ترى اجساد ضخمة تقترب منها، صرخت بهلع و ضعف حين امسكا بها، و خلال ثواني كانت بين يديهم فاقدة الوعي، فحملها واحد منهم و سار بها بينما الاخر نظر ل رزان و هز رأسه لها اثناء إلقائه لظرف على السرير.
اخرجت رزان المال من الظرف و وضعته داخل حقيبتها ثم اتصلت بأويس لتمثل البكاء و الانهيار
- الحقني يا اويس، جوانة هربت، ضربتني و هربت.

لم تُطِل المكالمة، تناولت كوب من الزجاج و حطمته فوق رأسها لتسبب جرح في جبينها و تسيل الدماء.

اعترضت سيارة ضخمة طريق سيارة احمد فأضطر السائق لإيقافها
- دول اغبية ولا ا...
توقف احمد عن تكملة جملته لتضيق عينيه و هو يلمح أولائك الرجال الذي يتجهون لبابه و يفتحونه، صرخ احمد
- بتعملوا إيه؟
- هتيجي معانا و انت ساكت ولا نجرك؟
زاد غضب احمد من ذلك القول، فتعالى صراخه
- انتوا مين عشان تجرجروني مثلاً؟!
- السيد خليل مستنيك
غمغم احمد متذكراً ذلك الشخص المذكور ثم رفع زاوية فمه ببرود
- قول كده من بدري.

ترجل و صعد معهم.

- وانتِ مسمعتيش كلامي ليه، مش قولتلك متتنيليش تطفحيها و لا تفتحيلها اصلاً
ظهرت عروق اويس و احمر وجهه من شدة غضبه، نظرت له رزان بعيون باكية و حاولت تبرأة نفسها
- هي قالت انها عايزة تدخل الحمام ففتحتلها، اعرف منين انها ناوية تهرب يعني!
- انا قايلك و منبه عليكِ
- انا آسفة
اعتذرت مع ارتفاع صوت نحيبها، اخرج اويس هاتفه الذي تعالى رنينه، و قبل ان يُجيب قال ل رزان
- نضفي جرحك.

في منطقة صحراوية حيث يوجد مخزن مهجور، تجلس جوانة فوق الكرسي مُرتبطة به ب حِبال، هزت رأسها ببطء و هي تستعيد وعيها تدريجياً، حركت عسليتيها المشتتة حولها حيث لا ترى سوى الظلام الدامس، شعرت بما يُقيدها فأتسعت مقلتيها و اضطرب قلبها و هي تفرك بقوة و تهتف
- عايزين مني إيه؟، رزان، رزان
سمعت جوانة صوت اقدام تقترب منها، فصرخت بغضب.

- اويس، انت اويس صح!، عايز تنتقم مني بالسرعة دي؟، انت حتى متدناش فرصة نتواجهه
- اهدي يا قطة
سرت رعشة بجسدها و هي تستمع لتلك الكلمات الخبيثة، طبقت جفونها تلقائياً حين أُضيء المكان و عادت لفتحها و نظرت لهذا الكم من الرجال المُحاطين بها
- انتوا مين؟
- انا خليل، اللي بوظتيله الصفقة بتخطيطك مع سامح.

صدح صوت خشن مُجيباً عن سؤالها من بين الرجال الذين أتاحوا الطريق له، استعادت جوانة ذلك الحدث، انها الصفقة الخاصة ب احمد و التي قام جاسر بالقبض عليها بسببها، عقدت حاجبيها و سألته بشك
- و انت عرفت منين اني انا اللي ورا الموضوع!
ظهر سامح من خلفه، ظهرت الصدمة على ملامحها، تمتمت بعدم تصديق
- مستحيل.

تذكرت قوله حين قال لها ان تسامحه، هل هذا ما يقصده؟، هل كان يخونها من البداية!، اظلمت عينيها بحزن و خذلان و هي تنظر له بينما سامح كان يحاول تجنب النظر اليها، انه يشعر بالخجل و تأنيب الضمير لما فعله معها هي لا تستحق ذلك.
- بس انا مشكلتي مش معاكِ، مشكلتي مع احمد، اخوكِ
صارحها خليل، فنقلت نظراتها له و صرخت بغضب.

- و انا مالي بيه، كلكم عايزين تاخدوا حقكم منه من خلالي ليه!، روحوا اتصرفوا معاه او اقتلوه بس ابعدوا عني
- ازاي نبعد عنك و انتِ ورقة رابحة لينا كلنا!، انتِ مش تحت حمايته فسهل علينا ناخدك و نستعملك ضده
هز كتفيه بلامبالاة و هو يخبرها بجفاء، وجدت نفسها تضحك بسخرية و مرارة من هذا الهراء، أضاف خليل بإبتسامة شريرة
- احنا هنأذيكِ حبة بسيطة بس، اجبر احمد يرجع الفلوس اللي عليه ليا و بعدين هرميكِ.

اشار بأصبعه للرجال ليتقدموا منها، قال كلمته الاخيرة قبل ان يختفي من امامها
- استمتعي معانا
- ابعدوا عني ابعدوا عني
تصرخ بهلع و هي تنقل نظراتها حولها و الخوف يسكن قلبها، سقطت بالكرسي على الأرض فور تلقيها صفعة قوية من احد الرجال.

داخل السيارة، صُدِم احمد حين رأى جوانة من خلال الشاشة الصغيرة التي امامه، كيف وصلوا اليها!، صرخ بغضب حين رأى الصفعة التي تلقتها هي
- بتعملوا إيه فيها يا ولاد ال
- اهدى بس
قالها خليل بعد جلوسه بجانب احمد داخل السيارة، و تابع بمكر
- مخوفتش مني و افتكرت اني بهددكفي الهوا، فأية رأيك بالمفاجأة الحلوة دي!
- انت وصلتلها ازاي؟
امسك احمد خليل من قميصه بعنف، طأطأ الأخير بإستنكار من فعلته اتبعه بتحذيره.

- انت تحت أيدي دلوقتي فخلي بالك من تصرفاتك
اعاد خليل ظهره للخلف و رفع رأسه قائلاً
- هات الفلوس و هسيبها
كور احمد قبضته بجانبه و قلبه يؤلمه لرؤية تعذيبهم لجوانة و ضربها، لم يتحمل كثيراً فصرخ بجنون
- وقفهم و انا هجيبلك الفلوس
- ألمس الفلوس اول و بعدها هسيبها
- بقولك سيبها و هجيب الفلوس، سيبها
- و انا كلامي واضح.

لعنه احمد قبل إخراجه لهاتفه و إعطاءه اوامره ل اشرف بإرسال المبلغ المطلوب لحساب خليل و كذلك إرسال سيارة لأخذه.

- مفيش اي تحركات غريبة في فيلا احمد و الأوضاع هادية
اخبر الطرف الاخر اويس الذي فكر بحيرة
- طب هتكون راحت فين؟!
- احنا لسة بندور، و لو في اي جديد هقولك
- ماشي مستني
انهيا المكالمة و بعد دقائق عاود الاتصال، فأجاب اويس
- في إيه تاني
- سامح فتح موبايله و تعقبت موقعه، فأنا هروحله و ابعت الباقي عشان يدورا على جوانة
- ماشي يا جاسر
أنهى المكالمة ثم غادر ليبحث عنها هو أيضاً.

داخل المخزن
فكوا رِباطها فتهاوهت على الأرض بفتور، الدماء تسيل من فمها و انفها كذلك وجهها الذي اصبح مليئ بالكدمات، كانت تلهث من صعوبة تنفسها، تشعر بتحطم عظامها، سالت دموعها و هي تشعر بالشفقة على حالها و الانكسار، لقد تمت إهانتها و ضربها من قِبل رجال، لا تعلم لِما في هذه اللحظة تذكرت اويس، تعالى نحيبها من ذلك الشعور الذي اجتاحها لذكره، هل تحتاجه في هذه اللحظة!، هو؟!

ترى اقدام تهرول لها، تسمع نداءه الذي يظهر قلقه و خوفه عليها، شعرت بالدفئ لوجود شخص كهذا، لم تدرك من هو لفقدانها وعيها.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة