قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية غيمة في سمائك للكاتبة مي علاء الفصل الرابع

رواية غيمة في سمائك للكاتبة مي علاء الفصل الرابع

رواية غيمة في سمائك للكاتبة مي علاء الفصل الرابع

انتهى الشرطي من استجواب جوانة التي كانت تسرد ما حدث بصوت مرتجف، قال الشرطي بعتاب
- مش قولتلك و قولت للكل ان محدش يتأخر و ان دي مسؤليتكم لو حصلكم حاجة!
تنهد الشرطي و أضاف براحة
- المهم انك بخير دلوقتي و ان واحد من عناصرنا شافك و لحقك قبل ما يقربلك حتى، بس خلي بالك من نفسك
التفت و نظر لأويس و رمقه ببغض و هو يوجه له كلماته.

- خلي بالك منها، المجرم ده مش سهل، كل فترة بينتقل لمنطقة جديدة بيرتكب فيها جرايم و بعدها يختفي
- طيب ما تمسكوه، بتعملوا إيه كل ده؟
- بنلعب
القاها الشرطي بحدة، قال و هو يتجه للخارج
- خلي بالك منها بما انك مسؤول عنها
بعد مغادرة الشرطي، سبه أويس بصوت منخفض، تقدم الأخير من جوانة المستلقية على السرير، و اعلمها بهدوء
- رزان كانت عايزة تيجي بس والدتها في المستشفى، فهتحاول تيجيلك بكرة تشوفك
- مال مامتها؟

سألت بقلق ظهر على ملامحها، أجابها
- بقت كويسة دلوقتي، متشغليش بالك
نظرت جوانة حولها تبحث عن هاتفها، هتفت بزعر
- فين موبايلي؟، فينه؟
- اهو، معايا.

تنفست براحة عندما قال أويس ذلك و أعطاها اياه، طلبت منه رقم رزان فأعطاها هاتفه لتتحدث منه، أنهت المكالمة سريعاً و قبل ان تعطيه هاتفه لاحظت الصورة الذي يضعها غلاف لهاتفه و التي تجمعه مع فتاة فائقة الجمال، ارادت ان تسأله و لكنه أخذ الهاتف من يدها و اتجه للأريكة ليجلس عليها، طبق جفونه ليسترخي، فبلعت سؤالها و استلقت محاولة النوم.

صدح صوت رزان في الغرفة صباح اليوم التالي، استيقظت على اثره جوانه، شهقت رزان حين رأت وجه جوانة الذي يحمل كدمة، هتفت بإنفعال
- ابن ال، ازاي يعمل في وشك كده!، ازاي يعمل فيكي كده ازاي يمد ايده أصلا عليكِ، دول اول ما يمسكوه هضربه و أردله اللي عمله فيكي
و أخذت رزان تتوعد له، ابتسمت جوانة بلطف و قالت بخفوت
- انا كويسة و مأذانيش كتير الحمدالله
- برضوا، مش هرحمه
قالتها بإصرار، ألقى أويس جملة لها مازحاً.

- هو انتِ بتقدري تموتي نملة عشان تضربيه، ده انتِ هتستخبي ورايا
اشتعلت حدقتيها بتحدي و إصرار و هي تقترح
- تراااهن!
ضحك أويس و غادر الغرفة، التفتت رزان لتعود و تنظر لجوانة التي كانت رافعة حاجبيها بذهول، سألتها رزان
- مالك؟
- اول مرة اشوفه بيضحك و بيهزر
- مين ده؟
- أويس
- هو دايماً بيضحك، أو كان.

انهت قولها بنبرة كساها الحزن فجأة، قضبت جوانة حاجبيها بحيرة، و أتت ان تسأل رزان عن سبب ذلك الحزن الذي كسا قولها الأخير لكن دخول الشرطي منعها من ذلك
- صباح الخير، بقيتي احسن دلوقتي؟
وجه حديثه لجوانة و ابتسامة واسعة تملأ وجهه، هزت جوانة رأسها و هي تمنحه ابتسامة صغيرة
- احسن الحمدالله
ثم سألته
- في أي اخبار جديدة؟، مسكتوا المجرم؟
- لا لسة، بس هنوصله قريب، متقلقيش.

أجابها بأسف، اومأت جوانة برأسها ثم ساد الصمت لدقائق قطعته رزان بسعالها المقصود و الذي تبعه قولها الخبيث
- إيه؟، في حاجة تانية عايز تقولها حضرتك؟
- انا!، لا
- طب واقف ليه؟
رمقها بإنزعاج، ابتسم لجوانة و اخبرها
- هبقى أجي اطمن عليكِ بكرة
- ليه تيجي تطمن عليها؟
قالتها رزان بقصد و هي تدقق فيه، أراد ان يخرجها من الغرفة أو يلصق فمها لكي لا تتحدث، لكي يستطيع ان يتحدث مع جوانة براحة دون تدخل تلك الفتاة.

- عن اذنكم
غادر بعد قوله، اخذت رزان تضحك بإستمتاع و جوانة تنظر لها و لا تفهم شيء، جلست رزان على السرير بجانب جوانة و سألتها و هي تكبح ضحكتها
- مش ملاحظة حاجة؟
- زي إيه؟
- الشرطي ده معجب بيكي باين
- نعم!
- اة و الله، ازاي مش ملاحظة!
- معتقدش اللي بتقوليه ده صح
هتفت رزان بحماس و اندفاع
- انتِ هبلة يا بنتي!، إيه اللي متعتقدهوش ده، ده باااين اوي انه معجب بيكي، ده كان يقوم يخنقني عشان عمالة أرخم و اقطع عليه.

ضحكت جوانة و تمتمت
- مخدتش بالي
- مش بقولك هبلة
عاد أويس من الخارج و معه الفطور، بدأ الثلاثة بتناول الطعام، و اثناء ذلك كانت رزان تجيب على سؤال جوانة عن والدتها، و لكنها ادركت في المنتصف ان جوانة شاردة و لا تسمعها من الاساس، فصرخت بقولها لتفزع الأخيرة
- جواااانة، سمعاااني
نظرت لها جوانة بعتاب، ضحكت رزان و ضمتها مع طرح سؤالها
- كنتِ سرحانة بتفكري في إيه؟
- و لا حاجة.

وضعت الطعام في فمها و هي تجيب، لم تهتم رزان كثيراً و عادت لتتناول طعامها.

توقفت لتلهث بخوف و لكن حدقتيها تدور حولها برعب، هل مازالوا يلاحقونها!، فجأة أصبحت ترى ان كل ما حولها يتحول لونه للون الدماء، أخذت تركض حتى لا يصل لها ذلك، لكن وجدت نفسها محاوطة بالدماء و لا تعلم من أين ظهرت لها يد من فوقها لتسحبها للأعلى، أتت ان تنظر لوجه صاحب تلك اليد لكن، افلتتها تلك اليد لتسقط ميتة.

فتحت عينيها لاهثة بشدة، مسحت قطرات العرق و اعتدلت جالسة، التقطت كوب الماء لتحتسي القليل و تنهض لتغادر الغرفة.
- رايحة فين؟
صدح صوت أويس من خلفها، التفتت له و اجابته
- مش عارفة، بس اتخنقت و عايزة أتمشى شوية
- متروحيش لوحدك طيب
- اخد مين يعني!
سألته بحيرة و ببلاهه، سبقها بخطوات و تمتم
- يلا
لحقته و سارت بجانبه، سألته فجأة
- انت مش مرتبط؟
توقف و نظر لها بترقب، ضحكت بخفة و وضحت
- دماغك متروحش بعيد، مش قصدي حاجة.

- لا
أجابها بإقتضاب و هو يتابع سيره، سألته سؤال اخر
- فين اهلك؟، مش عايش معاهم ليه؟!
- اتوفوا
- ربنا يرحمهم
تمتمت بأسف، و ساد الصمت لدقائق قبل ان تبدأ جوانة بالحديث، و قد ذبلت ملامحها و ظهر الحزن في حدقتيها العسليتين.

- اهلي برضوا اتوفوا، ماما ماتت و انا عندي خمس سنين، كان حادث، بابا مات برضوا من ست سنين، كنت متخانقة معاه يومها عشان مرضيش يسفرني مع صحابي، بتمنى ارجع ست سنين ورا و اصالحه، كان نفسي تكون اخر ذكرى ليه معايا و هو بيضحكلي، و هو بيمسك أيدي و يقولي يا صرصورتي خلي بالك من نفسك و أوعي حد يضحك عليكي بشوكولاتاية
ضحكت بمرارة و أكملت بصوت متحشرج.

- كنت عارفة انه بيخاف عليا اوي، كنت انانية وقتها، و مضايقة من نفسي لليوم ده، و أتمنى يكون مسامحني
تنفست بعمق و هي تمسح دموعها التي انهمرت، تابعت
- و اخر شخص من عيلتي هو اخويا
- و هو فين؟، بعيد عشان كده قاعدة عندي!
استفسر أويس، ظلت صامتة لبعض الوقت، تنهدت بحزن و تمتمت
- في الوقت المناسب هقولك
- زي ما تحبي
- ينفع نبقى صحاب!

خرجت منها بلطف و هي تنظر له، بادلها نظراتها، أومأ برأسه بهدوء، اتسعت ابتسامتها و اعادت نظراتها أمامها، تشعر بالراحة لأكتساب شخص بجانبها، بل شخصان، هو و رزان و أيضا سيصبح هناك شخص ثالث، سيساعدها كثيراً فيما تريد فعله.

في فيلا احمد البيومي، دخل احمد غرفة مكتبه و جلس على الكرسي و التقط تلك الأوراق الموضوعة جانباً، أخذ ينظر فيها سريعاً و اثناء ذلك وجد ظرف في المنتصف، تسائل مِن مَن هذا خلال فتحه للظرف.
انا هدخل السجن و انتي هتكوني في قبرك، فاكر الكلام ده!، انا في قبري و انت لسه برة السجن، مترتحش، انا وراك
تسارعت انفاسه و هو يقرأ ما يحتويه الظرف من رسالة، تمتم بريبة و هو ينظر حوله
- ج، جوانة!

عاد ليقرأ الرسالة مرة أخرى غير مصدقاً، صرخ منادياً سامح، دخل الأخير، اكمل احمد صراخه
- مين دخل مكتبي في غيابي!، مين يتجرأ يلعب معايا!، مين ابن ال
- محدش دخل المكتب خالص
- امال مين ساب دي!، مين؟
و القاها في وجه سامح، التقطها الأخير ليقرأ محتواها، شعر بالسعادة بداخله فقد نجحت خطة جوانة، و اثارت غضب احمد و ريبته.
أخذ احمد يحدث نفسه بريبة
- جوانة ماتت، أكيد هي ماتت، فأزاي الرسالة ذي اتكتبت؟، لتكون، عايشة!

سرت القشعريرة في جسده من الفكرة، اتسعت مقلتيه و هو يحدث سامح بحدة
- هي ماتت أكيد، مستحيل تكون عايشة صح!
- حتى لو عايشة، مش هتعرف تعملك حاجة
قالها سامح بهدوء، أزاح احمد كل ما فوق الطاولة بغضب، أمر سامح بحزم
- دور في الموضوع، اعرفلي مين اللي بيحاول يلعب بديله معايا، اعرفلي خلال اليومين دول
- حاضر
ألقى بجسده على الكرسي لاهثاً، أخذ يحدث نفسه
- مستحيل تكون عايشة، مستحيل.

تم
قرأت جوانة ما بعثه سامح لها، تنهدت براحة ثم أخذت تضحك بسعادة، فقد نجحت في إشغال فكر احمد و إثارة حيرته، دلف أويس للغرفة و أعلم جوانة
- يلا عشان نرجع البيت
- البيت؟، الدكتور قال عادي!
- ايوة
صمتت تفكر سريعاً بالتصرف، سألته برجاء
- ينفع بكرة؟
- عجبتك قعدة المستشفى!
سخر منها، ابتسمت ببلاهه و هي تجيبه
- الصراحة اة
رمقها بنفاذ صبر و قال قبل ان يغادر
- يلا اجهزي
- ماشي
قالتها بسخط.

صباح اليوم التالي، استيقظت جوانة على رنين هاتفها الذي يعلن عن اتصال احدهم، أجابت و هي مازالت مغلقة العين
- ايوة
- صباح الخير، انا جاسر، الشرطي
فتحت عينيها سريعاً و اعتدلت جالسة و هي ترد عليه برقة
- صباح النور
- عاملة إيه النهاردة؟، عرفت انك سبتي المستشفى امبارح بليل
- الحمدالله النهاردة احسن، اة رجعت البيت اميارح بليل، بس جبت رقمي منين؟
- من البيانات بتاعتك اللي في المستشفى
- اااه صحيح.

ساد الصمت لدقائق يبحث كلاهما عن شيء ليقولانه، وجد جاسر
- متخافيش من المجرم مش هيعرف بعملك حاجة، انا معاكِ
- طمنتني، على كده هروح الشغل
- اقعدي و ارتاحي
- مش هينفع، المهم هقفل عشان اجهز، عايز حاجة؟
- لا، هرجع لشغلي بقى
- ربنا معاك، مع السلامة
أنهت جوانة المكالمة و قامت بحفظ رقمه، نهضت لتتجه للمرحاض و بعد ان انتهت من ارتداء ملابسها و حذائها اتجهت لغرفة أويس و طرقت الباب و دخلت بتعجل
- أويس، ممكن تو...

اختفى صوتها تدريجياً حين سقطت نظراتها عليه و هو عاري الصدر، توردت وجنتيها تلقائياً و هي ترى جسده الرياضي و العضلات البارزة، بلعت لعابها و وضعت يدها أمام عينيها و هي تعتذر بصوت متوتر
- آسفة جد، داً، مش قصدي ادخل بدو...
قاطعها أويس و هو يلتقط قميصه ليرتديه
- كنتِ عايزة إيه؟، و انتِ رايحة في حتة و لا إيه؟
- اة هروح للشغل، بس كنت هطلب منك توصلني، عشان خايفة شوية
- اقعدي ارتاحي مش لازم تروحي النهاردة.

- لا هروح، هقعد لوحدي في الشقة هخاف برضوا
- خلاص براحتك
- هتوصلني؟!
سارت بجانبه و هي تشعر بالحرج من الكدمة التي تشوه وجهها، و التوتر من تحديق الناس بها، و من كثر توترها كادت ان تسقط لكن أويس كان سريع ليلتقطها من ذراعها
- حاسبي
تمسكت بملابسه و همست له
- مش عارفة مالي، أعصابي سايبة
- أروحك؟
سألها بإهتمام، هزت رأسها رافضة، خضع لرغبتها و تابع طريقه لمطعم راضي.

- انا هخرج مشوار على السريع و راجعة، اهتمي بالزباين ها
قالتها فتحية بتحذير، أومأت جوانة برأسها، بينما اضافت الأخرى بقرف
- و غطي وشك ده، هتطفشي الناس
رمقتها جوانة بإنزعاج و لم ترد، انتهت الأخيرة من اعداد الطلب المعلق و حملت الصينية تتجه به للخارج لتضعه أمام الزبون.
- اتفضل، صحة و هنا
رسمت على شفتيها ابتسامة صغيرة و هي تقدمه، اتاها صوته المذهول لكن الابتسامة تصل لأذنه
- جوانة!، إيه الصدفة الحلوة دي.

- جاسر!
عقدت حاجبيها، قال هو بسعادة
- فاكرة اسمي، حلو اوي، عاملة إيه
- الحمدالله، انت تعرف أني بشتغل هنا و لا صدفة!
- بصراحة، هي مش صدفة اوي، بس كنت هخليها صدفة عشان متضايقيش
قالها و هو يحك جبينه، ابتسمت جوانة بلطف و هي تقول بهدوء
- اضايق ليه!، مبسوطة لأني شوفتك
- و انا كمان
- هسيبك تاكل و انا اروح اكمل شغل
- ماشي.

- ناوي على إيه؟
اتى ذلك الصوت الأنثوي الحائر بعد صمت، أجابها الآخر بصوت جهوري
- هوهمها أني معجب بيها، و هخليها تتجوزني
- بالسهولة دي؟
- اة بالسهولة دي، هي محتاجاني مصلحة، و هنفذلها اللي عايزاه، و في نفس الوقت هنفذ اللي انا عايزه
صمتت الفتاة مترددة لثواني، ثم اخرجت ما يدور داخل عقلها
- بص، انا و انت عارفين انها ملهاش ذنب في...
قاطعها بخشونة.

- لو هتديني نصايح و تسمعيني الكلام ده مش عايز اشوفك تاني و لا عايز مس...
قاطعته معتذرة
- آسفة، مش قصدي، بص، خلاص هسكت.

في فيلا احمد
- مالك يا احمد، مش بتآكل ليه؟، باين في حاجة شاغلة دماغك
قالتها ندى بقلق و هي تمسك يده، نظر لها بشرود ثم تنهد بإستياء، حثته ندى على ان يخبرها
- قولي بس مالك، هحاول أساعدك
- جوانة
اظلمت حدقتي ندى بحزن عند ذكره لأسمها، و تمتمت بالرحمة لها
- وحشتك اكيد زي ما وحشتني، بقالي فترة بتيجي على بالي
اقترحت عليه
- تعالى معايا نروح نزور قبرها
- لا.

هتف احمد فجأة بنفور ذُهِلت له ندى، ارتبك فنهض و غادر دون كلمة، تنهدت ندى وهي تشعر بالشفقة عليه، صدح فجأة صوت فتاة صغيرة وهي تهتف بصوتها الطفولي الغاضب
- انتِ بتاكلي!، مش انتِ وعدتي نونة انكِ تخرجيها تفطر و تتغدا و تتعشا برة!
- معلش يا نونة خليها بكرة عشان مامي تعبانة شوية.

ضربت نونة قدمها الصغيرة بالأرض بقوة لتعلن عن عدم موافقتها و غضبها، ابتسمت ندى و عانقت طفلتها الصغيرة التي لم تبلغ الخمس سنوات بعد، و أخذت ترضيها
- خلاص روحي البسي عشان أخرجك زي ما وعدتك، و لا تزعلي و لا تتعصبي
ابتسمت نونة بسعادة.

دقت الساعة السادسة، خرجت جوانة لراضي لتستأذن منه لتنصرف باكراً، وافق الأخير لكن سألها عن السبب
- ماشي، بس حاجة مهمة يعني؟!
- ايوة
- خلاص ماشي، بس متتأخريش
أومأت برأسها و غادرت، و لكن حين خرجت من المطعم وجدت جاسر يقف جانباً و كأنه كان ينتظرها، حين رآها الأخير كانت هي تتجه له
- جاسر!، بتعمل إيه هنا؟، مناوبتك النهاردة في المنطقة دي و لا إيه؟!
حك جبينه و هو يجيبها بتردد
- الصراحة لا، انا، جاي عشان اشوفك.

- انا؟، ليه؟، في أي جديد
- هو لازم يبقى في حاجة يعني
قالها جاسر بإنفعال، ثم تراجع مبتسماً ليضيف بهدوء
- مروحة؟، تعالي أوصلك للأمان
- لا مش مروحة، رايحة مشوار هنا
- خلاص هوصلك
- لا شكراً، مش عايزة أتعبك
- تعبِك راحة
قالها بهيام خرج منه دون ان يدرك، استسلمت جوانة له وسارت معه، أخذ يتحدث قليلا عن نفسه و عائلته التي كل افرادها يعملون لصالح الشرطة تقريباً، كم وجدت جوانة ذلك فرصة ذهبية لها.

- بص، عندي طلب منك، تقدر تساعدني؟
- اكيد، قولي
قالها بسعادة غمرته، اضافت جوانة برقة
- انا بثق فيك
- و انا معجب بيكي
توقفت جوانة حين ترددت تلك الكلمة في أذنها، و نظرت له بصدمة، و ساد الصمت لدقائق، يتبادلون النظرات، غمغم جاسر ثم تحدث بإرتباك
- عارف ان اعترافي بدري اوي، بس مش عارف هو خرج فجأة مني، لو ضايقك ان...
قاطعته بقولها الذي جعل لسانه يلجم، و خفقات قلبه تتسارع لحد الجنون، و جبينه تعرق.

- و انا كمان حاسة، أني معجبة بيك
بعد ان ادرك ما قالته بصعوبة، تلعثم كثيراً و هو يعبر لها عن مقدار سعادته.
- ممكن تروحني البيت بقى، و متكلمنيش
عقد حاجبيه بإستغراب، و سألها بريبة
- ليه؟، مكلمكيش ليه!
- عشان مكسوفة اوي
قالت قولها بخجل شديد و سبقته هاربة منه، فحلق بها و هو يضحك.
- مش كنتِ قايلة انك هتروحي مشوار!
سألها جاسر و هن قد اقتربا من منزلها، أخبرته بخفوت
- غيرت رأيي
توقفت جوانة لتضيف.

- هكمل لوحدي، مش عايزة حد يشوفنا
- ماشي، زي ما تحبي
- سلام
اشارت له مودعة، لكنه أوقفها طالباً رقم هاتفها فأعطته اياه و غادرت، اخرجت هاتفها و أرسلت رسالة نصية ل سامح لتخبره بأسف
آسفة مقدرتش أجي، حصلت ظروف، نتقابل في يوم تاني.

اعادت هاتفها لمكانه و رفعت رأسها لتتوقف فجأة بعدها، فقد رأت رزان تعانق أويس أمام منزله، اختبأت إلى ان انتهى ذلك المشهد الذي اثار فضولها و حيرتها، فهل هم في علاقة أم ماذا؟!، لكنها تذكرت سريعاً قول رزان على انها تعامل أويس كأخيها، لكن هذا العناق لم يبدو لها كأنه عناق اخوي أبداً.
- جوانة!، خلصتي بدري النهاردة
قالها اويس حين كاد ان يدخل لشقته لكنها أتت، عدلت قوله
- استأذنت عشان كده روحت بدري.

غمغم، سألته بوهن
- في اكل يتاكل؟، جعانة اوي
- اة في، رزان كانت عاملة اكل و بعتته
- كويس
قالتها و هي تدلف، و هو خلفها، توقفت فجأة لتسأله بفضول
- هو في حاجة بينك و بين رزان؟
عقد أويس حاجبيه بإستغراب و هو يتمتم
- إيه السؤال المفاجئ ده!
- أنسى أنسى، و لا كأني قلت حاجة
و تركته و اتجهت للمطبخ.

- مش هتطلبي مني أوصلك؟، مبقتيش تخافي؟
قالها أويس حين رآى جوانة على وشك المغادرة لتذهب لعملها، التفتت له و تحججت كاذبة
- مرتضش اصحيك، و كمان مش عايزة اتعبك
اضافت بتعجل
- همشي بقى عشان متأخرش و اتبهدل
و فرت هاربة منه حتى لا يصر على إيصالها، بينما شعر الآخر بالشك، فمنذ ليلة امس و إلى اليوم يشعر بغرابة من تصرفاتها، فهي ظلت تتحدث مع احدهم ليلاً على غير عادتها.

حين ابتعدت عن المنزل بقليل، كان جاسر ينتظرها جانباً ليسير معها الطريق.

- سااامح، يا نيلة يا ساااامح
صرخ احمد بإنفعال حاد، هرع سامح لداخل غرفة المكتب
- إيه اللي خلاني أتنيل أوافق على الصفقة دي
حدث احمد نفسه بإنزعاج، ثم وجهه حديثه ل سامح
- البضاعة وصلت الحدود، خلال يومين تلاتة بالكتير هتوصل تحت أيدينا، حاول تظبط الدنيا
- بس ده صعب
- ما انا عارف، بس هنعمل إيه، هنحااول
- حاضر
- لو في اي غلطة...
قاطعه سامح و هو يكتم حنقه
- هروح عشان اكسب وقت.

حين وصلت جوانة لعملها، لم تنجو الأخيرة من لسان فتحية المسمم، و إضافة إلى ذلك، منحتها الكثير من المهام لتفعلها.
بينما دخل معها جاسر ليتناول الطعام، بل لتصبح أمامه و يراها اكثر.

بعد يوم شاق جداً عليها، اخذها جاسر لمقهى قريب ليجلسا و يتحدثا في الأمر الذي تريده هي فيه.
- ها قولي، سامعك يا حبيبتي
- زي ما قولتلك عايزة مساعدتك في حاجة، كمهمة ليك يعني من الشرطة
- ازاي يعني؟
- يعني ناس بتسفر و تستلم مخدرات و أسلحة، و ده ليه علاقة بيا
اقتربت منه و هي تخبره بصوت منخفض، هتف بإنفعال
- نعم!، ليه علاقة بيكِ ليه؟!
- مش قصدي أني معاهم او حاجة، بص، هفعمك بس وطي صوتك
- ماشي.

بدأت في سرد قصتها الحقيقة، و خلقها للبعض
- انا اتعرضت لحادث من تلت شهور كده، الجماعة دي هما السبب ورا الحادث اللي حصلي، عشان كنت وهماهم ان عندي دليل يدخلهم السجن، انا فعلا كان عندي دليل بس اتبخر دلوقتي، المهم، هما عاملين صفقة المفروض تكون بعد اسبوعين، بس وصلتلي معلومات انها هتوصل بعد يومين، معايا المعلومات كلها، بس اللي عليك انك تقبض عليهم
- بس ده ممكن يكون فخ ليكِ.

- لا مش فخ، هما أصلا فاكرين أني ميتة
صمت جاسر مطولاً مُفكر، التقطت يده بين كفيها و تمتمت برجاء
- هتساعدني، صح؟
- اقدر أقولك لا!
ابتسم و هو يقولها، و أضاف بجدية
- و انا شرطي، و واجبي أني اقبض على الناس اللي بتضر البلد
أتت ان ترد لكن رنين هاتفها منعها، نظرت للهاتف فوجدت أوس يتصل، نهضت و قالت بتعجل
- لازم امشي، اتأخرت
- ماشي، هوصلك.

وافقت و سارا معاً، حين اقتربت من المنزل، وجدت أويس يتقدم منهما بخطوات كانت سريعة ثم تباطأت، تركت يد جاسر التي كان يشبكها بيده و وضعتها بجانبها بتوتر، توقف امامها و حدثها و هو يجز على اسنانه محاولاً التحكم بغضبه
- مدام هتتأخري و معاكِ حد عرفيني على الأقل بِما انك عايشة في بيتي
- مكنتش عايزة أقولك عشان...
قاطعها أويس
- تعالي ورايا، حالاً
استدار و سبقها عائداً لمنزله، ودعت جاسر بتعجل و لحقت ب أويس.

- عارفة حقك تضايق أني مقلتلكش، بس الموضوع مبقالوش يوم و الله
بررت موقفها حين دخلا الشقة، استدار لها لمواجهتها بحدقتيه التي تكاد تحرقها، سألها بهدوء مخيف
- انتِ ماشية معاه؟
- ايوة
صرخ غاضباً
- تعرفي انه متجوز!، و عنده بنتين، تعرفي كده!
صُدِمت من قوله و سقط فكها، غير مصدقة، ضحك بسخرية و قال بجفاء
- اهو بيخدعك
ظلت صامتة، لم يخرج منها حرف واحد، طبقت فجونها و تنفست بعمق قبل ان تخرج صوتها الهادىء
- مش مهم.

- نعم!، مش مهم!
كرر قولها بحنق و هو يرمقها ببغض، أشاحت بوجهها و قالت مأكدة قولها السابق
- مش مهم بالنسبالي متجوز و لا لا
- انتِ مش هامِك، بس مراته هاممها
- مراته بقى، مش انا
قالتها بطريقة استفزته كثيراً، امسك ذراعها بقوة أشعرتها بألم شديد، همس بأذنها ببغض و انفاسه الساخنة تكاد تحرقها
- انتِ، حقيرة
دفعته بغضب و صرخت به
- انت مالك بيا و بيه، ده موضوع يخصنا احنا الاتنين، انت ملكش دعوة.

هز رأسه و هو يرفع حاجبيه، قال بهدوء معاكس لنظراته التي تشتعل غضباً و بغضاً، فأتضح بريقها السماوي
- اخرجي برة بيتي.

داخل فيلة احمد بيومي
دخل احمد غرفة مكتبه ليكمل عمله، وجد ظرف جديد على طاولته، التقطه و نظر له لثواني ثم فتحه و التقط ما بداخله، لتتناثر الصور من يده التي بدأت ترتجف بعد رؤية ما تحمله، وجد رسالة صغيرة، اخرجها بريبة و هو يقرأ محتواها
أختك، لسه عايشة.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة