قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية غيمة في سمائك للكاتبة مي علاء الفصل الثاني عشر

رواية غيمة في سمائك للكاتبة مي علاء الفصل الثاني عشر

رواية غيمة في سمائك للكاتبة مي علاء الفصل الثاني عشر

- رزان
صرخ اويس وهو يسرع ليمسك حبيبة من إلقاء شيء اخر على جوانة المُصابة، نادى على رزان مرة اخرى بغضب فأتت هذه المرة، شهقت الاخيرة حين رأت دماء جوانة والوضع حولها، هتف اويس طالباً
- هاتيلي إبرة مُهدأة، بسرعة يا رزان
أسرعت رزان لإحضار ما طلبه بينما تراجع اويس واجلس حبيبة على الفراش، سمع الاخيرة وهي تقول بخفوت
- تستاهلي، انتِ واخوكِ هقتلكم.

اتسعت مقلتي اويس بصدمة، هل حبيبة تعرف ان جوانة أخت احمد!، لكن كيف؟، انحنى ليصبح في مستواها، امسك بذقنها بلطف فجذب انتباهها له وسألها بخفوت
- قولتي إيه؟، انتِ تعرفيها؟
- انت جايبها هنا عشان تأذيني تاني صح؟
قالتها حبيبة بإنزعاج قبل ان تنقل تنهض بغتة لتهاجم جوانة، استيقظ اويس من صدمته الذي سببه قولها، امسكها قبل ان تصل لجوانة وصرخ بالأخيرة بسبب قلقه
- اخرجي من هنا، بسرعة.

لم تتحرك جوانة، ظلت جالسة على الأرض تنظر لدمائها التي لا تعلم اين مصدرها، تشعر بألم في ذراعها المكسورة طفيف و رقبتها.

أتت رزان وقامت بحقن حبيبة بصعوبة لفركها، أعادها اويس للفراش وساعدته رزان، وضع الغطاء على جسدها الذي تراخى ثم نظر ل جوانة وتقدم منها ليُنهضها بعنف ويجرها خارج الغرفة دون مُراعاة، ترك ذراعها حين اصبح في الغرفة المقابلة وأخذ يصرخ بها، كان صراخه عليها ليس بغرض توبيخها لكن لقلقه عليها، لعتابها، لكن نواياه لم تظهر.

- انتِ ازاي خرجتِ من الاوضة دي؟، ازاي تتجرأي وتروحي لحبيبة!، كنتِ ناوية تعملي فيها إيه؟، اكيد هي مهجمتش عليكِ لوحدها، انتِ عرفتيها انك أخت احمد؟، ردي عليا
كور قبضته بغضب وهو يشيح بنظراته عنها، رؤيتها وهي تحاول إخفاء ألمها تُزعجه، ألم تحاول ان تُنقذ نفسها من حبيبة!، لماذا هي سلبية لهذه الدرجة؟، طبق جفونه للحظات وهو يلتقط انفاسه بقوة، عاد لينظر لها ويتقدم منها، همس بقربها
- تعالي وريني فين اتعورتي.

امسك بذقنها ليرفع رأسها وتنظر له، فتقابلت عسليتيها الذابلتين بسماءه المُظلمة للحظات قصيرة، نقل نظراته لرقبتها المجروحة، لم يكن جرح عميق لكنه كان يصل لكتفها، خرج ليحضر صندوق الإسعافات ليعالجها.
حين لامس المُطهر الجرح تأوهات وأمسكت بذراعه بتلقائية لكن سرعان ما تراجعت ووضعت يدها بجانبها، لاحظ اويس ذلك بوضوح، فحرك يده وامسك بكفها ليضعه على ذراعه، همس بجانب اذنها
- متشيلهاش.

حركت حدقتيها له دون ان تحرك رأسها، تشعر بالغرابة من أسلوبه، هناك شيء خاطئ.

في قرية صغيرة، اوقف جاسر سيارته في منتصف هذا الرواق الضيق، ترجل وأنظار جميع من في هذا الحي ينظرون اليه، سأل احدهم
- بيت سامح الخطيب هنا؟
- ايوة، اهو
اشار له على منزل سامح، كان منزل قديم، صغير، مُتهالِك، شكره و اتجه للمنزل ليطرق الباب بهدوء، أتاه صوت فتاة صغيرة من الداخل تسأل من الطارق.
- سامح موجود؟

بعد ثوان فُتِح الباب وكان سامح الذي ذهبت الدماء من وجهه لرؤية جاسر، اسرع ليغلق الباب لكن الاخير وضع قدمه ليُعيقه، قال بهدوء مُسالِم
- عايز أتكلم معاك، متقلقش مش هعملك حاجة
اضاق سامح عينيه بشك، فطمأنه جاسر بقوله
- عايزك في مهمة اخيرة، لو وافقت عليها هننسى اللي عملته، وانت عارف اني قد كلمتي.

انتهى اويس من تطهير جرحها بالكامل، فسحبت جونة يدها المُمسكة به ووضعتها بجانبها لتبتعد بعدها، أشاحت بنظراتها بعيداً عنه وهي تسأله بجمود أتقنته
- ناوي تنهي حياتي ازاي بكرة؟، هترميني من على جبل ولا هتقتلني برصاصة في دماغي ولا..
اضاق اويس عينيه وهو يسألها مُقاطعاً إياها
- وعرفتي من..
قبل ان يُكمل اجابته
- رزان قالتلي ان اخر يوم ليا النهاردة
ضحكت بسخرية واضافت بعدها بحيرة صادقة
- غريبة، انا ليه مش خايفة!

ضحكت مرة اخرى وهي تقترب منه، تلاشى صوت ضحكتها تدريجياً ليتهجم وجهها قائلة بطريقة غريبة، باردة!
- ممكن عشان عايزة انهي حياتي اللي ملهاش قيمة، اللي بقيت تلعب بيها بصوابعك، تخطط للحادث اللي كان ممكن اموت فيه بعدها تسحبني لحياتك المزيفة وشوية تبين مشاعر وهمية ليا انك سندي وأنك الشخص الوحيد اللي ليا في الدنيا دي، تصدق اني صدقتك ووقعت في شباكك!
ضحكت ساخرة في المنتصف واكملت.

- الوحيد اللي ليا!، ده انت ينطبق عليك مثل تقتل القتيل وتمشي في جنازته، ده حتى رزان اللي كنت خلاص معتبراها اختي طلعت بتحبك!، اذتني عشانك!، بتهددني عشانك!
سقط برودها فجأة كما ظهر، تهدج صوتها لوهلة بجانب نبرة صوتها الحزينة، حتى حدقتيها لمعت بالدموع، هل ستنهار امامه؟
- مدام في قصة حب بينكم ليه حطيت جوازنا خطة من خططك؟، عشان تعذبني بيه كمان؟، عشان تكسرني؟

قاطعها أويس مُصححاً قولها الخاطئ، لا يعلم لِم أراد تصحيح ذلك، لِم مازال واقفاً يستمع اليها؟!
- مفيش حاجة بيني وبين رزان
لم تسمع قوله، بل لم تهتم، تراجعت خطوة للوراء لتريه حالتها.

- شايف حالتي، مفييش حتة سليمة، حتى عقلي ضرب من كتر التفكير، بفكر انا عملت إيه عشان يحصلي كل ده؟، عشان أخت احمد بس؟، شكيت بنفسي، هو انا اذيت حد وأنا ناسية مثلاً، في نفس الوقت بفكر بطريقة تانية، بفكر ان انت صح انك تاخد انتقامك من احمد، اني استحق اتعاقب بدل احمد زي ما حبيبة اتعاقبت بدالك، شايفة ان ده عدل، بس في نفس الوقت قلبي واجعني لأني مظلومة.

كان تشتتها ظاهر في طريقة حديثها الذي أنهته بمرارة، لاوته ظهرها حين سقطت دموعها دون إرادة منها ودون سبب مباشر، فكل ما بداخلها يبكيها.
- متحاوليش تستعطفيه بكلامك اللي ملهوش لازمة
اتى قول رزان فجأة من خلف اويس، استدارت جوانة بعد ان مسحت وجهها، رفعت حاجبها بإستنكار
- استعطفه!، هو عنده قلب اصلاً عشان استعطفه؟

ثم نظرت له وكسى وجهها الحزن والخذلان وهي تُحدِث نفسها، لماذا هي مُتناقضة لهذا الحد؟، قلبها ينبض بحبه اما عقلها ينفر منه ويبغضه!، تريد ان تطعنه بكلمات جارحة لكن هناك شي بداخلها يحجبها، كيف ستعالج هذا الان؟!

كلماتها آلمته لسبب يجهله، يعلم ان لديها الحق لقول ذلك لكن هي لم تلاحظ انه مُتساهل معها! انه حتى لم يؤذيها بحق للآن، نظر ل رزان بغضب وسحبها مُلقياً بها خارج الغرفة مُغلقاً الباب بعنف، ثم تقدم من جوانة بخطوات غاضبة واسعة ليجذبها من ذراعها بخشونة جعلتها تتألم وتنظر له، اخرج حروفه ب
- كل ده معنديش قلب!، انا كل ده سايبك ومأذتكيش، انتِ مش شايفة؟

- كل ده ومأذتنيش!، الحادث والخوف اللي كنت معيشني فيه ده مش اذى؟، الخذلان اللي حاسة بيه بسبب اني مسكت ايدك على انها هتساعدني، مكنتش اعرف ان الايد اللي مسكتها كانت هتغدر بيا وترميني، ده مش اذى؟
- واللي اخوكِ عمله م...
قاطعته بإنفعال ونفاذ صبر، بنبرتها المُتعبة
- انا بتكلم علينا احنا، مش بتكلم عن احمد ولا اللي عمله في حبيبة.

تركها وتراجع للخلف بتلقائية، لاحظت اهتزازه وتوتره اللا مبرر له، قال بقسوة قبل مغادرته تماماً.
- مفيش حاجة اسمها احنا
صفق الباب بعنف.

دلفت رزان لغرفة حبيبة وهي تستشيط غضباً من تصرف اويس العنيف معها، توقفت بجانب فراش الاخيرة التي كانت نائمة، ملست رزان على شعر حبيبة وهي تميل برأسها قليلاً، ظهرت ابتسامة واسعة شريرة على شفتيها وهي تهمس بسعادة ماكرة
- عملتي الواجب وزيادة يا حبيبة شاطرة، لو كنت اعرف ان رد فعلك هيبقى بالعنف ده كنت جيتلك من زمان عشان تربيها كده، بس يلا اديناها هدية الوداع، المخططة رزان والمُنفذة حبيبة.

ثم اعتدلت وهي تضحك وتهز كتفيها بإستمتاع، ففتحت حبيبة جفونها للحظات تنظر لرزان بعيون ناعسة، ظهر شبح ابتسامة على شفتيها قبل ان تسقط نائمة مرة اخرى.

- مش بتاكل ليه يا احمد؟، بتفكر في إيه؟
أيقظت ندى احمد من شروده بسؤالها، برر الاخير
- في الشغل، اصل فيه شوية مشاكل
- طب سيب مشاكلك على جمب دلوقتي وكُل واهتم بصحتك، انت مش بتاكل الأيام دي خالص
هز رأسها ومنحها ابتسامة قبل ان يسألها
- نونة فين؟
- بتلعب في أوضتها، ومتقلقش خليتها تأكل قبل ما تنشغل في اللعب
وضعت قطعة الخبز في فمه وهي تسأله بإهتمام
- مفيش اي خبر عن جوانة؟

توقف عن مضغ ما بداخل فمه لوهلة، دس قطعة اخرى من الخبز في فمه بعد قوله المختصر
- مفيش
تنهدت ندى بإستياء.

داخل فيلا اويس، كان الاخير يستجوب رزان بعيون ضيقة
- كنتِ فين وقت ما جوانة خرجت من الاوضة وإزاي فتحته اصلاً؟
- كنت في المطبخ بعمل اكل ل حبيبة وكنت بكلم ماما اطمن عليها، معرفش ازاي جوانة خرجت وقدرت تفتح الباب، دي طلعت مش سهلة
أنهت قولها بإعجاب، طرح اويس سؤال اخر عليها لكن بحدة هذه المرة
- والممرضة فين؟، مش انا سايبها معاكِ!

- جتلها مكالمة من المستشفى واضطرت تمشي وقالت انها هترجع بسرعة بس معرفش مجتش لغاية دلوقتي ليه
- إيه الإهمال ده!، انا هكلم جاسر الغبي، ازاي يجيب ممرضة مش متحملة مسؤولية زي دي!
ثم اخرج هاتفه وقام بإجراء مكالمة مع جاسر الذي لم يستقبل اتصاله، فلم يُعيد الكرة، نظر ل رزان وأخبرها بهدوء مُريب
- على فكرة تصرفاتك ومبرراتك مش واثق فيهم ولا فيكِ، ولا مصدقهم.

اسدل الليل ستائره، داخل مكتب اويس
- سامح!، انت عرفت مكان الحقير ده؟
انتفض اويس اثر غضبه وهو يهتف بقوله السابق، زفر جاسر بضيق
- هتقعد وتسمعني للآخر ولا أقوم وأمشي!، اصلي مش ناقص عصبيتك دلوقتي
جلس اويس ونظر ل جاسر مُنتظراً ان يخبره ما لديه، ففعل الاخير.

- وصلت ازاي لسامح وامتى؟، عرفت مكانه امبارح وقابلته النهاردة، وصلتله عن طريق موبايله اللي اتفتح بالغلط لثواني واتفقل تاني، زي ما انت عارف انه كان قافل موبايله خالص عشان محدش يعرف يتعقبه ولا يوصله، اتكلمنا انا وهو في إيه لما قابلته؟، اتكلمت معاه على اتفاق جديد وهو وافق عليه
- اتفاق؟، اتفاق إيه ده؟
- اننا هننسى اللي عمله...
قاطعه اويس بإستنكار
- نعم؟
- استني واسمع للآخر، ده لمصلحتنا.

هتف جاسر بنفاذ صبر، ثم اردف
- سامح هيبقى موجود عشان لو اتغدر بيك من احمد يلحقك
- مش محتاجه، انا هقدر اتص..
قاطعه جاسر بحدة
- مفيش حاجة اسمها مش محتاجه، انا مش هبقى موجود وانت هتبقى لوحدك، ومينفعش تبقى لوحدك في موقف زي ده، ممكن تكون نهايتكم انتم كلكم
تنفس اويس بغضب غير راضي عما يقوله جاسر، نهض الاخير قائلاً بحزم
- هتعمل اللي بقولك عليه غصب عنك، سلام.

بعد مغادرة جاسر، ظل اويس جالساً مكانه يفكر لفترة وجيزة، مسح وجهه وهو ينهض ليغادر مكتبه ويصعد درجات السلم ليتجه بعدها يميناً ليصل للغرفة التي توجد بها حبيبة ليطمأن عليها، وجد رزان مستلقية على الأريكة فشعر بالراحة لوجودها معها، اغلق الباب وحانت منه التفاتة للغرفة المقابلة له، الغرفة التي توجد بها جوانة، هل يذهب ويطمأن عليها!

صوت خطوات تقترب منها في هذا الظلام الدامس، فجأة يتلاشى لتجد يد تحاول نزع ملابسها وضحكات شريرة من حولها، تحاول ان تضرب هذا الجسد وتحاول إبعاد يده عنها، تصرخ مُترجية باكية بأن يتركها، لقد شق سترتها!، ركلته وهربت لكن سرعان ما تسقط ارضاً، هُناك شيء يقبض على قدمها، يد من هذه؟، نظرت لصاحب هذه اليد كان اويس، اخذت تلهث وهي تنظر حولها بخوف، تلك الضحكات تصدر من رزان، حبيبة، سامح، احمد وندى!، كذلك جاسر!، عادت لتنظر ل أويس، تنظر لحدقتيه التي تشع شراً والتي تُظهر نواياه الكريهه، فجأة جميعهم انقضوا عليها، وهي تصرخ باكية، تطلب النجدة.

انتفضت جالسة من نومتها، قطرات العرق تسيل ببطء ودموعها تملأ وجنتيها، نبضات قلبها سريعة وهي تلهث، تنقل نظراتها حولها بإرتجاف، انه كابوس!، تنهدت براحة وهي تمسح وجهها من دموعها وعرقها، انقطعت انفاسها مرة اخرى وتجمدت الدماء في عروقها حين دلف اويس وأصبح يقف امامها، هل ينوي إيذائها! هل سيتحقق هذا الكابوس!، اتسعت مقلتيها في صدمة من تلك الفكرة وارتجفت اطرافها خوفاً، تراجعت للخلف وهي تضم جسدها اكثر حين اقترب، صرخت بحدة رغم ارتجاف حروفها.

- ابعد عني، إياك تقرب، إياك
تسائل اويس، تصرفاتها غريبة، لِم ترتجف ومن ماذا هي خائفة؟، ماذا حدث لها لتصبح بهذه الحالة فجأة؟، نظر للشرفة والنوافذ كانت موصدة، نظر حوله بعيون كالصقر لعل هناك احد قد دخل دون علمه لكنه لم يجد، عاد ليقترب منها، فأسرعت هي لتمسك بكوب الماء وتكسر اطرافه ثم تضعه امام عنقها مُهددة اياه بألا يقترب.
- لو قربت هموت نفسي، سامع!
توقفت قدمه ورفع يديه قائلاً بأنفاس متسارعة.

- ماشي ماشي، اهدي بس وارمي اللي في أيدك ده
هتفت رافضة بحدة
- ارميه عشان تأذيني!، مش هسمحلك، احسنلي اموت بدل...
عقد حاجبيه وهو يهتف بإستنكار
- انتِ بتقولي إيه؟، مين قال اني هأذيكي؟
ثم مد يده لها وعينيه تُظهر قلقه، حثها
- هاتي ده بس وهنتكلم، هاتيه.

حدقت به، هل قلقه الذي تراه حقيقي ام انه تمثيل!، هل يكترث لها حقاً! لاحظ اويس تشتتها فأسرع ليأخذ الزجاج من يدها ويلقيه بعيداً، كانت انفاسه حارة غاضبة، نظر للجرح الذي ضمته صباحاً وبحركة سريعة وحشية ضغط عليه بقوة كفه فصرخ بألم حتى دمعت عينها، خفف قوته وهو يقترب بوجهه لتصبح انفاسه مُقابلة لبشرتها الناعمة، صرخ بغضب
- شايفة اتوجعتي ازاي؟، هتستحملي جرح تاني زي ده وأعمق؟، انتِ اتجننتي؟

- ايوة اتجننت، انتوا جننتوني، ليه متستعجلوش في موتي وتخلصوني!، ليه بتأذوني، ليه مخليني عايشة على كوابيس طريقة تعذيبك وانتقامك مني!، انا خايفة..
اختفى انفعالها الهستيري لتنسكر حروفها وتبكي بطريقة مثيرة للشفقة
- خايفة من الموت، خايفة من بكرة، انا قولت اني مش خايفة انا كدابة، انا خايفة اوي، عقلي بيجبني وبيوديني، بحاول مفكرش بحاول انام ومفكرش بس عقلي رافض، رافض.

شعر بضياعها وخوفها، شعر بحرارة جسدها وارتجافه، رفع يده لوجنتها دون إدراك منه، اتى ان يمسح دموعها لكن دفعها ليده أيقظه مما كان سيفعله ومما كان سيقوله، انه ممتن لانها أيقظته قبل ارتكاب حماقة كان ليندم عليها لاحقاً.
تراجع للخلف بضع خطوات وهو يرفع رأسه ويبعد نظراته عنها، قال ببرود مُصطنع
- لازم تخافي، وخليكي كده بتفكري وبتتعذبي من كل ده.

مسحت دموعها بعنف ونظرت له وقد اشتعلت حدقتيها ببغض ونفور بجانب انفعالها المُفاجئ والحاد
- طلقني، مش عايزة اموت وأنا على ذمتك، مش عايزة حاجة تربطني بيك
حرك حدقتيه ساخراً لها، رفع زاوية فمه بطريقة مستفزة بجانب قوله
- تصدقي نسيت اني متجوزك!
ثم استدار ليغادر تاركاً إياها تستشيط غضباً من رد فعله المستفز، القت الوسادة على اثره بغضب وهي تصرخ وتلعنه.

اسند جسده على الباب الذي اغلقه منذ وهلة وطبق جفونه بقوة، كيف يتصرف معها؟، بل كيف يتصرف مع تقلباته؟

مر اليوم التالي بتوتر وبُطء شديد بالنسبة لجوانة التي كان قلبها يُقبض كُلما فُتِح الباب عليها، كانت رزان في كل مرة، لم ترى اويس ابداً في هذا اليوم، كانت فقط تسمع صوته من الخارج.
كذلك اويس، مر اليوم عليه وبداخله شعور سيء لم يستطع ان يكتشف سببه، حاول تجنب رؤية جوانة و الدخول في نقاش حاد معها مثلما حدث بالأمس، لذا لم يدخل لها وظل يعتني ب حبيبة حيناً ويتحدث مع جاسر حيناً.

دقت الساعة منتصف الليل، فتح اويس الباب ومعه حبل بيده، تقدم من جوانة الجالسة على طرف الفراش مُنتظرة قدومه، توقف امامها ورفع يده المُمسكة بالحبل امامها ليقول بعدها
- مش هربطك بيه، في نفس الوقت مش عايز حركة كده ولا كده منك عشان وقتها هتلاقيني...
قاطعته بإستسلام
- متقلقش، مش هعمل أي حركه عشان أنا عايزة أنهي الموضوع وأخلص من حياتي بسرعة.

امسك بذراعها ‏وجرها للخارج حتى وصل إلى سيارته، اصعدها ثم اتخذ مكانه خلف المقود، تابعتهم رزان بنظراتها وهم يغادرون والسعادة والراحة تملأها بالكامل.

داخل السيارة، فتحت جوانة زجاج النافذة واقتربت منها لتستنشق الهواء الطلق وتبتسم بعدها بإستمتاع، انه لشعور رائع، مدت يدها للخارج وتعالت ضحكاتها بسعادة، نظر لها اويس بإستغراب، لماذا تضحك هكذا؟، هل هي تشعر بالسعادة حقاً! ام انها تودع ذلك الشعور، تودعه؟، استنكر ذلك، فمنذ دخوله لحياتها لم تتذوق جوانة شعور السعادة ابداً.

مد يده وسحبها له بخفة فتناثرت خصلات شعرها امام وجهها، تخطى شعوره بخفقان قلبه وسألها بإستخفاف
- اتجننتي؟
قابلت وجهه المتهجم بإبتسامة بريئة لم يراها من قبل، ابتسامة سرقت قلبه مرة اخرى!، قالت جوانة بلطف
- ليا أمنيتين هتحققهملي قبل ما اموت، ودي واحدة منهم، فسبني
تخلصت من يده بخفة وعادت لتنظر للطريق وتستمع بلحظاتها الاخيرة.

لقد تصالحت مع نفسها، انها راضية الآن عما سيحدث لها، انها تتقبل فكرة الموت، انها افضل بكثير من حياتها تلك، انها مظلومة، وليست ظالمة وهذا يخفف عنها الكثير، استمعت لقلبها، ادركت ان هناك شخص يسكنه، شخص لا يجب ان يستعمره اكثر لذا موتها سيخلصها من هذا أيضاً، لكنها قررت شيء، لا تعلم هل قرارها صحيح ام لا لكنها ستنفذه، فقرارها لن يفرق بعد ذهابها من هذه الحياة القصيرة.

اوقف اويس سيارته في هذا المكان المهجور، ترجل وأخذ جوانة ليسيرا قليلاً للداخل، اخرج سلاحه وصوبه على رأسها، ضحكت جونة قائلة
- حاسة اني في فيلم اكشن ليه!
بعد قولها رأت احمد الذي كان ينتظرهم، توقف اويس بمسافة ليست قليلة عنه وهتف ليصل صوته ل احمد
- مالك وشك قلب كده ليه؟، عشان شوفت جوانة!، خطتك باظت؟
تنفس احمد بقوة وهتف بحنق
- قول عايز إيه يا اويس
- اللي عايزه سهل اوي، عايز اخد حق حبيبة.

- ماشي حساب حبيبة ده بيني وبينك
ضحك اويس وعقد حاجبيه بإستنكار بجانب نبرته الحادة
- مدام بيني وبينك دخلتها من البداية ليه!
اجاب احمد بطريقة استفزت اويس
- انت اللي أجبرتني وقتها، وغير كده مكنتش ناوي اعملها حاجة بس انت اللي جنيت عليها
- وانت دلوقتي اللي بتجني على اختك مش انا، وانت اللي أجبرتني، نفس كلامك، إيه رأيك!، شايف ان في ظُلم لا سمح الله؟!

سخر في نهاية قوله، رفع احمد يده وتقدم خطوة تلو الأخرى قائلاً بحذر
- طيب نتحاسب انا وانت الاول، ولو طلعت منها يبقى مش هتلمس جوانة
قهقه اويس وهو يشير له بأن يتوقف، تحدث بثقة
- طب اوقف عندك كده ومتقربش اكتر، انا مش غبي عشان تلهيني في الكلام، وكمان خاف مني عشان لو دخلت معاك انت مش هتخرج منها صدقني
لحق اويس قوله بإقترابه من جوانة اكثر، تلاعب بكلماته بمهارة تستفز احمد بل تُصيبة بصدمة.

- وغير كده مراتي هترضى باللي انا عايزه، صحيح انت متعرفش ان اختك مراتي!
سقط فك احمد بصدمة، لم يستطع ان ينطق بحرف من صدمته، جوانة اخته زوجة هذا الحقير الخائن!، ضحك بصدمة غير مستوعب، تهجم وجهه رافضاً تلك الحقيقة
- مستحيل، مستحيل جوانة تكون..
قاطعته جوانة ببساطة
- مفيش حاجة اسمها مستحيل، هو خدعني وخلاني اتجوزه بموافقة مني، وقعني في حُبه
- وقعني في...

رمش اويس بعينيه غير مُصدقاً، كرر قولها الاخير بصدمة، خفق قلبه وهو ينطر لها بعيون مُتسعة، فرفعت جوانة زاوية فمها وهي تبادله نظراته قبل ان تخطف من يده السلاح وتبعد عنه لتصوبه نحوه، فأنقلب السحر على الساحر!
ماذا حدث وكيف أخذته بغتة هكذا؟، لا يدري، حتى انها لم تدعه يستوعب حركتها لتعترف وهي تسخر من نفسها.

- زي ما سمعت، حبيتك انت، بحركاتك المزيفة حبيتك ووقعتني، بالدفا اللي كنت بحس بيه وأنا جمبك والأمان اللي كنت بتخيله وقعني في حبك، انت جيت في وقت كنت محتاجة فيه شخص جمبي ويبقي سندي، انت اصطنعت كل ده وأنا صدقت ووقعت ومحدش سمى عليا
ضحكت بأستياء وهي تتابع.

- تعرف، حاولت أكرهك، أكرهك انت، بس في كُل مرة كنت بكره أفعالك وبس، قلبي رافض يكرهك، انا نفسي مش مستوعبة اني حبيتك للدرجة دي، امتى وإزاي قدرت تخليني بالضعف ده قدامك!
اهتز كيانه لإعترافها، لنبرتها الضائعة وشعوره باستيائها لِم تملكه من حب له، انه لعبء عليها، وعليه أيضاً.
مد يده لها قائلاً
- هاتي السلاح ده مش لعبة
- متخفش مش ناوية اقتلك
ثم صوبت جوانة المسدس على رأسها، ونقلت تنظر ل احمد وهي تقول.

- امشي من هنا، انت ليه جيت اصلاً!، متمسلش انك خايف عليا وأنا اهمك اوي
- طبعا تهميني انتِ اختي، انتِ مني، ازاي تفكري كده!
هتف احمد بعتاب، قابلت جوانة ذلك بتهكم
- ازاي افكر كده!، فكرت كده بعد اخر موقف كان بينا، نسيت!
- قولتلك اني محاولتش اقتلك، مش مصدقاني ليه!
هتف بنفاذ صبر، ابتسمت جوانة وهي ترمق أويس، هزت رأسها وهي تنهي الحديث
- مش مهم انت ولا غيرك
- لا، مهم يا جوانة، متخليش الفجوة تكبر بينا.

نازع احمد وهو يتقدم منها لكنها اوقفته بحدة
- متقربش
- نزلي السلاح يا جوانة
صرخ احمد بقلق حقيقي، استمرت جوانة بسخريتها في حديثها معه
- خايف اموت نفسي!، ولا خايف لأنك في مسرح الجريمة؟
- خايف عليكي طبعا، جوانة انا اخو...

قاطع قوله صوت إطلاق النار، ركض اويس سريعاً حين ادرك انها طلقة غدر!، ركض ليجذب جوانة لحضنه ويختبئ بها ليحميها، ضمها اكثر حين شعر بإرتجافها ليطمأنها، بعد لحظات هدأ الوضع، أبعدت جوانة رأسها عن حضنه وهي تسأله بخوف
- إيه اللي حصل؟
- خليكي هنا، هشوف اي...
قاطعته وهي تتمسك به اكثر، رفضت اوامره
- لا، ممكن يحصلك حاجة
مسح وجنتها بكفه بحنان قائلاً ليُطمأنها
- متخافيش، هشوف بس.

ابتعد عنها ثم ترك يدها وهو يمنحها نظرة دافئة، تخطاها واختفى، وضعت يدها على يسار صدرها الذي يعلو ويهبط، حاولت تهدأة نفسها، نظرت لنفسها لم يُصيبها شيء!، نظرت امامها حين تذكرت احمد، هل اختبئ؟، لا تعلم لِم انقبض قلبها حين تذكرته، وضعت يدها على الحائط وسارت حتى وصلت لنهاية حائط المبنى ونظرت للساحة الفارغة، وجدت اويس يلتفت حوله ناظراً للأعلى، انخفضت حدقتيها لتقع على جسد احمد المستلقية على الأرض، تسارعت نبضات قلبها بخوف وهي تتقدم ناحيته، هناك دماء تلطخ ملابسه، هل أُصيب!

- أحمد!
توقفت خلف اويس مباشرةً وحدقتيها مُعلقة على احمد الذي يلفظ انفاسه الاخيرة كما يبدو، نطقت اسمه بصدمة ونبرة بها ارتجافة خوف!، التفت اويس لها وتقابلت نظراته مع خاصتها لوهلة قبل ان تعود لأخيها، تابعت خطواتها له ودفعت يد اويس بعيداً عنها حين حاول ان يوقفها عن الاقتراب من اخيها، جثت على ركبتيها وحملت رأسه لتضعها على قدمها، بلعت لعابها وتحدثت بصوت متحشرج وقد امتلأت مقلتيها بالدموع.

- احمد مالك؟، احمد انا كنت عايزة اخوفكم بس، احمد الرصاصة مصابتكش انت بتخدعني قوم، انت عامل كده ليه!
صرخت باكية وهي تنظر لحالته، اخذت تشهق بالبكاء وهي تحرك جسده بعنف ليفتح نصف عينيه، حرك شفتيه بقوله الاخير والمتقطع
- انا، اخوكي.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة