قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية غيمة في سمائك للكاتبة مي علاء الفصل الأول

رواية غيمة في سمائك للكاتبة مي علاء الفصل الأول

رواية غيمة في سمائك للكاتبة مي علاء الفصل الأول

‎بين الجدارن الباردة لفيلا أحمد البيومي، يدور ذلك الحديث الخالي من المشاعر و يختلط به شيء من الحدة
‎- قدامك ساعة بس، و إلا هتلاقي الشرطة كوشت على كل اللي تحت إيدك، و انت فاهمني كويس
‎قالتها جوانة بخشونة، فجذبها احمد من يدها بعنف و قال بجانب اذنها بغضب
‎- انا هدخل السجن و انتي هتكوني في قبرك
‎ضحكت و هي تدفعه بعيدا عنها، جلست و هي تقذفه بكلماتها الاستفزازية.

‎- يلا، هروح قبري و اخلص منك
‎- عيب يا جوانة
‎هتفت ندى، فنظرت لها جوانة بإستخفاف ثم نظرت ل أحمد و حذرته بجدية
‎- انا مش بكدب عليك عشان تبقى عارف، أنا معايا إثبات هيدخلك السجن و مش هتخرج منه، حتى أكبر محامين البلد دي مش هيعرفوا يخرجوك
‎ازاح احمد اطباق الطعام من فوق السفرة بغضب و صرخ بها
‎- اللي تقدري تعمليه اعمليه.

‎نظرت جوانة للطعام الملقى على الأرض ثم تنهدت و نهضت، نظرت له نظرة أخيرة جافة و هي تقول
‎- ماشي، كل واحد يعمل اللي يقدر عليه
‎و تركته خلفها و غادرت، اسرعت ندى لتهدأت زوجها بقولها
‎- جوانة مش هتقدر تعمل حاجة، فأهدى و
‎متخفش
‎دفع أحمد يدها و صرخ بها هي أيضا
‎- مين قال إن انا خايف، انتِ هبلة!، انا أخاف من جوانة!

‎قامت جوانة بتغيير ملابسها ثم صعدت سيارتها و انطلقت بها، و خلال ذهابها لمقصدها اتصلت بأحدهم
‎- جهزت اللي طلبته منك؟
‎اجابها الطرف الآخر
‎- ايوة
‎- طب انا اهو في طريقي ليك، استناني في المكان اللي اتفقنا عليه
‎انهت المكالمة و نظرت من خلال المرآة فلاحظت أن السيارة السوداء مازالت تسير خلفها
‎- ذكي اوي يا أحمد.

‎سخرت جوانة ثم زادت من سرعة السيارة و اخذت تقود بمهارة عالية حتى تباطئت السيارة السوداء التي تلاحقها لتظهر سيارة أخرى زرقاء اللون، رفعت زاوية فمها بتهكم و تمتمت
‎- مش عدل الكلام ده، بس ماشي
‎اتت ان تلتقط هاتفها من جانبها لكنه سقط فانحنت قليلاً و اخذت تبحث بيدها عنه و باليد الأخرى تحرك المقود، اخذت تلعن حظها فلم تستطع أن تلتقط هاتفها.

‎نظرت مرة أخرى من خلال المرآة فلم تجد السيارتين فرفعت حاجبيها بريبة ثم إتسعت مقلتيها حين ادركت انها تكاد أن تصطدم بسيارة فأدارت المقود لتتفاداها، فانحرفت سيارتها نحو الغابة و اخذت تنزلق حتى اصطدمت بشجرة ضخمة.
‎شعرت جوانة بألم ثاقب في أنحاء جسدها..
‎رؤيتها غير واضحة و لكن لون الدماء الذي يحيطها و رائحته جعلتها ترتجف بخوف، فهل هذه نهايتها!

‎حاولت أن تفتح باب سيارتها لكن ليس بها قوة لتفعل ذلك لذا التقطت انفاسها الأخيرة قبل ان تفقد وعيها تماما.

‎- حادث إيه!، انا قلتلكم وقفوها مش تقتلوها
‎صرخ أحمد عبر الهاتف و هو يلهث، ثم اردف
‎- انا جايلكم حا..
‎قاطعه الطرف الآخر بصدمة
‎- العربية، انفجرت
‎سقط الهاتف من بين يدي أحمد بصدمة.

‎بعد مرور شهرين
‎- الحق يا دكتور الحق، المريضة صحيت
‎قالتها الممرضة رزان بسعادة، اسرع الطبيب و ذهب مع الأخيرة لغرفة المريضة و اخذ يجري عليها فحوصات سريعة.
‎مرر الطبيب اصبعه أمام وجهها أكثر من مرة و هو يسألها
‎- شايفة صباعي؟
‎- حركت عينيها حركتهاا
‎هتفت رزان بحماس، فسأل الطبيب سؤال آخر
‎- سمعاني؟، طب تقدري تقولي اسمك؟
‎شجعتها رزان
‎- قولي يا سلمى، قولي اسمك.

‎نظر لها الطبيب و تمتم بدهشة
‎- سلمى!
‎ضحكت رزان و أوضحت
‎- انا سميتها كده بدل ما انا مش عارفة اناديها
‎بأية
‎التفت الطبيب للمريضة و تابع حركات فمها البطيئة إلى ان اخرجت حروفها بتثاقل و صوت ضعيف متقطع
‎- جوانة، اسمي، جوانة
‎زاغت بنظراتها حولها بحذر و همست
‎- انا فين؟
‎- إيه؟، عيدي تاني
‎قالتها رزان ثم قربت اذنها منها لتسمع ما قالتها، اجابتها.

‎- انتِ في المستشفى، كنتِ في غيبوبة
‎وضع الطبيب كفيه في جيوب بنطاله و اخبر رزان
‎- عايز منك فحوصات كاملة ليها، النهاردة
‎- ماشي يا دكتور
‎غادر الطبيب و كذلك رزان، لكن الأخيرة لم
‎يمضي على مغادرتها الكثير حتى تعود لجوانة و تنهي إجراء الفحوصات لها، و قبل مغادرة رزان سألتها جوانة بضعف
‎- فين احمد؟، فين ندى؟
‎- مين دول؟
‎سألتها رزان بحيرة، فأجابت الآخرى.

‎- عيلتي، اخويا و مراته
‎- مفيش حد من عيلتك جه
‎- بجد!، هما مش عارفين ان انا هنا!
‎- مش عارفة، بس في حد كان متابع حالتك و بيدفع مصاريف المستشفى
‎غمغمت جوانة و هي تشيح بنظرها، ثم ضحكت بسخرية، فما الذي كانت تنتظره من اخيها، من الذي اراد قتلها.
‎- حافظة رقم اخوكي طيب؟، اتصلك بيه
‎- لا
‎رفضت جوانة بحدة آلمتها بعدها، أخذت تلهث و هي تقول بصوت متعب
‎- ممكن ابقى لوحدي.

‎نهضت رزان و قالت
‎- ماشي هسيبك لوحدك و انا هروح اشوف بقية المرضى
‎- شكرا.

‎مساءً.

‎انتهى الطبيب من التحدث مع جوانة عن نتائج الفحوصات و بجانبه رزان، و قد حدد الطبيب موعد خروجها، سألته جوانة قبل مغادرته
‎- سؤال صغير لوسمحت، ممكن اعرف اسم الشخص اللي دفعلي مصاريف المستشفى
‎- مش عارف الشخص، احنا بتوصلنا الفلوس
‎من خلال البريد، هو بس جه مرة واحدة يوم ما جابك للمستشفى
‎شعرت جوانة بالحيرة و لكنها حقا ممتنة لذلك الشخص.

‎غادر الطبيب، و اتت ان تغادر رزان ايضا لكن جوانة اوقفتها بسؤالها
‎- ممكن تساعديني
‎- اؤمري
‎- محتاجة مكان ابقى فيه
‎- اشوفلك عنيا
‎و منحتها إبتسامة ودودة، أضافت جوانة بإحراج
‎- بس ممعيش فلوس
‎صمتت رزان لوهلة، ثم اقترحت
‎- طب ما تروحي لأخوكي اللي قلتي عليه
‎بعد لحظات اجابت جوانة بتردد
‎- في مشاكل بيني و بينه
‎- بس اكيد لما يعرف انك في المستشفى ه...

‎قاطعتها جوانة
‎- مش عايزة تساعديني قوليلي
‎جلست رزان على الفراش بجانبها و قالت
‎- مش قصدي و الله، بس انا بقترح بس، بس عموما عندي مكان تقدري تقعدي فيه
‎- بس ممعيش فلوس
‎- متقلقيش، هو اصلا بيت قديم شوية بس يقضي الغرض
‎امسكت جوانة بيد رزان و شكرتها بإمتنان.

‎بعد مرور أسبوع
‎فتحت رزان باب الشقة المتهالك، فخطت جوانة خطواتها للداخل و اخترقت رائحة كريهة انفها فشعرت كأنها ستختنق.
‎- الريحة وحشة عارفة، بس هتخف دلوقتي لما افتح الشبابيك
‎طمأنتها رزان و إتجهت لفتح نوافذ الشقة الصغيرة التي تضم غرفتين صغيرتين و مرحاض ضيق جدا و قذر مع مطبخ.
‎صرخت جوانة بزعر حين لمحت فأر، فضحكت رزان ثم قالت
‎- بتخافي من فار!
‎- مفيش مكان غير ده؟

‎سألتها جوانة برجاء، فأعتذرت رزان
‎- اسفة بس مفيش مكان غير ده اقدر أقدمه ليكي
‎ثم تلقت رزان اتصال فأجابت و ظلت تتحدث قليلا ثم اغلقت، أخبرت جوانة
‎- انا همشي دلوقتي و بكرة هاجي اظبطلك الشقة على قد ما اقدر
‎- إيه؟، هتسيبيني لوحدي؟!
‎فزعت جوانة و امسكت بيد رزان، ربتت الأخيرة على كتف الأخرى و طمأنتها
‎- استحملي بس النهاردة و بكرة العصر هاجيلك.

‎- مش هعرف اقعد لوحدي هنا، خليكي معايا، طب انتي رايحة المستشفى؟، خديني معاكي
‎- لا مش هروح المستشفى، هروح لبيتي اصل ليا أم تعبانة و لازم أهتم بيها و اراعيها
‎تعالى رنين هاتف رزان مرة أخرى فتعجلت
‎- لازم امشي دلوقتي، عشان خالتي هتروح و هتسيب ماما لوحدها.

‎و غادرت سريعا متجاهلة توسلات جوانة، فكرت الاخيرة أن تغادر هذا المكان لكنها تراجعت عن تلك الفكرة، اضطرت أن تجلس على الأريكة القديمة التي تعد أفضل شيء قد يستحسن استخدامه، و ظلت تتلفت حولها خوفا من ظهور فأر آخر.

‎سالت دمعة حارة من عينيها لحالتها، كيف كانت و كيف أصبحت، كم هي مثيرة للشفقة، و ذلك بسبب اخيها، لذلك لن تصبح ضعيفة امامها و ستعود لأخيها بعد ان تحصل على أدلة تقضي عليه كما حاول ان يقتلها.

‎اليوم التالي
‎استيقظت جوانة على تمام الساعة السابعة صباحاً، فقد سقطت نائمة أثناء مراقبتها ما حولها، إتجهت للمرحاض لتغتسل و حين فتحت الصنبور تدفقت الماء السوداء القذرة منه فأغلقتها سريعاً و إتجهت للمطبخ لكنها لم تدخله، تنهدت بأستياء و عادت للأريكة مرة أخرى تنتظر مجيء رزان.
‎أصبحت العاشرة لكنها لم تستطع أن تتحمل البقاء.

‎أكثر خاصة أنها شعرت بالجوع، نهضت و اخرجت النقود التي اعطتها لها رزان بالأمس و هما مغادرتان للمستشفى، لم يكن المبلغ بالكبير و لكنه يفي بالغرض حالياً.
‎تجولت جوانة بالجوار محاولة عدم الابتعاد عن المنزل، كان جميع أهل الحي يسلطون نظراتهم لها، وجدت بقالة صغيرة فذهبت اليها و قامت بشراء زجاجة ماء مع فطيرة الجبن و عادت للمنزل سريعا.

‎تناولت الفطيرة بنهم فقد كانت جائعة حقا، دلفت المرحاض و فتحت صنبور الماء و انتظرت حتى تصبح المياة بلونها الطبيعي.
‎أثناء انتظارها سمعت صرير الباب فظنت أن رزان قد اتت فأغلقت الصنبور و أسرعت للخارج و هي تهتف
‎- اخيرا جيتي يا رز...
‎توقفت عن اكمال جملتها حين وجدت شخص غريب داخل الشقة، سألته بريبة
‎- انت مين؟
‎رفع الاخر حاجبه و تهكم.

‎- انا اللي مفروض اسألك، انتِ مين؟، بتعملي إيه في شقتي؟
‎رفعت حاجبيها بذهول و تمتمت
‎- شقتك!، ازاي؟، دي شقة رزان
‎- رزان؟
‎تابعته جوانة و هو يخرج هاتفه و يتصل بأحدهم اكتشفت بعد ذلك أنها رزان
‎- انتي فين؟، تعالي حالا لشقتي، متتأخريش يا رزان
‎عقدت جوانة حاجبيها بحيرة، فلم تعد تفهم شيء، سألته بفضول
‎- انت تعرف رزان؟

‎نظر لها بطرف عينيه أثناء جلوسه و لم يجيبها، فأضطرت هي أيضا أن تنتظر مجيء رزان.

‎بعد فترة وجيزة كانت قد وصلت رزان للشقة و تحدثت معه أمام جوانة و أخبرته بظروفها، و انهت حديثها بقولها هذا
‎- اسفة لأني دخلت شقتك اللي استأمنتني عليها بدون ما استأذنك بس مكنش في خيار تاني
‎بالنسبالي، كان لازم اساعدها
‎و تابعت بتردد
‎- فلو تقدر تخليها قاعدة في الشقة معاك يا أويس، فترة صغيرة بس
‎- لا
‎صدها أويس بحسم، فتدخلت جوانة بلطف.

‎- لمدة شهر بس، و خلال الشهر ده هدور على مكان تاني
‎تنهد أويس بإنزعاج و اخبرها
‎- الناس مش هتسبني في حالي، لا انا و لا أنتِ
‎- مش بيهمني كلام الناس
‎أخبرته جوانة ذلك بجدية، تدخلت رزان و قالت
‎- شهر يا أويس، شهر بس، ها؟
‎تأفف بضجر و غادر الشقة، فإبتسمت رزان و قالت بسعادة
‎- وافق، واافق
‎رفعت جوانة حاجبها و سألت
‎- ازاي؟، ده خرج.

‎- أنا عارفة أويس كويس جدا و عارفة معنى تصرفاته، اصل هو لما يتأفف كده و يسيب المكان و يمشي أفهمي انه وافق على اللي طلبتيه، اصله زي اخويا
‎غمغمت جوانة متفهمة، و إبتسمت.

‎بدأت السماء تظلم، و جوانة جالسة على الأريكة لترتاح بعد ان نظفت بصعوبة الغرفة التي أخبرتها رزان أنها ستصبح غرفتها لأن الأخرى ل أويس.
‎عاد الأخير و كان معه رجلين، اراهم المنزل سريعا ثم غادرا قائلين انهم سيأتون في الغد ليقومان بعملهما، أثناء ذلك كانت جوانة قد أخذت ما بداخل ذلك الكيس الذي أحضره أوس من أطعمة خفيفة و بدأت في تناولها.
‎- مين سمحلك تفتحي الكيس و تاكلي اللي فيه؟

‎صرخ أويس بإنزعاج بعد ان وقع نظره عليها، فزعت جوانة في البداية، نظرت له بإحراج و همست
‎- كنت جعانة، اسفة
‎زفر بضيق، مضى و اخذ حقيبته و إتجه للغرفة
‎التي قامت جوانة بتنظيفها فأنتفضت الأخيرة من مكانها و اسرعت لتمنعه
‎- رايح فين؟، اوضتك التانية
‎نظر لها بنفاذ صبر و قال بهدوء
‎- دي شقتي على فكرة
‎- و يعني؟
‎- يعني انام هنا و لا هناك براحتي.

‎- بس رزان قالتلي أن اوضتك التانية و...
‎قاطعها و هو يتخطاها ليدخل للغرفة
‎- ازاي انام في أوضة متوسخة في حين أن في أوضة نضيفة!
‎- طب و انا انام فين؟
‎اجابها بعدم إكتراث
‎- في الأوضة التانية أو الكنبة
‎- بس...
‎لم يسمح لها بالاعتراض حيث تابع بصرامة
‎- و لو مش عاجبك تقدري تمشي.

‎انهى قوله و اخرجها من الغرفة و اغلق الباب، تنهدت جوانة بإستياء و إتجهت للأريكة و اراحت ظهرها قليلا و اخذت تفكر بروية هذه المرة، هل لا بأس في ان تسكن مع رجل غريب؟، رجل بارد كهذا؟، هل من الممكن أن يؤذيها؟
‎عادت لتجلس، نظرت للباب المغلق بريبة ثم ضحكت بإستخفاف
‎- ده مش بيبصلي بطريقة عدلة حتى، فإزاي هيأذيني!

‎ضمت كفيها و نظرت امامها و تابعت تفكيرها، حيث وجدت في النهاية أنها إذ غادرت هذا المكان لن تجد مكان آخر تذهب إليه، و هذا الذي لا تريده.

‎اليوم التالي
‎استيقظت جوانة على اثر الضوضاء التي حولها، اعتدلت فلم تجد نفسها نائمة على الأريكة و إنما كانت في الغرفة التي نظفتها، عقدت حاجبيها و نهضت لتخرج و لترى ما سبب تلك الضوضاء و ما سبب استيقاظها في الغرفة.
‎وجدت الرجلين التي رأتهم أمس موجودان فأدركت انهم أتوا ليقوموا بالعمل الذي طلبه أويس.

‎إتجهت للمطبخ الذي أصبح نظيف و الذي لم يحتاج أي تجديد، وجدت أويس واقف يعد الإفطار، فأصدرت معدتها صوت يظهر انها جائعة، نظر لها أويس من فوق كتفه ثم عاد كما كان، اتت ان تخرج لكنه اوقفها بقوله
‎- تعالي كلي
‎شعرت بالسعادة و إتجهت له سريعا لتتناول الطعام.
‎- ممكن سؤال
‎قالتها جوانة بعد ان بلعت الطعام الموجود داخل فمها، فوافق، لتسأل بعدها
‎-انت عندك كام سنة؟
‎- ده سؤالك؟

‎- لا، بس جه على بالي اسأل
‎ضحكت و هي تجيبه، نظر لها و اخبرها
‎- عندي تلاتين
‎- اها، طب سؤال كمان
‎- آخر سؤال
‎قالها بهدوء، فأومأت برأسها و قالت بلطف
‎- بص مش قصدي اني بقلل من قيمة الشقة بس انت ليه بتشطبها، يعني الشقة قديمة و...
‎قاطعها ليجيبها
‎- ده بيت اهلي، و هو الذكرى الوحيدة الباقية ليا منهم، فمش معنى انه قديم و صغير يبقى اهمله
‎عاد و نظر امامه وهو يضيف.

‎- و غير كده انا مش بشطب الشقة و لا بجددها انا بصلح الحاجات اللي محتاجة تتصلح زي الشبابيك و الارض اللي مكسورة
‎غمغمت متفهمة و ساد الصمت لدقائق الى ان قاطعه هو
‎- مش ناوية تشتغلي؟
‎وضعت كأس الماء جانبا و اجابت
‎- فكرت، بس مش عارفة اشتغل إيه و فين
‎- كويس انك فكرتي، اصل مش هقعدك في شقتي ببلاش
‎- و انا مكنتش هرضى بكدة.

‎قالتها و هي تخفض رأسها فقد احرجها قوله قليلا، نظر لها أويس و قال
‎- طب انا لقيتلك شغل
‎- بالسرعة دي!
‎- هو مطعم صغير لراجل أعرفه محتاج حد يساعده
‎إبتسمت بإحراج و أخبرته بخفوت
‎- بس انا مبعرفش اعمل اكل و لا أقدم و لا...
‎- هتتعلمي
‎قاطعها بجفاء، غمغمت موافقة دون رضا، سألته
‎- كام المرتب بقى؟
‎- حسب شغلك و كفاءتك هيديكي
‎انهى جملته و غادر، و لكنه عاد و اخبرها.

‎- نص ساعة و هاخدك ليه، اصلك هتبدأي شغل من النهاردة
‎- نعم!
‎هتفت بإستنكار، تجاهلها و غادر.

‎داخل المطعم
‎كان أويس يتحدث مع مالك المطعم و زوجته، و كانت جوانة تقف بعيدا تنتظر استدعائه لها، بعد دقائق قام باستدعائها فذهبت له.
‎- عالساعة تسعة كده هاجي اخدك، متتحركيش من هنا عشان مش هتعرفي ترجعي للبيت و رزان هتوجعلي دماغي لو حصلك حاجة
‎- ماشي
‎- هسيبك دلوقتي مع الحج راضي يعرفك هتعملي إيه.

‎غادر أوس تاركاً اياها مع راضي الذي هز رأسه بإنزعاج و جلس، تحدثت زوجته فتحية مع جوانة و أخبرتها بما تفعله، و بدأت الأخيرة في العمل مباشرة.
‎نظفت الطاولات و قدمت الطعام نصف الوقت و النصف الآخر من وقت العمل اخذت لتغسل الأطباق بناء على طلب فتحية.
‎أصبحت الساعة التاسعة مساءً و لم يصل أويس بعد، كانت جوانة تشعر بالإرهاق و التعب الشديد، اتت ان تجلس على الكرسي وجدت فتحية تخبرها بجفاء.

‎- احنا عايزين نقفل المحل، استنيه برة
‎- بس...
‎اتت جوانة ان تقول شيء لكن راضي قاطعها
‎- معلش يا بنتي مستعجلين
‎هزت جوانة رأسها و غادرت بخوف، اغلق راضي المطعم و اتى أن يغادر لكن جوانة اوقفته
‎- طب ممكن تتصل بيه تشوفه فين
‎- اتصلت بيه فعلا و مش بيرد
‎- طب انا هعمل إيه دلوقتي؟، أفضل مستنياه و لا امشي!

‎حدثت نفسها بتوتر، تابعتهم و هم يغادرون، جلست على الرصيف تنتظر مجيئه في هذا الجو
‎البارد مع ألم جسدها و رغبتها في النوم.
‎مرت ساعة كاملة و هي تنتظره و في النهاية اتى، نهضت بلهفة و عاتبته و هي تكاد أن تبكي
‎- كنت فين؟، كنت مستنياك، و انت اتأخرت اوي
‎اعتذر أويس لكنه لم يبرر سبب تأخيره، و أضاف
‎- يلا نمشي؟
‎اومأت و سارت بجانبه، سألته
‎- لازم اشتغل في المطعم ده؟

‎- مش عاجبك الشغل فيه؟
‎استفسر أويس، اجابته
‎- أعتقد اني مش هقدر اكمل شغل مع نظامهم ده
‎هز رأسه و قال بعد صمت
‎- المطعم ده هو المناسب ليكي و الراتب اللي هتاخديه احسن من أي راتب في شغلانة تانية
‎اخفضت رأسها بأسى، ثم صرخت أثناء تعثرها
‎بصخرة لتسقط في النهاية.
‎- كويسة؟

‎جثى أوس على ركبتيه بجانبها و هو يسألها، نظرت جوانة ليديها التي جرحت و اخذت تبكي بحرقة، و كأنها كانت تنتظر شيء سيء يحدث لها لتطلق لدموعها العنان، فكل شيء مرت به في هذا اليوم كان صعب عليها.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة