رواية غوى بعصيانه قلبي الجزء الثاني للكاتبة نهال مصطفى الفصل الرابع والعشرون
لم يخل القلب الذي اعتاد القلق من طرح الأسئلة الشائكة ظنًا منه بأن الأمان الذي يعيشه يختبئ خلفه شبحًا مخيفًا كأيامه السابقة. ليرسو على ضفة ذلك السؤال حائرًا:
- هل أحببتني حقاً؟ أم ان الدنيا رمتني لك عوضًا عن أحدٍ فقدته؟
خُلق القلب عصيًا.
-عُمرك ما فشلتي تبهريني بجمالك يا حياة!
مال ناحية أذنيها وقال جملته مغرمًا مُتيمًا بجمالها الساحر والخاطف لجميع الأنظار. أطرقت بخفوت: -تعرف أن ده كمان له تفسير في علم النفس.
مط عاصي شفته بإعجاب: -فهميني!
وضعت ساق فوق الأخرى بأناقة وهي تهمس له: -معنى أنك تشوف حبيبك كل مرة أجمل من اللي قبلها ده معناه أن الحُب في قلبك لسه حي ومتجدد.
ثم ضمت كفه بحب وأكملت: -ودي من أكتر الحاجات اللي كنت بتمناها مع الشخص اللي هيكون جوزي. كنت خايفة من روتين الجواز المُلل اللي الكل بيشتكي منه.
رفع كفها لمستوى ثغره وطبع قُبلة رقيقة عليه ثم قال: -اللي يعرفك لازم يحبك كل دقيقة بطريقة مختلفة، مش كُل يوم!
تمتمت بخجل: -عاصي بيبصوا علينا!
-سيبك منهم.
علي حدة ارسل هاشم مدكور رسالته لهدير التي تنتظر معه نتيجة الإنتقام من عاصي وقال برسالته: -أي حكاية البنت اللي معاه دي؟
ردت هدير كتابة: -دي مراته.
فأرسل: -ملهاش سكة يعني!
رفعت هدير حاجبها وكتبت له: -أنت عايز أيه!
ارتسمت ضحكة خبيثه على وجه هاشم وكتب لها: -هبعدها عن طريقك!
هدير بسخرية: -كان غيرك أشطر، عبلة المحلاوي بجلالة قدرها فشلت في ده!
أشعل هاشم سيجارته بتحدٍ: -بس متعرفيش هاشم مدكور لما يحط حاجة في دماغه بيعمل أيه!
في تلك اللحظة جاءت مكالمة هاتفية لعاصٍ، ف رد مكتفيًا بكلمة: -معاك!
ثم بعدها الكثير من الإيماءة والكلمات التي لا تحس على فهم مغزى المكالمة، حدجته حياة بغرابة على غموضه المثير للذهن حتى فتحت هاتفها بعشوائية لتتسلي به ويلهوها عن التركيز معه حتى ختم مكالمته: -زي ما قولت لك، بهدوء وبدون شوشرة...
قفل هاتفه ثم مده للخلف ليعطيه لحارسه الشخصي معتدلًا في جلسته وقال: -العرض هيبتدى.
شد أعصاب من الجميع في انتظار المهرجان السنوي والعالمي للمشغولات الذهبية الفاخرة. وكل علامة تجارية تتقدم بأحدث عروضها للموسم الجديد والأشكال التي تميزها. عرض وراء الأخر والجميع ينتظر أكثر العروض التي ستنال إعجاب الجميع والإقبال عليه...
جاء في المُقدمة العرض السينمائي لتصاميم هاشم مدكور والتي تتطابق مع الفيلم التصوير الذي قامت به هدير، مع لحظة همهمات الجماهير وإعجابهم بالتصاميم المستوحاة لشركات مدكور البعيدة كل البعد عن أشغاله القديمة.
في تلك اللحظة تحولت شكوك عاصي ليقين ناحية عدوه اللدود. تحولت نظرات هدير لراحة أكبر وهي تراقب شماتة هاشم الذي وقف بتفاخر يُرحب بالضيوف ويشكرهم على ثقتهم بعروضه. نظرة سريعة كانت من عيني عاصي إلى هدير التي استقبلتها بابتسامة هادئة وغامضة كأن هناك سر مجهول بينهم.
تفوهت حياة بإعجاب: -ذوقه حلو. والتصاميم فيها لمحة تخطف أي حد.
ثم نظرت إليه عندما لاحظت شروده: -عاصي! أنت معايا.
-معاكي. استعدي عشان دورنا جاي.
جلس هاشم على مقعده بفظاظة وهو ينتظر سحق خصمه ومنافسه الأكبر بالسوق. ينتظر تصاميمه المسروقة التي أن فشلت في تحقيق البلبلة. يكفي بأنها ستفوت الموسم على عدوه. كتب رسالة نصية لهدير: -فكريني أحلي لك بؤك.
ردت هدير بغموض: -لسه الأحلى جاي!
هنا بدأت بوادر الفيلم التصوير الخاص بحورية البحر، التي ترتدي أبهظ وأفخم المشغولات المميزة والساحرة. من حيث الوجه الإعلامية وجمالها الخلاب الذي يمنح التصميم رونقًا خاصًا به إلى براعة وأناقة التصاميم الفنية التي تقوم بعرضها.
صورة وراء الأخرى ولم يزد الجمهور إلا ابنهار وتسابق على حجز تلك المشغولات الرائعة. وفي نفس اللحظة تبدلت نظرات هاشم إلى الغضب والحقد. ولى رأسه لهدير وكأنه بتوعد لها قائلًا في سره: -اااه يا ولاد ال! أما وريتكم؟
ربتت هدير على كتف عاصي الذي التفت للوراء فقالت بحفاوة: -مبروك يا عاصي.
فقال: -كله بفضلك!
اكتفت برسم ابتسامة خفيفة: -البزنس بعيد كل البعد عن المشاكل الأسرية! وأنت عارف أني بعرف أفصل كويس.
انعقد حاجبي حياة باستغراب وتمتمت: -عاصي!
ضم عاصي كفها ثم أكمل حديثه مع هدير: -مشروع العلمين في انتظار ادارتك. من بكرة لازم تكوني هناك.
ارتدت هدير حقيبتها من ماركة شانيل وهمت بالمغادرة: -تمام. همشي أنا.
انصرفت هدير ودار الحوار بين عاصي وحياة كالآتي: -عاصي هو في ايه!
-زي ما سمعتني.
-فهمني بدل ما أنا مش فاهمة حاجة كده.
تمتم عاصي موضحًا: -كل العروض اللي انبهرتي بيها لهاشم مدكور دي من تصميمي. وللاسف هو سرقها مستغل المشاكل بيني وبين هدير، وهي رجعت لي في الأول واتفقنا أنها تنفذ كل كلامه، وده سبب أني استعنت بيكي ف التصوير وأحنا مسافرين. لأن مكنش عندي وقت ولا ثقة في حد غيرك.
جاء يسري من الخلف مهللًا: -مبروك يا بص، الاستف مش ملاحق على حجز التصاميم، تقدر تقول بالبلدي أنت الهيرو الليلة!
تقدم هاشم يجر خيبته وشظايا نيرانه وصافح عاصي بمكر: -لسه الجولات جاية كتير!
وقف عاصي مبتسمًا ثم قال: -يا راجل وأنت لسه فيك صحة تنزل الملاعب! أنت على الدكة.
انكمشت ملامح وجه هاشم وهو يمد يده لحياة بنظرات نارية: -احلى وجه إعلامي شافته الكاميرا.
رمقت عاصي بحيرة عن مصافحته، فاقتحمت عاصي كفه مرة أخرى وقال: -نورت يا هاشم بيه.
رمقه يسري بشماته وهو يقول: -عارف الطريق ولا أجي أوصل معاليك.
طالعه هاشم بسخط: -لا عارفه.
انصرف هاشم وتلاحقت الصحافة والإعلام على عاصي وحياة بمطر من الأسئلة الاستجوابية حول علاقتهم وجمال التصميم التي خطفت الأنظار والقلوب وتنافس الجميع على اقتنائها فوشوشت حياة لعاصي: -أنا مش بحب الجو ده يالا بينا.
-ولا أنا.
ثم نظر ليسري نظرة فهم مغزاها وتسلل هو وحياة بخفة حيث وقف يسري أمام الصحافة قائلًا: -انا هجاوبكم على كل اسئلتكم. اتفضلوا.
بالقصر
-الساعة داخلة على واحدة وأنت لسه اللي جاي!
قالت شمس جملتها وهي تغادر مكتبها وكتابها الذي لم تخرج منه بمعلومة مفيدة بس رأسها المشغول بغياب تميم. نزع سترته البنية وقال:
-في أيه بس فهميني!
شمس بنفاذ صبر: -أنا اللي عايزة أفهم يا تميم، هو في أيه؟ بتخرج وترجع متأخر وتبات بره البيت! أنا من حقي أفهم في أيه؟ لو وجودي تقيل عليك قول ونحلها، لكن جو التطنيش ده وتتعامل معايا كأني مش موجودة بصراحة مش عاجبني.
وقف أمامها بهدوء وهو يضع يده على وجنتها بلطف وقال بنبرة خفيفة يملأها الغرور: -كان ممكن توفري كُل المقدمة الطويلة دي، وتقولي إني بوحشك.
لا توجد كلمات سهلة وكلمات ثقيلة كل الكلمات سواء إلا أن تلمس كلمة واحدة نقطة شائكة بالقلب تعمدنا إخفاءها حتى عن أنفسنا. توارت شمس خلف ثرثرتها الغريبة:
-أنت فاكر لما تغير الموضوع هنسى وهتهرب من الرد على كلامي!
-أنا لا غيرت كلامي ولا هربت، أنا بحاول اترجم عصبيتك دي كلها!
وضعت يديها بخصرها وقالت معترضة: -كمان! أنا مش متعصبة ولا حاجة يا بيشمهندس، هو كل ده عشان بقولك اتأخرت ليه؟
تعمدت سن سيف البرود بوجهها وقال: -أصل سؤالك مش منطقي ياشمس في وضعنا، يعني اللي تسأل السؤال ده تكون واحدة مستنية جوزها بفارغ الصبر عشان يقضوا وقت لطيف مع بعض في نهاية يومهم. أما أحنا مش باين لنا ليل من نهار!
أحمر وجهها بدماء الخجل والغضب معًا حتى قالت بتلقائية: -تصدق أنت صح، وأنا أصلًا غلطانة أني قلقت عليك وواقفة أعتابك وأنت ولا على بالك، مقضيها هنا وهناك مع ست سهير بتاعتك. وأنا بصريح العبارة كده، النظام ده مش عاجبني.
جلس لينزع على مقعده حذائه وقال بهدوء: -ولا عاجبني.
دنت منه محاولة إخفاء مشاعرها ولكنها فشلت: -كويس أننا متفقين. الوضع ده أخرته أيه؟
تميم براحة لا يعلم من أين سكنته: -أنتِ اخترتي تكوني بعيد وتتجاهلي مشاعري، وأنا كمان اخترت مجبركيش على حاجة.
أكثر من يثير جنون أي إمراة هو استسلام الرجل في ساحة حُبها، أخذت تعض على أناملها حتى قالت بحنقة وهي تهرب إلى النوم: -تمام، اقفل النور عشان عايزة أنام.
تأففًا مغلوبًا على أمره: -نامي يا شمس، نامي.
ثم دنى منها موشوشًا بآذانها: -المفروض الست العاقلة متغرش، لأن الغيرة أعتراف صريح أن في ست احلى.
-أنا! أنا تعمل معايا كده ياعاصي! وديني لأعرفك مين هي عبلة المحلاوي.
تجوب غرفة الفندق ذهابًا وأيابًا وهي تتحدث مع نفسها وثرثر بغمغمات غير مفهومة حتى تدخل فريد حاملًا كأسًا من النبيذ:
-روقي دمك يا حبيبتي، مفيش حاجة مستاهلة!
-بقا أنا يمنعى من دخول بيتي اللي بنيت فيه طوبة طوبة؟ هو مش عارف إني ممكن أهد الدنيا فوق دماغه!
قال فريد: -أهدي يا حبيبتي ده مهما كان ابنك وبكرة يتقبل وجودي في حياتك وتتصافوا.
أخذت من الكأس بتردد ثم قالت: -أنا بدأت معاك اللعبة دي وعملت عبيطة، ولازم نكملها للآخر.
تبدلت ملامحه الحائرة في دروب الاسئلة: -قصدك أيه يا حبيبتي.
-اسمع يا فريد، أنا مش واحدة هبلة هتصدق أنك حبيتها عشان تتجوزها! دا أنا بدور بلاد من مكاني.
ابتسامة باهته رُسمت على محياه: -ليه بتقولي كده!
-ليه وأنا غبية عشان أقول غير كده؟ أنت جيت لسكتي عشان ترجع بنت عمك اللي أنت بتحبها وكُنت خاطبها وتنتقم من عاصي.
برر فريد مكذبًا كلامها: -انتِ فاهمة غلط أنا...
قاطعته بحسم: -فاكرني مغفلة. هزعلك، تستغفلني بمزاجي ممكن هعديهالك. اسمعني، أنت عايز بنت عمك وأنا عايزة ابني، وكده حددنا أهدافنا عشان نبقى على نور.
تردد قائلًا: -عبلة بس...
ردت مقاطعة: -ايه لسه مصمم تكذب! أنت ما بتشوفش نظرتك ليها عاملة أزاي؟ متقلقش، هدفنا واحد. أحنا مع بعض مش ضد بعض يا فريد.
فريد بتفكير: -ناوية على أيه!
شردت في بحور شرها: -هقول لك. بس سيبني أرتبها.
-عالية! أنتِ هتباتي في الحمام الليلة دي!
أردف مُراد جملته وهو يقف خلف باب الحمام ويطالع ساعة يده قائلًا جملته بنفاذ صبر، تفوهت عالية بتردد وهي تقف خلف الباب بقلق:
-خلاص، خلصت أهو!
فتحت الباب ببطء ثم خرجت إليه بتوجس، ألقت نظرة سريعة على الشموع والعشاء الرومانسي الذي ينتظرها. حدجها مُراد باستغراب:
-أيه ده؟ أنتِ هتنامي بالجينز والصوف ده. وأنا ال فكرت يعني.
رفعت عيونها اللامعة إليه: -فكرت أيه؟
اقترب مراد منها وهو يغازل شعرها البني وقال: -يعني التأخير ده كله في الحمام وراه مفاجأة كده ولا كده! أنا في مقام جوزك يعني؟
ضغطت على شفتيه بإحراج وسألته: -أنت اتاخرت ليه؟
-قولي أنك زعلتي عشان سبتك الكام ساعة دول.
قفلت جفونها الفائضة بالحب: -لا والله مش قصدي، بطمن عليك بس...
-إذا كان كده وبس ماشي، روحت الشركة مضيت شوية أوراق وجيت على طول. أيه هنقضيها كلام وبس!
انتفضت بين يديه مذعورة: -عايزنا نعمل أيه؟
-أيه الخوف ده كله، قصدي نتعشى ولا هننام بالجوع.
-أها. تمام نتعشى.
-عالية أنتِ كويسة.؟
-انا كويسة ما تقلقش عليا.
طبع قبلة خفيفة على وجنتها وقال: -معنديش أهم منك عشان أقلق عليه.
كاد أن يسحبها من يدها إلى طاولة العشاء ولكنها أوقفته بشكل مفاجئ وارتمت بحضنه بشوق يقاسم قلبها وهي تتشبث بأصابعها العشرة بملابسه وتخبره:
-أنتَ وحشتني أوي، ممكن متغبش عني تاني.
لقد بدأ جبل الجليد ينصهر في حضرة براكين الحب الملتهبة. ضمها إليه بحب ليستريح فؤاده من عذرية حبها الذي تتعلم معه كل شيء كأول مرة وقال ممازحًا:
-طلعنا بنعرف نقول كلام حلو أهو.
فارقت حضنه وهي تجفف عبرات شوقها وقالت: -مُراد، أنا عارفة أني ناقصني حاجات كتير، ومش عارفة ازاي ممكن أسعدك، أنا عاملة زي الطفل اللي بيتعلم المشي ومحتاج حد يسند عليه طول الوقت لحد ما يقدر يمشي لوحده.
ثم دنت منه خطوة إضافية: -اعتبرني الطفل ده، اللي عايز يتعلم كل حاجة منك، قول لي اللي بيسعدك وأنا هعمله. عرفني ازاي أخليك أسعد راجل في الدنيا.
ثم عضت على شفتيها بإحراج وهي تتحاشى النظر إليه: -أنت أول راجل في حياتي. وفي حاجات كتير أنا معرفهاش، حتى. قصدي لما كُنا مع بعض وو.
ثم تنهدت بارتباك وترجته: -هتستحمل سذاجتي وجهلي!
مسح على شعرها بحب: -عالية أنتِ كده مميزة مش عيب فيكي ولا حاجة. أنا بحبك زي ما أنتِ كده، عالية بقلبها الأبيض وطيبتها وبراءتها. أنا بحبك وهفضل أحبك مهما حصل.
ثم غمز بطرف عينه ممازحًا: -وأنا متأكد أنك شطورة وهتتعلمي بسرعة.
فضمها إليه لتقرب وأكمل مداعبتها قائلًا: -بس بجد، أنتِ مكنتيش تعرفي أي حاجة عن أمور الجواز دي والحياة العاطفية!
-وأنا هعرف منين؟
-امم! الحاجات دي فطرة فينا وغير كده يعني عمرك ما شوفتي فيلم رومانسي مثلًا كده وكده؟
ردت بعفوية: -الفُرجة على الأفلام دي حرام!
هز رأسه متحسرًا: -ااه قولت لي حرام. طيب حد من صُحابك اتكلم قُدامك؟ يعني البنات بتحب تتكلم.
ردت بتوجس: -معنديش صُحاب.
ضحك ممازحًا: - أنتِ متعرفيش حاجة عن الأحياء يا بنتي!
ابتسمت بحياء: -أنا كُنت علمي رياضة. مأخدتش أحياء.
أزاح خصلة من شعرها وراء أذنها وقال: -سيبك من كل ده طيب، نسأل الاسئلة المهمة. حبيتِ وقتنا مع بعض!
هزت رأسه بإيماءة خفيفة وعيون مقفولة وقالت بخجل وهي تفتح عينها لتطل عليه: -أنا حبيتك أنت، فطبيعي أحب أي حاجة معك.
الكلِمَات الرقيقة، إحتِواء مِنْ نَوع آخر. حملها مراد بشغف ودار بها بالغرفة كلها معبرًا عن فرحته باعترافها الصريح وإعلان الحب عليه، فمن الآن أصبحت ملكًا له بدون أي حواجز أخرى. اليوم أعلنت قبولها له ك حبيب ورفيق لدرب العُمر معًا. رسى الثنائي بجوار طرف مخدعها حيث بدأت يداها تتسلل لتُحررها مما ترتديه. فسألته بإحراج:
-مراد، أنت بتعمل أيه؟
-حاسس الصوف ده خانقني وخانقك. عايز أريح منه.
تراجعت خطوةً الخلف وغمغمت باسمه قبل أن يُلبي النداء بقُبلة ملتهبة على شفتيها ويعيش معها أجواء أخرى مفعمة بالحياة والحب الذي يرمم القلوب المشروخة.
فاض الدّلالُ من الدّلال تخيّلُوا
كيف النّدَى فوقَ الزّهُورِ تكلّلا
القتلُ في شرعِ الإلهِ محرمٌ
وبشرع حُسنِكَ لا يزَالُ مُحلّلا.
نزعت حياة حذائها ذا الكعب المرتفع على باب القصر مستندة على ذراع عاصي كي تتخلص من الألم الذي سببه لها. فمال على أذانها قائلًا:
-طيب أشيلك بدل التعب ده كله!
-لا حابة أمشي جمبك واسند على كتفك. شعور مختلف وجميل.
فمازحها قائلًا: -وحضني كان زعلك في حاجة؟
تبسمت بحب وأقرت معترفة: -العالم كله يزعلني، وحضنك الوحيد القادر يصالحني.
كاد أن يقبلها امتنانًا عن جمال كلماتها ولكنها تراجعت للوراء رافضه: -بس بقا عيب، حد يشوفنا على السلم.
ارسل لها نظرة توعد ثم قال: -أنا الليلة مبسوط ومتحمس أوي.
ضمت ذراعه إلى صدرها بحب: -وأنا أسعد واحدة في الدنيا مادام أنت فرحان.
لم يكبح رغبته في حملها بين يديه لتكون بقربه أكثر فأكثر. تعلقت بعنقه ثم قالت: -غاوي تعب وخلاص!
أصدر صوتًا نافيا وهو يقول: -تؤ! غاوي قُربك.
اكتفت بالتعلق بعنقه أكثر وهي تتنهد بفيض حبها في جدار رقبته ثم همست متسائلة: -مفيش خبر عن أخواتي يا عاصي.
-أنا مش ناسي على فكرة، وقريب أوي هتسمعي خبر يفرحك.
ابتعدت عنه بفرحة: -بجد! أنت عرفت حاجة؟
-رجالتي لقيوا واحد تبع البلطجية بتوع فريد. واعترف بالحقيقة وقال انهم عايشين، وقالوا لفريد انهم ماتوا عشان يخلصوا من شره. بس لحد اللحظة دي لسه معرفتش مكانهم. بس قُرب اوي هعرف وهجمعكم.
ردت الحياة بوجهها وهي تستقبل خبر وجود أخواتها على قيد الحياة: -بجد يا عاصي، يعني مفيش احتمال انهم، اووف الحمد لله، بجد الحمد لله.
ثم طبعت قُبلة على وجنته وقالت بلهفة: -أنا بحبك أوي. ربنا ما يحرمني منك.
وصل الى أعتاب غرفتهم فأنزلها برفق كي يفتح الباب. هبطت من تل حبه ووقفت أمام الباب معاندة: -أنت ماقولتش ليه أنك بتحبني أنت كمان!
ابتسم بوجهها وهو يحاول ان يمسك بمقبض الباب ليفتحه: -من غير ما أقولها. المفروض تكون اتأكدتي.
أفشلت محاولته في فتح الباب ووقفت أمامه مترنحة: -لا أنا بحب اسمعها كل 3 دقايق. لما أقولك بحبك. تقول وانت كمان بتحبني. بتحبني اوي. بتحبني أوي أوي. بتحبي خالص.
إنّما باللطفِ تبلغُ في القلوبِ مقامًا. سند يده على الباب المقفول خلفها وانحنى لتقبيل شفتيها المتقطرة بالعسل. كان تقبيله لها في تلك المرة مختلفًا كمن وقع على بستان من الزهور وأخذ ينفرد بكل زهرة على حدة، وكأن حدائق بابل التي أختَفت وجدها مُعلقة على إمرَأة فأقبل عليها لينعم بها. ذابت بين يديه وتحت سحره حبه المنثور فوق ملامحها كزبد ذائب فوق الخبز الساخن حتى ختم جولته من أفعال الحب قائلًا:.
-أنا وقعت في حُبكِ يا حياتي.
فتحت له باب قصرهم الصغير بعدما روى غرورها الانثوي وقالت بدلال: -دلوقتِ وبس اسمح لك تتفضل.
-ماشي يا ستي، من حق الجميل يدلع براحته.
ثم أقبل نحوها وقال: -عندك فكرة هنقضي الليلة ازاي؟
فكرت لبرهة ثم قالت: -أي رأيك ننزل نعمل أكل سوا.
عقد حاجبيه كأنما الفكرة لم ترق له وقال: -أيه رأيك أنتِ في شاور دافي من أيديكي زي بتاع الصبح.
هزت رأسها متدللة: -لا مش موافقة.
-ليه بس!
عانقته بدلالِ: -عشان حبيبي محتاج يتربى شوية.
ضحك بصوت مسموع وهي يطوق خصرها: -كده أنا متربي على فكرة.
ردت ساخرة: -ااه اوي. هغير وننزل أعزمك على عشا رايق من أيديا وهوت شوكليت وأحنا بنسمع أم كلثوم، قلت أيه!
-قلت اللي تشوفيه.
غير الثنائي ملابسهم ونزلا إلى المطبخ حيث شرعت حياة في إعداد عشاء لهم. فتدخل عاصي قائلًا: -أساعدك في أيه!
-أيه رأيك في تاكل ريزو بالاستربس الحار.
-أي حاجة من أيديكي هاكلها.
شرعت أن تبحث عن البصل حتى وجدته وقالت له: -قطع دي. لحد ما أجهز الرز.
بدأ في تقطيع البصل بدون نزع القشرة الخارجية بأحجام غير متناسقه حيث عكس فشله الذريع بخبرته بأمور الطهي. دنت منه حياة بدهشة: -أنت بتعمل ايه؟
-عملت حاجة غلط!
-أنت معملتش حاجة صح.
ثم دفعته بجانبها بلطف: -وسع كده.
تخلصت مما قطعه بصندوق القمامة ثم أحضرت واحدة أخرى وأخذت تعلمه كيف يتم تقطيع البصل بدء من تقشيره ثم تقسيمه لحلقات رفيعة وبعدها لمكعبات. ألقت نظرة سريعة عليه وقالت:
-على فكرة أنت جاي تعطلني مش تساعدني!
عقد ذراعيه أمام صدره فبرزت عضلاته قائلًا: -دي مكنتش بصلة يعني!
ثم سحب منديلًا واقترب منها وأخذ يجفف دموعها المترقرقة بسبب البصل وقال: -بقا العيون الحلوة دي تعيط!
فرغت البصل بداخل الإناء ثم أخذت المنديل منه وقالت: -كله يهون عشانك. هاا هتعرف تقلب البصل من غير ما تحرقه ولا خايب في دي كمان.
-خلي بالك، أنتِ كده بتقللي من قدراتي ولن اسمح.
-ربنا يستر.
مدت له الملعقة الخشبية بتحدٍ ثم ذهبت إلى المبرد وأخرجت الاستربس منه لتُحمره وتعد صوص الريزو المميز. أخذ يُراقبها بإعجاب يتقاذف من عينيه حتى سها عنه أمر ما أخصته بحراسته. ركضت نحوه بلهفة وهي تهدأ النار وتضيف الرز سريعًا قبل أن يغمق لون البصل أكثر وهي تعاتبه:
-شوفت اللي خايفة منه حصل أهو. لو سمحت هاتلي الباربكيو اللي هناك ده.
أحضر لها ما طلبته وأتمت طهي الوجبة وإضافة لمساتها عليها حتى حان وقت ضبط الملح. تذوقت ماء الرز بعناية حتى رفعت نحو ثغره المعلقة: -دوق كده تمام!
تذوق الماء رافعًا حاجبه بإعجاب ثم قال: -هو حلو. بس حاسس أنه محتاج يحلو شوية!
غطت حياة طنجرة الرز وألتفت إليه: -ده اللي هو أزاي يا عاصي بيه.
جذبها من خصرها ورفعها فوق المطبخ فصرخت مترنحة ورافضة أفعاله الجنونية: -بتعمل أيه ياعاصي، بطل بقا؟
لم يكبح مشاعره كي تقاوم إمراة مثلها بأنوثة مجرمة وبراءة طفلة ودلع جميع النساء كان من نصيبها. ذلك مزيج خطر على قلب رجل مثله. مال ناحية الورد ليتذوق عبيره حتى شفى عليل قلبه من قُربه فقال: -أيه كده يظبط طعم الرز!
تدلت برفق وهي تستند على ذراعه وقالت بسعادة متوارية خلف جدار التمرد: -والله معطلني. عاصي استناني فوق.
ساعدها في الهبوط وقال: -انسي.
-طيب اقعد مؤدب بقا.
-انسي بردو دي كمان.
-ياربي منك.
عادت لتكمل العشاء تحت لمساته ومغازلاته وتحججه الدائم في قربها. مرت الساعة سريعًا عليهما حتى انتهت من إعداد وجبتهم ورصها بالأطباق. ثم فرغت من صنع المشروب الدافئ ووضعتهم جميعا على المائدة الخشبية وقالت: -ناكل هنا ولا فوق!
-من رأيي ناكل هنا وفوق هناكل بردو بس حاجات تانية!
توقف جانب الإدراك عندها وقالت: -يعني ايه!
-متاخديش في بالك. يلا تعالي أقعدي.
جلس الاثنان على المائدة التي تتوسط المطبخ وشرعا في تناول طعامهم على ألحان صوت وردة الجزائرية وهي ترنم بأغنية طب وأنا مالي
حتى مال رأسها على كتفه عندما ابتدا مقطعًا جديدًا من الغناء.
الحب ومدفينا. الورد و مغطينا. الشمس و طالعة لينا
من فرح الدنيا لينا. من شهدها بتسقينا. وبكرة مستنينا
ناسية هنا ناسية
ايام كانت قاسية
ناسياها معاك يا عيونى. و فاكرنى بخاف يلومونى
ما يلوموا طب وانا مالى طب و انا مالى!
و انا مالى و انا مالى
مالي...
غنوا و حبوا و حبوا و قولوا
قولوا معانا يا ناس
خليك يا جرح بعيد ده هوانا لسة جديد لسه في اول عيد.
و سافري يا احزان سافري يا احزان
مالكيش ما بينا مكان
ساكن قلوبنا امان...
-تعرف بحب الأغنية دي أوي، كنت بحب اسمعها دايما وأنا قدام البحر.
أمسك بكوبه الدافئ وقال: -وأنا بقيت أحب أسمع كل حاجة قُدامك، وجودك بيلون الحياة.
انكمشت ملامحها: -على فكرة أنت نسيت المانجا.
-مقدرش أنسى. بس بحاول أجيب لك طلبك.
وضعت يدها على بطنها وقال بدهاء انثوي: -على فكرة دي طلبات ابنك يعني، لتكون فاكر أنها طلباتي.
لف ذراعه حول خصرها وقال مراوغًا: -طيب دي طلبات ابني وعرفناها، مامته بقا أي طلبها!
بدأ الدلال يتراقص بنظراتها حتى أطرقت بصوت خفيض: -طلب مامته هتعرفه فوق مش هنا.
فهم ما تلمح إليه ولكنها أصيب برغبة شديدة في سماعها بأذنيه، تعمد عدم الفهم وقال: -لا مش واخد بالي.
-عادي يا عاصي لما نرجع أوضتنا.
-طيب فهميني طيب!
-عاصي بطل هزار بقا!
تعمد استفزازها أكثر: -عشان لو حاجة مش مهمة هروح المكتب اشتغل.
أجبرت على أمرها ثم وشوشت له في أذنه بكلمات لم يسمعها سواهم. حتى اتسعت ابتسامته بفرحة عارمة وهو يحملها بين يديه متحمسًا لاستقبال جولة جديدة من الحُب بينهم قائلًا: -منا عارف.
صباحًا
استيقظت نوران مبكرًا كي تحضر كوبا من القهوة وتبدأ انجاز من تراكم عليها من مواد دراسية. حتى هبطت إلى المطبخ فوجدت سيدة. فجلست على أقرب مقعد وهي تحت تأثير النوم:
-سيدة ما تعمليلي قهوة كده من أيديكي الحلوين دول.
-من عينيا يا ست نوران.
ثم استندت نوران على الطاولة مستندة على ذراعيها كي تكمل نومها، فجاء كريم على عجل: -صباح العسل يا سيدة. ما تعمليلي قهوة.
-حاضر يا سي كريم. هتشربها هنا ولا فوق.
-لا فوق.
حتى سقطت عينيه على الفتاة النائمة بجواره والتي يغطي الشهر وجهها وقال: -دي نوران؟
-أيوة يا سي كريم!
تحمس كريم قائلًا: -خلاص هشرب القهوة هنا يا سيدة.
شد المقعد وجلس بجوارها محاولًا إحداث الكثير من الصخب ولكن دون جدوى لقد غلبها النعاس من جديد حتى تمتم كريم بغيظ: -دي ماتت شكلها!
ألقى نظرة على سيدة فوجدها مشغولة في صنع القهوة، قفزت الفكرة إلى رأسه عندما وجد أبريق الماء يلمع أمامه بأفكار جنونية. تردد أولًا حتى حسم قراره وقام بسكب كوب الماء فوق رأسها حتى فزعت صارخة:
-يخربيتك!
انفجر كريم ضاحكًا حتى جاءت سيدة ووبخته: -حقا ما ليك حق يا سي كريم!
أخذت نوران تجفف الماء من وجهها وهي تسبه سرًا وعلنا وهو لا زال غارقًا في بحر ضحكاته. حتى قالت نوران:
-أنت رخم على فكرة!
-وببقى أرخم معاكي. مش عارف فيكي حاجة بتستفزني.
صرخت نوران: -شايفة يا سيدة! عاجبك اللي بيعمله ده!
-هو سي كريم كده بيحب يهزر.
برر كريم موقفه: -بفوقك. في امتحانات بعد 4 شهور لو كنتي ناسية!
ردت بنفور: -يابني بس بقا. بوظت شعري ربنا يسامحك.
-كده أحلى على فكرة.
أحضرت سيدة منشفة ووضعها على رأسها: -نشفي عشان متاخديش برد.
أخذت نوران تجفف شعرها ووجهها وهي تلومه: -مبسوط أنا كده يعني!
رد بفظاظة: -جدًا، قلبي ده بيرفرف من الانبساط.
في تلك اللحظة صاحت سيدة بدهشة من فوران القهوة وقالت: -أهي القهوة فارت اللي يسامحكم هعمل غيرها.
رد كريم: -على أقل من مهلك يا سوسو.
انشغلت سيدة في إعادة صنع القهوة من جديد حيث انشغل الثنائي في تبادل الحديث: -فينك محدش شايفك!
ردت نوران بحنق: -وياريتك ما شوفتني يا أخي.
رد بعفوية: -ليه بس! دا أنا بحبك.
رمقته ساخرة: -أومال لو بتكرهني كنت هتعمل فيا أيه!
-نفس اللي عملته بالظبط.
خدجته بتوعد: -يكون في علمك مش بسيب حقي، يعني ليك واحدة. خليك فاكر.
-بلاش الجو ده معايا هتخسري.
-كريم، ما تفكك مني.
ارتشف باقي كوب الماء ثم قال: -سمعتي أغنية عمرو دياب الجديدة.
-مش متابعة.
-هبعتهالك.
-مش هسمعها.
-مبتحبيش عمرو!
سألته نوران بتمرد: -أنت بتحبه!
-حد مش بيحب يسمع عمرو؟
ردت معاندة: -ااه أنا.
-هخليكي تحبيه.
-تؤ! الله. مش عايزة أنا.
-بس أنا عايز.
-ياسلام. وأنت مين أصلًا؟
جذب فنجان القهوة من يد سيدة التي انتهت من صنعه وقال ممازحًا: -بكرة هتعرفي...
انتهت شمس من حمامها الصباحي، حيث لفت المنشفة حول جسدها وشعرها وشرعت في وضع المرطبات على ساقيها وذراعيها.
فتح تميم عينيه فوجدها قرابة الساعة التاسعة فنهض مفزوعًا مرتديًا نعاله بسرعة كي يلحق أول اجتماع له بشركة دويدار للتعرف على رئيس مجلس الإدارة الجديد. فتح الباب بدون سابق إنذار أو أن يخطر على باله احتمالية وجودها بداخله.
لحظة توقفت بها عقارب الساعة، حينما فتح الباب عن طريق الخطأ يُخيل له كمن أدخُل الجنة. كانت جميلة جدًا رغم البخار الذي كان يشوش الرؤية بينهم إلا أنه لم يستطع حجب شمسها اللامعة عنه، وقعت علبة المرطب من يدها مرتطمة بالأرض فلا يختلف الوضع كثيرًا عن حال قلبها...
تمسك أصابعها الخمسة بطرف المنشفة الملتفة حولها وتراجعت خطوتين للوراء. أما عنه ساقه قلبه إليها، دخل الحمام متجهًا نحو الصنبور الذي فتحه ثم قفله بدون فائدة. حتى عادت عينياه مرة أخرى لتشفى منها ومراقبة حالتها التي تجمدت كل ما بها.
تحرك ناحية حوض الماء ليملأه ووضع الكثير والكثير من السائل الرغوي كل ذلك ليصارع شعوره القاتل الذي يتحرك نحوها. حيث كانت جميلة كقصيدة مُبعثرة في عقل شاعر رفضت أن تصاغ...
أخذت تتراجع شيئًا فشيئًا حتى توارت خلف ستارة الحمام تراقب تصرفاته العبثية. فالروح للروح تدرِي من يناغمهَا
كالطير للطير في الإنشادِ ميالُ.
لقد جُف قلم الكبرياء، وروفعت صُحف الحُب وهو يدنو منها تدريجيا حيث قال: -مكنتش أعرف أنك هنا.
ردت بنبرة مرتعشة: -طيب.
اقترب منها أكثر: -أمشي؟
ردت بخفوت: -امشي.
دنى فأكثر: -همشي!
أغمضت جفونها متهيأة لاستقباله: -تميم أمشي.
كانت من رقة مشاعرها المرتجفة يتسول الورد رقته. التف ذراعه السليم حول خصرها مغمغمًا بهمهمات حارقة: -همشي.
عيناها العسليتان، التي تفتحت بلمساته كانتا ألذ من العسل نفسه. بات الحب بين مشاعرهم المدفون أكثر شفافية من قطرات المطر. قُبلة تلي الأخرى فتخدر العقل ورحل إلى واقعه وحضر القلب بجبروته. كانت بين يديه دَافِئَة كالشَّمسِ كالحُبّ كاليلة مَليئة بالنجوم. استسلم جبل الجليد تحت شمس الحب فانهار. أرخت يدها عن طرف منشفتها وذاب تتراقص كعود الريحان معه.
وصل الاثنان لمرحلة خيم فيها فطر الحب على عجاف مشاعرهم. كل منهما أصبح عبارة عن كرة ملتهبة من النار لا تنطفئ إلا من غيث الأخر. حملها بذراعه السليم متجهًا إلى مخدعهم الشاهد على قحد أيامهم، فارتخت سدول منشفتها حتى تجردت حبيبته من معالم الصلابة والقوة الاتي تسلحت بهما.
والبَدْرُ من فَرْطِ الجَمالِ دَنا لكِ
فاحْمَرَّ وجْهُ البَدْرِ من شَيء رَأى.
حقل جديد منها انفتح بين عينيها، لا تدري من هي وما وقع عليها وما حل بكيانها لتصبح بهذا الكم المريب من الضعف. كانت رقتها تنافس رقة الورد كأنها مقتبسة منه. انفرد بتملكها وهو يرتوي من كل وردة على حدى. كل وردة كان لها نصيبها من الحب والقبلات. تترنح من تحت يده كغصن يداعبه الهواء من فرط ما خيم على جسدها من مشاعر لم تعهدها من قبل. مر الكثير والكثير من الوقت معًا. يرتوي منها وترتوي منه حتى أزفت لحظة امتزاج الأرواح فهمس بجدار عنقها بأنفاسه متمتمًا: -أنتِ أزاي جميلة كده!
في تلك اللحظة جاء صوت سيدة يصدح خلف الباب ففرق شملهم واستعادوا وعيهم: -يا تميم بيه مش متعود تنام كل ده. ست سهير مستنية تحت في المكتب!
ثم طرقت الباب مرة أخرى: -يا تميم بيه!
عودة إلى الاسكندرية
وصل مراد وعالية إلى مكانٍ خلاب، ككوخ بالطراز الكلاسيكي تحاوطه حديقة كبيرة من جميع الاتجاهات. فسألته عالية المتعلقة بذراعه كالطفلة:
-أحنا جينا هنا ليه؟
-هي دي المفاجأة اللي قولت لك محضرها.
وقفت أمامه معاندة: -فهمني طيب؟
أخرج المفتاح الخاص بالكوخ الذي قام بتأجيره
-حفلة جواز على الضيق مش فيها غير أنا وأنت وفرقة العزف لو ضايقتنا هنمشيها.
ثم تقدم خطوتين إلى الداخل: -واقفة ليه؟ تعالى.
طافت عينيها بالمكان الخشبي بانبهار وهي تشيد بإعجابها: -الله يا مراد، المكان يجنن!
قبل وجنتها سريعًا: -ادفع عمره كله عشان بس أشوف الضحكة دي!
طالعته بحب: -ربنا يخليك ليا.
ضمها إلى صدره وقال: -هسيبك تجهزي، في طاقم كامل لأمور البنات دي هيجي كمان ساعة، أكون روحت الشغل خلصت كام حاجة ومش هتأخر عليكي.
تشبثت في ذراعه بقلق: -مراد خليك متسبنيش.
-حبيبتي مش هتأخر، ساعتين بس مش أكتر.
ردت بتوجس: -مش عارفة، خليك معايا وخلاص!
داعب أرنبة أنفها: -مش هتأخر.
ابتسمت بمرح وهي تلف ذراعيها حول خصره وتسند رأسها على صدره قائلة: -ربنا يخليك ليا بجد يا مراد. أنا لأول مرة أحس أني عايشة.
قبل شعرها وقال: -ويقدرني وأسعدك يا حبيبتي. يالا اسيبك تجهزي.
فارقته بقلق يأكل قلبها وقالت: -ماشي. مستنياك متتأخرش.
انصرف مراد وأخذت عالية تتجول في المكان وتكتشف تفاصيله بانبهار شديد حتى جذب أذانها صوت طرق الباب، فركضت ملهوفة وهي تقول:
-نسيت أيه يا هندسة.
في اللحظة التي فتحت بها الباب فؤجت بفوج ملثم، ملابسه باللون الأسود يجحبوا ضوء الشمس أمامها وما هتفت: -أنتوا مين؟
فوضع المُخدر على أنفها لتسقط نائمة في نفسه اللحظة. تقدم أحدهم وقام بحملها على كتفه وركضوا جميعهم نحو سياراتهم السوداء التي في انتظارهم...