قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية غوى بعصيانه قلبي الجزء الثاني للكاتبة نهال مصطفى الفصل الخامس والعشرون

رواية غوى بعصيانه قلبي الجزء الثاني للكاتبة نهال مصطفى الفصل الخامس والعشرون

رواية غوى بعصيانه قلبي الجزء الثاني للكاتبة نهال مصطفى الفصل الخامس والعشرون

-منذ أن التقينا نبّهني قلبي هامسًا ثم صارخًا ب ألا أطيل النظر بك، ليس لهذه الملامح رحمة أن تسللت إلىَّ لن ترحل ولم تكن عابرة أبدًا. ولقد صَدَق وصَدَّقَ الفؤاد أنه تجرع أعذب كؤوس الهوى من عيناك.
لا ينبض القلب إلا لعاصٍ.
-حياة المصري.

في أجواء صباحية مميزة كلحظة التقائهم، تقدمت حياة حاملة على يدها معطفه الشتوي باللون الأسود وقالت بحسم: -الجو صعب أوي بره، ألبسه. عشان متاخدش برد.
أرسل لها نظرة سريعة بالمرآة ثم ترك فرشأة شعره من يده ودار إليها مغازلًا لخصلات شعرها المتدلية على وجهها: -أنا هلبسه علشان أنتِ عايزة كده، وأنا مقدرش ارفض لك طلب.

وضعت المعطف على كتفيه بعد ما أرسلت له ابتسامة عريضة وقالت: -شفت مش أنا عاملة فيها كاتبة وروائية ومفيش حد هيعرف يغلبني.
ثم اقتربت منه الخطوة الأخيرة التي أدت بها إلى حضنه وهي تقفل أحد أزرار قميصه: -بس بقف قدام عينيك بتبرجل، ومبعرفش اتكلم. أأممم يا ترى ده عشان أنا كاتبة مش شاطرة ولا عينيك السبب!

طوق بذراعه خصرها وهو يخفض أنظاره ليُطالع وجهها الذي لم يشبع من رؤيته: -هو ده له تفسير كنت قريته قبل كده في كتاب فرنسي مش فاكر اسمه، بس فيما معناه. أن الحب مراحل وأعظم مرحلة هي عجز الكلام عن وصف مشاعرك.
ثم غمز لها بطرف عينيه ليلاطفها: -افتكر أنك وصلتي للحالة دي!

ضحكت ملامح وجهها كطفل تغازله الملائكة في نومه، وهذا هو وقع كلماته على قلبها المتوهج بلهب العشق. صعدت يديها إلى عنقه لتضمه إليها بنفس القوة التي تُضاهي حبها وقالت بنبرة يغلفها وهج الشوق:.

-أنت معاك حق، عاصي أنا لقيت في حضنك ريحة أمي اللي سابتني قبل ما اشبع منها. الدلع والدلال اللي معرفتش أحسه مع بابا، كان طول الوقت يعاملني معاملة ابنه الكبير اللي متحمل كل المسئولية. لقيت فيك صاحبي وأخويا وابني الكبير، وأخرهم حبيبي وساكن روحي وقلبي، الراجل اللي ما بقتش أعرف أنام غير في حضنه وينيمني كأني بنته الصُغير.

صمتت للحظات تمنح الفرصة لمقلتيها أن تمطر على كتفه وأكملت: -حتى وأنت نايم. بتعيشني أجمل وأحن تفاصيل، أيدك اللي عرفت مكانها. شعري اللي اتعود على أيدك تعزف عليه كل ليلة. عينك اللي بتفضل تبص لي لحد ما تنام.
ثم ضحكت بحنية وأكملت: -حتى الغطى اللي بيجرى مني كل شوية، أنت بتحس بده وبتغطيني تاني.

قبضت أصباعها العشرة على ملابسه وقالت بامتنان: -أنا عشت معاك مشاعر متتوصفش. أنت سديت كل الفراغ اللي في قلبي وعوضتني عن كل حاجة. بالمناسبة ليلة امبارح بتفاصيلها هتفضل محفورة جوه قلبي العمر كله.
فخفق قلبها قبل إعلان شدقها ب: -بحبگ.

‏ثم يأتي شخص يرى كل جروحك ورغم أنه لم يتسبب في أيًا منها لكنه يحاول -بكل حُب- أن يضمد تلك الجروح. حلمها بذراعه كي تلامس قدميها الحب بدلًا من ملامسة الأرض وقال: -ربنا يقدرني وأسعدك كمان وكمان.
ثم دفن أنفاسه في شعرها معبرًا: -أنت أعظم حاجة حصلت لي يا حياة.
-وأنت كمان على فكرة.
انتقل الثنائي إلى الأريكة التي يكمن خلفها الحديقة الخاصة بالقصر وأول سؤال بدأ به هو: -المفروض نروح للدكتورة أمتى.

قالت ممازحة: -الدكتورة اللي أنت مسمعتش كلامها؟
-سيبك دي حافظة كلمتين بتقولهم عشان تحلل فلوسها.
جلست مقابله تمد له قهوته الصباحية بابتسامة واسعة ثم وضعت يدها فوق جَنيتها بعيون لامعة. فرفع حاجبه متعجبًا: -أيه الابتسامة دي بقا؟
جذبت يده لعندها وقالت بلهفة: -شوف كدا نبضه! الله أحساس حلو أوي بجد.

استلذ بأحساسه لنبض جنينه ببطنها مما تسرب إليه مشاعر لا يقدر على وصفها، كمن سيصبح أبًا لأول مرة. تعمدت أن تعيش معه أدق تفاصيلهم. رست كل جوارحه على ضفاف ملامحها وابتسامته التي تتسع تدريجيًا حتى انفجر ضاحكًا لم يجد ما يعبر عن فرحته، اقتربت منه قليلًا ثم قالت: -وأحنا في باريس كنت احس بحاجة زي كده، ومكنتش فاهمة ولا عارفة ده أيه. فاكر الوجع اللي جالي وأحنا بنرقص سوا في الغردقة، ده كان صوته كان مبسوط بقربك منه. زي ما أنا كمان كنت مبسوطة وأنا بتفرج على ملامحك بالقُرب ده.

ابتلع سعادته قائلًا: -هخلص شغلي هنا ونروح أمريكا نتابع عند أكبر الدكاترة هناك. هجيب لك استف طبي متكامل هيكون مختص برعايتك.
اكتفى بتقبيل شفتها بقبلة ليست قصيرة ولم تكن بالطول المعهود بل كانت كافية للرد على أعذوبة كلماتها. حتى افترق عنها مرغمًا ولا زالت تحت سطو عشقه:
-مكسب عُمري الحقيقي أن كُل الفرحة الساكنة قلبي دي منگ.
مالت على كتفه وهي تضم ذراعه وقالت: -أنت لازم تروح الشُغل النهاردة؟
-عايزاني أقعد!

-مش عايزاك تسيبني.
تبدلت ملامحه لمزيج من الاستغراب والإعجاب: -تعرفي الأوضة دي كنت ادخلها كام ساعة ف يوم وبالأخص وقت النوم وما بصدق أهرب منها. كانت بالنسبة لي زنزانة، حبس انفرادي، لحد ما دخلتيها أنتِ، وحولتيها لاجمل مكان في العالم، مكان مش عايز أخرج منه.
ثم ضم كفها بحنو وأكمل: -أن جينيا للحق بقا، أنا اللي مش عايز أسيبك.
ارتمت في حضنه بحب: -ولا أنا والله.

ثم ابتعدت قائلة بنبرة مبطنة بالدلال: -خلي بالك، أنت ضحكت عليا في الجوازة دي، يعني اتجوزتني من غير فرح ولا شهر عسل. وفجاة لقيت نفسي أم لبنتين زي القمر، وكمان حامل ف التالت. عاصي أنت كروتني.
انفجر ضاحكًا وهو يرتشف أخر رشفة من فنجان قهوته وقال: -أحلى كروتة في حياتي! وحياتك كمان...
-أمممم بتضحك، طيب براحتك خالص، المهم قررت تعمل أيه مع عالية.

تركت فنجانه على الطاولة ثم عاد إليها قائلًا: -مادام عايزين بعض يستحملوا اللي هعمله فيهم.
-عاصي متهزرش بقا. سيبهم في حالهم.
-لما يتربوا الأول، عشان أنا مش باجي بلوي الدراع، وكمان ده نفسه رأي تميم لما اتكلمنا.
زفرت بضيق: -بطل بقا. وسيب البنت تعيش لها يومين دي طيبة خالص.
-علشان طيبة، لازم يعرف قيمتها الأول، وأحنا مش لعبة في أيده يطلقها براحته ويردها براحته.

قطع حديثهم صوت طرق الباب الذي دخلت منه سيدة وخلفها فتاة من خادمات القصر تحمل قفصًا من المانجو وقالت: -عاصي بيه، زهير جاب صناديق المانجا دي وأكيد علينا نوصلها لمعاليك. باقي الصناديق في المطبخ تحت.
هز رأسه متفهمًا وهو يشير إلى الطاول: -سيبيه هنا يا سيدة.

نفذت سيدة أوامره، أما عن حياة غمرت السعادة كيانها وهي تهتف كالصغار فارحة بالمانجو حتى غادرت سيدة وارتمت بحضنه قائلة بامتنان: -الله. أنت جبتها بجد. انا فرحانة أوي.
-طلباتك في البيت ده أوامر على الكل وأولهم أنا.
ثم مسح على شعرها وأكمل: -اسيبك مع المانجا وهروح الشغل. لو احتجتي حاجة كلميني أو كلمي سيدة.
حياة بترجي: -بس ماتتأخرش عليا. ممكن!
-هحاول والله. وبعدين تعالى هنا، أنتِ بطلتي تكتبي ليه؟

أطرقت بتوجسٍ: -مش عارفة، زمان كنت بكتب عشان مش عندي اللي اشتكي له، و دلوقت افتكر لأنك موجود، ف أنا مش محتاجة اشتكي للورق.
-وتشتكي ليه؟ اكتبي احساسك حتى ولو كان فرح.

بدت معالم الاقتناع على وجهها وقالت: -أخر رواية كُنت بكتبها قبل الحادثة، لا ينبض القلب إلا لعاصٍ. وكان وقتها في تفكيري أننا مش بنتشد غير للحاجة المستحيلة الصعبة، بس مكنتش أعرف وقتها أن أبواب السما مفتوحة كده، وقابلت العاصي نفسه ووقعت في غرامه.
رمقها بإعجاب ثم قال: -خلاص أحنا فيها، اكتبي عن حياتنا سوا.
ردت على الفور: -أخاف.
-تخافي ليه.

-كل قصة بكتبها بدايتها لو حزن بتنتهي بفرح، وقصتي معاك ابتدت بفرح خافية من نهايته.
تعمد بث وميض الأمان بقلبها وهو يداعب وجنتها: -طول ما أنا جمبك مش عايزك تخافي من أي حاجة، فاهمة!
أومأت بالموافقة وقالت باستسلام: -هرجع اكتب من النهاردة.
-هستنى أقرا اللي هتكتبيه لما ارجع.

أن نفيق من نشوة الأحلام التي لا تخضع لجنون قلبٍ ولا لنضوج عقلٍ، أن يمرح الجسد في حدائق الحب بدون قيود تمنعه. أن نأمن للزمان ونصحو على ذعر واقعه.
انتهت شمس من ارتداء ملابسها دون الاكتراث لتجفيف شعرها المُبلل، ثم عادت بحزن وخيم إلى فراشها وشدت بأصابعها العشرة الغطاء وهي ترتجف، تحاول أن تقنع نفسه بأن كل ما حدث من قليل ما هو إلا حلم لم يكن بإرادة أي منهما. وفي الأحلام تُرفع الأقلام والعتب.

تذكرت تلك الليالي التي قضتها بمفردها حتى أكلت الوحدة حبال عواطفها، قتلت رغبتها في الحاجة لمن يسمع صوت قلبها أو يهتم لأمرها. تلك الليالي التي كانت من مرارتها جعلتها تيأس من فكرة أنها ستنقضي حتى استسلمت لانقضاء قلبها بما يحمله، مستسلمة للعيش في متاهاتها كثيرًا، نجت من كل ذلك و لكن الأثر الذي أحدثته بداخلها لا يُنسى لأنه جعلها أكبُر عن عمرها الحقيقي بمراحل.

خرج تميم من غرفة ملابسه وهو يطلق صفير عاليًا بعد ما انتهى من ارتداء بدلته التي تحمل اللون البيج وأخذ يصفف شعره أمام المرآة دون الاهتمام لوجودها. ألقت عليه الكثير من النظرات التي تحمل السخط والإعجاب ثم تحولت جميعا لرياح عاتية تُريد أن تنقض عليه، رمت الغطاء من فوقها واتجهت نحوه حاملة زعابيت غضبها وقالت:
-والله! ده أيه الروقان ده كله؟ ولا كأن في حاجة حصلت!
رد ببرود مفتعل: -وهو كان أيه اللي حصل!
-كمان؟

-غريبة أوي يا شمس!
شدت الفرشاة من يده ورمتها بعيدًا حتى أحدث صوت صخب يُضاهي صوت ضجيج قلبها: -تمتم كلمني زي ما بكلمك!
صمت للحظات كي يظل فيها محافظًا على هدوئه متعمدًا عدم حدوث مشكلة جديدة وقال:
-أيه مزعلك طيب! عرفيني؟
عقدت ذراعيها أمام صدرها وقالت بحدة: -تميم ما بحبش الاسلوب ده، وكلمني زي ما بكلمك؟
-وأنا محتاج اسمع منك أيه اللي حصل علشان أعرف أرد عليه.

أخذت تضرب الأرض بقدمها اليمنى بغيظ: -أنت أيه البرود اللي بتتكلم بيه ده!
-أومال عايزاني اتكلم ازاي على حاجة أنا مش عارف أي هي؟
حاولت كظم غضبها وقالت بلومٍ وانفعال: -أحنا كان في بينا اتفاق وأنت محترمتش ده!
-وأيه هو الاتفاق.؟
-أنك متقربش مني يا تميم، وأنت احترمت رغبتي وطلبي، بس الواضح أنك مش أد وعودك ولا كلامك ليا، وأنا مستحيل أقعد مع واحد مش بيحترمني.

زفر باختناق واختار الصمت في تلك الحالة بدلًا من تفاقم الأمر بينهم ثم قال: -ممكن نأجل الكلام ده ل بالليل؟
ردت بحسمٍ: -لا ليل ولا نهار، لأنك هترجع مش هتلاقيني أصلًا.
ثم بللت حلقها وقالت بعدم رغبة منها في ذلك: -تميم، أنا عايزة اطلق.

غرزت الكلمة كالخنجر القاتل في صدره، أي طلاق تذكره وتتحدث عنه! أي ذنب فعله يستحق عليه الانفصال بعد ما وقع في بحور حبها! كل ما حدث ما كان إلا لحظة ضعف منه أمام المرأة التي امتلكت قلبه الذي رضخ مستسلمًا لطلبه! هل هذه نتيجة الارتواء من نهر الحب؟ أم غرقه بنهرٍ لم يرغبه؟
هز رأسه متخلصًا من وجع طلبها وقال بهدوء: -وأنا عايز ألحق معاد شغلي.

‏مع مرور العمر تصبح لديك قدرةٌ أكبر على كتمان مشاعرك السلبية، ستتعلم كيف تتظاهر أنك في غاية الثبات في أعتق المواقف التي تستدرجك للانهيار، ففي الوقت الذي يدفعك فيه كل شيءٍ للبكاء لن تبكي، بل ستبتسم كما لو أنَّ الكلمات السَّامة التي أفسدت قلبك لا تعنيك من الأساس.

تركها ورحل دون الالتفات لتبدل ملامح وجهها الصاخبة، اغرورقت العبرات من عينيها وهي ترتمى على مقعد التسريحة وتلوم نفسها على طلبها المفاجيء الذي لا ترغب فيه. لم تنكر انجذابها المستمر نحوه خاصة بعد تعافيه ومغادرته لمقعده المتحرك، لا تعلم ان عصبيتها الزائدة ما هي إلا باندفاع الغيرة عليه بسبب ظهور سهير الطاريء وتغير معاملته الواضحة معها. حيث تعمده بعدم رؤيتها والتعامل كأنها شيء شفاف لا وجود له...

تكدست الأفكار فوق رأسها حتى حسمت قراره واختارت مصب غضبها الأصلي والسبب وراء تمزق قلبها لأرباب. شدت حجابها ورمته فوق رأسها دون اهتمام لمظهرها وخرجت من الغرفة قاصدة وجهتها.

-فكرتي؟
أردف فريد جملته وهو يشد معقد الطاولة الخشبي ليجلس فوقه على أذان عبلة الجالسة ترتشف قهوتها بشرود. تركت الفنجان بقلب الطبق وقالت:
-عايزة أعرف الأول، وياريت تبقى صريح معايا عشان أحدد هعمل أيه.
فريد بشك: -عايزة تعرفي أيه يا عبلة!
-أيه بينك وبين حياة! أو بصورة أوضح أنت عايز منها أيه؟
أخذت أصابعه تتراقص فوق سطح الطاولة ثم قال بزيف: -بحبها، أنا محبتش غيرها.

ردت بيقين: -شوف غيرها، أنت مابتحبش غير نفسك يا فريد.
-وليه بتقولي كده؟
أخذت رشفة أخرى من قهوتها: -أنت لو بتحبها زي ما بتقول مكنتش هتستحمل تشوفها مع راجل غيرك وتتعامل بالبرود ده. عيب لما تقلل من ذكاء ست زيي.
ثم رفعت عبلة حاجبها وأكملت: -أكمل ولا تجي معايا دوغري!

أخذت قدمه تتشاجر مع الأرض تحته حتى حسم جولته من التفكير قائلًا: -من حوالي 100 سنة في مركبة كبيرة كانت لشوية تجار ذهب حاولوا يهربوها بره البلد. ومش مجرد دهب وبس دي كانت مشغولات فرعونية نادرة وسبائك، ولسوء حظهم المركبة غرقت ويقال أنه تم البحث عنها كتير بس ملهاش أثر.
انتبهت عبلة لحديث فريد المثير للعقل: -وبعدين؟

-رسيل من زمان وهي مجنونة غطس، وتعرف كُل تفصيلة تحت البحر، وبالصدفة من عشر سنين لقيت المركب دي والفضول خلاها تدخل وتستكشفها وطلعت بأول سبيكة وكانت دي وش السعد على أبوها، نقلة في حياتنا كلنا. عشان كده قبل ما يموت كتب كل حاجة باسمها. لانها صاحبة الفضل عليه.
عبلة بذهول: -والمركبة دي فين؟
رد بخزى: -محدش يعرف طريقها غير رسيل. دورت كتير أوي لكن موصلتش لأي حاجة. هي وبس.

ثم انكمشت ملامحه: -وبعد ما العيشة ارتاحت وأبوها اشترى كل المراكب دي، قالت أنها مش هتنزل تاني ورفضت تعرف حد مكانها.
فأحتدت نبرته: -أنا مستعد أدفع عمري كله مقابل المكان ده. رسيل لازم تتكلم!
وضعت عبلة ساق فوق الأخرى وقالت بثقة: -وأنا هخليها تتكلم، بالذوق بالعافية هتتكلم.
-حلو ده، بالدور كده هنعلم كل واحد فيهم الأدب، لحد ما ترجعي هانم القصر، وأنا معاكي ومش هسيبك...

اقتحمت شمس مكتب عاصي بدون أذنٍ وقالت بفوضى: -عايزة اتكلم معاك.
رفع عاصي رأسه عن دفاتر مندهشًا من طريقة دخولها لمكتبه وقال بهدوء:
-خير، تعالي.
قفلت الباب خلف وتقدمت بثورة غضبها المندلعة: -أنتَ جبتني هنا ليه؟ ووو متضحكش عليا وتقول لي ايجار ومش إيجار، مش فلوسي اللي كانت هتفقرك!
كان يتقبل توبيخها بملامح هادئة ثابتة فشلت في ترجمتها حتى تفوهت بحدة أكثر:.

-قول لي، عاصي دويدار جيه بيتي وأخدني منه ليه؟ أنا متأكدة أن في سر وراك ولازم أعرفه.
أشار لها بهدوء: -اقعدي يا شمس.
ردت بضيق: -مش هقعد ولا زفت، أنا عايزة أعرف.
-وأنا كمان عايز أعرف أيه فكرك بسؤال زي ده بعد الوقت ده كله؟ مش متأخر شوية!
جلست على طرف المقعد المجاور لمكتبه: -متأخر مش متأخر، مش موضوعنا، أنا سؤالي واضح، أنا هنا ليه؟ وأنت مين؟ وكنت عايز مننا أيه؟

رد بارتياح: -وأنا هجاوبك يا شمس. بس قبل ما اتكلم لازم تعرفي أن الكلام ده لو طلع بره المكتب محدش هيدفعه تمنه غيرك!
بث القلق برأسه مما أدى إلى هدوء نبرتها: -كلام أيه؟
-بصراحة أنتِ معاكي حق في كل الكلام بتاعك، الموضوع مش مستاهل كل الدوشة دي.
شمس بحيرة: -يعني أنا صح واحساسي صح؟ فين المشكلة طيب.؟

-من زمان وأنا بدور عليكم، لحد شفت اسمك صدفة مع السمسار في الورق اللي كُنت بمضيه، شكيت الأول قلت يمكن مش هي. بس لما اتأكدت، اتفقت معاه يمضيكي على كل الإيجارات دي.
بدأت الحيرة تركض على ملامحها: -تدور عليا ليه؟ وأنت تعرفني منين.؟ وليه تعمل فيا كده؟ أنا مش فاهمة أيه حاجة من كلامك.

أشار بكفه كي تصمت ثم أتبع: -سيبيني أكمل. فعلاً اجرتوا البيت، ووقتها كنت مشغول عنكم وعن قضيتي معاكم، لحد ما خلصت وحسيت أنه جيه الوقت اللي انتقم فيه منكم، وأخد حقي.
شمس بارتباك: -حق أيه اللي ليك عندنا؟
تجاهل سؤالها وأكمل: -لما دخلت البيت كنت ناوي على انتقام، كنت جاي أذلكم وأكسركم، بس مكنتش أعرف أن أبوكي اتوفى. وأول ما شوفتكم قلبي حن، نسيت السبب اللي أنا جيت عشانه، اتلخبطت ومابقتش عارفة أقول أيه.

-طيب وأنت تنتقم مننا ليه؟
دار ناحية خزانته وأخرج منها شهادة ميلاده ومدها إليها: -أقري دي؟
أخذت منه الورقة بكفها المرتعش وشرعت في قراءتها حتى تفوهت بتردد: -تحيه؟ دي عمتي، بس مين محمد عبدالعظيم.؟ الورقة دي وصلتك أزاي؟
-دي شهادة ميلادي أنا. وتحية تبقي أمي.
اتسع بؤبؤ عينيها بذهول: -طيب أزاي؟ ومين عاصي دويدار اللي قاعد قُدامي؟ أنا مش فاهمة حاجة!

-سيبك من كل ده. وخلينا في تحية أمي، اللي أبوكي بهدلها وطردها من البلد وذلها، ولما هربت ورجعت له حامل ضربها وطردها والمسكينة مستحملتش، نزلت من عنده وولدت قبل المعاد وده اللي خلى في خطر على حياتها واتوفت بسبب اللي عمله أبوكي. اتربيت على فكرة الانتقام من أبوكي وكنت واخد عهد إني هكسره وأعمل فيه اللي عمله في أخته.
ابتلعت شمس جمر اتهاماته: -استنى بس أنت شكلك فاهم غلط، الكلام ده كله محصلش!

-أومال أيه اللي حصل؟
-اللي أعرفه أن عمتي تحية هربت مع حبيبها. وده كان سبب في وفاة جدتي مستحملتش الصدمة، وأخر حاجة وصت أبويا يدور على أخته، وده كان السبب أنه ساب البلد وجيه على القاهرة عشان يدور عليها، بس هي مظهرتش تاني، حتى الشخص اللي هربت معاه اختفى هو كمان.
انعقدت ملامح عاصي باستغراب وضيق وبدأ يقارن بين حديثه وحديثها حتى قال: -استني يعني أبوكي مش طردها بفضيحة من البلد!

ردد بيقين: -بابا مستحيل يعمل كده؟ ده حتى من كتر ما كان يدور عليها نسى نفسه واتجوز أمي على أول الأربعين. وبردو ما بطلش يدور عليها، بس هي اختفت.
شبك أصابعه ببعضها وقال باختناق: -في حاجة مش مظبوطة،!
شمس باستغراب: -ليه ما قولتش الكلام ده من زمان!

-كنت تايه ومحتار يا شمس، قلت أحطكم تحت عيني لحد ما أعرف هتصرف معاكم أزاي. منكرش أني حبيتكم من أول ما شوفتكم، منكرش اني حسيت بحاجة غريبة شدتني ليكم كأنكم أخواتي. حسيتكم مسئولين مني...
سألته بإصرار: -بردو مجاوبتش على سؤالي!
-عشان لو عبلة عرفت كانت هتفكر تتخلص منكم. خبيت عشان احميكم.
-وهي مالها بينا. وبعدين يعني عبلة ازاي مش مامتك!

-عبلة هي اللي ربتني بعد وفاة عمتك. حسب كلامها أنها سقطت كذا مرة وفي المرة الأخيرة أبويا هددها هيتجوز لو مجبتش الولد. مكنش قدامها حل غير أنها تكتبني باسمها.
-دي ست شيطانه!
عاصي بحزم: -شمس مش عايز كلمة تطلع بره المكتب ده، أنتِ فاهمة. لحد ما اتصرف، لان واضح أن ف حاجات كتير لازم أعرفها.
شمس بشرود: -بس شهادة الميلاد دي مع تميم!
رد مفزوعًا: -وعرف حاجة؟
-لأ اصلاً مبقاش يدور ورا الموضوع زي الأول.

في تلك اللحظة التفت لهاتفه الذي لم يتوقف عن الرنين بعد و قال متأففًا: -نعم!
أتاه صوت حارسه: -عاصي بيه احنا من إمبارح بنراقب المهندس مراد، لحد من ساعة كده جات عربية قطعت علينا الطريق، ولما خلصنا منها روحنا ليقنا جماعة لابسين أسود بيحطوا الست عالية في العربية.
وقف عاصي مشدوهًا: -أنت بتقول أيه؟ مين دول وخدوا عالية على فين؟
-حاولنا نلحقها بس ضربوا علينا نار وهربوا. ومن وقتها برن على معاليك.

وقفت شمس بذعر: -حصل أيه!
شد عاصي سترته وقال بعجلٍ وهو يتأهب للانصراف: -عالية اتخطفت. لازم اتحرك. بلغي تميم يحصلني.
دخلت حياة حاملة طبق من الحلوى ولكنها فوجئت بالأجواء المشحونة بالغرفة، فتوقفت حائرة: -حصل أيه!
ردت شمس بسرعة: -حد خطف عالية. هروح اكلم تميم أقوله.
أما عن حياة فركضت وراء عاصي وهي تهتف باسمه حتى باب القصر صرخ مُناديًا على حراسه: -قولهم يجهزوا ويجهزوا العربيات هنتحرك.

تنفست الصعداء بقربه: -هتعمل أيه بس؟ استنى نفكر ونوصل لحل.
هجر بغضبٍ: -مفيش حلول يا حياة. بقولك اختي اتخطفت ومش عارفين من أخدها.
لكت الكلمات في فمها فعجزت عن مواساته او إرشاده. حتى دار إليها: -روحي أوضتك عشان متبرديش.
-لا. هاجي معاك!
جز على فكيه: -هتيجي فين بس؟
-مكان ما هتروح. بس متسبنيش هموت من القلق عليك كده.
أشار بسبابته محذرًا: -حياة مش هقول الكلمة مرة تانية، اطلعي اوضتك.

ردت بعنادٍ: -انسى، مش هسيبك لوحدك.
أخذت شمس تعاود الاتصال بتميم أكثر من مرة حتى أجاب بخوف يملأ نبرته بأن تعاود طلبها في طلاقها وقال: -قلت بالليل نتكلم يا شمس.
ردت ملهوفة: -تميم، في حد خطف عالية. وعاصي راح يدور عليها!
صرخ بفزع: -أيه؟ أزاي الكلام ده؟ اقفلي انا هرجع بسرعة.

-فينك كل ده يا عالية، ردي بقا!
أخذ مراد يهرتل مع نفسه بكلمات تعبر عن قلقه لعدم رد عالية على هاتفها الذي لم يكف رنينًا. حتى أتاه صوت أخر قائلًا: -الو؟
مراد باستغراب: -مين معايا! وبتردي ليه على تليفون عالية.
-أنا سندس، مساعد ميك اب ارتست، حضرتك مراد بيه جوز المدام عاليه؟
-ايوه، هي فين؟

ردت بتوجس: -بصراحة يا فندم أحنا هنا لقينا الباب مفتوح والموبايل واقع في الأرض. وبنادي على المهندسة عالية بس مش موجودة.
نهض مالملدوغ من مقعده: -يعني أيه مش موجودة! اقفلي اقفلي.
في اللحظة التي قفل المكالمة مع الفتاة جاءه اتصال أخر من عاصي وهي يزمجر غاضبًا: -اختى راحت فين يا مراد!
-عاصي انت عرفت؟
عاصي بحدة: -حسابي معاك بعدين. اختى لو مرجعتش الليل أنا هقتلك بأيدي.

-متقلقش يا عاصي، حقك ولو قلت أكتر من كده بردو حقك، هقلب عليها الدنيا هنا. ولو وصلت لحاجة هبلغ.
أما عن نوران التي خرجت إلى الشرفة لتستنشق الهواء وتغير من جو الغُرفة فوجت كريم جالسا على مقعد الطاولة التي تعلوها. جالسًا بارتياح يتحدث في هاتفه بصوت عالٍ والكثير من الضحكات. اشتعلت نيران الغيرة بقلبها وهي تسأل نفسها:
-هو بيكلم مين الساعة دي وبيضحك معاه كده؟ طيب صبرك عليا.

عادت إلى المرحاض وملأت إناء به الكثير من الماء البارد وعادت إلى الشرفة لتُكمل خطتها. نظرت أسفلها لتتأكد من وجوده. ثم حولها لتتأكد من عدم رؤية أحد لهم. وفي آخر لحظة سكبت محتوى الإناء فوق رأسه فصاح صارخًا:
-بتعملي أيه يا مجنونة أنت؟
ردت بشماتة: -البادي أظلم. وأنت اللي ابتديت!
مسح الماء عن وجهه وهو يلعنها سرا: -بس مش كده! انا هدومي كلها غرقت.
ضحكت بانتصار: -دش الهنا. يلا عد الجمايل!

هتف متوعدًا: -عدي أنت اللي هيتعمل فيكي بعد النهاردة.
-وريني. ونشوف مين اللي هيكسب.
-كريمممم!
جاءهم صوت جيهان من أعلى التي رأت الحادث من أوله حتى وقفت مشدوهة تراقب حوارهم الذي يعكس طريقة معرفتهم لبعض والأسرار المدفونة بينهم. تحركت الأعين إلى صوت جيهان الغاضب حتى تراجعت نوران خائفة وركضت إلى غرفتها تعض على أصابعها ندمًا!
أما عن كريم فأجاب أمه: -نعم؟
ردت بجدية: -روح غير هدومك دي وتعالى عايزاك، يلا بسرعة.

دخل كريم إلى القصر فوجد به ضجة على غير المعتاد فنادى على سيدة التي تركض على عجل: -سيده، في أيه هنا!
سيدة بذعر: -مصيبة يا سي كريم، مصيبة. الست عالية خطفوها. يا عيني عليكي يا بنتي.
كريم تحت تأثير الصدمة: -أزاي حصل الكلام ده، انا هكلم مراد.
صعد مراد سيارته كالمجنونة وهو يتحرك بسرعة ساحقة وأول شيء قفز في رأسه هي أمه، فهاتفها بدون تردد حتى ردت: -نعم!

صرخ مراد بوجهها: -اقسم بالله لو طلعتي أنتِ ورا خطب عاليه ولا بنتك. هنسى أنك امي.
جيهان بصدمة: -عالية! مالها عالية ومين خطفها! فهمني يا مراد!
-عالية اتخطفت، ولسه منعرفش مين خطفها؟
جيهان بقلق: -وأيه جاب عالية عندك، أنتوا فين أصلًا!
نفذ صبر مراد خاصة بعد تأكد بجهل امه عن الحادث وأخرج فكرة ارتكابها لما وقع على زوجته، فأغمض جفنيه قائلاً: -هكلمك تاني...

ثم قفل هاتفه ورماه بغضب وأخذ يفش غضبه بمقود السيارة ويقول لنفسه بعتب وندم:
-غبي! غبي أزاي تسيبها لوحدها ف مكان زي ده؟

حل المساء ولا يوجد أي خبر عن عالية. فتش مراد جميع كاميرات المراقبة القريبة منه ولكن بدون جدوى لم يستدل إلا على رقم السيارة التي أخذتها. أبلغ المرور بها ثم قرر العودة إلى القاهرة وبالأخص إلى بيت دويدار ليستعين بأخوتها في البحث عنها معه...
هبطت حياة من سيارة عاصي بعد يوم طويل أصرت على وجودها معه أثناء بحثه عن أخته. دخل الثنائي إلى المنزل فركضت شمس ثم تميم إليه:
-مفيش أخبار؟

لم يرد عاصي بل اكتفى بالانسحاب إلى مكتبه، نظرت لهم حياة بيأس: -للأسف؟
جاءت سوزان من الخلف تركض ملهوفة وانضمت إليهم: -عالية حصلها أيه يا تميم؟
تبادلت حياة وسوزان النظرات التي بث وميض التعجب بين شمس وحياة على قلقها المبالغ فيه وما هي العلاقة الوتدية بينهما. رد تميم: -مفيش خبر. انا هروح لعاصي.
أحست حياة بالدوار في رأسها فاستندت على شمس متوجعة. فتلقتها بخوف: -حياة! تعالي ارتاحي. تعالي.

ردت بوهن: -معلش يا شمس واضح دوخت شوية!
-طيب تعالي اقعدي.
ثم نادت على سيدة: -اعملي حاجة دافية لحياة يا سيدة...
جاءت جيهان من الخارج: -مفيش اخبار لسه؟
دارت إليها سوزان: -لسه؟
-حتى عبلة ملهاش أثر، بكلمها مش بترد!
تقدمت جيهان وسوزان إلى الاثاث الذي يضم شمس وحياة، فقالت جيهان بمكر: -شكلك حامل يا عروسة؟
انتفضت حياة من مكانها: -ايه. ليه بتقولي كده.
-باين ياحبيبتي أحنا ستات وبنحس ببعض.

تدخلت شمس في حوارها: -أنت شايفة أن ده وقت للكلام ده؟
-الله! وأنا كنت قلت أيه؟ فكركم مش مضايقة على بنت اختي وهتجنن عليها. ياترى أنتِ فين يا عالية ياحبيبتي!
طالعتها شمس باستهزاء من تمثيلها المزيف وأعطت حياة الماء: -اشربي مية.
أجرت سوزان مكالمة هاتفية باهتمام لأحد رجالها: -تقلبوا اسكندرية كلها فاهمين! عالية الليلة تكون في بيتها.

دخل مراد راكضًا من باب القصر وخلفه كريم. فركضت إليهم شمس: -مراد وجودك هنا هيعمل مشكلة. عاصي وتميم على أخرهم.
رد باختصار: -هما فين؟
جاءت حياة خلفها باهتمام: -شمس عندها حق. كريم خد مراد وامشوا دلوقتي لان عاصي على أخره منك.
فتح عاصي باب المكتب وخرج منه ثم تميم وما أن وجد مراد بوجهه انفجر قائلًا: -وكمان ليك حق تيجي هنا؟ عملت أيه في اختي يا مراد!

مراد بأسف: -معاك حق تقول كل ده. بس مش وقته، أحنا لازم نلقاها في أسرع وقت!
تميم بغضب: -هما لما خدوها انت كنت فين؟
-روحت الشغل ساعة وكنت راجع لحد ما عرفت اللي حصل.
عاصي بغيظ مكتوم منه: -نلقاها وحسابك معايا عسير يا مراد!
اقتربت حياة من زوجها ربتت على كتفه ليهدأ: -هنلاقيها. اهدى عشان نعرف نفكر.
شمس بتأييد: -حياة معاها حق.

لاحظت تغير ملامح تميم التي تكتم الوجع وهو يتألم في حركة يده، دنت منه بهدوء وسألته: -انت كويس!
رد بتوجع: -الجرح شد عليا بس.
-تحب اشوفه!
رد باختصار: -مش وقته؟
طافت عيني مراد في البيت باحثًا عن عبلة: -هي خالتي فين؟
جيهان بتمايل: -مسافرة برة مصر في شهر العسل،!
مراد باستغراب: -بس هي كلمتني من رقم مصري من يومين! خالتي موجودة في مصر!
التفت الجميع إلى مراد حتى سالته جيهان: -وما رجعتش بيتها ليه؟

عاصي بثبات: -عشان أنا منعتها ترجع البيت ده طول ما هي على ذمة الأراجوز اللي متجوزاه.
تفوهت شمس باستغراب وهي تنظر لعاصي: -يعني ممكن هي اللي ورا اختفاء عالية؟
حياة بذهول: -أكيد لا. هتستفيد أيه لما تخطف بنتها يعني! أنتوا بتقولوا أيه؟
نظرت سوزان لمراد وقالت له باهتمام: -مراد. تعالى معايا.
تدخل تميم: -هتروحوا فين؟
ردت باستعجال: -هتفهم لما نرجع. يالا يا مراد.

ضربت جيهان كف على كف ثم نظرت لكريم بخبث: -عايزاك فوق. معرفناش نتكلم طول اليوم!
تأفف كريم هاربًا من حوار امه التي كشفت علاقته بنوران: -مش وقته. انا هروح ادور على عالية!
دخل عاصي غرفة مكتبه ثم تابعته حياة التي فكرت قائلة: -عاصي ما يمكن اللي عمل كده المنافس اللي اسمه هاشم ده، يعني بيردلك اللي عملته!
فكر عاصي برأيها ثم قال: -مفتكرش. هاشم لو عايز ينتقم مني هيضربني في شغلي مش هيخطف اختي!

-طيب ممكن اعداء لمراد مثلا. او حد محتاج فلوس. هو ما ينفعش نعمل محضر غير بكرة الصبح، صح؟
ضرب مقعد مكتبه بقدمه صارخًا فاقتربت منه وأخذت تربت على كتفه: -حاسة بيك بس مش كده!
-اول مرة احس بالعجز. مش عارف مين هو عدوي واللي بيحاربني. هتجنن يا حياة!
-هترجع والله. اهدي بس عشان تعرف تفكر...

أصرت شمس على رؤية جرحه خاصًا بعد اشتداد الألم عليه. اقتربت منه بدون أذنٍ ونزعت سترته ثم أزرار قميصه التي أبى نزعه فصممت معاندة: -تميم، سيبني أشوف الجرح عشان بينزف.
-قلت لك مش عايز حاجة منك يا شمس.
تأففت بضيق ثم أكملت مهمتها وما أن رأت نزيف جرحه يزداد اتسعت عينيها بقلق: -خليك هنا هجيب الإسعافات الأولية واغيرلك على الجرح.
ثم اكددت عليه: -تميم متتحركش...

ركضت بسرعة لاحضار العلبة الطبية ثم عادت إليه. شرعت في تنظيف الجرح وتعقيمه وضماده مرة أخرى وهي تنهره: -لما سمحت تبقى تاخد بالك بعد كده من حركة إيدك، ماصدقنا أن الجرح بدا يلم.
تأفف متجاهلًا لأوامرها وعاد لارتداء ملابسه ولكنه اوقفته: -استنى اجيبلك غيرهم، القميص كله دم.
-هطلع اغيره فوق.
رمقته بغرابة: -طيب. جايه معاك اساعدك!
-لا خليكي مش عايز اتعبك.

-أنتِ متأكده انها هنا؟
اردف مراد سؤاله على آذان سوزان وهما يدخلون بوابة احد الفنادق. فقالت: -ده الفندق اللي عبلة بتحب تنزل فيه لما تحب تهرب من البيت!
تقدم مراد إلى موظف الاستقبال وساله: -لو سمحت في حجز باسم عبلة المحلاوي.
ثم نظر إلى سوزان متسائلا: -ولا اسمه ايه الأفندي اللي متجوزاه!
بحث الموظف عن اسم عبلة على جهاز الحاسوب وقال: -ايوة يا فندم، عبلة محمود المحلاوي هي وجوزها فريد بيه!

انكمشت ملامح مراد بغضب فتقدمت سوزان وسألته: -هي فين. قصدي موجودة في اوضتها!
-للاسف يا فندم. عبلة هانم بره الأوتيل من الصبح.
ما ختم جملته إلا تبدلت نبرته قائلًا: -أهي جات!
اندفع مراد إليها بنيران غضبه الحارقة: -عالية فين!
انكمشت ملامحها بتردد: -عالية! عالية في البيت؟ مالها عالية.
جز على فكيه: -بقولك عالية فين!
تدخل فريد غاضبًا: -اتكلم مع مراتي كويس وإلا...
قاطعه مراد قائلًا: -اخرس يلا.

تدخلت سوزان: -عبلة، عالية الصبح اتخطفت وملهاش أثر. لو تعرفي عنها حاجة طمنينا!
-أيه؟ عالية راحت فين ومين ده اللي خطفها، الحقني يا فريد!
مراد بامتعاض: -يعني مش انتِ اللي وراها؟
انفعلت عبلة: -وراها يعني أيه؟ وبعدين انا هخطف بنتي ليه؟
رد مراد بعفوية: -دا لو كانت بنتك بجد!
حاولت سوزان ان تكذب ما سمعته وقالت لتتأكد: -أنت بتقول ايه يا مراد!
تجاهل مراد سؤالها: -اخر مرة بسألك، عالية فين!

خيمت المخاوف على راسه خشية من انكشاف أمرها وقالت: -عملت في بنتي أيه مراد!
انفجر مراد غاضبًا بوجهها: -عالية مش بنتك، وكفاية تمثيل بقا لحد كده؟
سوزان بصدمة: -يعني أيه عالية مش بنتك؟ امال بنت مين!
صرخت عبلة بوجهه: -انت بتخرف بتقول أيه؟
-بقول الحقيقة اللي خبتيها على الكل، ولو أنتِ اللي وراها وديني ما هرحمك، فهمتي!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة