قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية غوى بعصيانه قلبي الجزء الثاني للكاتبة نهال مصطفى الفصل الثامن والعشرون

رواية غوى بعصيانه قلبي الجزء الثاني للكاتبة نهال مصطفى الفصل الثامن والعشرون

رواية غوى بعصيانه قلبي الجزء الثاني للكاتبة نهال مصطفى الفصل الثامن والعشرون

فقط في لغة القلوب: يحتاجُ كل شخصٍ منا
شخصاً واحداً على الأقل
أن يخطي معهُ جميع طرقاتهِ، وإن يمسكَ يدهُ في كل الطقوس. وكل فصول السنة...

-خير يا نفادي، قولولي إنك عايزني؟
قال جملته وهو ينزع سترته السوداء ويعلقها على الشماعة الخشبية. عرج نفادي وهو يقترب من مكتبه متألمًا من قدمه: -تسمح لي أقعد يا بيه؟
رد عاصي بجحود: -لا. قول اللي عندك في السريع عشان مش فاضي.
هرش نفادي برأسه وهو يستند على ظهر المقعد وقال: -بصراحة كده أنا كُنت بحور عليك لما قولت لك أننا عايزين قرشين والسلام!
رفع عاصي حاجبه باستهزاء: -ها. وايه كمان يا نفادي.

-عدم المؤاخذة يا بيه، يعني سيادتك مقامك كبير. بس التعليمات كانت جاية من فوق.
أخذ يلاعب عاصي القلم بيده وقال بهدوء: -والتعليمات دي بتقول أي ومن مين؟
-كانوا عايزين نبعدوا جنابك عن المكان. وندخلوا ناخدوا الهانم بدون شوشرة. بس هي سهلت علينا كتير بخروجها بره القصر.
مط شفته بتفكير: -وتأخدوا الهانم تودوها فين؟
-كان في واحد هيستلمها مني في مكان في المقطم وبعدها لا من شاف ولا من دري.

فسأله عاصي: -وبعت ليه اللي مشغلينك يا نفادي وغيرت كلامهم؟
عرج نفادي متألمًا: -يابيه ده لعب كبار مع بعضيهم، أما أنا واللي معايا غلابة. قلت اطلع بقرشين من سيادتك. على قرشين منهم وقُضيت المصلحة من غير دم.
وثب عاصي فجأة فتراجع نفادي بخوف للوراء: -قلت لي مين هما الكُبار دول يا نفادي.
-معرفش يابيه. اللي كان بيتواصل معانا اسمه حماد، بس اختفى ومش عارف أوصله تاني.

كرر عاصي سؤاله بنبرة أشد: -مين اللي له مصلحة في خطف مراتي يا نفادي!
-ورحمة أمي يابيه مااعرف. أنا عبد المأمور، ولو كنت هعرف كنت هبلغك على طول.
-طيب يا نفادي وأنا هصدقك. المطلوب مني أيه!
توسل إليه نفادي بعينيه: -بلاش موضوع الحكومة ده، ولو كان على الهانم انا مستعد ابوس راسها ورجليها عشان تسامحني.
-اتظبط يالا.

بصرخة قوية اندلعت من جوفه ليضع حدًا لتوسلات نفادي الذي انتفض مذعورًا من نبرة صوته التي تنافس صوت الرعد. صمت عاصي للحظة ثم قال: -وأنا مش هسلمك يا نفادي، عشان باين عليك إنك جدع. بس ده ما يمنعش إنك هتكون تحت عيني لحد ما تسلمني اللي اسمه حماد.
تلهف نفادي لطلب العفو منه: -وانا خدامك يا بيه. كل اوامرك مُجابة، المهم رضاك.

فتح عاصي خزنته وأخرج سلاحه وتعمد أن يشد أجزاءه أمام عيني نفادي ليرعبه: -بس أنا يا نفادي ما ينفعش كلامي مايتسمعش ولا يتلعب عليا من ورا ضهري؟
-لا يا بيه. ماعاش ولا كان اللي يلعب من ورا ضهرك، أنا رقبتي فداك.
-هنشوف. هنشوف يا نفادي، ومتقلقش فلوسك موجودة أول ما تسلمني حماد هسلمك فلوسك.
هتف نفادي بفرحة: -ده كتير والله ياباشا، يومين ويكون حماد واقف مكاني.

اجرى عاصي مكالمة هاتفية بالرجل المختص بملازمة نفادي أن يأتي ثم ألقى عليه جُملة أوامره قائلًا: -تاخد نفادي ورجالته مزرعة الفيوم. هيشتغلوا هناك، وحقهم يوصل يوم بيوم. فاهم!

رحل الرجل بصحبة نفادي الذي لم يكف عن الهتاف والسلامات. أمسك عاصي هاتفه واجرى مكالمة هاتفية وقال باختصار: -بكرة الضهر تجيب أخوات رسيل هنا على القصر. وخليهم يعيشوا عادي، يعني ينزلوا المرسى ويباشروا شغل أبوهم. مش عايزهم يحسوا انهم محبوسين.
ثم وثب عاصي خارجًا من مكتبه على صوت مراد المرتفع: -في البيت ده محدش صوتي يعلي على صوتي.
دار مراد إليه: -كويس أنك هنا، يعني أيه ممنوع أشوف مراتي.

تدخل تميم: -ممكن تهدأ يا مراد. هنتفاهم ونوصل لحل.
عاصي بحزم: -هنا مفيش تفاهم. اللي أقوله هو وبس اللي يمشي.
خرج مراد عن صمته منفعلًا: -انت بتعمل كده ليه؟ وبتدخل في حياتها ليه؟ ما تشوفها هي عايزة ايه واعمله. ليه تقرر بلسانها.
-عشان هنا وبس أنا اللي بحدد كل واحد يعمل أيه وميعملش أيه. وطالما سمحت لك تدخل البيت ده يبقى تحترم كلامي وتنفذه.

وقف تميم بينهم كالسد ليثبط من شحنات غضبهم المتفجرة: -والله ما هينفع الجنان اللي أنتوا فيه ده؟
احتشد الجميع على صوتهم الجمهوري وتفتحت أبواب الغرف الموصدة. تكونت حولهم دائرة من اهل القصر ليشاهدوا شجارهم المتصاعد. حسم عاصي الأمر قائلًا: -وريني هتاخد مراتك أزاي من غير موافقتي يا مراد.
-زي ما أخدتها أول مرة يا عاصي.

رد عاصي ساخرًا: -ااه عشان تتخطف تاني، أنت مش مكسوف من نفسك، مادام معرفتش تحميها خدتها ليه.؟
عارضه مراد: -وأنت لما مراتك اتاخدت من قُدام بيتك عرفت تحميها؟
تدخلت عالية بينهم صارخة: -بس يا عاصي، بس يا مراد، بس بقا حرام عليكم.
شد عاصي أخته بقوة لتقف خلفه: -اطلعي فوق يا عالية.

أرسلت لحياة نظرات التوسل أن تتدخل وتهدأ عاصي. فاندفعت حياة قائلة: -عاصي. خلاص بقا، دي مراته في الأول والأخر وأنت ما ينفعش تمنعها عنه.
حدجها بنظرة حادة ثم قال بعنف: -اطلعي فوق أنتِ ومتدخليش في اللي ميخصكيش.
عارضته: -هي كلمة الحق بتزعل!
احتدت نبرته ليعنفها: -قلت اطلعي فوق يا حياة...
تدخلت شمس وأخذتها بهدوء وهي تهمس لها: -حياة أنت حامل تعالى معايا.
ثم أكمل بحزم: -خدي عالية كمان يا شمس.

لعنته نوران في سرها: -ماشي ينطح في البني آدمين! أنا عارفة ده جنسه ايه!
قرصتها شمس بذراعها: -اطلعي فوق.
ضربت الأرض بقدميها: -منا ساكته اهو بتفرج.
رمقتها شمس بحدة فذهبت على مضض منفذة تعليمات أختها. فأكمل عاصي: -أنا خلصت كلامي يا مراد. وده عشان تلوي دراعي وتاخذ أختي من ورانا تاني. أنا بقا هوريك لوي الدراع الحقيقي...
كاد مراد أن يعنفه فتدخل تميم قائلًا بشدة: -مراد خلاص. امشي أنت دلوقتِ.

-أنت مش سامع يا تميم، أخوك شكله اتجنن.
عاصي بتهديد: -ألزم حدك يا مراد.
فاض صبر تميم فنهره: -ما خلاص يا عاصي أنت كمان. وأنت يا مراد امشي دلوقتِ وأنا هتكلم معاه.
كاد أن يعارضه ولكن قاطعه تميم بحزم: -قلت خلاص يا مراد. أمشي دلوقتي...

معظم حياتي، أبدو امرأة مرهقة، وقلبي بائس، وعيناي تتوق للدمع وروحي غريبة، لكني كنت أرجو المستقبل الذي أود الان التخلص منه. جففت عبراتها بحزن يفيض منهما:
-اعمل أي يا نوران! اختار قلبي وابقى انانية وأخسر أخويا، ولا اخسر نفسي.

كانت نوران تجوب الأرض ذهاباً وإياباً حتى انفجرت معبرة عن حالتها: -انا لو مكانك هنزل اكسر دماغ اللي اسمه عاصي، اناني ومش شايف غير نفسه. وفي نفس الوقت مش طايقة اللي اسمه مراد ده. اسفة ياعالية، بس هو كمان أناني ومش بيفكر غير في نفسه. وميصحش ياخدك كده كأنك ملكيش أهل...

نهضت عالية من فوق الاريكة الجالسة عليها: -مراد حد طيب وحنين يا نوران. أنا عشت معاه تفاصيل كتير كنت محرومة منها، تعرفي أول ما بشوفه ببقى عايزة أجري عليه واحضنه زي الطفلة الصغيرة، انا معرفش حبيته كده أمتى وأزاي. بس اللي أعرفه بجد إني مش هقدر أعيش منه غيره.
التوى ثغر نوران معترضًا: -وهو طول ما عفريت على بابا ده قاعد عندك أمل ترجعي لمراد.
ثم بررت قائلة: -مش قصدي أحبطك بس هو شكله مفتري ومش هيعديها.

-أنا هقوم اتوضى واصلي وربنا يحلها من عنده بقا.
تحمست نوران: -اسلم حل. وأنا هقعد أمخمخ لك كده يمكن اعتر في حل.
ثم زفرت بضيق: -الحب وسنينه مش بيجي من وراه غير وجع القلب والدماغ!

مساءً
- يُرعبني أنني حتى الآن
لازلتُ أشعرُ بعدم الانتماء
لأي مكانٍ
أو أي شخصٍ. أو أي عيونٍ. أو أي كتفٍ
لازالت الوحشة تُلازمني حتى أحياناً على وسادتي.؟
حملت شمس صندوق الإسعافات الأولية واقاتربت من تميم الجالس ممسكًا بسلة الثلج ووضعه على عينه المتورمة. جلست أمامه وشرعت في ترطيب المكان برفقٍ ثم قالت:
-أنتَ كل يوم هترجع لي مضروب كده! انا مبقتش ملاحقة أداوي أيه ولا أيه!

ضحك تميم قائلًا: -يكون في علمك أنا ال بقولهم يضربوني، تلكيك يعني عشان محدش يعالجني غيرك...
‏ف لمع شعوره من عينيك لأنّ دآخِله لم يعُد يتّسع الكتمان اقترب منها قليلًا وهو يطالع ملامحها بجراءة وأكمل:
-أصلي مابعرفش أشوف الشمس من قريب غير لما تحصل لي مصيبة. اتشل، اضرب بالنار، أخد علقة سخنة. يلا كله فدا قُربك.
ثقلت يديها المتحركة دائريًا حول عينه فصرخ متأوهًا: -ما براحة يا ستي.

ابتسمت بشموخ وقالت: -أنت اللي بتتحرك كتير، اثبت بقا وخاف على عينك.
رد مرغمًا: -أهو يا ستي.
فرغت القليل من المرهم على سبابتها ثم رفعت نفسها قليلًا لتصبح بمستواه وأخذت تغلف الجرح بحرص حول عينه المصابة. حتى قطع تميم تركيزها قائلًا:
-حلو البرفيوم اللي حطاه، ده جديد؟
أحس بانتفاضة يدها على جرحه وهي تقول بارتباك: -أنا مش حاطة حاجة...

ثم تذكرت قائلة: -ااه، افتكرت. البرفيوم بتاع حياة لما اتكسر، ريحته طبعت فيا ولا حاجة.
استنشق رائحته بإنتشاء: -بصراحة يدوخ.
احتدت نبرتها: -هو ايه؟
تحمحم مبررًا: -المرهم اللي بتحطيه. دوخني و زغلل عيني.
ردت ساخرة محاولة تصديق أكذوبته: -امم، سلامتك.
ثم أخذت تمسك بقايا الدواء من يديها بالمنديل الورقي وتقول: -المفروض تنام بقا عشان عينك ترتاح.
-طيب وجرح كتفي.
-ماله ده كمان؟
-بيوجعني.

راق له الدلال ليسلك به دربًا لقُربها ثم لقلبها، شرعت بفك ازاز قميصه على مضضٍ وهي تتحاشى النظر إليه وتقول: -لو مكنتش موجودة، كان مين هيعملك كل ده؟
-ولو أنت مش موجودة أنا هضرب ليه؟ منا قلت لك بتلكك.
ابتسمت بجمود وهي تنتقل خلفه جالسة على ركبتيها وشرعت في تعرية جرحه الدامي ثم قالت: -عملونا ف الكلية المريض اللي بيتلكك بناخده على أد عقله لحد ما نجيب أخره.
-وهما كُل المرضى مُتعبين كده زيي!
-زيك! مظنش؟

ثم طلبت منه أن يعطيها ضمادًا من الصندوق وأتبعت: -جرحك لازم يشوفه دكتور مختص.
-وأنتِ أيه؟
-أنا مش متخصصة يا تميم.
-مش مهم، أهو اتعلمي فيا.
وضعت شمس الشريط اللاصق على جرحه بعد ما فرغت من تعقيمه. ثم لمست أقدامها الحافية الأرض وذهبت لتجلب له ملابس ينام بها. وضعت ما أحضرته على طرف السرير ثم شرعت في لملمة الأدوات الطبية. فباغتها بنبرة مترددة:
-شمس،!
نظرة له باستغراب: -نعم؟
-أنا آسف...

تبادلت النظرات بينهم حائرة حتى أكمل موضحًا سبب إعتذاره: -آسف لأني سمحت لنفسي بحاجة من غير رضاكي. أممم حاجة زي دي لازم تكون بموافقتك، وأنا مشاعري خانتني واتصرفت بناءً...
فقاطعته بحزم رغم السعادة التي قفزت بقلبها من كلامه: -حصل خير يا تميم.
-يعني مش زعلانة؟
انشغلت بالأدوية في يدها وقالت هاربة: -الكبسولة دي تاخدها قبل النوم.

فوثب مصرًا على سؤاله وهو يقترب منها متجاوزًا قانون المسافات: -سؤالي واضح، مش زعلانة؟
رفعت جفونها بخجل: -هتفرق معاك؟
أخذ يداعب خصلة من شعرها وهو يقف بقُربها بقامته الشامخة مقارنة بطولها وقال: -طبعًا.
سالته بنبرة خافتة: -يعني لو قلت لا. يعني لا مش زعلانة.؟
رد هائمًا: -يبقى ما يمنعش أكررها تاني!
بدأ الخوف بعينيها وهي تبتعد عنه: -لا انا أصلًا لسه زعلانة...

كادت أن تفارقه ولكنه جذبها من ذراعها إليه حتى اصطدمت بسياج صدره العارٍ شاهقة حتى أردف مُعلنًا بجُرأة: -يبقى سيبيني أصالحك بقا.

أخذ يدنو تدريجيًا ليحتضن تلك الشفاه المرتعشة ويطمئنها. تسمرت في مكانها كمن تعب مِن كثرة الحُروب التي خاضتها، مُحاولاتها التي تَبوء بالإحباط والفشل المُتكرر، مجرد أن ألتف ذراعه حول خصرها شعرت كأنها سَقطت في حُفرة لا مَخرج مِنها، رفعت جفونها لتُطالع ملامحه المائلة إليها كميول الورد وضعت كفها فوق كفه الراسي على وجنتها حتى غمغمت بنبرة يملأها الوجع:
-تميم أنا تايهة ومتلخبطة. وجوايا ألف حاجة وعكسها.

-أشششش...
تجاهل الرد على اعترافها الحزين، ولكنه لجأ لمداواته بنثر قُبلاته ببطء على شفتيها المنتفضة ‏كليلة شتاء والرياح خلف النوافذ ‏ تعزف صمّت الشوارع حنينها. رضخت لشوقه ولقُربه ليُرصع جروحها بنجوم الحب ربما تشفيه.
فارق شفتيها وانتقل إلى أذنها هامسًا بنبرة ملتهبة: -مش عارف أشيلك من قلبي ولا من عقلي. بقيت بحلم باليوم اللي هتكوني لي فيه بدون حواجز.

ثم أخذت فوهة حبه تلتهم ملامحها بلهفة اغتالت كل أشباح تمردها حتى أكمل متنهدًا: -تتجوزيني؟
غربت شمسها وحل ليلها الهاديء والحالم بمشاعرٍ تعمدت دفنها. فجأته بعناق خفيفٍ وهي تتحدث بنبرة خفيضة: -تميم. وجرحك، أنت لسه تعبان.
رد بلهفة: -أنت دوايا. تتجوزيني!
غمغمت وهي تحت سُكر خمر الحب: -لا.

طاحت العين بالعين. والقبلة منها كانت تُرد إليها قُبلتين. واحترقت المسافات بينهما وارتفعت راية الحُب التي لفحت قلوب كانت مقبرة للهوى. فلا يؤنس الرًُوح إلا روحًا تألفُها. في تلك اللحظة ارتفع صوت رنين هاتفه وبرغم محاولة الثنائي في تجاهله إلا أنه لم يكف عن الرنين. ابتعدت شمس عنه بصعوبة وهي تركض لتحضر له هاتفه فسقطت عينيها على اسم المتصل:
-سُهير؟ وهي بتكلمك في وقت زي ده ليه؟

برر موقفه قائلًا: -يمكن شغل يا شمس. هاتي الموبايل.
انفعلت بغضبٍ مُغلف بالغيرة: -لا والله؟ بقا كده. اتفضل موبايلك كلم الست سهير براحتك، وأنا هسيب لك الأوضة خالص عشان تاخد راحتك!
تناولت حجابها من فوق الأريكة ورمتها على رأسها وهي تغمغم بكلماتٍ غير مفهومة حتى أوقفها: -خدي هنا، رايحة فين.
شدت ذراعها بقوة: -هسيب لك الأوضة. عشان الجو يخلا لك مع ست سهير.
-شمس؟

كاد أن يلحق بها ولكنه توقف ليرتدي ملابسه. ركضت شمس متجهة إلى غرفة تاليا وداليا لتحتمي من مكر قلبها الذي خانها وساقها إليه بدون وعي. أما عنه أخذ يلعن الحظ الذي يفرق بينهم في كل مرة يحاول امتلاكها. ويقول لنفسه: -مرة سيدة ومرة سهير. دي مش عيشة دي! أنا مين بص لي في الجوازة دي؟

دومًا ما أخشى أن تأتي تلك اللحظة‏ التي أرغب فيها بالمجيء إليك ويقف كبريائي كالسد المنيع بيننا.
تتوسط فراشها وتعض على أصابعها غضبًا ومحبةً منتظرة مجيئه بعد مرور ساعات طويلة بدون رسالة واحدة منه كعادته يطمئن عليها. تسارعت ضربات قلبها بمجرد رؤية الباب يُفتح فتحاشت النظر إليه وولت وجهها الجهة الأخرى.

دخل عاصي الغرفة تاركًا باب الغُرفة مفتوحًا على عكس عادته وتقدم ناحية خزانة نقوده وفتحها وأخرج منها ورقة تهمه، تجاهله لوجودها أشعل نوعًا آخرًا من الجنون برأسها. فاندفعت إليه لتخلق معه لغة حوار حتى ولو كانت شجارًا. بخطواتها المتسعة وقفت خلفه واضعة ذراعيها بخصرها وقالت معاتبة:
-أنت أزاي تكلمني بالطريقة دي قُدامهم!
أخذ يقفل باب خزانته وقال ببرود: -أي طريقة!

تأففت بضيق: -عاصي لو سمحت بلاش الطريقة دي، وبص لي كده وكلمني زي ما بكلمك.
دار إليها على مضض: -حياة أنا ما بحبش حد يجادلني ولا يخالف أوامري.
-حتى ولو كانت غلط وكلها أنانية؟
ترك الورقة على التسريحة وأخذ يفك أزرار قميصه الأبيض: -حتى ولو غلط. متعودتش حد يكسر كلمتي.
-وده من أمتى؟ ما أنت طول عمرك بتسمع لي وبنتتاقش، أيه اللي جد؟
رد بحدة: -طول ما الموضوع مش متعلق بيكي مش مسموح لك تناقشيني فيه!

يبدو أنها تسرعت في الحكم بمعرفته وأن هناك تفاصيل كثيرة لم تكتشفها بهويته بعد. طافت عينيها بحيرة وقالت بعناد:
-لا مش صح، أنا مراتك وواجب عليا أول ما اشوفك بتغلط انبهك وواجب عليك تقنعني بوجهة نظرك ياما تقتنع بكلامي، ده اللي أعرفه، لكن اللي أنت بتقوله ده كله ميلزمنيش.
نزع قميصه ورماه بالأرض وقال بنبرة مبطنة بالغضب: -وأنا مفيش ست اتخلقت تقولي أعمل أيه ومعملش أيه!

رمقته بنظرة ساخطة: -ده لما تكون متجوز واحدة من الأوباش اللي عرفتهم مش أنا يا عاصي بيه!
ثم دنت منه متحدية: -وحط في دماغك أنا هنا زيي زيك بالظبط، وكلمتي محدش هيقدر يتجاهلها حتى ولو كنت أنت.
رفع حاجبه معجبًا بشجاعتها: -بأي حق؟
رفعت رأسها بشموخٍ: -مراتك. يعني كلمتي في البيت ده متقلش عن كلمتك.

أخرج شحنات غضبه في زفيرًا قويا وهو يحتوى كتفيها ثم قال: -حياة ممكن تخلي بالك من نفسك ومن اللي في بطنك ومتشغليش نفسك بأي حاجة تاني!
ردت ساخرة: -أنت شايفني بقرة تأكل وتشرب وتخلف بس! ولما تيجي تتكلم مش مسموح لها!
ثم رفعت يديه من فوقها وقالت بحنق: -مش أنا اللي ترضي بالوضع ده.
-حياة بلاش تكبري الموضوع. أنا في دماغي ألف حاجة أهم من الجنان ده.
-جنان؟

ثم بدأ صوتها يعلو تدريجيًا وهي ترتدي روبًا طويلًا فوق منامتها القصيرة: -أنا هوريك الجنان بقا.
-خدي هنا رايحة فين!
أوقفها قليلًا بسؤاله التعجبي من تصرفاتها، فأجابته بعناد: -أنا مستحيل أقعد معاك في مكان واحد بعد النهاردة. حد أناني مش بيفكر غير في برستيجه والإيجو بتاعه وبس.
-حياة استني هنا.

حاول أن يوقفها ولكن بدون جدوى فتحت الباب وفرت هاربة من غُرفتها تحمل إهانته واستهزاءه بمشاعرها، ضرب كف على الأخر وأخذ يجمع ملابسه بملل كي يذوب ملوحة يومه بحمامٍ دافئ ينسيه ما مر بيومه...

حتى لو إقتضى الأمر أن تخلع قلبك وتمضي من دونه، المهم ألا تبقى مرهونًا بالمشاعر التي تمرر لجوفك القلق والأذى وتبقيك بائسًا ومحبطًا...
وصلت حياة إلى غُرفة البنات اللاتي يحتفلن بميجيء شمس إليهم حتى انضمت لهم حياة فأصبح الأحتفال احتفالين. هللت تاليا فارحة:
-الله وكمان حياة هتبات معانا. ده أيه اليوم الحلو ده!
فاقترحت داليا: -كده هنلعب للصبح.
جلست حياة بجوار شمس وهمست لها: -انتِ كمان متخانقة مع تميم!

غمغمت شمس بغيرة واضحة: -خلي ست سهير تنفعه.
-مين دي؟
-دي واحدة كده بنت مش مظبوطة كانت بتحبه زمان ودلوقتِ ماسكه لة الشغل. وهو شكل الموضوع عاجبه أوي.
ثم شرعت بفك حجابها وسألتها: -وأنتوا اتخانقتوا ليه.
-كل يوم بكتشف فيه حاجة جديدة. مش عارفة اتأقلم على التحول اللي في شخصيته، وبسبب عالية. من ده على ده.

زفرت شمس بضيق: -كل يوم بسأل نفسي سؤال واحد ؛ أنا أيه جابني هنا؟ واحد دلوقتِ مالقتش الجواب. تعرفي أول مرة جيت فيها هنا عالية حذرتني وقالت لي القصر ده كله أسرار. عالم جوه العالم، وطلع عندها حق.
أيدت حياة كلامها: -فعلًا. العيون كلها أسرار وكل ما افتكر إني فهمتهم بطلع مفهمتش حاجة.
جاءت تاليا حاملة الألعاب بيدها: -هنلعب أيه بقا؟
اعترضت حياة بلطف: -مش في مدرسة بكرة يا توتي، والمفروض نكون نايمين من ساعة!

-بس أنا عايزه ألعب معاكم.
مسحت حياة على شعرها: -في الويك آند هنلعب كلنا. دلوقت وقت نوم، أي رايك تنامي في حضني النهاردة!
رمت الألعاب من يدها بحماس وارتمت بحضنها بفرحة: -موافقة...
حملتها حياة كعادتها ووضعتها على فراشها فنهرتها شمس محذرة: -حياة ماينفعش تشيلي حاجة تقيلة.
ردت بفتور: -بنسى والله يا شمس.

ثم اقتربت من المرآة وكشفت بطنها البارزة بفرحة لاتوصف: -كل يوم بطني بتكبر وبيكبر جوايا شعور جميل أوي يا شمس، تعرفي أن أحلى شعور بعد الحب هو أنك تبقى حامل.
ثم غمزت لها بطرف عينها: -بكرة لما ربنا يرزقك هتعرفي معنى كلامي.
نهضت داليا بفرحة: -حياة، أنتِ هنا في بيبي. يعني هيجي ويلعب معانا!

جلست حياة على ركبتيها وحضنتها: -أيوة يا روحي. جوه هنا في بيبي وهيبقى أخوكم او اختكم. مش أنتوا كان نفسكم في نونو صغنن نلعب بيه.
اومأت الصغيرة بسعادة تلمع بعيونها وعانقت حياة: -انا مبسوطة أوي. امتى بقا هيجي!
قبلتها حياة بحب: -بعد كام شهر هيجي ومحدش هيختار اسمه غيركم، اتفقنا.
-طبعا اتفقنا.
ثم اشارت لشمس: -يالا يا شموسة. خدي دودو في حضنك عشان تنام هي كمان.

حملتها شمس بحماس وهي تداعبها بخفة: -يلا نستخبى من البرد تحت البطانية.
-يالا.
في الخارج هبط عاصي من غُرفته فتعثر بتميم الذي يطوف ذهابًا وأيابًا بالطابق، فطالعه عاصي باستغراب:
-انت بتلف كده ليه!
اندفع تميم نحوه: -ابن حلال. كويس إنك جيت، اصل شمس نايمة جوه، ومراتك كمان جوه، وانا خايف ادخل نشد سوا ويبقى شكلي وحش.
هز عاصي رأسه مفكرًا: -وانت كمان مراتك جوه؟ ده أيه الحظ ده!

-بص أنت تدخل تسيطر كده وتاخد مراتك، وانا بعدك. ولا نعدي الليلة ونروح ننام بسكات!
حك عاصي ذقنه بتفكير: -منا لو عرفت أنام من غيرها مكنتش نزلت؟
ربت تميم على كتف أخيه بحسرة: -طيب والعمل.
تحمحم عاصي بثقة: -اتعلم من أخوك المدرسة وشوف هيعمل أيه، تعالى ورايا.

-جاية الساعة دي ليه يا سوزان؟
أردفت عبلة سؤالها وهي تستقبل سوزان بساحة الفندق، فسألتها الأخيرة بقوة:
-تفتكري كذبتك هتفضل مدارية لحد أمتى؟ متعرفيش أن الحقيقة مسيرها تتكشف!
-كذبة اي وكلام فاضي؟ سوزان انا مش فاضية للف والدوران؟ وأي حقيقة!
تقدمت سوزان إليها بقوة: -حقيقة أن عالية بنتي، مش بنتك يا عبلة...

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة