قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية غزالة في صحراء الذئاب للكاتبة رحمة سيد الفصل السابع والأربعون

رواية غزالة في صحراء الذئاب للكاتبة رحمة سيد الفصل السابع والأربعون

رواية غزالة في صحراء الذئاب للكاتبة رحمة سيد الفصل السابع والأربعون

وتقريبًا كانت شمس فيما يشبه حالة الصدمة المُغلفة بالفرح!
الفرح لشخصًا أعتقدت قناعه من الكره، فصدمت بيده الحديدية الممدودة لمساعدتها..
وعيناها لمعت بوهج خاص وهي تتمعن النظر ل مروان الساكن أمامها تمامًا وكأنه يترك لها فرصة ترجمة ألغازه!
فهمست هي ببلاهه:
-أنت يا مروان؟
اومأ مؤكدًا، بجوار أجابته الهادئة:
-أيوة أنا يا مدام شمس
ولم تتغير حالتها وهي تسأله:
-طب أزاي!
ورده كان بنبرة واثقة مما يقول:.

-عادي يا مدام
صرخت فيه بنفاذ صبر، فأعصابها أصبحت تالفة تمامًا، لا تحتمل ولو ضغطة واحدة:
-أنت مجنون، هو إية اللي عادي! عادي إنك تخطفني؟ سبحان الله
ظهرت شبه أبتسامة باهته على ثغره قبل أن يباغتها بقوله:
-مالك هو اللي متفق معايا عشان أخدك من البيت
سألته بملامح ساكنة أثر الصدمة التي لم تترك لها تعبيرًا واضحًا تتخذه:
-لية! عشان آآ ع
قاطعها بالأجابة التي تحفظها عن ظهر قلب:
-أيوة، عشان أبوه ميأذيكيش.

تنهدت بأرتياح حقيقي، السجن الطبيعي أهون لها من سجن ذاك الشيطان بالتأكيد!
فرمقته بنظرات ذات مغزى قبل أن تردف:
-شكراً، يا مروان
وبابتسامة صفراء تابع:
-على إية، ده واجبي تجاه أقرب أخ ليا مُش بس صديق
اومأت وهي تتحس بطنها بأرهاق، شعر بالألم الذي بدأ يأخذ منحناياته على ملامحها، فسارع بسؤالها:
-مالك في إية؟
هزت رأسها نفيًا، و قالت بأختناق:
-مفيش حاسه بطني وجعاني شوية بس
صدح سؤاله بصوت جاد:.

-إنتِ أكلتِ من أمتى يا شمس؟
أغمضت عيناها، وخرج صوتها واهنًا:
-مأكلتش من ساعة ما أخدوا مالك
مط شفتيه باعتراض واضح، فراح يقول بلوم:
-مأكلتيش من ساعتها! وهو في واحدة حامل تعمل كدة يا مدام هه
كادت تهتف بشيئً ما ولكنه قاطعها بصرامة محببة:
-بس خليكِ هنا وأنا هأروح أجيب لك أكل وهاجي بسرعة
اومأت موافقة، ولكن سرعان ما قالت بشيئ من القلق:
-طب آآ
أخذ يهدئها برفق قائلاً:.

-متقلقيش، في رجالة برة بيحرسوا المكان وأنا مش هتأخر يعني
اومأت موافقة بتردد، لينصرف هو مغادرًا على عقبيه...
فيما عادت هي لشرودها الدائم والذي أصبح يجمعها بحبيبها وزوجها مالك
وابتسامة مُنكسرة هي من تحتل ثغرها، تشعر من زاويتها أن الفراق لن ينتهي بهذه السهولة!
أن المسافة بينهم لن تتقلص إلا في حالة واحدة، موت شيطان الأنس!

ذُهل كلاً من مراد و خلود من تلك الرغبة الهوجاء والتي أعتقدوها جنون تسببه فقدان الأبنة!
ترغب في الذهاب - الهام - لتلقي بمجرد قمامة غير هامة..
ولكن لا، بالتأكيد تتوارى رغبة خفية خلف ذاك الأصرار الغريب!
رغبة خلف ستار الجنون...
شعار تحمله كريمة فوق كاهليها وهي تُصمم على الإلقاء بمن قد يجعلها في نفس وضع زوجها المُميت!
سارعت خلود تسألها بنبرة مستنكرة:
-حضرتك عاوزة تمشي عشان ترمي دول في الزبالة بس!

اومأت بما زاد من تعجبهم أطنان:
-أيوة، لازم أخلص منهم
سألها مراد بهدوء تام وكأن تعجبه يُزال بمرور الثواني:
-لية يا طنط؟ ممكن أعرف
ومن دون وعي أظهرت لهم الرغبة الخفية التي تسير بين عشاش عقلها:
-لإن هما دول السبب في كل حاجة
ثم نظرت لهم مكملة:
-هحرقهم قبل ما يحرقوني هما!
وبغتةً إلتقط منها مراد الأشياء يتفحصها ليكتمل الشك الذي نبع داخله..
فيما صرخت هي فيه بهيستريا قوية:
-هات، ملكش دعوة بيهم أنت مش أدهم دول.

اما هو فلم يكن يوجد أسعد منه الان!
بين يديه الشيئ الذي لطالما كان يبحث عنه بين الظلمات..
بين يديه من سيعدل تلك الموازين المنقلبة!
بين يديه مفتاح الأنتقام العظيم والأبدي..
عاود النظر ل كريمة المنفعلة مرة أخرى، ليصيح فيها بعصبية خفيفة:
-إنتِ فين عقلك! عايزة ترمي حق مليون شخص!
عقدت ما بين حاجبيها وهي تسأله:
-نعم! حق مين يابو حق أنت؟
اومأ مؤكدًا وقد بدأ يشرح لها ببعضًا من الهدوء:.

-أيوة، ده اللي هينتقم لكل الأشخاص اللي راحوا فدى لخططهم الشيطانية
هزت رأسها نافية بغيظ:
-لأ، حاجة ماتخصكش، هات أنت مش أدهم صدقني
وبالطبع هي لن تقابل سوى الأصرار بعينيه:
-لأ مستحيل، أنا بقالي سنين بدور عليهم
ثم أنتبه وهو يسألها:
-بس إنتِ جبتيهم منين!
نظرت أمامها وبشيئ من التوتر ردت:
-كانوا مع آآ مع جوزي
اومأ يؤكد ما برأسه من حبالاً للأفكار ترابطت لتوها:
-المرحوم صابر، صح؟

اومأت بأسف، فيما شهقت خلود بصدمة حقيقية..
كل الصدمات التي تلقتها كادت تمر، ولكن تلك، لا وألف لا، لن تمر بسهولة بالطبع!
غابت فترة عنهم لتعود فتجد أشواكًا من حديد تزداد مع الوقت..
وهتفت بحنق:
-مين اللي مات! عمو صابر مات؟ طب ازاااي، ده كان آآ ك كان كويس!
تنهدت كريمة قبل أن تقول بصوت مختنق:
-مات، مات من قهرة الظلم، ربنا ما يدوقها لحد ابدًا يابنتي
هزت رأسها نفيًا بعدم تصديق!

لا تصدق كم الأحداث الصادمة التي تتلقاها واحدة تلو الأخرى..
واخيرًا نظرت ل كريمة تهتف في ثبات:
- لو ده دليل فعلاً يا طنط، أرجوكِ تثقي فيه
وسرعان ما تذكرت فقالت مسرعة:
-هو ظابط، سابقًا
قالت كلمتها الأخيرة بأسف ظهر جلي في نبرتها!
ليتابع مراد بقوة:
-صدقيني لو إنتِ أتأذيتي بسببهم، يبقى أنا اتدمرت مش بس اتأذيت بسببهم!
وبدأ الإقتناع كشبحًا يتسلل لروحها، فنظرت له مضيقة عينيها، ثم غمغمت:
-بس أنا مليش دعوة.

اومأ مؤكدًا بحماس واضح خطاته على محياه:
-أكيد. مش هقول إني اخدتهم من حد، أنا جبتهم بنفسي
اومأت بتردد، لتوليهم ظهرها تعاود مأواها وسجنها الصغير الذي أصبح حضنهت الوحيد الذي تبكِ فيه قهرًا!
فيما سارعت خلود تسأل مراد بجدية محتنقة:
-مراد أنت لازم تفهمني وتقولي هاتعمل بيهم إية؟
هز رأسه نفيًا، وقال:
-هافهمك بس بعدين، لكن هعمل اية
ابتعد قليلاً ممسكًا بهم أو لنقل متشبثًا بهم بكامل قواه...

وكأنهم متمسكًا بأخر أمل له في هذه الحياة!
ليكمل بنفس النبرة:
-أكيد هاروح أسلم الأدلة لأمن الدولة، عشان كل واحد ياخد جزاؤوه!

ظلت زينة تصيح في تلك الخادمة التي تُدعى دُرية، تلقي بسهام غضبها الجم في وجههم والسبب معروف،
إختفاء مُكثف يزيد من هالة مشاكلها وألامهم اللانهائية!
لتصبح الدوامة أثنان، ولربما ثلاث!
رمقت دُرية بنظرة نارية، لتزمجر بوجهها منفعلة:
-يعني إية! الأرض إنشقت وبلعتها ولا إية مُش فاهمة
هزت الأخرى رأسها نافية بصورة سريعة شبه هيستيرية وهي تشرح لها للمرة التي لا تذكر عددها:
-معرفش والله العظيم ما أعرف يا هانم.

كزت زينة على أسنانها بغيظ قبل أن تصيح فيها:
-هو إنتِ مفيش على لسانك غير معرفش معرفش! إية متعرفيش غيرها
لوت شفتيها في شيئ من التهكم، ثم قالت:
-شكلها فعلاً الأرض إنشقت وبلعتها زي ما إنتِ قولتي
أقتربت منها ولم يتركها هاجس الشك حول إرتباكها..
فأمسكت بذراعها تسألها بصلابة:
-إنتِ عارفة حاجة صح؟

هزت رأسها نافية بسرعة، ومن دون وعي أصبحت كأنها تقدم لها سببًا واضحًا ليزداد هاجس الشك في إمتلاكه بسبب توترها، فصارت تصيح بما يشبه الأنفعال الخفيف:
-لا لا لا خالص، وهو أنا هاعرف منين وهاعرف اية اصلاً!؟
نظرت لها زينة نظرة ذئبًا لا يخيل عليه كذبًا إلا ويكتشفه..
فهمست من بين أسنانها:
-إنتِ عارفة حاجة حصلت من ورايا صح
إبتلعت درية ريقها بازدراء، ثم هتفت بلهفة:
-لا لا أكيد مش هاتجرئ وأخبي عنك حاجة عملناها.

رفعت حاجبها الأيسر متهكمة:
-بس إتجرأتِ يا دُرية
زفرت بقوة ثم تابعت بتهديد أعلن نفسه بوضوح بين حروفها:
-قسمًا بالله لو ما قولتِ أي حاجة أنا مُش عارفاها لكون مودياكِ ورة الشمس والدبان الأزرق ما هيعرفلك طريق
وعند ذاك وكفى!
هي لن تتحمل ضريبة نصر لشخصًا اخر، لن تدُس نفسها بين ذئابًا لا ترى سوى المصلحة فقط!
فأغمضت عينيها وهي تهتف بصوت قارب للبكاء:
-والله العظيم غصب عني.

سألتها زينة باهتمام شديد لحقيقة قد تكون صدمة جديدة لها:
- هو إية اللي غصب عنك؟ إنطقي بسرعة يلا مستنية إية
إضطرب تنفسها وكادت تهتف، ولكن قاطعها زمجرة زوجها الذي سارع بقوله:
-مفيش حاجة يا ست زينة، أكيد مفيش حاجة
أشارت له بأصبعها محذرة:
-بس، أنت تخرس خالص لما أقولك أتكلم حتى تتكلم فااهم؟
-حاضر، أنا بس كنت بأفهم حضرتك الحقيقة مش أكتر.

قالها وهو ينظر للأسفل محاولاً التحكم في ذاك التوتر الذي سيلقي بهم في الجحيم حتمًا!
فيما قد وقع نظرها على السكين الموضوعة لجوار طبق الفاكهه، فركضت نحوه تمسك بها، ثم أقتربت من درية تضعها على رقبتها وهي تصرخ:
-والله لو ما قولتي لاكون قتلاكِ دلوقتي حالاً كمان، أنطقي يا حيوانة
وعندما تكون على حافة الموت لا ترى أمامك سوى الحقيقة التي تظهر بعد إنسحاب أي كذبة بعقلك!
فسارعت تهتف:.

-طب أوعديني تسامحيني وماتعمليش ليا أي حاجة، لا انا ولا جوزي
ضغطت بالسكين على رقبتها وهي تحثها على الإسراع:
-إنجزي مش هنقعد نتواعد دلوقتي
ونطقت بما جعل السكين تسقط من بين أصابع زينة...
التي شُلت جميع أعضاءها عن الحركة أو العمل بقول تلك:
-أنا اللي دخلت أوضة الست هانم التانية وجبت سلاح الأستاذ مالك وعطيته لجمال بيه!

تقريبًا كان جمال على فراش الموت، يضع يده على قلبه الذي كان وكأنه يصرخ من كثرة الألم!
ملامحه كانت كمساعدة للتعبير عن الألم الذي يفتعل بين خلجات صدره..
فصار يتأوه بصوتًا عاليًا معبرًا عن مدى تألمه:
-آآآه قلبي واجعني أوي
اومأ الطبيب بجدية هادئة يجيبه:
-للأسفةيا جمال بيه أنت عندك القلب مُجهد والمرض أتملك منه، لذلك أي إنفعال هايخليك تحس بالألم ده
ثم صمت برهه ليتابع بعدها:.

-مش بس كدة، لا ده أنت ممكن تتعرض لجلطة تسبب الوفاة بعيد الشر لو إنفعلت زيادة
اومأ جمال بألم:
-يعني بقيت مريض كمان!
أشار له الطبيب مكملاً بدبلوماسية:
-للأسف اه، وكتبت لك الأدوية دي خدها بانتظام، وياريت بلاش مجهود كتير
اومأ جمال ثم بدأ يحاول النهوض، ولكن فجأةً...
لم يعد قادرًا على التحكم بجزءه السفلي إطلاقًا!

كان مالك بالمرحاض المخصص للسجن، يتوضئ ليحاول الصلاة كما علمته شمسه الغائبة عنه سابقًا..
شمسه التي ابتعدت عنه - اجباريًا - فتركت حياته ظلمات فقط!
إنتهى ثم كاد يخرج بهدوء، ولكن فجأة ظهر شخصًا ما امامه ينظر له بشراسة..
فسأله مالك بهدوء تام:
-خير؟ أنت مين وعايز إية؟
لم يجيبه بل ظل يقترب منه رويدًا رويدًا وهو يهمس:
-عايز روحك يا مالك، بيه
حدق به مالك بعدم تصديق وهو يعود للخلف..

بينما الأخر أستمر في التقدم نحوه وقد اخرج من جيبه سكين صغير...
فابتلع مالك ريقه مصدومًا وقد أيقن نيته السوداء و...!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة