قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية غزالة في صحراء الذئاب للكاتبة رحمة سيد الفصل الثامن والأربعون

رواية غزالة في صحراء الذئاب للكاتبة رحمة سيد الفصل الثامن والأربعون

رواية غزالة في صحراء الذئاب للكاتبة رحمة سيد الفصل الثامن والأربعون

عندما يُسيطر الخوف، والمفاجأة معًا، فيصبح لا يوجد مكان لذرة واحدة حتى من التفكير!
لم يُسعفه الوقت أو يمهله فرصة لأستيعاب مهاجمة ذاك - الغريب الحاد - وبأقل من لحظات كان مالك يقاومه بكل جهده،
وأخيرًا إستطاع تفاداة طنعته ليلقيه أرضًا، وقد كانت قوته البدنية خير درع حماية له خاصةً في هذه الأوقات..
ضغط على رقبته بقوة يسأله بصوت متهدج أثر إنفعاله:
-أنت مييييين؟ أنطق أنت مين؟

بدأ الأخر يسعل بقوة كلما ازداد شعوره بالأختناق، كلما شعر بالهواء ينسحب من بين جوفيه فيتركه في حالة جفاء مُميتة!
إستطاع النطق أخيرًا ليجيب بحروف متقطعة ولاهثة:
-أنا آآ ع عبدالله، عبدالله
صاح فيه منفعلاً وقد نفذت طاقته من الصبر:
-عبدالله مين؟ وتعرفني منين!
هز رأسه نفيًا في سرعة هيستيرية:
-لا، أنا معرفكش يا باشا، معرفكش والله ما أعرفك خالص
عقد مالك ما بين حاجبيه في تعجب حقيقي..

ولكن سرعان ما أدرك ماهية الأمر، بالطبع إن لم يكن الدافع معنوي داخلي يحثه على فعل ذلك، فالمؤكد الفعلي مادي مُجسد من شيطانًا أهوج!
وفي كلا الحالتين، رده الطبيعي والحازم الذي تهفو به كل خلية من خلاياه
لن يسمح لهم، ابدًا
سأله مستفسرًا ولم تتغير النبرة ولو درجة:
-امال عملت كدة لية؟ لحساب مين.

وبالرغم من أن بينه وبين الموت - عتبة - يظل الشيطان حارسًا على لسانه من النطق الصادق، فأضاف كذبة جديدة لقائمة تاريخه القذر:
-معرفهوش، معرفهوش ولا شوفته
إزداد من ضغطته وكأنه يعرف أنها الوسيلة الوحيدة..
وكرر سؤاله الحاد والذي كاد يختنق:
-أنطق، بتشتغل لحساب مين؟
صرخ مسرعًا:
-هقولك، هقولك بس سيبني أنا مش عايز أموت
أمسكه من تلابيب قميصه ليزمجر فيه كثورًا هائجًا لن يهدئ:
-جمال السناري صح؟ أنطق يلااا.

هز رأسه نفيًا، ثم قال:
-لا، مُش ده، واحد تاني غيره
كاد يخنقه مرة اخرى إلا أنه قاطعها بقوله المستغيث:
-والله العظيم واحد تاني مش هو، أرجوك سيبني هموت في ايدك
كز على أسنانه كاملة بقوة حتى كادت تنكسر، ثم أستكمل اسئلته:
-امال يعرفني منين؟ ولية يكلفك تقتلني يعني؟
لم يعد قادرًا على الكذب مرة اخرى!
وكأنه على يمينه الشيطان وعلى يساره ملك الموت، والنتيجة واحدة كلا الحالتين!
فهتف بصوته الأجش مُفسرًا:.

-واحد تبعه، واحد تبعه تقريبًا دراعه اليمين، هو اللي قالي ودخلني السجن مخصوص عشان كدة!

طيلة الطريق للوصول ل أمن الدولة كان مراد يختلس النظرات لذلك الدفتر يقرأ بعض السطور منه..
والتي كانت ك لهبًا زاد إشتعال الجمرة التي تشتعل بين روحه في هذا الوقت!
كلما تذكر زوجته أو إبنه الراحل، يشعر بالزمن يعيد نفسه مرة اخرى ولكن هذه المرة ليعطيه فرصة الأنتقام..
فيما كانت خلود لا تقل شرودًا عنه!
وكأنهم في تنافس قوي فيمن يصبح شارد أكثر..

تفكر وتفكر، تتساءل عن تلك الأهمية لتلك الفلاشة التي تجهلها تمامًا!
بمرور الزمن تزداد حيرتها تقريبًا...
فبدأ الإختناق يفرض مقاليده عليها بجدارة!
واخيرًا إستطاعت سؤال مراد لتنتشله من موجه ذكرياته الماضية:
-مراد ممكن تفهمني
وبالطبع كان يتوقع ذاك السؤال، وتكفل عقله بتجهيز إجابته أيضًا!
فإلتفت لها يرد بفتور:
-طب ممكن لما نرجع بيتنا مش دلوقتي
هزت رأسها نافية والإصرار يُقيدها:.

-لا لو سمحت فهمني كل حاجة دلوقتي، وحالاً، أنا مُش هافضل زي الأطرش في الزفة كتير كدة يا مراد
اومأ بهدوء، و راح يشرح لها:
-أكيد مش هتبقي زي الاطرش في الزفة، بس ده موضوع طويل ومحتاج روقان عشان أحكيلك بالتفصيل
هزت رأسها نفيًا دون تردد وقالت:
-لأ، عايزة أفهم دلوقتي يلا احكي
تنهد بقوة مستعيدًا رباطة جأشه، ثم سألها هادئًا:
-ماشي يا ستي، عاوزاني أبدأ منين بالظبط؟

نظرت لما يحمله بيده ثم أردفت بنبرة حملت في طياتها الريبة الجادة:
-من أول معرفتك بأصحاب الحاجة دي
اومأ موافقًا، وقد عزم على سرد كل شيئ، ولكنه وجد غصة الماضي مانعًا في حلقه!
شيئ ما داخله لا يدعوه لتذكار ما حدث فيفتح أبوابًا اُغلقت من الألم..
ولكنه قاوم وهو يبدأ بصوته الخشن:.

-زمان، كنت متجوز ليلى حبيبتي، كنت شغال ظابط زي ما إنتِ عارفة، بس مكنتش بسكت عن الحق ولو كان التمن حياتي! كان في لواء بردو نفس النظام، طريقه الحق وبس، اخيرًا بعد فترة قدرنا نمسك دليل على أكبر تجار مخدرات وفساد في مصر، في البداية الدليل كان معايا، رحت أنا اديته للواء لاني افتكرت انه هيبقى في امان اكتر ويقدر هو يسلمه في اقرب وقت، لكن هما ماكنش عندهم وقت، تاني يوم على طول راحوا على بيت اللواء، واللي هو نفس عمارة المرحوم صابر، كان على علاقة طيبة ب صابر، هجموا عليه ولما ماقالهمش على مكان الفلاشة ضربوه بالسكينة عشان يقتلوه، ومشيوا بعدها، وبالصدفة صابر طلع ولقى اللواء بيطلع في الروح، ولانه طبعاً مش بيثق في اي حد غيري وكان مستحيل يوصلي، قال لصابر على مكان الفلاشة، ووصاه يشوفها عنده قبل ما يمشي وقاله يديها ليا أو لظابط موثوق فيه، وطبعاً المرحوم ماكنش يعرفني ابدًا ولا عرف يوصلي، ولا حتى كان معاه الوقت الكافي يتصرف لانهم لبسوه القضية على طول واخد فيها مؤبد، وأنا كان ممنوع عليا ازوره، ومش بس كدة، دول وقفوني عن العمل بسبب قضية ذور، بقيت أنا بحاول أجمع الأدلة وطبعاً بمساعدة خفيفة من بعض الناس الشريفة، ولما يأست قررت أروح بيت الراجل زي ما إنتِ شوفتي، يمكن مارحتش علطول لاني ماكنش ينفع أشرحلهم أو حتى لما يسألوني أنت بأي صفة بتحقق معانا هقولهم اية!، هي دي الحكاية. والباقي انتِ عرفاه!

وبوجه واجم سألته:
-ومراتك؟
إبتلع ريقه بازدراء، حاول المرور من تلك النقطة، ولكن يبدو أنها مترقبة لها خصوصًا!
فاستسلم وهو يجيبها بصوت مختنق:
-قتلوها قبل ما يقتلوا سيادة اللواء، الاول هددوني فكروا اني معاي الفلاشة وبأكذب، وقتلوها، ولما برضه ماقولتلهمش عرفوا إنها فعلاً مش معايا، بس بعد ما خسرت مراتي وابني!
كادت دموعه تنزلق أسفل قناع تماسكه المزيف..

بينما هي كانت الصدمة ذاتها لا تكفي للتعبير عما تمر به الان!
لا تصدق، وهل يوجد ذئابًا هكذا؟
وللأسف الاجابة كانت واقعية حية أمام عينيها...
وجدت نفسها تربت على كتفه بحنان هامسة:
-معلش يا حبيبي، ربنا مابيضيعش حق المظلوم، وأديهم كلهم هيتحاكموا غصب عن أي حد
اومأ مؤكدًا بحماس، ووجد نفسه يقول بجدية لا تحتمل النقاش:
-هاتفضلي في العربية لحد ما أدخل وأجي، بعدها هاخدك ونروح أنا وإنتِ وليلى للمأذون
سألته متوجسة:.

-لية؟
اجابها دون ظهور أي رد فعل:
-عشان هاروح أطلق ليلى، بس كمان أكون رجعت حمدي!

-أهم يا مروان، إتصرف أرجوك.

قالتها زينة متلهفة ل مروان الذي حضر مسرعًا بعد محادثتها له..
قالتها وقد بدت نبرتها مُرهقة حرفيًا، مذبوحة ومُنكسرة!
يأست من كثرة التلبس بقشرة الثبات، فلم يعد يشكل فارقًا إن أظهرت ذاك الضعف ام لا..
إن انهارت ام لا!
النتيجة واحدة ومعروفة هي دُمرت وأنتهى الأمر!
بينما نقل مروان نظراته بين دُرية و زوجها يتفحص هيئتهم المرتعدة...
رعبهم من الواقع الذي حطم موجات سعادتهم بالمال!

فقال موجهًا حديثه ل زينة بنبرة جادة وصلبة:
-إنتِ متأكدة من اللي قولتيهولي ولا لا يا زينة؟
اومأت مؤكدة دون تردد، وسارعت بقولها:
-هما اللي أعترفوا بنفسهم
اومأ موافقًا، وقد ظهر الحماس في نبرته وهو بخبرها:
-هاخدهم وهاخد المحامي ونروح نشوف إية اللي هايحصل، وانا واثق إنهم هايخرجوه لإن جمال بيه متهم خلاص
اومأت تدعو متمنية:
-ياارب ياااااارب يا مروان
جذبهم مروان بحدة مشيرًا نحو رجلاً كان معه ليخرجا معًا..

فيما ظلت درية تهتف بخوف:
-أنا مش عايزة أتسجن، مش عايزة ادخل السجن
نهرتها زينة بجمود مرددة:
-كان لازم تفكري ف كدة لما بسببك أخويا دخل السجن ظلم
راحت تستعطفها برجاء حار:
-لا أرجوكِ إنتِ وعدتيني يا هانم ارجوكِ، لو احنا وحشين ماتبقيش زينا
اومأت موافقة بامتعاض:
-ربنا يسهلها
بينما سحبهم مروان معه، متجهين نحو قسم الشرطة، واخيرًا قد عاد القدر يبتسم لهم مرة اخرى!

كان جمال يحاول قدر الإمكان تحريك قدماه، ولكن فشل!
لم يعد يستطع السيطرة عليهم كما فقد سيطرته على كل شيئ...
بدى كأنه يُعافر مع القدر وليس مع عضو من اعضاءه!
نظر للطبيب هامسًا بصدمة جلية:
-أنا مش قادر أحرك رجلي خالص
وبالطبع بدأ الطبيب يفحصه، ولكن بعدها نظر له وكأنه يخبره بقرار القدر وعقابه:
-للأسف يبدو إنك اتشليت، بس هنا مش هانقدر نعرف التفاصيل، لازم تعمل اشعة وتكشف في مستشفى ونشوف.

ولكنه لم يسمع باقي كلماته، توقف عقله عن الاستقبال عند تلك الكلمة يبدو إنك اتشليت!
منذ قليل أعترض على مرضه، ولكن بدى الموضوع مثبتًا لجملة
كما تدين تُدان!
لم يمهل الفرصة لأي شخصًا يومًا، فلم يمهله القدر فرصة للأستيعاب وسقطت المطرقة الثانية المنتقمة على رأسه، فأصبح يصرخ بهيستريا:.

-لاااااا انا ماتشليتش لااااا أكيد كذب اكيد مستحيييييل أنا سليم لاااااااااااا ليييييية كدة لييييية اكيد انت كداااب أنا مش هتشل، مش هابقى عاجز لاااا
ولكن بالطبع إعتراضه من زوايته لم يقابل سوى نظرات من الشفقة..
ليجد الطبيب ينهض ليغادر، فصار يزمجر فيه بحدة مفرطة:
-أنت رايح فين؟ أقعد هنا انت مش هاتمشي وتسيبني كدة، أنا كويس انا اللي حاسس بنفسي، انا تعبان شوية بس
ظل الطبيب يهز رأسه في أسف مرددًا:.

-اعذرني يا جمال بيه مش بأيدي، لو خرجتك هايتقبض عليك وانا مش هاتحمل النتيجة، أنت مضطر تفضل عاجز!
وصراخ وصراخ وصراخ...
صوت صراخه الحاد يدوي بأرجاء المكان، ولكن بدى وكأن صراخه تحيط به هالة من اللامبالاة..
فلا يهتم له اي شخص! ويبقى هو ينوح بعلو صوته ولكن، لا من مجيب!

وصل مراد مع رجال من الشرطة الذين توصلوا لمكان جمال، بعدما قدم الدلائل التي كانت بحوزته لشخص موثوق منه في الشرطة...
بالطبع لن يفوت تلك اللحظة التي أنتظرها لأيام عديدة..
لن يفوت اللحظة التي ستتكفل بأثبات رغبة القدر فعليًا امامه!
سيتأكد حتمًا أن كما تدين تدان
سيتأكد أن - الدنيا دي دوارة - وأن بالطبع
- يوم ليك ويوم عليك -
الكثير والكثير من الكلمات التي عاش يهدئ بها نفسه...

الان ستتحقق لتخبره أنا لم اذهب سُدى
طرقوا الباب بعنف وبعدها بدقائق كانوا داخل المنزل يسمعوا صرخات جمال التي ستزداد حتمًا بعدما يراهم...
وبمجرد أن رأى الشرطة فعليًا ازداد صراخه الجنوني:
-ابعدوا عني، سيبوووني انتوا مش عارفين انا مين ولا اية، ابعدوووا عني لااااااااا
اقترب منه مراد، ينظر له بتشفي وظفر، ليهتف بعدها بصوته الأجش:
-جاااالك يوووم يا شيطان الأنس!

ولكن بالطبع ذاك الشيطان ليس هو من يستسلم بهذه السهولة..
أخرج سلاحًا صغيرًا أسود من جيب بنطاله يوجهه نحو مراد، ليطلق الرصاصة بجنون و...!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة