قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية غزالة في صحراء الذئاب للكاتبة رحمة سيد الفصل السابع عشر

رواية غزالة في صحراء الذئاب للكاتبة رحمة سيد الفصل السابع عشر

رواية غزالة في صحراء الذئاب للكاتبة رحمة سيد الفصل السابع عشر

صدمة، كلمة تجسد معناها أمامه بكل مراحله منذ قدومها بهيئتها تلك، واحتضانها، وظهورها المفاجئ الذي سيقلب كل الموازين في حياته رأسًا على عقب! لتزيد الصدمة ألونًا صادمة عند حضور شمس وهمسها المصعوق:
انا خلص!
والمشهد وهي تحتضنه كان كفيل لمنع الحروف من الخروج من فاهها!.
نظرت للأرضية بخجل واخراج، وداخليًا تحترق فعليًا!، والسبب مجهول؟!
ثم تنحنحت:
انا آآ.

قاطعتها سمر التي ابتعدت عن مالك لتقف تنظر لها من اعلاها إلى امحص قدميها نظرة جعلتها تتبعثر داخليًا من كم الاستحقار الذي لمحته! والاهم سؤالها المفاجئ:
مين دى؟!
كيف تجيبها وهي اساسًا لم تعتاد تلك الاجابة انا زوجته!
زاح عنها مالك الحرج عندما جذب سمر من ذراعها يسألها بحدة:
انتِ اللي اية اللي جابك هنا؟
حاولت ابعاد يده وهي تجيبه بدلع غير محبب:
اية يا بيبي منا قولتلك وحشتنى
صرخ فيها بحدة:.

اخرسي، الشويتين بتوعك دول بقوا حمضانين اوى
عقدت حاجبيها بحزن مصطنع:
تؤ تؤ اخص عليك يا مالك، ده انا مراتك بردو
واتتهم شهقة شمس المفزوعة! وعيناها تسأله ألف سؤال، زوجته!؟ كيف!؟ متى؟! لما تزوجتنى اذًا!
نظر لسمر مرة اخرى ثم قال وهو يجز على أسنانه بغيظ:
قصدك طليقتى ويلا غورى من هنا
نظرت لشمس بتحدى وسألت مرة اخرى ببجاحة:
طب مييين دى؟
إحتدت عينا مالك وقبل أن يجيبها كانت تلقي سمومها في روح شمس:.

اه اكيد دى واحدة من اياهم بتروقلك مزاجك صح
جرح أخر يُضاف لقائمة جروحها السوداء، اما يكفيها ألامه لها لتأتى هي وتزيدها؟!
نظرت له بجزع وقالت:
لا انا مش كدة ولا عمرى هكون كدة
أمسكها مالك من ذراعها بقوة ألمتها ثم قال أمرًا:
سمر لمى الدور وغورى أحسن لك
نظرت لشمس بغيظ مكبوت وقالت:
مش قبل ما اعرف مين الزبالة دى.

كادت شمس تصرخ بها لتدافع عن نفسها، إلا أن مالك وكأنه اصر أن يدافع هو عنها هذه المرة فاستطرد بحدة موجهًا حديثه لسمر:
دى مش زبالة، الزبالة اللي بيبقوا أمثالك
لم تصدق أذنيها، كلماته رنت عليها كالموسيقي الهادئة التي لم تسمعها من قبل!
بينما نظرت له سمر بحدة ثم قالت بتهديد واضح:
صدقنى هتندم يا مالك
اومأ وهو يرد ببرود ثلجي:
سمعت الكلمة دى كتيير، بس هندم فعلاً لو سمحتلك تبقي ف حياتى.

أبعدت يده ثم اتجهت للخارج وهي تغمغم غاضبة من هزيمتها، ولكن الحالية:
مش هستسلم بسهولة كدة يا حبيبي، باى باى يا ملوكى
زفر بضيق وهو يمسح على شعره الأسود هامسًا:
داهية تاخد المعفن
وما إن نظر لشمس التي لم يسمع صوتها حتى الان حتى وجدها تتقدم منه هادئة ومن ثم هتفت:
انا عايزة أتطلق يا مالك!

ركض ليجدها مُلقاه على الأرض فاقدة الوعي، لم يعرف كيف ركض صوبها ليحملها مسرعًا ودقاته تتعالي بقلق، وضعها على الأريكة في الصالون ثم ظل يدور حول نفسه بحيرة مرددًا:
اعمل اييية اعمل اييية
خبط رأسه بطرف إصبعه متأففًا:
صح هفوقها هفوقها
ركض باتجاه المطبخ ثم جلب زجاجة من المياة، يجهل سبب خوفه وقلقه!؟
خوف من فقدانها بشكل عام وينحدر هو في جوف مظلم!؟ أم خوف من نوع اخر؟
لا لا هو فقط خوف لفقدانها في منزله..

هز رأسه وكأنه يقنع نفسه بتلك الاجابة، ثم اقترب منها و رش قطرات من المياة على وجهها الأبيض الذي شحب مؤخرًا..
وبدءت هي تستعيد وعيها تدريجيًا، تحاول فتح جفنيها بتثاقل ولكن كأن عيناها لا ترغب بذاك النور الذي يهدمها!
وما إن رأته حتى حاولت النهوض مفزوعة وهي تسأله:
أنت عملت اية؟
عاد لقناعه البارد عندما وجدها بخير، فهتف بهدوء مستفز:
عملت اية يعنى يا زينتى، ما أنتِ كنتِ ادامى لو عايز اعمل كنتِ حسيتى.

نظرت له من اعلاه الى اسفل قدميه نظرة ود لو يخلعها من عينيها، وهمست:
هتفضل طول عمرك حقير
بادلها الهمس ببرود:
ومنك نتعلم يا حبيبتى
حاولت النهوض وهي تقول:
انا همشي
ولكن ترنجت مكانها وسقطت مرة اخرى على الأريكة ليتابع هو بجدية:
اهدى انا هطلب الدكتور
هزت رأسها نافية وهي تستطرد بألم سيطر على قسمات وجهها بأريحية:
لا لا انا كويسة، ماما هتلاحظ غيابي.

وكانه لم يستمع لها نهض واخرج هاتفه من جيبه ثم اتصل بالطبيب المعرفة الذي يلجأ له في هذه الحالات الطارئة:
الووو دكتور
ايوة يا استاذ زياد ازيك
بخير، حضرتك فاضي تيجي البيت عندى معلش
خير مين تعبان
لا دى آآ يعنى واحدة قريبتى تعبانة شوية قولنا نتطمن
تمام ان شاء الله نص ساعة وتلاقينى عندك
في انتظارك شكراً
الشكر لله مع السلامة
سلام
أغلق الهاتف وهو ينظر لها ليجدها تتنهد اكثر من مرة بالثانية!

هو يعذرها، بالرغم مما يفعله بها يعذرها فهى تتخطي كل المراحل التي حاولت شقيقته تخطيها مسبقًا...!

جلسا النصف ساعة كلاً منهم ينظر للأخر كل دقيقة، كل منهم تموج افكاره بضعف، زينة تحاول تخيل صورة شقيقها عندما يعلم، وهو يصارع الشعوران بداخله، شعور يؤنبه على ظلمه لتلك الفتاة، وشعور يزيده نشوة ورغبة في الانتقام، مضت النصف ساعة سريعًا وبالفعل سمعوا طرقات على الباب فنهض هو بهدوء يهندم ملابسه ثم اتجه للباب وفتحه ليرحب بالطبيب الذي يعادل عمر والده:
اهلاً يا دكتور هاشم اتفضل.

اومأ الطبيب بابتسامة هادئة، وجدوا زينة جالسة بهدوء لينظر لزياد متساءلاً:
خير اية المشكلة؟
تنحنح زياد بجدية:
كانت واقفة عادى وفجأة اغمي عليها
اومأ الطبيب ثم اقترب ليفحصها وبعد دقائق انتهى لينظر لزياد بابتسامة هادئة:
مفيش حاجة تقلق
سأله زياد مستفهمًا:
الاغماء كان بسبب اية يا دكتور؟
هز رأسه ثم نظر لزينة مكملاً:
أنا شاكك إن المدام حامل، هنعمل تحاليل ونتأكد!

كانت تجلس وحيدة على فراشها، منذ خروجها من تلك المستشفي وهي تقيم بالمنزل امتثال لأوامر الطبيب، حتى كادت تشعر انها بالسجن حقًا..!
وما يجعلها داخليًا تحترق هو تجاهل ولديها لها؟!، او حتى السؤال منهم!
وكيف تنتظر منهم الاهتمام وهي من جعلتهم يعتادوا على التجاهل!
هي الان تحصد ما جنته فقط!
وجدت جمال يدلف إلى الغرفة، تنحنحت بضيق وكأن الهواء انقطع من الغرفة..

لتجده يقترب ليجلس بجوارها ويقول بابتسامة باتت تكرهها:
ازيك يا ام العيال؟ عاملة اية؟
اجابته مقتضبة:
كويسة، خير؟
رفع حاجبه الأيسر متابعًا بتهكم:
في واحدة تقابل جوزها حبيبها كدة
غمغمت بضيق:
قول المصلحة اللي جاى عشانها على طول ياريت
اومأ مبتسمًا باستفزاز:
عندك حق، ندخل مباشر
اومأت لتنظر له باهتمام لتجده يهتف ببجاحة غير مفاجئة عنه:
عايزك تكتبي كل حصتك ف الشركة بأسمى.

حدقت به غير مصدقة، انتهت كل محاولاتها للصبر مع وصل حد جشعه لأولاده! غلي الدم بعروقها وهي تصرخ فيه بجزع:
انت مجنون، انت عارف انى كتبته باسم مالك
رفع كتفيه بلامبالاة مجيبًا:
عارف، عشان كدة أفضل إنك انتِ اللي تقنعيه، دى مليارات مش لعب عيال
هزت راسها نافية بأصرار:
ماتنساش انها كانت شركة والدى، يعنى انا حرة التصرف فيها زيي زيك.

وحلق في سماء الغيظ والكره، ولم يعد يرى امامه سوى شياطين تزين له تلك الأموال، نهض بغضب ليسألها بتحذير:
متأكدة من اللي أنتِ بتقوليه ده!؟
اومأت بتأكيد:
طبعًا متأكدة
هز رأسه وهو يتجه للخارج:
تمام، ماترجعيش تقولى إنى ما حذرتكيش بقاا!

بمجرد أن دلف مراد إلى الغرفة حتى فاجئته بسؤالها الغير متوقع تمامًا بالنسبة لها، لا بل تدخلها في حياته من الأساس غير متوقع، انحرافها لطريق مبتعد عنه هو الشيئ الصحيح، :
كنت بتكلم مين عشان كدة خرجت؟
ضيق عينيه مجيبًا باستغراب:
وانتِ مالك؟
زفرت بغضب قبل أن تزمجر فيه:
لا مالي ع فكرة
سألها ببرود وهو يعقد ساعديه مستمتعًا بذاك النقاش:
مالك أزاى بقي؟

نظرت له بتحدى، وتفوه لسانها بما تجيب به اى زوجه طبيعية تعيش حياتها بكل مراحلها وليس جزءً وجزء:
انا مراتك ماتنساش
عضت على شفتاها بندم حقيقي، اعتراها الضيق مع انه حقها!
ولكن حق لم يعطيها صاحبه مفتاحه!
بينما هو، لم يعرف يحزن ام يبتسم، يبتسم لما قرأه بين سطور عيناها من، غيرة نسائية فطرية!
ام يحزن لأنها دلفت وفرضت سيطرتها على قلبه، او بدءت تمسك مقاليد حكم ذاك القلب الذي يقرع كلما اقترب منها!
همست بارتباك:.

أنا آآ م
قاطعها بسؤاله الجاد:
من امتى اكتشفتِ انك مراتى
كادت تجيب بحزن:
لا أنا بس كن آآ
قاطعها مرة اخرى بنفاذ صبر:
عمرك ما كنتِ ولا هتكونى مراتى فعلاً، دى مجرد ورقة بينا لا راحت ولا جات
اومأت وهي تبتلع تلك الغصة المريرة في حلقها، هي من تسبب في فك القيود التي بنتها بينهم، لتأخذ المقابل اذًا!
رفع اصبعه في وجهها بتحذير:
اوعى تدخلى في حياتى مرة تانية
اومأت وقد ترقرت الدموع في عينيها بلمعة غريبة:
أسفة.

أولاها ظهره متجهًا للخارج بخطوات هادئة دون أن يرد عليها، ليجد الباب يطرق، اقترب منه ليفتح حتى وجدها تأتى خلفه، نظر له بطرف عينيه وقال أمرًا:
ادخلى جوة ماتطلعيش غير لما أقولك
اومأت بهمس قلق:
حاضر
دلفت هي فأكمل هو سيره وفتح الباب، حتى صدم من...

كانت شمس تجلس في الصالون، من المفترض أنها تشاهد التلفاز، ولكن يبدو أن التلفاز هو من يشاهدها وانقلبت الأية!
نظراتها هائمة تحدق بلاشيئ، وقفزت لذاكرتها ما حدث وزاد من تعجبها..
فلاش باك
أنا أسف
قالها بهمس رقيق، ولكنه سقط على اذنيها كالصاعقة الرعدية التي زلزلتها داخليًا، الكثير من المشاعر المختلطة اجتاحها عند تلك اللحظة!

لقد تحقق المستحيل، جبلها الشامخ الذي منذ ان عرفته لا يهتز، اليوم اهتز وليست هزة عادية، بل لها هي!؟
وكأنها لم تستوعب فقالت ببلاهة:
أية!؟
والأغرب فعليًا تكراره لأسفه:
أسف، أسف
أغمضت عينيها تحاول السيطرة على رفرفة اجنحتها ثم استطردت:
على اية ولا اية
تنهد وكأن شخصية اخرى هي من تسيطر عليه الان واجاب:
على كل حاجة، بس صدقينى فعلاً انا مش عارف اية اللي بيحصلى وانا معاكِ.

ونظر لها نظرات ادهشتها، نظرات ممتلئة بالحنان، الهدوء، الأسف، والاعجاب!
ام انها فسرتها خاطئة؟! اكيد نعم!،
مد يده يتحسس وجهها مرة اخرى برقة وهو يهمس بالأخيرة:
تعبتينى معاكِ يا، شمسي
لا لا من المؤكد أنها تحلم، شعرت وكأنه جوف من الحنان فُتحت ابوابه الان فقط!
ابتلعت ريقها بتوجس وقالت بما لا يتناسب مع ذلك الموقف:
انا خايفة
ضيق ما بين حاجبيه وسألها:
من اية؟
اجابت بلا تردد بطفولة محببة:
منك، أنت بتتحول.

ضحك بقوة على جملتها، للحظات شعر أنها طفلته وليست زوجته!،
تحمل من البراءة ما يكفي لأعوام، بينما هي سرحت في ضحكته الجذابة، كيف لم تلحظ وسامته تلك من قبل!
استفاقت لنفسها على صوته الخبيث:
اول مرة ألاحظ انى حلوو كدة
احمرت وجنتاها بخجل، لقد شرح ما عليه حالها، ولكنها تصنعت عدم الفهم وهي تقول:
مش فاهمة!
اجابها وهو يقترب من عينيها الرمادية:
ده اللي ظاهر في عينيكِ.

نظرت للجهه الأخرى لتهرب من اختراق عينيه ثم نهضت مسرعة تقول بتوتر:
الاكل اتحرق
باك
تسللت الأبتسامة لثغرها بمجرد أن تذكرت ما حدث تلقائيًا، قطع شرودها صوت طرق الباب الذي باتت تكرهه، لتنهض بهدوء متجه له، فتحت فلم تجد اى شخص نظرت يمينًا ويسارًا ثم اتكأت واخذت الظرف الذي لمحته على طرف الباب تتساءل بتعجب:
ده اية ده!

اغلقت الباب ثم بدءت تفتحه بهدوء لترى ما به، لتجحظ عينيها بصدمة من هول ما ترى وكأن الصدمة حليفتها فقط!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة