قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية غزالة في صحراء الذئاب للكاتبة رحمة سيد الفصل الرابع

رواية غزالة في صحراء الذئاب للكاتبة رحمة سيد الفصل الرابع

رواية غزالة في صحراء الذئاب للكاتبة رحمة سيد الفصل الرابع

جحظت عيناها بصدمة جلية على ملامحها وجسدها الذي تبلد من الصدمة، لم تعى أهى بحلم ام علم!؟
ولكن ماهى متأكدة منه أنها لن ولم تصبح زوجته ابدًا، كان قلبها يدق بصخب، يود الخروج ونهر والدتها بشدة، دقائق مرت عليها كالدهر وهي محملقة بوالدتها، وأعجزتها الصدمة عن الرد، عليها أن تعيد بناء كل شيئ رويدًا رويدًا، وأولهم حياتها والأستقلال فيها!.

اخيرًا استطاعت تحريك لسانها الذي قُيد بسلاسل الصدمة منذ قليل قائلة:
مستحيييل
حاولت بث جميع مخاوفها ورفضها التام في هذه الكلمة، ولكن يبدو أنها لم تؤثر بوالدتها الصامدة ولو لثوانى لتعيد التفكير حيث سألتها بجدية بالغة:
مستحيل لية ان شاء الله، ماله يحيى؟
هزت رأسها نافية وسارعت مبررة:
ملهوش بس مش هو الشاب الى بأحلم بيه طول عمرى
رفعت والدتها حاجبها مستنكرة ثم قالت بسخرية واضحة:.

لا والله، وحضرتك عايزة واحد ازاى
اجابتها بصوت سُلب منه جميع المشاعر:
مش عايزة، لكن يحيى لا
سألتها كريمة مرة اخرى متأففة:
لييييية قولى اسباب حتى اعرف اقنعه بيها او اقنعك انتِ؟
هدوء غريب سكنها فجأة، لتجوب بعينيها في ارجاء المكان، ثم صرحت بقوة:.

يحيى مابيصليش، مابيدخلش الجامع غير ف المناسبات، احتمال مايعرفش المصحف كام جزء اصلاً، عايز الحاجة إلى تعجبه تبقي ليه على طول ومستعد يعمل اى حاجة عشان يوصلها، يحيى مابيحبنيش، يحيى عايز يمتلكنى بس!
مصمصت شفتاها بغلب، تبحث وتبحث بين جنبات عقلها عن إجابة مقنعة ولكن، أين تجد؟! فهي محقة بكل حرف قالته، وكأنها كانت ترمم هذه الاجابة سابقًا حتى تكون غير قابلة للنقاش!
إستطاعت القول لتقطع الصمت بتفكير:.

الصلاة وهنخليه يلتزم بيها، ويعرف ربنا وان شاء المولى يهديه، اما انه عايز يمتلكك ف ده اكيد عشان بيحبك يا هبلة
تنهدت تنهيدة طويلة، الملل يجتاحها رويدًا رويدًا كلما شعرت بقبضة عشقه المزيف تزداد ضغطًا عليها يوم بعد يوم، نظرت لها نظرات اربكتها قليلاً ثم اردفت متساءلة بهدوء حذر:
انتِ عايزة اية بالظبط يا أمي
إبتعدت عن حرب عينيها، عن ذاك السحر، لتتهته متلعثمة:
عايزة مصلحتك اكيد
هزت رأسها نافية، ثم قالت هادئة:.

ولو قولت انى مش عايزاه، هتجبرينى؟
سؤال يجيب على نفسه، تتحدث معها بكل هدوء وتطرح الاسئلة بينما بداخلها بركان ثائر يحثها على النهوض والركض أبعد ما يمكن عن مجرد هذه الفكرة الجوفاء التي تشعرها بالتقزز من نفسها مستقبلاً..
تنهدت والدتها تنهيدة حملت الحيرة في طياتها، ولكن تخطتها بمهارة وهي تصطنع الحدة:
ايوة هجبرك لأنى مش شايفة فيه عيب
هدرت فيه غاضبة:
لكن انا شايفاه كله عيوب!

زفير عالى سمعته لتسكن منتظرة حكم القاضي عليها، ولكنها تفاجئت بجلاد قاسى يهبط بسوطه عليها دون رحمة:
انتِ عارفة كويس إن ممكن محدش يتقدم لك عشان موضوع ابوكِ
آآه من الكلمات المميتة تلك، شعرت بأمعائها تتقلص من الجزع والحزن، وإنخرط قلبها قبل عينيها في البكاء الحاد الذي كان سبيله الوحيد للتهوين عن نفسه، ثم همست بصوت امتلأ بالرهبة:
يعنى ايييية، بردو مش هاتجوز يحيى.

إستدارت رافعة كتفيها ببرود ومن ثم استطردت بلامبالاة:
أنا قولت الى عندى وخلاص
ثم اتجهت لغرفتها الصغيرة غير مبالية بأبنتها الوحيدة الذي تنقسم لأشلاء متباعدة كل البعد عن بعضهم، كل جزء يرغب في ماسة مختلفة وكل ماسة ترغب بجزء اخر، عقلها مشتت بكيفية جمع الاثنان، رغبتها و، والدتها!

كانت تقف مدهوشة، تبلد جسدها بثبات ولمعت عينيها ببريق مهدد بالأنفجار، أقل ما يُقال عنها في هذه اللحظة أنها صنم حجرى ثابت، حاولت تحريك شفتيها المزمومتين ببلاهة لتطلق سهمًا ما ترده له ليشعر بما تعانيه، ولكن لم تنطق، ثُبتت قدماها بالأرض وكأنهما قُيدا بقيود معتادة ولكن من الواضح أنها اشتدت مع مرور الوقت، شعر بما تعانيه لوهلة، اخبرته عيناه التي لمحت أطياف الحزن بعيناها ولكنه لم يبالى و قال بكل برود كأنه يخبرها عن طلب بسيط:.

ها هتسيبي الشغل ولا تروحى للدكتور؟
همست ببلاهة فاغرةً شفتيها:
هآآه!
هآآه اية انجزى انا مش فاضي لك
صرخته الرجولية الحادة أرعشت جسدها وكأنها رسالة للعقل بالتحرك والتفكير على الفور، لتسأله ببلاهة:
طب لية؟
اجابها بنفاذ صبر:
يووه، هو احنا إلى هنعيده هنزيده!
خرجت منها همسة منكسرة:
معلهش!
أعاد قوله عليها بملل:
الناس بدأت تشتكي منك، وزمايلك بقوا خايفين منك جدًا!

حدقت به غير مصدقة، ما الذنب التي ارتكتبه؟!، تُعاقب وتُدس وسط خيارين من أشواك مؤلمةً تجرحها دون رحمة او مُهلة، على شيئً لم يكن بأرادتها يومًا، أسبلت اهدابها وهي تغمغم بألم:
بس انا ما اذيتش حد
تحولت عيناه لجمرتين من النار في ثوانى معدودة، ليتابع مفتعلاً:
قصدك إن انا بكذب ولا اية؟
سارعت مبررة بهزة من رأسها مستنكرة:
لأ انا ماقولتش كدة، لكن آآ
قاطعها بصوت سَاخط خالٍ من اى شفقة:.

مليش فيه، يظهر انك قررتى تسيبي الشغل؟
لم تهز رأسها نافية، لم تنهره على اتخاذ قرارات بدلاً منها، لم تصيح فيه بحدة أنا لستُ مجنونة!، بل صمتت، وما اصعب ذاك الصمت الذي يلجمها، الحزن يدميها منذ أن اصبحت تحلم بتلك الأحلام، حتى كادت تشعر انها تستشعر الثقل في نطق تلك الكلمة مرة اخرى!

بينما ظل هو يراقبها بأعين متلهفة، فهو من الأساس لم يتقبلها يومًا، وليكن كلام اصدقائها ما هو سوى عصا يزجها بها دون أن يلومه اى شخص..
عاد يقول بتهكم وكأنه منتظر اجابتها من الأصل:
اممم، شايفك ساكتة، القطة أكلت لسانك ولا اية؟!
خرجت همسة هادئة بعكس ما يجيش بصدرها من اهتياج حاد:
إلى اشوفه حضرتك يا فندم
سألها بلهفة:
يعني اية هتعملي اية؟!
نظرت له بقوة ثم قالت بثبات زائف:
يعنى هأسيب الشغل!

انفجر ثغره بأبتسامة مشعة وكأنه حصل على ترقية ما، حاولت إخفاؤوها وهو يستطرد بأسف مصطنع:
لية كدة ده انا كان نفسي تكملى معانا
النصيب بقا يا فندم
هتفت بها وهي تستدير متجهة للخارج بأقدام هائمة ودموع مهددة بالأنفجار!

تجلس في سيارتها السوداء الفارهة، عيناها التي لطالما طُبع عنهم مظهر الجمال والجاذبية الان تذبل لتصبح مصدر للشفقة، لم تضع اى مساحيق تجميل، كانت ترتدى بنطال جينز من اللون الأسود وتيشترت نصف كم احمر، خصلاتها الناعمة تتناثر بشكل عشوائى لتعطيها مظهر جذاب بعض الشيئ، اصبح وجهها شاحب كأنسحاب القمر من الكرة الأرضية ليعلن عن إنطفاء نوره، تكونت الهالات تحت عينيها بكثرة، اصبحت كالعجوز في سن الشباب!

يدها تدب على السيارة تلقائيًا من فرط التوتر، لم تكن تلك زينة الجميلة يومًا!
واخيرًا جاء ما كانت تنتظره ليفتح الباب ويستقل زياد السيارة بجوارها ببرود متعمد، ما إن التفت لها حتى سارعت بقولها متلهفة:
كل ده تأخير يا زياد؟!
رفَع كتفيه ثم زم شفتيه قائلاً ببرود:
سورى يا بيبي الطريق كان زحمة
جزت على اسنانها ساخرة:
والله!
اه وحياتك.

اجابها بسخرية اكثر، شعرت بنفسها تحلق في سماء ممتلئة بالأوهام والكأبة والحزن، كان الجميع ينتظر منها نظرة ليروى عطشه منها، ولكنها الان هي من تتلهف لرؤيته، هي من تركض له، وبالطبع هو يستمتع بذلك ببرود، يتردد بعقلها سؤال واحد لم يحدث معى كل هذا؟!.
لم تهتم لكل تلك الأفكار التي تداهمها وسألته مسرعة:
جبت لى الحاجة ولا لا؟
تنهد ببطئ، ثم سألها متفهمًا بعدم فهم مصطنع:
حاجات اية؟

جاهدت للتحكم في اعصابها واخراج صوتها هادئًا:
يعنى انت مش عارف، المخدرات يا زياد
أطلق صفيرًا بصوت عالى، يشعر بكبرياؤوه يتغذى ويتشبع عندما يستمع لتوسلاتها عبر الهاتف حتى يلقاها ويجلب لها الهيروين، تزين ثغره بأبتسامة ساخرة واردف بلوم مفتعل:
تؤ تؤ، كدة جاية تشوفينى عشان كدة بس يا زينة؟

لم تعد تحتمل، تشعر برأسها تكاد تنفجر، ستصرخ من شدة الألم، وضعت يدها تضغط على رأسها بقوة علها تهدأ، ولكن من دون جدوى، صرخت فيه من دون وعى لصوتها العالى:
قولت لك هات يا زياد خلصنى
تنحنح ببرود وهو يقول:
هاتى الفلوس الأول
مدت يدها ممسكة بحقيبتها بسرعة ثم اخرجت الأموال منها وألقتها له ليمسكها يتفحصها ويعّدها، ثم نظر لها شزرًا وقال ببجاحة:
اية الهلاهيل دول!
حدقت به بغيظ، ثم هتفت متساءلة بتهكم:.

دول 10 الاف، هلاهيل، امال حضرتك عايز كام؟
قولت لك 15 الف مش اقل ابدًا
اجابها وهو يعود برأسه للخلف، بينما رمقته هي بنظرة كارهه حانقة، لو كان يشعر بها لكانت قتلته توًا، اللمعة البارقة تزيد عينيها شراسة وخطورة، كادت تمزق الحقيبة وهي تمسكها بقوة لتخرج منها باقى الأموال، ثم ألقتها في حجره وقالت آمرة:
انجز بقا وخلصني يلا!

أخرج كيس المخدرات من جيب بنطاله بهدوء مستفز، وما إن اخرجه حتى اختطفته بسرعة، ثم فتحته وبدأت تشمه وهي مغلقة العينين والراحة تجتاحها رويدًا رويدًا، تتابعها أعين زياد المتشفية.

كانت شمس بغرفتها، متسطحة على فراشها الصغير كالحضن الممتلئ بالحنان، تحتضن وسادتها الصغيرة ودموعها تهطل بصمت، عينيها لم تستطع التعبير عن كم المشاعر المختلطة التي تجيش بصدرها، ضلوعها تكاد تختلع من كثرة عدم احتمالها، المشاعر والمشاعر، الحزن والألم، ألم يكفي كل هذا ليأتى هذا ال يحيى ويزيد همها، أم هذه دعوة صريحة من القدر أنه لن يتركها تحظى بهدنة صغيرة؟!، يدميها الحزن ويحتل قلبها بجدارة ولا منازع كالسعادة، سوط أمام سوط بخيروها بأى واحد ستُجلد؟!

..
بينما في الخارج والدتها كانت قد خرجت من المرحاض بعدما توضأت لتؤدى فريضتها اليومية، بوجه هادئ لا يحمل في طياته اى شيئ، وكأنه لغز صعب الفك، حتى سمعت طرقات هادئة على الباب، عدلت من وضعية حجابها ثم اتجهت لتفتحه، لتجد امامها مالك!
عقدت حاجبيها بتعجب، ثم سألته مستفهمة:
مين حضرتك؟
اجابها بأبتسامة هادئة:
أنا مالك جمال
هزت رأسها وعادت تسأله مرة اخرى:
ايوة يعنى حضرتك عاوز اية؟
تنهد قبل أن يستطرد بحرج:.

طب مش ممكن نتكلم جوة؟
شحب وجهها من الحرج، ابتعدت مسرعة وهي تشير له للداخل قائلة:
معلش، أتفضل
حضرتك استاذ مالك الى سكنت جديد صح؟
سألته وهي تدقق النظر له لتتذكر أين رأته، ولكن اجابها بهدوء حذر:
ايوة مظبوط
اومأت بصمت بعدما لاحظت نظراته المتفحصة للمنزل، لم تشعر بالخزى ابدًا من منزلها الحبيب، بل اجابته بفخر يشوبه الحزن:
معلش بقا يا بيه البيت مش قد المقام
سارع يرد مبررًا:
لأ ابدًا والله مش قصدى.

حمد الله انها لم تلحظ علاما كانت تبحث نظراته، علاما يعبر بريقه اللامع، وإن كانت فهمت نظراته شفقة وكبرياء افضل من ان تفهم سبيل عيناه وهو البحث عن شمس!
تنحنح بهدوء:
انا عايز اتكلم مع حضرتك ف حاجة وياريت ماتفهميهاش غلط وتكونى متفهمة موقفي
شعرت بريبة تحتل قلبها، ولكن غمغمت هادئة:
أتفضل يابنى
جلس على الأريكة الصغيرة، وحاول اعتدال وضعيته وهو يبدأ السرد عن سبب زيارته الغير مفهومة لوالدة شمس..

خرجت من الشركة، بخطوات زاحفة وليست بطيئة فقط، قدم لم تعد قادرة على السير بسبب توقف العقل عن العمل مؤقتًا، كيف يعمل وهو يتلقي كل هذا ويداهمه كل هذه الأفكار فجأةً، وقلب يلومها وبشدة على صمتها، يزمجر فيها أن تعود وتلقنهن جميعًا درسًا لن ينسوه، وأعين لطالما اعتادت على البكاء بحدة، تكاد لا ترى من الغمامة التي تحيط عينيها، تتذكر كل الهمهمات المهينة التي سمعتها بمجرد علمهم أنها ستترك العمل بلا عودة،.

يووه اخيرًا، اوف ده هم وانزاح، اخيرًا حسيتى على دمك واتطردتى..
روحى اتعالجي يا ملبوسة
بسحابات عميقة, منكسرة وحزينة سألت نفسها بألم:
امتى هرتاح بقاا ياااااارب
لم تستطع الاجابة حيث وقعت عيناها على شيئً ما جعلها تركض مسرعة بأتجاه شابًا ما كان يركض متلفتًا خلفه كل ثانية، ثم فجأة احتضنته وهي تزجه سيرًا ليقعوا سويًا عند شارع ما ضيق وخالى من السكان...!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة