قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية غزالة في صحراء الذئاب للكاتبة رحمة سيد الفصل الرابع والعشرون

رواية غزالة في صحراء الذئاب للكاتبة رحمة سيد الفصل الرابع والعشرون

رواية غزالة في صحراء الذئاب للكاتبة رحمة سيد الفصل الرابع والعشرون

لحظات مرت وهو لا يستوعب ما يحدث، يد العون الممدودة من سمر تلك حقيقية، ام مجرد وسيلة لتجذبه نحوها في لمح البصر؟!
ولا يملك حرية الأختيار بالطبع..
حدق بها ببلاهة فاغرًا شفتاه:
نعم!
وكأنه استوعب ضرورة الإسراع في تلك اللحظات فنهض مسرعًا وهو ممسك بيد شمس التي سألت بتوجس:
هنخرج أزاي بس
سارت سمر امامهم بسرعة إلى حدًا ما وهي تهمس بجدية لم تتكلفها:.

أنا اتصرفت مع الحرس، يلا هطلعكم من الناحية التانية عشان محدش يشوفكم
مساعدة!
شيئ كان يفعله هو دومًا..
ولكن ماذا إن كان الان يُقدم له!؟
ومن شخص لم يتكن يتوقع المساعدة منه ابدًا!
تعجب فعليًا، والسؤال الوحيد الذي يرتكز في سماء صدمته الحالية
ماذا حدث لها لتفعل ذلك؟!
خرجوا بالفعل ليجدوا الممر فارغ!
ساروا مسرعين للخارج راكضين، تتبعهم سمر التي اخرجت بعض الأموال من جيبها لتعطيها لمالك مرددة بسرعة:.

خدوا أركبوا أي مواصلة من ادام شوية، أنتم مش بعيد اوي عن المعادي
اومأ مالك ليشدد على يد شمس ثم استدار وكاد يسير إلا أن سمر فجأة جذبته من ياقه قميصه لتقتنص قبلة قصيرة من شفتاه قبل أن تبتعد قليلاً لتقول هامسة:
هتوحشني أوي يا مالك
وعينا شمس الرمادية التي لمعت ببريق الغيرة فضحتها بالفعل!؟
وحالة غريبة، تكره لتغار؟!
حالة بقوانين وقواعد جديدة اساسها أنها تكره..

واخرها أنها تغار عليها وتحترق رويدًا رويدًا من مجرد اقتراب حارق من أنثي تجاهه!
وتلقائيًا ضغطت بيدها على يد مالك ليستدرك مالك نفسه لسمر:
سمر أنتِ آآ..
قاطعته سمر وهي تشير لهم مسرعة:
مفيش وقت يلا بسرعة امشوا ممكن يرجعوا بسرعة
سحب شمس راكضين..
شمس التي كانت كل خلاياه ملغمة بالقلق، قلق حقيقي لا تعرف من أين وأين!؟
ودقاتها التي لم تهدء للحظة..
وصمتها هذا الذي كان أصعب من الصراخ والحدة...

وبعد ركض طويل وصلوا إلى الطريق العام، ظل مالك يلهث، ورغم عقله المشتت من كل شيئ إلا انه سألها:
شمس أنتِ كويسة؟
لا تعرف لهذا السؤال جواب، هي مشتتة، تحترق، تتأكل داخليًا، ولكنها بخير تمامًا!
اومأت وهي تهمس له:
ايوة أنا كويسة
بعد قليل كانت سيارة كبيرة تقترب منهم اشار له مالك ليقف ثم سأله بنزق:
اية واقف ادام العربية لية
اسرع مالك بالاجابة:
عايزين نوصل المعادي ضروري يا ريس.

وزع الرجل نظراته بين مالك وشمس التي تشبثت بقميصه بخوف ليومأ موافقًا:
ماشي أركبوا
ركب مالك اولاً ثم امسك بيد شمس ليعاونها على الطلوع، لتلتصق به تمامًا خشيةً من نظرات ذاك الرجل..
تنحنح الرجل ثم سأله بخشونة:
اي خدمة
نظر له مالك بابتسامة صفراء ثم قال:
متشكرين
وأخرج الأموال من جيبه ليعطيه، فأخذهم الرجل بصمت..
وبعد دقائق عاد يقول بمغازلة لشمس:
عينك دي ولا لينزز يا أنسة؟

نظرت له شمس فاغرةً فاهها، لتهمس بعدها ببلاهة:
لينزز!، أسمه لينسز
بينما كان الغضب يسيطر على مالك كليًا، ولاحت في عيناه نظرة جعلت شمس تصمت تمامًا عن الحماقة التي كانت تتفوه بها..
ليقول بعدها للرجل بحدة:
دي مراتي يا ريس، وياريت تبص ادامك أحسن من عينيها عشان مانعملش حادثة في ليلتك اللي مش فايته
نظر له الرجل بضيق ثم غمغم:
منا باصص اهو، مكنش سؤال، أنا ملاحظتش انها مدام لانها مش باين عليها من حلاوتها.

كتمت شمس سعادتها بصعوبة من تلك الغيرة التي ظهرت دون مقدمات..
نعم كلاهما يغير على الأخر..
ولكن غيرة غير معترف بها في قانون حياتهم - العنيدة -..
بعد ما يقرب من ساعة وصلوا للشارع الرئيسي، فنزلوا مسرعين..
وقبل أن يسير مالك أستدار ليوليه لكمة قوية نبعت فجأة من غيظه الذي حاول كتمه حتى يصلوا..
ثم زمجر فيه حادًا:
دي عشان تفتكر إنك لازم دايمًا ماتبص لحاجة مش بتاعتك.

ثم سار هو وشمس التي لم تختفي الابتسامة من ثغرها بخطى سريعة..
تناقضًا للحالة التي كانت تجتاحها بلا منازع منذ قليل!

نظر مراد لحسام بتدقيق للحظات متفحصًا قسمات وجهه قبل أن يزفر وهو يهتف بضيق:
ما أنت عارف يا حسام إني بعمل كدة عشان أشوف رد فعلها مش اكتر
وكانت نظرة حسام بلا معنى، غامضة وكأنها طلاسم يصعب فكها..
فأردف بصوته الأجش:
عشان شاكك إنها ممكن تكون لسة بتحبني مش كدة؟
هز الأخر رأسه نافيًا وراح يبرر بهدوء:.

عشان أعرف هي تستحق مشاعري اللي أنا حاسس بيها ولا لا، عشان أعرف هي زي ليلى ف الأخلاص والوفاء ولا زيها ف الشكل وبس!
تأفف حسام ثم سأله بشكل مفاجئ:
وأفرض حنت للقديم، وأهو بالمرة ترجع لأمها بدال ما انت مهددها؟
وشعر أن صوت ضربات قلبه العالية قد تكون مسموعة لحسام!
صوتها القلق الذي يرفض هذا الأحتمال رفضًا باتًا..
ليست مشكلته أنها اعطى لعقله فرصة واستجاب لنداءه الغبي!

هي له ومعه، وستظل هكذا لطالما كان على قيد الحياة...
نظر لحسام بحدة واضحة قبل أن يستطرد بنبرة تماثل نظرة عيناه السوداء في الحدة:
أنت عايز أية يا حسام؟
رفع حسام كتفيه ثم اجابه ببراءة:
صدقني أنا مش عاوز حاجة، أنا هنا مجرد نفسك اللي بتتكلم بصوت عالي، بتناقش معاك ف كل الجوانب، مش سايبك تشوف جانب أنت عايزه وجانب تاني بعدت عنه النور!
نظر مراد امامه بشرود..
كلام حسام صحيح مليون بالمائة!
ولكن، ما باليد حيلة...

هو سقط في تلك الفجوة بين القلب والعقل ليس إلا!
وفجأة تردد في اذنه قول حسام الجاد:
ولا أنت بتقول إنك حابب خلود عشان هي شبه ليلى بس!؟
واجابه مراد دون تردد بنفس الجدية والأتزان، و بقلب يتحدث على لسان بشر:.

يمكن لو كنت سألتني من يومين السؤال ده كنت قولتلك أه كدة او انا كنت مفكر إنه كدة، لكن لأ، أنا حبيت خلود مش ليلى، أنا دلوقتِ شايف خلود، وعايز خلود، أنا لما ساعدتها من طغيان اخوها كان لأني متعاطف معاها، مش لأنها شبه ليلى، ليلى أنا اتأكدت إنها خلاص ماضي وراح لما عاشرت خلود
ابتسم حسام تلقائيًا على كلام مراد الذي شعر بكل خيط صدق وحقيقة ينسدل منه، فهتف بنبرة عادية:
ربنا يقربها منك أكتر لو فيكوا الخير لبعض.

اومأ مراد مرددًا بابتسامة:
امييين يارب
وكانت خلود بالداخل تقف شاردة، تائهة بين شارع الحب ورصيف العقل!
بين ذاك الرصيف الذي يحاول جذبها مرددًا بتلك الحجة
إن طلبتِ المساعدة من حسام ستعودين لأهلك فورًا!
وشيئ ما يرد عليه بحجة اخرى - كاذبة -
سيجلبني إن أراد، هذا حقه، هو زوجي فعليًا امام القانون!
افاقت من شرودها على صوت الغلاية، لتعد كوبان من القهوة..

وخرجت بهدوء لتضع امامهم الكوب بابتسامة صفراء ضغطت على نفسها لتظهرها امامهم..
ليقول مراد بابتسامة هادئة:
تسلم ايديكِ يا حبيبتي
حبيبتي!
هل هي حقًا حبيبته!؟
أم تلك حروف خرجت بشكل عادي غير المسار الذي وصلها من تلك النبرة؟!
ولكن، هو اعترف لها فعليًا!
ما المانع إذاً لتصدقه؟
قطع شرودها القليل صوت حسام وهو ينهض بهدوء قائلاً:
عن اذنكم بقا هتأخر لازم امشي.

اومأ مراد بهدوء، وبعد السلامات العادية كاد يلتفت حسام ليخرج إلا انه سمع صوت خلود التي نادته بهدوء متوتر:
حسام!

وكان يحيى الأسم يلتمع بذهنه!
عالق بين حبال افكاره الشيطانية التي لم يسلم منها اي شخص..
ظل ناظرًا امامه بشرود، في البداية كانت مجرد فريسة ممتعة ولكن الان اصبحت اكثر بكثير مما اعتقد..
اصبحت فريسة بنكهة الأنتقام الموجع!
فريسة سيُمتع بها نفسه اولاً ثم يستمتع بقهر اخيها
سيسلب منه سيطرته على شقيقته كما سلب منه سيطرته على شمس!
ولكن ماذا إن كانت تلك الفريسة نالت قدرًا كافيًا من الأنتقام حد الجنون؟!

قطع افكاره صوت هاتفه الذي بدء يرن فزفر وهو يخرجه من جيبه بهدوء ليجيب:
ايووة يا غريب
اية يا يحيى عامل اية؟
تمام كويس
سمعت إنك طلبت عنواني واخدته بقالك شوية ولسة ماجتش
اممم لا ده كان عادي
اية طب كان في حاجة ولا اية؟
لا كنت عايزك في مصلحة كدة بس غيرتها خلاص
مصلحة تاني!
لا لا المصلحة دي ملهاش علاقة بشمس خالص
اومال مين؟
متقلقش هي حاجة سهلة جدًا، أنا عارف أنك معاك المكنة بتاعتك ف هتساعدنا
وضح اكتر مش فاهم.

يعني انت كل اللي هتعمله إنك هتراقب واحدة كدة وهتجبلي كل حاجة عنها
اممممم حلوو
ومع ذلك هاجيلك عشان نظبط كل حاجة تمام ف الانتظار
سلام
مع السلامة.

أغلق وهو يتنهد تنهيدة طويلة وحارة حملت الكثير في طياتها..
ليبتسم ابتسامة عادية إتسعت مع مرور اللحظات لتصبح ضحكة طويلة تتقافز بينها السعادة الحقيقية!
ليهمس لنفسه بانتصار:
هييييح، حظي حلو أوي، فريستي جت لحد عندي عشان أنتقم، في اية احلى من كدة عشان الواحد يفرح وينبسط؟!
ولم يكن يعلم أن الحظ يأخذ كما يُعطي!

كانت كريمة تجلس على الأريكة امام الشرفة كعادتها..
ولكن تلك المرة ليست كأي مرة، تلك المرة هي تتأكل داخليًا كالصدئ في الحديد، منذ ما حدث وهي لم تكف عن السب واللعن في مالك..
اختطف منها ابنتها ولم تستطع فعل اي شيئ..
نعم أختطفها، هي تعرف أبنتها جيدًا، لم تكن معه برضاها ابدًا!
والحجة قاهرة فهو زوجها
لا تعرف كيف حدث هذا الزواج ولا متى تم من الأساس..
وللحظات كانت ستطالبه بتلك القسيمة التي يتحدث عنها..

تلك القسيمة التي تعطيها كامل السلطة للسيطرة على غزالتها المسكينة..
ولكنها تتذكر جملته جيدًا
لما تطلب البوليس أوعدك إني اوريهالك ادامه..
لم يكن كاذب وإلا لن يتحدث بهذه الثقة!
وإن تدخلت الشرطة بالفعل لن يصبح اي شخص خاسر سواها..
فهي امام القانون
امرأة تُبعد زوجة عن زوجها!
نهضت وهي تهز رأسها بأصرار:
لا منا مش هستسلم وأسيب بنتي كدة تروح مني، لازم اعمل حاجة
ثم عادت تتساءل بقلة حيلة:
بس هعمل اية طب ياربي.

وفجأة صمتت لتنظر امامها بشرود مخيف مرددة:
الحقيقة والصراحة مش هيرجعولي بنتي، لكن اكيد في طرق تانية ارجعها بيها
ومن اكثر معرفة بتلك الطرق الخبيثة وتلك الخيوط المميتة
بالطبع لم يكن سوى يحيى
الذي ذهبت للاتصال به، لتطلب منه المساعدة الفورية!

منذ دخولهم وهم صامتين، لم يتحدث ايً من مالك او شمس..
وكأن الصمت رُسم لهم اليوم بمهارة..
الصمت...
تلك الكلمة التي تحمل الكثير والكثير بين طياتها..
كلاً منها يدور بداخله شيئ..
ولكنه قد يكون شيئ متشابه بعض الشيئ..
ونظر لها مالك بجدية ليفتتح الحديث بغيرته التي اسعدتها فعليًا:
عجبك كلام الزفت ده، لأ وكمان بتصححيله كلمته
رفعت حاجبها وهي ترد ببراءة لم تدعيها:
طب ماهو كان بيقولها غلط!

كز مالك على أسنانه بغيظ حقيقي ليقول بعدها:
يعني كل اللي لفت نظرك الكلمة دي بس!؟
عضت على شفاهها السفلية وهي تنظر للأسفل بحرج..
فيما ظل هو محدقًا بها لسبب لم يعترف به حتى الان!
لتردف بعدها بصوت بدء يختنق مع التذكار:
مش أحسن ما أقعد اعيط كل ما افتكر اللي حصل
ومن دون قصدًا منها فكت قيود غضبه وألمه وحنانه، وخوفه معًا!
فرغت الطريق لكل تلك المشاعر التي كان يحاول كتمها بكل الطرق..
ومن دون مقدمات جذبها لأحضانه..

وكأن ذاك الدفئ الذي عرفه بين احضانها لم يعد إلا ويسيطر عليه!
ظل محتضنها بقوة، حتى كادت تتألم ولكنها صمتت فشددت على قبضتها على ظهره..
وكأن ذاك - الحضن - كان كأمتزاج لقلوب وقعت اسيرة تحت مرض العشق
ليقول هامسًا بجوار أذنها بشكل اثار قشعرية جسدها:
متعرفيش أنا كنت هموت أزاي من خوفي عليكِ!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة