قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية غزالة في صحراء الذئاب للكاتبة رحمة سيد الفصل الخامس والعشرون

رواية غزالة في صحراء الذئاب للكاتبة رحمة سيد الفصل الخامس والعشرون

رواية غزالة في صحراء الذئاب للكاتبة رحمة سيد الفصل الخامس والعشرون

دقات قلبها لا يُعلى عليها في هذه اللحظات، عقل يتهمه بالكذب وقلب يتهمه بالتأخير للأعتراف..
وإن كان إعتراف غير كامل حتى الان!
ويطوف بين جنبات قلبها الذي اصبحت تتراقص دقاته تزامنًا مع نبرة صوته الهامسة الرومانسية..
حاولت التملص من ذاك - الحضن - الذي طال عن وقته، والذي تخشي هي أن يتطور لأمور هي غير مُهيئة لها نهائيًا وخاصة معه، هو الذي مفترض أنها تكرهه..

لتجده يشدد من احتضانها، إبتعد عنها بعد دقائق، لتجده ينظر في عيناها برومانسية لم تعهدها منه، فحاولت النطق ولو متلعثمة:
مالك لو سمحت
نظر في عينيها الرمادية التي أصبح يعشقها دون أن يلحظ، نظرات أذابت جليدها الذي حاولت بناءه بينهما، فإبتلعت ريقها بازدراء وفجأة شعرت بملمس أصابعه الخشنة وهو يتحسس شفتاها الوردية بحالمية مرددًا بخبث:
هو أنا أسمي حلوو كدة ولا عشان منك أنتِ.

ومشاعر تعصف بكيانها، مشاعر لأول مرة تغمرها، لأول مرة لا تجد رد فعل مناسب لما يحدث...!
حركات وكلمات غير معهودة، وكأنه قاصد إرتباكها حرفيًا!؟
حاولت أن تبتعد عنه وهي تنظر للأرض - هاربة - من تلك النظرات التي تؤثر عليها بشكل مُقلق..
لتسمعه يقول بهدوء:
عايزة تروحي فين؟!
لم ترد عليه، وبعد ثواني اخيرًا ألهمها القدر فرصة لترد بارتباك:
عايزة آآ عايزة أغير هدومي
أبتسم بخبث لا يجد، ليقول بنبرة ذات مغزى:.

أنا بقول كدة بردو، يلا نغير هدومنا
إتسعت حدقتا عيناها وهي تردد ببلاهة:
نعم!
رفع حاجبه الأيسر وهو يقول بعدم فهم مصطنع:
الله! مش أنتِ عايزة تغيري هدومك
نظرت له بجدية واجابت:
قولت أنا عايزة أغير هدومي، مش احنا وهدومنا!
ضيق عيناه وهو يقول باندهاش مصطنع:
اووه بجد!؟
كزت على أسنانها بغيظ وقالت:
أيوة بجد
ومن دون مقدمات احتضنها مرة اخرى، ولكن هذه المرة بشكل اذابها حرفيًا!

كانت رأسها بجوار قلبه، تسمع دقاته التي ازدادت والتي يتجاهلها مالك..
ترتبك هي أكثر مع كل دقة!
وأين تلك الجدية؟!
ذهبت أدراج الرياح، بمجرد فعل مفاجئ منه يفقدها سيطرتها على نفسها!
وبعد ثواني سمعته يقول بنبرة سقطت بغرابة على اذنيها:
أنتِ مكانك، هنا وبس
تلك الحروف وتلك النبرة لم تكن خبيثة، لم تكن راغبة، ولم تكن غير مفهومة...
بل كانت تملكية مُشددة!

اخيرًا استطاعت لملمة شتات نفسها المبعثرة لتدفعه بقبضتيها مرددة بغضب غير مفهوم:
أبعد عني
نظراتها كانت كفيلة بأن تفيقه من تلك الغيبوبة..
من تلك المشاعر التي أقسم ألا يجعلها تجتاحه مرة أخرى..
ليبتعد عنها مسافة واضحة وهو يقول بنفس جموده المعتاد:
أنا مكنتش اقصد اللي قولته
إرتسم على فاهها ابتسامة ساخرة وهي تقول:.

أكيد ده كان جزء من اللي انت بتعمله من ساعة ماشوفتني وعشان ابقى مستسلمة ليك بأرادتي وتثبت لنفسك إن مفيش حد يقدر يقف ادامك ولا يقدر يرفض مالك بجلالة قدره
ظل ينظر لها مطولاً ثم هتف بوجه واجم:
اعتبري زي ما تعتبري، أنا مش مضطر أبرر لحد ابدًا
ظلت تنظر له بسخرية، بينما هو..
كان يلوم نفسه وبشدة، هو تزوجها ليجعلها تستسلم له بأرادتها، ولأنها مجرد عاهرة!
الان يغار و...

لا لا هو لا يغار من الأساس، سيعود لقناع الجمود والقسوة الذي تلبسهم وهو يعطيها ظهره قائلاً:
جهزي نفسك عشان هنسيب الشقة دي فورًا
سألها وهي قاطبة جبينها:
لية
اجابها دون أن ينظر لها:
مش من حقك أشرحلك أي حاجة
هزت رأسها نافية وقد لمعت عيناها بدموع الحزن على والدها الراحل ووالدتها التي ابتعدت عنها، وربما للأبعد، ولكن بقيت تلك الدموع متحجرة كصخرة لن تذوب لتقول بقوة:.

لا، انا مش هبعد عن المكان ده، على الاقل ابقى قريبة من امي واعرف اتطمن عليها
نظر لها بحدة مرة اخرى ومن ثم زمجر فيها منفعلاً:
بلاش غباء، هما اكيد هيرجعوا هنا تاني عشان يجيبونا مش هيسيبونا بسهولة كدة
ظلت تهز رأسها بأصرار مرددة:
لا، روح أنت وانا هنزل لأمي، انت كدة كدة اساسًا حققت اللي اتجوزتني عشانه!

توقفت دقات القلوب مع ذاك النداء وانقطعت انفاس مراد وهو يرى خلود تقترب ببطئ من حسام لتقول بعدها بجدية:
نورتنا، أبقى كررها اديك عرفت العنوان
اومأ ومازال الذهول صاحبه ليرد بحروف لم تتخط شفتاه:
أكيد إن شاء الله
بادلته الابتسامة الصفراء المتوترة، ليلقي التحية ثم يغادر بكل هدوء...
وبعد دقائق كانت تجلس بجوار مراد على الأريكة، تتنهد بهدوء يشبه هدوء ما قبل العاصفة..
لتنظر له قائلة بفتور:.

هو ممكن اسألك على حاجة؟
عقد حاجبيه متساءلاً:
حاجة أية؟
دون أن تنظر له ردت مغمغمة بما اشبه الضيق:
عايزاك تحكي لي عن ليلى
ظل ينظر لها بعدم فهم..
عله يفهم تلك الرغبة - الخفية - للحديث عن زوجته الراحلة، والتي مازالت تعتقد هي أنه يحمل لها شيئً ما..
ليسألها بهدوء حذر:
لية؟
رفعت كتفيها لتقول بلامبالاة مصطنعة:
عايزة اعرف عنها مش اكتر
اومأ وهو ينظر لها بريبة:
امممم يمكن.

نظر امامه وظهرت شبح ابتسامة حانية وهو يبدء السرد:
ليلى اساسًا ملهاش أخوات، حاجة كدة فريدة من نوعها، طيبة أوى وتجذبك ليها بسرعة، اتعرفت عليها صدفة بردو، وحبيتها، لحد ما جه يوم اضطريت إني اخسرها
اقتربت منه بهدوء تسأله بفضول برغم الضيق الذي بدء يفرض سيطرته على كيانها كليًا عند ذكر حبه لها لتقول:
اية اللي حصل احكي لي؟
هز رأسه نافيًا وهو يتابع بألم:
مش حابب افتكر اليوم ده، حابب افتكر الذكريات الحلوة بس.

كزت على أسنانها بغيظ، يقص عليها درجات ومدى عشقه لزوجته الراحلة، وما يثير السخرية..
هي من طلبت منه ذلك، هي من طلبت أن يبدء العزف على اوتار تخنقها رويدًا رويدًا وبلا سبب معترف..
وفجأة شعرت بيداه الخشنة تمسك بيدها بطريقة - حميمية - جعلتها ترتعش قليلاً من تلك اللمسات المفاجئة..
ومن ثم بدء يحرك يده بحركة دائرية على يدها وهو يهمس بحب صادق شعرت بمدى صدقه يخترق اذنيها:.

بس دلوقتِ مفيش غير واحدة بس هي اللي في قلبي
فتحت عيناه ليظهر ذاك البريق الذي أسعده وهي تسأله:
مين دي ان شاء الله!
اقترب منها حد الالتصاق، اقتراب جعل دقاتها تبطئ...
وأنفاسها تتضطرب لتكاد تنعدم من ذاك الأقتراب - الخطر - والحمرة تزحف تلقائيًا لوجهها الذي حاولت اخفاؤوه..
ليقول ووجهه امام وجهها تمامًا:
أنتِ
همس بها وهو يتحسس وجنتاها ليشعر بسخونتهما..

ولم يستطع كبح رغبته في أن يتلمسهم بشفتاه، واقترب يفعلها ليربكها اكثر..
يربكها؟!
وهل مازالت في مرحلة الأرتباك!
هي اصبحت في مرحلة ابعد من ذلك بكثرة..
مرحلة هي نفسها لا تعرف نفسها بها!
وحاولت ابعاده وهي تقول متلعثمة:
ط طب ممكن ت تبعد شوية؟
بعد!
هو اصبح لا يعرف للبعد معنى بعد ذاك القرب، لا يعترف به من الأساس..
واقترب اكثر ليلتهم شفتاها في قبلة دامية، صكت ملكيته على شفتاها ليقول بعدها بأنفاس لاهثة:.

أنا بحبك، أنا عايزك!

كانت زينة حبيسة غرفتها حرفيًا، لا تخرج منها منذ اخر مرة..
واحيانًا تشعر بالموت على اعتاب بابها من شدة الألم..
وكلما كانت تكاد تستسلم حتى عادت مرة اخرى لتقنع نفسها بواجب الصبر والأحتمال...
وإن لم يكن من اجل شخصها، سيبقى من اجل طابع كبرياؤوها الذي تلطخ بالذل مؤخرًا!
وبكل مرة تشعر أن الألم يزداد ليحاربها حرفيًا!
ستموت، وإن كان؟!
تموت بكبرياؤوها افضل من الموت قهرًا امام ذاك الأحمق - زياد -...

ولكن الان وصلت لأقصى درجات الاحتمال، تود الصراخ ولكن من هنا ليسمعها ويساعدها؟!
والدتها التي لا تراها إلا - صدفة -
اما والدها واخيها الذي لا تعرف عنهم ولو أين هما بالأساس؟!
نهضت وقد نفذ ذاك الصبر، لتمسك بهاتفها تتصل بزياد..
ليرد عليها بعد ثواني بصوته الأجش:
زينتي وحشتيني
اجابته على مضض:
زياد انا مش قادرة هموت
اجابها مشاكسًا:
كنت عارف إنك هترجعيلي تاني
صرخت فيه بنفاذ صبر:
انا عايزة اي حاجة ارجوك هموت.

سألها متوجسًا:
انتِ فين؟
لتجيبه بسرعة دون تفكير:
انا ف البيت وجيالك حالاً في شقتك
ليبادلها نفس السرعة التي خرجت دون تفكير:
ماشي مستنيكِ
أغلقت على الفور وهي ممسكة برأسها وقد اشتد الألم وتشنجت ملامحها..
ولكن لفت نظرها شيئ اخر
لم يشترط، لم يطلب، لم يتمتع بألامها!؟
بل وافق مسرعًا دون أي شيئ؟!
وياخوفها من ذاك التسرع!

نظر لها مالك بحدة، حدة حقيقية من كلامها الذي كان لا يتوقعه على الأطلاق!؟
وعلى ما يبدو أن - فعليًا - موت والدها أخرج الشراسة من داخلها لتقف في مواجهته وتطالبه بالأبتعاد!
ولكن أي ابتعاد هذا..
هو لن يبتعد عنها ولو حتى بأحلامها!
وإن كان السبب مجهول له حتى الان
ولكن الاصرار على ذلك مازال موجود!
وزمجر في وجهها بغضب:
أنتِ قولتي أية؟
رفعت كتفيها لتقول بلامبالاة مصطنعة برغم خوفها من رد فعله:.

قولت اللي أنت سمعته، عايزاك تديني سراحي يا مالك
رفع حاجبه وهو يسألها بهدوء ما قبل العاصفة:
ولو قولت لأ؟
هزت رأسها نافية وهي تقول بغلاف بارد اتقنت وضعه:
ده مش اختياري، لأنك لو رفضت هرفع قضية
قطب جبينه بتعجب حقيقي، ليستطرد بسخرية جارحة لم يقصدها:
لا والله وده مين اللي هيقف معاكِ، امك اللي خايفة مني ولا ابن خالتك الواطي
وزاد من جرحها الم حقيقي...
لو كان ابيها معها لمَا كانت معه الان وتطالبه بأطلاق سراحها!

شعرت فعليًا وكأن ظهرها لم يعد له أمان، ذاك الشعور بالأمان الفطري افتقدته وانتهى الامر...
وجسدت عيناها ما تشعر به وفضحتهت كالعادة لتتلقلق الدموع في لؤلؤتيها..
كانت تحاول تناسي الأمر حتى لا تنهار امامه، ولكن بالطبع فشلت!
ما شعر به جعله يتراجع بأسف ؛
مكنتش أقصد على فكرة
هزت رأسها وهي تقول بسخرية مختنقة:
ولا تقصد، انت عندك حق
وحاول ان يقاوم تلك الرغبة المميتة في احتضانها..

في تخبأتها داخله للأبد وٱن كان الجرح منه...
ليعطيها ظهره قائلاً بهدوء:
خلصي حاجتك وتعالي قوليلي في الاوضة...!

يعني ايييييية، اختفوا راحوا فين؟

قالها جمال بصراخ وهو ينظر لسمر التي كانت تجلس امامه على كرسي خشبي بهدوء تام في نفس المصنع المهجور الذي كانوا به، لتلوح له بيدها مغمغمة بلامبالاة:
ما خلاص يا جمال بيه التمثيلية خلصت
بدءت ابتسامته تظهر على ثغره الاسمر لتتسع رويدًا رويدًا..
لتصبح قهقهات عالية تموج بها الفرحة بتحقيق ما أراده..
لينظر لها مشيرًا بغمزة بعينه:
بس أنتِ معلمة
عدلت من وضعية التيشرت الخاص بها لتقول بغرور لا تتصنعه:.

عيب عليك ده أنا سمر
اومأ وهو يعترف بتحية:
صح بس انتِ تعبانة مش سمر، اللي يشوفك ساعتها مايشوفكيش دلوقتِ
نظرت له بفخر..
لا تصدق أن ما سعت له سيتحقق، نفذت مخططهم ونجح بالفعل!
اجتازت اول عقبة في ذاك المخطط؟!
تنهدت بارتياح وهي تقول له:
بس بجد كنت قلقانة ل مايسمعش كلامي ومايصدقنيش
هز رأسه وهو يقول بجدية:
بس اهو صدقك، واكيد صدق إنك اتغيرتِ، مايعرفش إنك متقدريش تعملي كدة ولو بأحلامك وتخونيني
اومأت مؤكدة:.

طبعًا يا جمال بيه
بينما سار وهو يقول بتعجب مما اصبح فيه:
لحد دلوقتِ مش مصدق ازاي طاوعتك وسيبته يمشي من غير ما امضيه على الورق
هزت رأسها وهي تشرح له بخبث:
يا جمال بيه مالك عمره ما هيسكت لو مضيته وسبتهم، هيعمل المستحيل عشان يرجع كل حاجة ليه، لكن كدة، العبدة لله هي اللي هتتصرف ومن غير مايعرف اي حاجة، يمكن اللي يعرفه ان القطة بتاعته هي اللي اخدت الفلوس ومضيته ع الورق!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة