قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية غزالة في صحراء الذئاب للكاتبة رحمة سيد الفصل الرابع عشر

رواية غزالة في صحراء الذئاب للكاتبة رحمة سيد الفصل الرابع عشر

رواية غزالة في صحراء الذئاب للكاتبة رحمة سيد الفصل الرابع عشر

وعندما تتراكم عليك المصائب، وتزداد المشاكل، لتحاصرك من كل الاتجهات، تصبح أنت كالذى يُسحب منه الهواء تدريجيًا...
سقطت الكلمة على مسامعه كالسوط الذي يتفنن في إيلامه، دائمًا هو المظلوم، دائمًا هو المغرور، دائمًا هو في وضع القوة، ولكن ماذا إن تبدلت الأدوار ليصبح هو الظالم؟! بالطبع لن يستسلم..
صاح فيهة بحنق:
طلاق!
اومأت وكأن لسانها يردد ما وصل إليه حالها:.

أيوة طلاق، طلاق لأنى اكتفيت من القهر، طلاق لأنى اتحرمت من أجمل يوم ف عمرى، طلاق لأنى مابكرهش حد قدك دلوقتِ ابدًا
أهو ظالم لهذه الدرجة؟! ام هي تتفنن في رسم تلك الصورة له!
فقال بصراخ مماثل لها:
لأااا
سألته ببلاهة غير مستوعبة رفضه:
لأ أية؟
مط شفتيه يجيب ببرود حاول زجه في نبراته الغاضبة:
لأ مش هطلق، لأن مش معنى كدة إنك مظلومة.

إتسعت حدقتا عيناها بصدمة حقيقية، رغبته في أنها عاهرة أقوى من اى شيئ الان!، لن يصدق مهما حدث، ومهما ترابطت الدلائل امامه سيفككها بكل برود ملقيًا بها في عرض البحر!
خرج صوتها بصعوبة متساءلاً:
أنت عايز دليل اية أكتر من كدة؟
رفع كتفيه ليقول بسخرية:
أنتِ عايشة ف عصر أبو جهل ولا أية؟
نظرت له مستفهمة بعدم فهم:
وضح كلامك ياريت
اومَأ وهو يتابع بغل:
يعنى أنتِ مش فاهمة قصدى؟
هزت رأسها نافية لتجيب ببراءة:
لا والله.

للحظة كان سيصدقها! سينخدع في براءتها التي يعتقدها مزيفة، في بحر عينيها العميق الذي يجذبه يومًا بعد يوم، ليستفيق سريعًا وهو يزمجر فيها:
يعنى دلوقتِ بقا في عمليات يا حلوة، ممكن ببساطة تكونِ عملتِ العملية ورجعتى زى ما أنتِ
هزت رأسها نافية وقد بدءت دموعها بالأنهمار:
لأ حرام عليك ماتظلمنيش للدرجة
نظر لها من أعلى إلى أمحص قدميها ليقول بحدة واضحة:
لو عملتى المستحيل عمرى ما هصدق عاهرة زيك.

أغمضت عينيها بقوة علها تمنع أذنيها من سماع تلك الكلمة، ولكن، جعلتها تنزف من الألم، من المفترض زوجته ويشبهها بالعاهرة! لا لا يشبهها بل يلقبها به وما أسوءه لقب حروفه لها عامل في إماتتها ببطء!
همست بحروف خرجت متمثلة في معانى الألم الحقيقي:
أنا عمرى ما كنت عاهرة ولا هكون
ثم صمتت برهه تستجمع نفسها المبعثرة من هجومه الشنيع:
بس أنا واثقة ف ربنا، وواثقة أنه هيجبلي حقه، وواثقة إن لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا.

تقوس فمه بابتسامة ساخرة بالرغم من إهتزازه ولو لثوانى داخليًا ثم قال:
ماشي يا شيخة شمس
نظرها موجه للأرض لا تقوى على رفعه، فتواجه سهام عينيه الحادة وظلت تردد:
لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين
إتجه للخارج وهو يقول بحدة باتت معتادة منه:
أنا طالع، أجي ألاقيكِ قومتى ولميتى الدنيا وحضرتى لى أكل زى الناس
وعندما لم يجد منها رد، أردف بقسوة:
وأظن دى حاجة مش جديدة عليكِ، دى شغلتك اصلاً.

ولو كان للقلب صوتًا لكان خرج صوته من بين ضلوعها صارخًا برجاء:
أرحمني معذبي سأتوقف حتمًا من الألم...
وصمتت وهي تحتفظ بدموعها في عينيها التي لم تحتمل اكثر فأخرجت الدموع في صورة شهقات متألمة عميقة من داخلها منذ خروجه واخيرًا من تلك الغرفة اللعينة!

جالت نظرات مراد على وجه خلود المتورد، يتفحص صفحاته التي كادت تذبل بشدة من كثرة ما مرت به، نفس قسمات الوجه التي عشقها من قبل، ربما تختلف قليلاً لكنها تشبهها بحق، نفس الصفات المكتنزة، ودون ارادةً منه وجد نفسه يتذكر زوجته الحبيبة امام صورتها المشابهه..
فلاش باك..

كان في منزله ذو أثاث نظيف ومرموق، نفس المنزل الذي يعيش به الان، ولكن الأخر كانت به أطياف سعادة يومًا ما، ولكن الان يملؤوه تيارات مشحونة بالغضب والأنتقام الكاذب!
كان يجول الصالون ذهابًا وإيابًا بجوار زوجته التي كانت تجلس على الأريكة تستند بيديها على ركبتيها والقلق يشع من نظراتها وملامحها الهادئة، نفذ صبرها فقالت منفعلة بعض الشيئ:
مراد أهدى خلينا نفكر
نظر لها يسألها مسرعًا بانفعال حقيقي:.

نفكر ف أية، احنا خلاص هنروح ضحية
أغمضت عينيها تحاول تهدأة نفسها، تجبر نفسها على السير في السبيل الصحيح، ولكن على غفوةً منها عاد لسانها يردد نفس اللوم الذي يُحمله فوق طاقته:
قولت لك يا مراد، قولت لك الناس دى مش سهلة ابداً، قولت لك شغلك مش هيجيب لنا غير الوجع
مسح على شعره بقوة حتى كاد يختلعه بين يديه وهو يهتف:.

وانا قولتلك إن ده شغلى، يعنى حياتى وحق بلدر عليّ إنى أخلصها من أمثال الناس دى عشان ماتدمرهاش اكتر
تنهدت بقوة تنهيدة تحمل الكثير وسألته مرة اخرى:
طب هما قالوا لك أية بالظبط؟
جلس بجوارها وهو يتابع مغمض العينين:
قالولى لو مادتهمش الفلاشة يبقي أقرأ الفاتحة على أرواحنا!

إتسعت حدقتا عينيها من هذا التصريح الفج، الذي لم يكن متوقع ابدًا، ولكن لنقل أنه متوقع نسبةً لأناس مثلهم، لكن غير متوقع بالنسبة لدرع الحماية الوهمى الذي رسمته هي، وهو وظيفة زوجها!
رددت دون وعي:
طب ما تديهم الفلاشة ونخلص نفسنا يا مراد
وكأنه قرر مجارتها في ذاك الجنون:
كان نفسي، لكن للأسف فعلاً الفلاشة مابقتش معايا
صرخت فيه متساءلة بجزع:
أمال مع مين يا مراد؟
اجابها بصراخ مماثل بل أكثر حدة:.

مع سيادة اللواء يا ليلي، مع سيادة اللواء
ثم صمت برهه يسترجع ما حدث ليتابع بعمق:
يعنى دلوقتِ هيخلصوا علينا على أعتقاد إنها معايا بالفعل وبكذب عليهم، ولما يعرفوا أنها مع سيادة اللوا هيقتلوه هو كمان!
عادت بظهرها للخلف وهي تردد بحزن:
لا إله إلا الله، يااارب أنت العالم بالحال
عاد هو الأخر ليصبح موازتها ثم وضع يده على بطنها مستطردًا بألم حقيقي:
أنا مش خايف على نفسي، أنا خايف عليكِ أنتِ وأبننا اللي جاى.

اومأت هي بشبح أبتسامة منكسرة وهي تهمس:
عارفة يا حبيبي
باك
وكأنهم يعلمون تلك النقطة جيدًا، يعلمون كيفية إختراق حصونه لأحراقه فعليًا، وفعلوها لم يكن مجرد تهديد، قتلوها وطفله دون أدني رحمة، ولكن، بعد رحلة كاملة بشتي أنواع العذاب الجسدى والنفسي معًا!
نظر لخلود المتسطحة أمامه ليهمس بصوت يكاد يسمع:
والظاهر انهم هما كمان كانوا عارفين يا حبيبتي، عشان كدة كسرونى!

فييييين الصور؟
صرخ بها غريب الذي كان يسير ذهابًا وإيابًا في ذاك المنزل بجنون، بعدما قلب المنزل رأسًا على عقب، جن جنونه من عدم رد بسام عليه برد مقنع، ام أنه يتعمد إستفزازه واثاره جنونه فيرد عليه ب:
امممم مش عارف، تفتكر ممكن تكون راحت فين يا شبح؟، يمكن العفريت أخدها وهرب!
تتبعها ضحكاته المستفزة، فاقترب منه غريب فجأة يسأله بحدة غير معتادة منه تجاه صديقه الوحيد:
بقول فين الصور يا بسام؟

رفع كتفيه ليقول بلامبالاة مصطنعة:
وأنا أيش عرفني؟
صرخ فيه بجنون:
أنت هتستعبط، محدش يعرف موضوع الصور ده غيرك أنت ويحيى، ويحيى عمره ما يعملها!
نظر له بلوم حقيقي مردفًا:
يعنى واثق ف يحيى ومش واثق ف صاحب عمرك يا غريب!؟
هز رأسه نافيًا وقال بنزق:
لأ مش كدة، بس إذا كان يحيى هو اللي مدينى الصور دى، هياخدها من ورايا تانى لية يعنى؟
تنهد بسام وهو يتابع بيأس:
ايوة أنا اللي أخدتهم يا غريب.

إتسعت حدقتا عينيه، لقد ضاع ما خطط له!؟، هُدمت أحلامه الوردية بفتاته ناصعة البياض! ذهبت هباءً وبسبب من؟! ذاك الذي يُدعي صديقه!
أقترب منه فجأة يمسكه من تلاليب قميصه:
ليييية، بتعمل كدة لية؟
أبعد يده وهو يجيبه بجدية:
عشان أنقذك من المصيبة اللي كنت هتعملها ف نفسك وف بنت بريئة ملهاش ذنب ف اى حاجة
زمجر فيه بغضب عارم يكاد يحرق من أمامه من شدته:
وأنت مااااالك، هو حد كان أشتكى لك؟

هز رأسه نافيًا ليصدح صوته حازمًا:
لأ بس لما أشوف صديقي وصاحب عمرى الوحيد وأخويا بيعمل حاجة غلط من حق الصحوبية دى عليا إني أنصحه ولو ماستجابش للنصيحة أتصرف عشان ألحقه قبل ما يقع!
ضغط على يده لتظهر مفاصله من فرط عصبيته، وايضًا نفس تلك الصداقة اللعينة تقف حاجز بينه وبين رغبته في ضربه وتحطيمه لأشلاء!
هنا دخل يحيى في نفس اللحظات ليقول بابتسامة هادئة:
اية يا شباب عاملين أية؟
اومأ بسام بهدوء:
تمام يا يحيى.

نظر لوجههم بتفحص متساءلاً:
مالكم كدة في أية؟
هز باسم رأسه نافيًا بهدوء مفتعل:
مفيش حاجة يا يحيى
قاطعه غريب بغضبه اللانهائي:
لأ في، الصور بعد ما عملتها ما بقتش معايا وراحت لشمس
عيناه فقط كفيلة بأن توضح بين سطورها إشعال النيران الملتهبة بداخله!
وفجأة دفع غريب بقوة وهو يصيح فيه حادًا:
أزاى راحت لشمس، أنا سايبهم لك أنت!
ولم يعد يشعر سوى ب غريب يسقط على الكرسي الحديدى من الخلفة والدماء تسيل من رأسه..

وصرخة بسام المفزوعة نحوه:
أنت مجنووووون!

يكاد يطير فرحًا بموافقتها، سيكمل إنتقامه الأعمي على أكمل وجه، وبموافقتها هي شخصيًا!، حقًا لقد كان القدر معه بكل معانيه..
بينما هي التي لم تعد تشعر بما حولها بعدما خطفت منه الكيس الصغير الممتلئ بالهيروين، تلك المادة البيضاء التي تغيبها عن وعيها بالكامل..
وإن كانت وافقت تحت تأثيره البسيط، فبعدما اخذته سيطر عليها تمامًا ومد فروعه لتلاليب عقلها الاهوج لتوافق وتسلمه نفسها بكامل ارادتها!

غمز لها زياد بطرف عينيه وهو يقول بخبث:
مش يلا بقا اخدتِ الهيروين، عايز المقابل بقا يلا؟
نظرت له بعيون ذابلة متساءلة:
النهاردة؟
اومأ مسرعًا ورد بجدية:
أيوة، أحنا اتفقنا خلاص
تنهدت وقد بثت في نظراتها الرجاء وهي تتابع:
طب ماينفعش نأجل الموضوع ده شوية؟
هز رأسه نافيًا ولمعت عينيه على تلك الغنيمة الشهية وأجابها:
لأ مابأجلش حقي خالص
اومأت وهي تستطرد باستسلام:
طيب
إتسعت أبتسامته الشيطانية مرددًا بحماس:.

كدة تعجبيتى يا زينتي
ثم نهض بخفة، ومد يده يسحبها لتقف وهي معه كالعروس اللعبة يحركها كيفما شاء واينما شاء!
وضع يده يحيط كتفيها ونظراته تكاد تُخلع لتأكلها اكلاً!

وإتجه إلى غرفة نومه، جلس على الفراش الخاص به وهي بجواره تعتبر جثه هامدة، ركز نظراته على شفتيها المنتكزتين، وفي اللحظة التالية كان يلتهم بنهم، يتذوق شهدهم بمتعة لا نهائية، يثبت لها رغبته المميتة فيها ويده تتحسس منحيات جسدها بشهوة عمت عينيه، وإدمان عمي عينيها عن ذاك المسار الذي تسلكه!

كان مالك يجلس في الصالون، على الأريكة الخشبية الصغيرة، عقله منشغل بالتفكير فيها بالرغم من كل ما يحاول إقناع نفسه به، ينظر على الباب كل لحظة علها تخرج من ذاك القفص الذي حبست نفسها به، أو ربما الذي حبسها هو به!
يتساءل في نفسه
ماذا إن كان كلامها صحيح؟!
يومها سيحلق في سماء الندم طالبًا عفوها حتى تعفوا؟!
بالتاكيد لا، فهذا مالك السُنارى، الجبل الشامخ الذي لا يهتز مهما حدث!

قطع تفكيره صوت طرقات على الباب لينهض متساءلاً بحدة وضيق:
ميييين!؟
وفتح الباب ليتفاجئ بوالده أمامه بهيئته الجامدة وبعد هذه المدة الطويلة التي لم يراه فيها..
ليهمس دون وعي:
اية ده بابا!
اومأ والده وهو يردد خلفه بسخرية:
ايوة بابا، غريبة اوى دى؟!
هز مالك رأسه نافيًا ليبرر:
لا بس انت اول مرة تيجي لي الشقة دى يعنى!
أبتسم والده ابتسامته المعهودة والتي يكرهها مالك لأنها تنذره بعاصفة قوية مدمرة قادمة..

فتابع والده جادًا:
أصلى جاى لك ف حاجة مهمة ومفاجأة هتعجبك اوووى
سأله مالك بحاجبين معقدوين وصوت مقتضب:
حاجة أية؟
ليشير والده بيده وهو يقول امراً:
تعالي
لتتسع حدقتا عينا مالك من هول وصدمة ما يرى أمامه وكأنه اليوم العالمي للصدمات الطويلة!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة