قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية غزالة في صحراء الذئاب للكاتبة رحمة سيد الفصل الخامس عشر

رواية غزالة في صحراء الذئاب للكاتبة رحمة سيد الفصل الخامس عشر

رواية غزالة في صحراء الذئاب للكاتبة رحمة سيد الفصل الخامس عشر

دلف أحدى الرجال إلى المنزل بخطوات هادئة، أوقفه مالك الذي أشار له بيده ليتوقف وكأنه تذكر تلك المسكينة بالداخل، فقال له بجدية:
أقف هنا، أنت أية اللي جابك؟
سأله والده بصوته الأجش مستفهمًا:
أية يا مالك مش عايزنا ندخل لية!؟
هز مالك رأسه نافيًا وهو يقول ببراءة مصطنعة:
لا لسمح الله، أنا بس مش عايزكم تدخلوا شقة زى دى
ثم وجه نظر للرجل متساءلاً بخشونة:
وانت جاى لية عايز أية؟

واخيرًا نطق الرجل ليغمغم متوترًا تحت أنظار جمال:
أنا جاى عشان أقولك الحقيقة يا أستاذ مالك
وزع نظراته فيما بينهم وراح يسأله مرة اخرى بعدم فهم:
حقيقة اية انطق؟
هنا خرج صوت جمال الصلب وهو يقول مشيرًا للرجل:
مش هو ده اللي جه قالك إن انا اللي أتفقت مع مراتك إنها تسيبك
أغمض مالك عينيه وكأنه يحاول منع وصول تلك الذكرى البائسة لعقله مرة أخرى، وكأنما يحاول إقتناص الحزن المتبقي في حياته!

هز رأسه وهو يقول بصوت متشنج:
جايبه لية يا بابا، وعايز أية!؟
أشار والده للرجل وأجاب بصوت حاول إخراجه حازم:
جاى عشان أعرفك إني مظلوم، وإن مراتك هي اللي باعتك
صرخ فيه مالك بحدة:
بسسس، مش هنفتح ف القديم تانى
أشار جمال للرجل وهو يقول آمرًا:
لا هتسمعه، مش بمزاجك، أنطق يا حُسنى
هنا غمغم حسنى بتوتر:
الصور والصوت اللي بعتهملك يا استاذ مالك كلهم تركيب، والدك ملهوش يد ف حاجة
رفع مالك حاجبه الأيسر ساخرًا:.

لا والله، المفروض اصدق انا!
إحتدت عينا والده وهو يقول بقوة:
هتصدق غصب عنك، الدليل ادامك
أيجبره حقًا على التصديق، وإن كان هذا شعور فطرى من الأنسان، سيجبره هو!؟
وما يقلق مالك أن هذا الأجبار ليس من الفراغ، بل بدافع هدف وهدف قوى!
رفع مالك كتفيه مرددًا ببرود:
اوكيه صدقت
جز والده على أسنانه بغيظ وهو يقول:
ماشي يا مالك ماشي
همس مالك باستفزاز:
بالسلامة يا والدى، خلى بالك من نفسك.

ثم استدار ليغادر على عقبيه، تاركًا مالك يفكر في كلامه وإصراره الذي لن يدعه يجلس بسلام!

طرقة خافته من الباب الذي اُغلق لتوه كانت كفيلة بأن تقلق إنغلاق جفني خلود الهادئ وتزعج نومتها المقلقة، لتنهض جالسة بهدوء وهي تتساءل في نفسها
كم من المدة نامت؟! والأهم ماذا حدث؟!
ولكن الأجابة مفروغ منها، هو أخبرها أنه لن يمسسها!
نهضت بهدوء وهي تحك رأسها اثر الألم الذي يداهمها، جملته الوحيدة طارت على أفقها لهدف لا تعلمه
الظاهر أن هما كمان كانوا عارفين عشان كدة كسرونى يا حبيبتي!
ترى من هي؟! وكيف حدث!؟

ولم تتذكر كل هذا الان من الاساس!؟، أيتحداها عقلها ليثبت لها أن امره يهمها!
نفضت تلك الأفكار من رأسها وأتجهت صوب المرحاض، أغتسلت وتوضأت لتصلي فريضتها..
انتهت ثم بدءت صلاتها بخشوع، تدعوا الله أن يترفق بها راعيها، وأن تعذرها والدتها وإن لم تكن تعلم ذاك العذر!

انتهت بعد دقائق، ثم نهضت تتنهد تنهيدة طويلة تحمل الكثير في طياتها، وفجأة اجبرتها عينيها على النظر على تلك الغرفة، وفضول الأنسان قاتل لدرجة الجنون!
تتذكر تحذيراته وتتذكر حديثه عن عدم تخطيها لتلك الغرفة، ولكن، من يحركها الان فضولها وليس عقلها..
دلفت إلى الغرفة بترقب شديد، عيناها تسبق قدمها في كل خطوة،.

أقتربت شيئً فشيئ من ذاك الدولاب وفضولها ما هو إلا غشاوة على عينيها، فتحته بهدوء لان لم تجد غيره، الغرفة فارغة! مليئة بالأتربة، يبدو أنها لم يمسها بشر منذ فترة ليست قليلة!؟
وجدت الدولاب فارغ عدا درج وحيد، اتكأت برفق لتفتحه، لتجد دفتر متوسط، نفضت الأتربة عنه وهي تتفحصه، ثم فتحته، وكأنها فتحت ما جعل علامة الأستفهام في حياة ذاك الشخص مراد
تزداد تباين أكثر!

أخذت تقرأ، ولكن توقفت عن القراءة، لا بل توقفت حواسها كلها للصدمة التي هاجمتها الان!
وفجأة صدح صوته صارخًا فيها:
أنتِ بتعملى اية هنا!؟
وقفت تطالعه بهيئتها المرزية، والصدمة باتت حاجز بين هدوءها وخوفها من مراد، فهمست دون وعي:
ازاى!؟
سألها مقتضبًا:
هو أية اللي ازاى!؟
رددت بصدمة تشربت ملامحها:
أنت اللي قتلت مراتك مش حد تانى!

وقفت كريمة أمام جثمان زوجها تبكِ وتنحب، تصرخ بقوة وتصرخ امام بقايا زوجها الحبيب الذي عاصر معها كل شيئ بمُره قبل حُلوه، لقد أنتهي كل شيئ وانتهت الحياة معه عند تلك النقطة!
وبعض كلماته وتوصياته على ابنتهم الوحيدة ترتكز في رأسها كالفجوة في الإبرة دائمًا!،
ويبقي السؤال معلق في عقلها وكأنه قاصدًا تعذيبها..
ماذا ستفعل هي وابنتها وحدهم في هذه الدنيا!؟،.

بينما على الجانب الأخر، كان يقف حمدى يتحدث في الهاتف وهو ينظر كل ثانية على كريمة، فقال:
ايوة يا باشا لسة قاعدة اهي
خلي عينك عليها
حاضر امرك
الدفتر اللي صابر قالك عليه أخدتوا ولا لا؟
آآ بصراحة لأ يا باشا
لا ازاااى يا حمار
يا باشا ملقتهوش، دورت ف المكان اللي قالى عليه قبل ما يتكل لكن مفيش
يعنى اية؟
يعنى شكله كان بيكذب عليا
ويكذب عليك لية هو كان شاكك فيك؟
معرفش يا باشا والله.

اسمع بقا يا حمدى، الدفتر ده لو راح لبنته كلنا هنروح ف داهية وناخد اعدام، واكيد مش هنسيبك انت برة
عارف والله عارف بس اعمل اية؟
معرفش اتصرف
حاضر حاضر
كلمنى لو في جديد مش هنبهك
أمرك يا باشا طبعا
سلام
مع الف سلامة
اغلق الهاتف ووضعه في جيبه مرة اخرى وهو يتنهد مرددًا بتوجس:
ربنا يسترها!

جلست على السرير متكورة في وضع الجنين، دموعها تهطل بصورة مُقلقة، وجسدها المُعرى يرتعش بهيسترية مسيطرة عليها، روحها داخليًا تفتت لقطع متناثرة، مهشمة برغبة الادمان، ويرتكز العنوان الوحيد فوق كل هذا والسبب الرئيسي أخاها الوحيد مالك!
تنطبق عليها لتكن هي الضحية!؟
اصبحت تتشنج وهي تتذكر إستسلامها القهرى له!
أستيقظ هو ببرود، يتململ في الفراش بابتسامة احتلت ثغره..

لم تنظر له قط، وكأن النظر له يذكرها بكل شيئ فتنهدم كل محاولاتها للهدوء..
هتف هو بصوت هادئ يعلم تأثيره عليها:
صباح الخير ولا مساء الخير مش عارف
ضغطت على أذنيها ودموعها تزداد نزول وحرقة..
فقال هو بوقاحة:
نمتِ كويس يا حبيبتي ولا لا؟
صرخت فيه بجزع:
بس اسكت اسكت، مش عايزة اسمعك
رفع حاجبه متهكمًا:
لية هو انا صوتي وحش للدرجة
لوت شفتيها مكملة بتقزز واضح:
صوتك بيقرفنى، بيحسسنى بقذارتك قبل قذراتى.

ضم حاجبيه كأنما بدى متأثرًا، ثم تابع بسخرية خبيثة:
لية منا كنت حنين من شوية!
نهضت مسرعة من حواره فهى لن تحتمل المزيد، ما يحدث فاق قدراتها كأنثي
فأمسك هو يدها قبل أن تبتعد وقال بجدية:
أعملى حسابك إنى مش هديكِ حاجة بعد كدة إلا بمقابل
نظرت له نظرة مغلفة بجميع معانى الكره والاستحقار لتغمغم:
إستغلال، حقير
هز رأسه نافيًا وأغمض عينيه دليل على تذكره ثم تشدق ب:
تؤ تؤ، أصلى عيشت ليلة ولا ألف ليلة وليلة.

نهضت مسرعة وهي تجر ازدال خيبتها، وتلعن اليوم الذي ادمنت فيه!
بينما همس هو وهو يتسطح بأريحية على الفراش:
ولسة اللي جاى أحلي
تنهد وهو يتذكر أخته الراحلة، ليقطع تفكيره صوت إصطدام قوى بالخارج وصرخة مدوية تسبب في فزعه
جعلته ينهض ركضًا للخارج وحالة من الهلع قد سيطرت عليه!

كانت شمس تتسطح على ذاك الفراش الذي باتت تكرهه، الفراش الذي شهد إستسلامها المقزز، وهجومه المفاجئ لتنهار حصونها، وإن كانت حاولت الفرار من قبضته، ولكنها إستسلمت!
تضم ركبتيها إلى صدرها وكأنها تحاول إستكات تلك الدقات التي تزعجها وتشعرها بالقهر، دموعها تود الإنزلاق أسفل لؤلؤتيها الرماديتين ولكنها تشد لجامها لتقف، ملامحها شاردة وواجمة كالجثة الهامدة خالية من أى روح!

دلف هو من الباب بهيئته الرجولية الجذابة، عطره الذي أنعش أنفها ولكنه جاء بمفعول عكسي عليها جعل قسمات وجهها تتشنج بشدة، ودون ظهور أى رد فعل صرخ فيه حادًا:
قوومي
إرتعش جسدها برعب حقيقي، الواقع يفرض عليها ذاك الخوف البادى على محياها بوضوح، لم تلتفت له وهي تحاول إختلاق بعضًا من شجعاتها، ولكنها فشلت عندما شعرت بقبضته تجذبها من الفراش كالقيد الحديدى، ولكنه موجع لحد كبير!

جعلها تقف أمامه ويداه تقيد ذراعيها البيضاويَن الذي كشفتهم تلك المنامة ذات البنطال الضيق القصير والتيشرت الخالى من الاكمام، ثم زمجر فيها غاضبًا:
أية حابة تعيشِ دور الضحية كتير
هزها وهو يصيح فيها هادرًا:
ده جزء من اللي هيحصل فيكِ كل يوم، أنتِ هنا لرغبتي بس، يمكن عقد الجواز ده عشان يخرس اى حد!
أقترب منها أكثر حتى اصبح ملاصق لها تشعر بسخونه جسده من قربها لهذا الحد، لتجده يهمس بفحيح أفعي:.

كل يوم لازم أخليكِ أنتِ اللي تستسلمي عشان تكرهي نفسك أكتر
أبتعد عنها مسافة قليلة وهو يأمرها بنزق:
ثم إنك قاعدة على السرير كدة لية وعاملة مناحة، قومي حضرى لى أكل
لم تجيبه قط، كانت محدقة به كالبلهاء وهو يلقي قسم جديد يشهد على عذابها الحالي، والقادم!
وقد تبلد جسدها من هول كلماته المفجعة، للأسف، لقد كان محق!
عاد يقترب منها ليلاعبها على أوتارها الحساسة التي بدءت تعتاده، ثم قال بخبث دفين أمام شفتيها:.

ولا أنتِ قاعدة على السرير مستنياني
لم ترد فقد ألجمتها الصدمة، ليضحك هو بسخرية متابعًا:
اووه، قولى كدة بقا.

وبلمح البصر كان يدفعها على الفراش وهو فوقها تلفح أنفاسه الهوجاء الخشنة بشرتها الحليبية التي شحبت بهلع، ثم أقترب يقبلها بقسوة، عنف، وكأنه يفرغ شحنات الغضب التي تجتاحه كلما تذكر، لتلين قبلاته مع الثوانى قاصده إستسلامها، ولتنل ما قصدته وتستسلم هي أمام لمساته الحميمية الجديدة عليها والتي تثير فيها مشاعر لا تعرف لها معنى!

كان والد مالك جمال يجلس في احدى الكافيهات المعروفة، على الكرسي الخشبي يضع قدم فوق الاخرى بغرور وكبرياء لا ينتهي من حوله بعض الزهور الخضراء المشعشعة مزينة بأنوار زهية بشكل رائع، لتهدئه من بالمكان، ولكن كأنها بالنسبة تزيد من عصبيته فتجعله يدب على الارض بقوة اكبر..
نظره موجه نحو الباب ينتظرها بفارغ الصبر، هي التي ستنفذ له ما اراده وتحقق ما يسعي له على الفور..

واخيرًا ظهرت بهيئتها المعتادة، بنطال جينز ضيق وتيشرت يكاد يغطيها عدا ذراعيها البيضاويين، وجهها لا يخلو من مساحيق التجميل الكثيرة، تنهد وهو يراها تقترب لتجلس على الكرسي المقابل له، فسارع هو بالقول:
كل ده تأخير؟
هزت رأسها وهي ترد بهدوء حذر:
معلش مسافة الطريق
اومأ متابعًا بارتياح:
ماشي
سألته مستفهمة بفضول:
طلبتنى لية؟
ضحَك هو بسخرية، ثم رفع حاجبيه مجيبًا بتهكم يشوبه الخبث:
وحشتينى يا مرات ابنى قولت اشوفك.

جزت على اسنانها بغيظ وهي تغمغم:
جمال بيه، ياريت اعرف عشان معنديش وقت
اومأ وهو يهتف بجدية:
تمام تمام ندخل في الموضوع يا سمر
اومأت سمر لتنظر له باهتمام..
فاستطرد هو بقوة فاجئتها هي شخصيًا:
عايزك تدخلى حياة مالك تانى!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة