قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية غزالة في صحراء الذئاب للكاتبة رحمة سيد الفصل الخامس والأربعون

رواية غزالة في صحراء الذئاب للكاتبة رحمة سيد الفصل الخامس والأربعون

رواية غزالة في صحراء الذئاب للكاتبة رحمة سيد الفصل الخامس والأربعون

صمت، صدمة، نظرات تائهه متشابكة في سماء عدم التصديق!
تُرى هل يُفترض أن تكون السعادة تتوغله الان، السعادة التي تنتشر بين نسمات الهواء لهزيمة اكبر عدو الأبدية!
ولكن يبدو أنه من سيدفع ضريبة تلك الهزيمة المفحمة بالنصر!
مستنقع من الخداع يكبر في حياته يومًا بعد يوم..
وصوتًا داخله يصرخ بهلع لم أفعل...
ولكن بالطبع كلها خيالات بين جنبات صدمته الجامحة...
وسؤالاً هادئًا على عكس ثورته النفسية الداخلية للضابط:.

-ممكن أفهم أزاي ده حصل!
رفع الأخر حاجبه الأيسر، وبتهكم من متهم يرسم البراءة بمنتهى البراعة، قال:
-لا والله يعني حضرتك مش فاهم ولا عارف أنا بتكلم عن أية؟
وبدون تردد هز رأسه مؤكدًا في تعجب:
-أيوة، أنا حالاً عرفت منك أنها ماتت أصلاً
وبصوتًا جامدًا رد الأخر:
-حاجة ماتخصنيش، كل ده تقوله في القسم بقا
ومازال مالك يتمسك بكل قوته بأخر طرفًا للثبات يحفو من امامه مغادرًا وهو يردف:
-ممكن أعرف إية دليلك الأول؟

اومأ مجيبًا ببساطة لم يتكلفها:
-سلاح الجريمة بتاعك أصلاً يا أستاذ مالك، الظاهر إنك من لخمتك نسيته عند المجني عليها
ولم يدع نقطة للثبات بداخله إلا وقضى عليها بكلامه، فصرخ فيه مالك منفعلاً:
-لا طبعاً، دي واضحة زي عين الشمس إني مش أنا، لو انا يستحيل أسيب دليل مهم زي ده ورايا!
وبالرغم من عقلانية تصرخ بالتظاهر بين حروفه، إلا انه رد عليه بدبلوماسية:
-القانون مابيعترفش إلا بالدليل يا أستاذ.

ثم أشار - للعساكر - بحركة صغيرة ومباغته من يده، ولكنها قطعت أخر املاً لدى مالك،
وصرخت شمس بهلع:
-لا مستحيل، مستحيل أكيد كذب
هبطت من السلم بخطى شبه راكضة غير عابئة بأي شيئ سوى معشوق يسحبه الظلام له مرة اخرى!
اقتربت من مالك حتى أصبحت امامه، وبصوت غلفه الدموع القهرية همست:
-مالك أوعى تسيبني هنا لوحدي
مسح دموعها التي خانتها لتسقط على وجنتاها الساخنة، وبثبات هو يفقده، حاول التمسك به ولو لثواني وهو يخبرها:.

-حبيبتي متقلقيش، بأذن الله المحامي هيخرجني منها بسهولة لأن ربنا عارف إني مظلوم وأستحالة أقتل
اومأت بابتسامة منكسرة، وإن حاولت التحلي بالهدوء والصبر، يبقى ذكر أسم جمال المُزعزع الوحيد لهدوءها المزيف!
وسرعان ما قالت قبل أن يلتفت:
-طب هاجي معاك
وبرفض قاطع غير قابل للنقاش أجابها:
-لا طبعاً مينفعش، خليكِ في البيت وماتخلطتيش بحد، خليكِ في أوضتك بس يا شمس.

وبالطبع كان كلامه المُبهم بالنسبة للأخرون، عندها هي يتضح، وكأنه شفرة لا تُفك إلا معها..
وهي ستمتثل لأوامره، ولن تختلط بشيطان الأنس مادام هو لم يكن معها،
ولكن مهلاً، هل لها الشجاعة من الأساس لتختلط به؟!
بالتأكيد لا، هي أضعف من أن تزج نفسها في مواجهة ستخسر هي بها معه!
وتقريبًا، كان يودعها بابتسامة صفراء وهو يشير لطفلهم:
-خلي بالك من نفسك، وبلغي المحامي هتلاقي رقمه على موبايلي.

اومأت وهي تمنع نفسها بصعوبة من البكاء هامسة:
-حاضر يا مالك، متقلقش
وإلتقت نظراتهم في نظرة نبعت من أرواحًا وقعت مرة اخرى اسيرة تحت رغبة خفية للقدر!
نظرة كانت منكسرة من كلا الطرفين، كانت كمن يودع رفيقه بأجبار...
لتنقطع مع مغادرته مع رجال الشرطة، تاركًا خلفه تلك المسكينة تواجه ذئبًا لا يرغب سوى في إفتراسها!

وتقريبًا لم يمر الكثير من الوقت حتى وجدت شمس باب الغرفة يقرع بقوة، وكأن تلك الطرقات تمثلت لها في مقدمة للصدمات التي ستتلقاها على التوالي!
وبأقدام تجرها عنوة، اقتربت من الباب تهمس بحروف لم تتعدى شفتيها:
-مييين!؟
وكانت الأجابة حادة وغاضبة:
-إنتِ اللي مين؟

ولكن، عند ذكر الأنثى يُذكر اللين وكأن صوت الأنثى كان كفيلاً أن يبعد أي افكار لقدوم العداء عن عقلها - مؤقتًا - تنهدت بأرتياح فطري عند سماع صوت فتاة، فاستدرات ثم فتحت الباب ببطئ حتى إلتقت عيناها بنظرات زينة الحادة كسيفًا لا يتردد في قطع أي دخيل!
وسرعان ما جذبت شمس من ذراعها وهي تسألها بحدة مفرطة:
-إنتِ مين وإية اللي جابك هنا يابت إنتِ.

أبعدت شمس يدها عنها بهدوء، وبنفس الهدوء الذي جعل زينة تكاد تفقد عقلها، أجابت:
-أنا شمس
زفرت وهي تكمل اسئلتها كقاضي لا يملك وقتًا للتفاهم:
-أيوة يعني يا ست زفته، شمس مين وإية اللي جابك هنا؟!
لم تعطيها فرصة للرد فألقت باتهامتها التلقائية تجاه تلك البريئة القلقة:
-اه إنتِ اكيد واحدة من اياهم بابا هو اللي جابك صح؟!
وكأن عقرب لدغت شمس، فأصبحت تهز رأسها بسرعة نفيًا:
-لا ابداً، أنا مليش أي علاقة بوالدك.

مهلاً، لطالما لا توجد لها علاقة بوالدها، قد يُمكن أن تلهمها فرصة للدفاع عن نفسها!
تلك الفرصة التي لا تُعطى لمن يقرب شيطان الأنس ولو بعلاقة سطحية!
بينما شمس عَلى النفور والرفض أفق عقلها من مجرد ربط أسمها بذاك الشيطان الذي تهابه..
فأسرعت تسأل زينة بجدية مناسبة للموقف:
-إنتِ زينة صح؟
اومأت زينة موافقة، ثم سألتها في تعجب:
-أيوة بس عرفتي منين، وبردو ماقولتليش إنتِ مين؟
وبشيئ من التوتر لأحتمالية تكذيبها ردت:.

-أنا آآ أنا مرات أخوكِ
إتسعت حدقتا عينا زينة بحركة تلقائية!
وهل أستطاع اخيها المتهور، الطائش، الذي لا يهتم سوى برغباته أن يربط نفسه بفتاة كهذه!
وليس أي رباط، رابط متين أبدي إن لم يجدوا كاسر له!
إنتشلتها شمس من صدمتها تخبرها:
-أرجوكِ مش وقت صدمة، تعالي لازم تتصرفي معايا
سألتها زينة متوجسة:
-إية في اية؟
تنهدت شمس بقوة أقنعت نفسها بواجب التحلي بها:
-مالك، جم خدوه، البوليس.

شهقت زينة بقوة اثر الصدمة التي قذفتها بها، إنتشلتها من صدمة لتدفعها في دوامة من الصدمات وهي تسمعها تكمل ؛
-عشان، عشان آآ بيقولوا إنه قتل، سمر
ذُهلت سمر حرفيًا، لا تدري لمَ يعاندهم القدر هكذا!
يُعاقب البرئ ويُكافئ المتهم!
إنعكاس في الرغبات، يجعلها ودت لو صرخت بأنهيار...
وسألت شمس بصوت حانق وعاجز:
-أزاي، مالك مستحيل يعملها
اومأت شمس، وقد انخلطت الدموع على صوتها وهي تردف:.

-عارفة، والله عارفة، أنا أتصلت بالمحامي زي ما قالي، وزمانه على وصول
فيما هتفت زينة بلمعان في جوفيها غريب:
-أنا متأكدة إن بابا هو اللي عمل كدة
اومأت شمس متأسفة على فتاة أعتقدت أن الصدمة لن تنحاز عنها عند معرفتها، ولكن وكأنها مُهيئة بحاجز قوي من شيطان الأنس!
لتصرخ زينة فجأة:
-احنا لازم نتصل ب مروان، أيوة مروان هو الوحيد اللي هيقدر يتصرف كويس.

وبالطبع لم تغفو شمس عن تذكر مروان، مروان والذي صدقت زينة في قولها عنه
هو من سينجد مالك بل وربما، هو من سيُعدل إنقلاب ما يحدث!

وأخيرًا أستطاع مراد الأمساك ب خلود التي لم تتوقف عن الركض لحظة..
كانت وكأنها تركض من مستنقع من الكسرة والصدمات!
ولكنه بات كالوحل يجذبه لها مرة اخرى كلما أبتعدت!
وكأن الألم أقسم ألا يتركها إلا وهي مُدمرة كليًا..
ولكن لمَ لا يتركها الان!
هي بالفعل دُمرت وبجدارة، ولكنه، وفي، نعم نعم، وفي لا يترك صديقه بتلك السهولة بالطبع!
ظل يحاول إستعادة رباطة جأشه قبل أن يصيج فيها منفعلاً:
-إنتِ مجنونة!

اومأت ببرود، قبل أن يخرج صوتها متلبسًا حالة اللامبالاة:
-أيوة مجنونة، أنا فعلاً فاضلي تكه وأدخل مستشفى المجانين
تنهد بقوة يغرز أصابعه في شعره بقوة وكأنه يسلب منها شحناته الغاضبة، واخيرًا إستطاع التحلي بالهدوء وهو يخبرها:
-طب ممكن تيجي نروح بيتنا ونتكلم بالهداوة كدة
هزت رأسها نفيًا مُصرًا:
-لأ، أنا عاوزة أتكلم مع شمس
حاول معها بخفوت لتغيير قرارها الغير صائب وهي في هذه الحالة:.

-حبيبتي مش هينفع، لازم تهدي الأول وتعرفي راسك من رجليكِ
-لأ، هروح لشمس ودلوقتي
قالتها والعند هو من اخرج حروفها تلك، فتنهد وهو يقول بصوت جاد:
-خلود مش هينفع، الأول لازم تروحي وتهدي وتتكلمي مع مامتك تطمنيها عليكِ بقا
هزت رأسها نافية، وكأن الضوضاء التي تزداد بداخلها مع كل ثانية لن تهدئها إلا شمس فقط!
فاستسلم وهو يومئ:
-ماشي يا خلود، هوديكِ لشمس
اومأت في حبور:
-متشكرة
سألها بصوته الأجش مستفسرًا:.

-عارفة عنوانها؟
اومأت مؤكدة:
-ايوة في المعادي
أمسك يدها برقة، ليشير لأحدى سيارات الأجرة ليستقلاها معًا بعدما اخبرت السائق بالعنوان...
فيما كانت هي على نفس شرودها، هي من تتمسك بالشرود تلك المرة، هي من تغوص فيه وكأن غيره لن يجدي نفعًا!
وتلقائيًا وجدت نفسها تميل برأسها لتضعها على كتفه..
فيما ملس هو على منابت شعرها بحنان، بجوار همسه الهادئ:
-أنا حاسس بيكِ صدقيني
لم تنظر له وإنما اجابت بنفس همسه الناعم:.

-انا تعبانة أوي يا مراد، حاسه إن كل حاجة جاية عليا، أمي كنت بقول لنفسي معاها حق، إنما اخويا هبررله أزاي، أنت بعد ما خبيت عني هبررلك ازاي
زفر بقوة مخجرًا تلك الشحنات من بين جوفيه، ليتابع:
-انا كنت خايف عليكِ يا خلود، كنت بحاول أأجل الصدمة دي قدر الإمكان خوفًا عليكِ مش رغبة في اني اخبي عنك
قطع حديثهم صوت هاتفه الذي بدء يرن، فأخرجه بهدوء ليجيب:
-الووووو
-...
-إية ازاي!
-...
-خلاص خلاص سلام أنا هتصرف أنا
-...

أغلق ليمسك يد خلود مرتبًا عليها بجدية تناسب همسه الحازم:
-هوديكِ عند صاحبتك، وهروج مشوار ضروري جدًا نص ساعة وهرجع أخدك
اومأت خلود موافقة بلامبالاة تعمدت إظهارها له...
ليصلوا بعد قليل الى المنزل الذي من المفترض أن تقطن به شمش...
ففغر مراد فاهه وهو يهمس مصدومًا ونظره موجه امامه:
-اية ده، ازااااااي!؟

-إلحقنا يا بااااشا، يا جمال بيه إلحقنا.

صرخ بها أحدهم وهو يقترب من جمال الذي كان يدخن بشراهه جالسًا في الهواء الطلق الهادئ والذي لا يناسب حالة ضيقه وقلقه العارم!
ينصب وينصب الكثير مت الخيوط الشيطانية الخبيثة دون كلل او ملل من الفشل!
لينظر للرجل متأففًا قبل أن يسأله:
-في إية يا زفت أنت
إبتلع ريقه بتوجس، يخشى من إنفجار قنبلته بوجهه هو، فتلعثم قائلاً:
-الاول ممكن تهدى يا باشا
صاح فيه جمال مزمجرًا بحنق:.

-ما تنجر هو اختبار، أنا حر ابقى هادي ولا مش هادي أنت مش هتقولي أعمل اية!
هز رأسه نافيًا بهدوء متوتر بوضوح:
-لا بس الموضوع ده اللي هقوله لجنابك يعني مُش سهل، فعشان كدة عايزك تهدى الاول
كز على أسنانه بغيظ مغمغمًا:
-ما تنطق يااض، إية اللي حصل اخلص؟
أغمض عيناه بخوف قبل أن يقول:
-ابنك مالك سلم كل الورق للبوليس النهاردة والبوليس ابتدى يدور عليك
بدء تنفسه يأخذ منحدر اخر في الاضطراب، وبالرغم من ذلك قال:.

-بردو قولهم ينفذوا، وفي اسرع وقت!

وصلت شمس الى المنزل مرة اخرى بدون زينة، تشعر أنها تحمل هموم الكون كله فوق كتفيها!
تشعر أن روحها تكاد تُمزق من كثرة المشاكل التي تعصف بها دون توقف لتمهل روحها واجب الصمود..!
دلفت إلى المنزل ثم اتجهت الى غرفتها على الفور ملتزمة بكلام مالك...
وآآهٍ من مالك وأبتعاده المفاجئ بعد كل القرب الذي عاشوه،
وكأن جرعات البُعد الذي كان من المفترض أن يأخذوها فأبعدوها، الان يأخذوها مع بعضها بصدمات!

وشعرت بمن يسير خلفها، ولكن الأكيد ليست بزينة..
زينة التي اخبرتها أنها ترغب في الانفراد بنفسها قليلاً بعد تيقنهم أن مالك لن يخرج من السجن إلا بعد الاثبات القوي!
والخوف بدء ينهش في التماسك المتبقي داخلها...
فالتفتت بارتعاد تهمس:
-مين هنا!؟
ولكن ما من مجيب بالطبع، فنظرت امامها مرة اخرى وكادت تركض لغرفتها تحتمي بها..

ولكن كيف الركض الان وهي شعرت بمن يكممها فجأة من الخلف، فمن من دون سابق إنذار سقطت فاقدة الوعي بين ذراعيه!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة