قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية غزالة في صحراء الذئاب للكاتبة رحمة سيد الفصل الحادي والعشرون

رواية غزالة في صحراء الذئاب للكاتبة رحمة سيد الفصل الحادي والعشرون

رواية غزالة في صحراء الذئاب للكاتبة رحمة سيد الفصل الحادي والعشرون

لم تدرى ما الذي تفوهت به، حماقة لسان نطق دون الرجوع الى عقلها؟!
ام رغبة قلب ينقذ نفسه من فقدان لا طاقة له به، غالبًا الشعور الأكثر واقعًا هو حماقة لسان فقط!
لسان سيعانى ويشتكى من مرارة فقدان والدتها..
وكأن والدتها قرأت ذلك بين سطور عينيها من قبل فلم تعد مصدومة كثيرًا وهي تنطق باستهانة:
بسهولة كدة اتخليتِ عن أمك؟
هزت شمس رأسها نافية وهي تجيبها بنفس النبرة بل ازدادت لوم حقيقي:.

أمى هي اللي اتخلت عنى بسهولة
هزت رأسها وهي تقول بشموخ لا يليق بهذا الموقف:
لا يا شمس، أنتِ اختارتِ طريقك بعيد عننا، ياريت ماتندميش
هزت رأسها نافية وعادت تقول بجدية صادقة:
انا هندم فعلاً لو سمعت كلامك وأتجوزت يحيى ده
وكأن ثعبان لدغه فصرخ بعنف متعجب في وجهها قائلاً:
لية إن شاء الله وماله يحيى!؟
جزت على أسنانها بغيظ ثم حاولت تذكيره بما فعله ولكن، باستخدام بعض التورية:.

لا ابدًا ملهوش، بس مالك هيسترنى، مش هيفضحنى ابدًا، مش هيعمل حاجة تأذيني
لا تعلم هذه الكلمات صادقة أم لا!
بالتأكيد ليست صادقة، ولكنها وكأنها تمنت ان تصبح صادقة، أن تنطقها بقلبها قبل عقلها!
ولكنها بدت كأنها في بحر غريق تتمنى لو يظهر مركب للنجاة فجأة!
بينما مالك، قلبه يتراقص على كلماتها المعسولة التي سكرت روحه!
دقاته مُزجت بنغمات صوتها مزيجًا رائعًا يشكله أروع احساس..

تدافع عنه امام الجميع، وإن كانت مدافعتها ليست صلبة كما يجب!
وكلمات ذاك الأبله يحيى اقنصته من عالمه الوردى الذي لطالما كان يحلم به، ليقترب منه ممسكًا ذراعه بقوة وقال:
شيل شمس من دماغك أحسن لك
أبعد ذراعه بقوة مماثلة واستطرد:
أنت اللي المفروض تشيلها من دماغك، أنت اللي خطفتها مني مش أنا
كز مالك على أسنانه بغيظ حقيقي، كلماته أصابته في مكانها الصحيح!

ولكن كيف يمحو صك ملكيته من روحها التي لم يعد يطيق أى شيئ إلا بدونها!؟
هتف مالك بصوته الأجش قائلاً:
شمس بقت مراتى خلاص، أنسى كل تخاريفك دي
وهنا صدح صوت والدتها القاسي المنغمس في تلك المحبة الكاذبة لإبن شقيقتها:
بس اسكتوا، هي هتروح مع اللي هي عاوزاه، أهلها ولا جوزها الغريب
وكأن مالك استشف مدى تأثير تكرار تلك الكلمات على شمس الساكنة..
تلك الكلمات التي ستجدى نفعًا بالفعل وستهدم الهالة التي تحيط شمس،!

فسارع بالقول مهددًا:
على فكرة أنا اقدر ارجعها ليا بالقانون، وأقول أنكم اجبرتوها
هزت كريمة رأسها نافية ثم قالت بصوت حاولت التحكم فيه ليصبح هادئًا:
أنت مش محتاج تعمل كدة، لأنها اختارتك أنت خلاص
جحظت عينا يحيى بصدمة وهو يغمغم:
أنتِ هتسيبيها تروح معاه!؟
رفعت كتفيها واجابت بقلة حيلة:
ده جوزها
وعندما تمتلئ خزاناتك من غرور لا نهائى..
يعطيك رد الفعل طاقة إيجابية غير مقصودة!

تصبح وكأنك امتلكت زمام الدنيا وما فيها بلا منازع!؟
هذا ما كان يدور بخلد مالك، قبل أن تزين الأبتسامة ثغره وهو يشير لشمس:
يلا يا شمس نمشي
شمس!
أسمًا مألوفًا لديها، ولكنها لم تكن بذاك العالم الذي سلب منها أعز الأشخاص..
كانت بعالم أخر شاردة، تائهه، مكسورة!
اى شيئ من هذا، ولكنها لم تكن ابدًا شمس الان!
صورة والدها الراحل فقط هي من ترتكز بعقلها..
وكأن ذاكرتها قاصدة تعذيبها!

ترد عليهم بلسان لم تستطع التحكم به، ولكنها لا تشعر بأى شيئ من حولها!
سارت من امامهم كمسلوبة الأرادة...
يتبعها مالك الذي لم تخلى نظراته من الشفقة...
واخر جملة تردد صداها في أذنيها رغمًا عنها
أنتِ سيبتيهم بسهولة بس أنا مش هسيبهم يا خالتى!

وقفت تحملق بالصورة، وكأنها تحملق بالمرآة!
أغمضت عيناها وفتحتها عدة مرات، ولكن لم تزول تلك الحقيقة بل ازدادت نسبة صحتها!
يخلق من الشبه أربعين...
الان فقط تأكدت من هذه العبارة...
ثبتت صحتها حرفًا حرفًا امام عينيها!
ولكن ما جعل القلب يدق ببطئ..
والدقة لا تقوى على التكرار، والدماء تتوقف في تلك الأوردة..
حقيقة ما في الامر، مراد لا يحبها هي، لم يكن يعترف لها هي، لم يراها هي من الاساس!

كان يحتجزها ويحميها كما يقول ليس من أجلها هي!
ضربة في منتصف القلب، ولكنها لن تكن نسخة اخرى...
لن تكن مجرد شبيهه!
سترحل، مهما كانت العواقب!
تركت الصورة ولكن ليست كما كانت، بل على الفراش..
وكأنها ترغب في معرفته بسبب رحيلها!
ثم سارت متجهة للخارج بخطوات هائمة، اتجهت نحو الغرفة التي تجلس بها، ثم بدءت تلملم الاشياء الخاصة بها حتى انتهت ثم بدلت ملابسها سريعًا غير مهتمة بالمظهر..

خرجت من الغرفة تجر ازدال خيبتها، تشعر بهذه الحركة انها الملم المتبقي من كرامتها!
وظلت تحمد الله أنه لم يكن متواجد، حتى خرجت من العمارة...
لتصطدم في جدار صلب ودق قلبها بصخب قبل ان ترفع عيناها لترى من الشخص وتتسع حدقتا عيناها رويدًا رويدًا لصدمة شخص لم تكن تتوقعه وهمس طفيف منها:
حسام!

ظلت زينة تنظر له بتدقيق، لم تنصدن، تندهش، يتجمد الدم في اوردتها!
اى شيئ دال على الصدمة لم يعرف طريقها الان..
بينما ظلت تتفحص ملامحه علها تجيبها على سؤالها الوحيد
حقيقة ام إنتقام هذه المرة..
والاجابة على لسانه هو بصوت الجاد:
المرة دى بجد مش انتقام يا زينة
رفعت حاجبها الأيسر وقالت متهكمة:
مش معقول هتصلح غلطتك يعنى!؟
لها الحق تمامًا في تلك السخرية التي تشبعتها كليًا..

ولكن للحق، هو نفسه يتعجب مما قاله لتوه وكانه لم يكن هو!
زفر بقوة قبل أن يتابع بضيق إعتراه:
مش عارف، لكن اللي عارفه إن إنتقامى أنتهى
اومأت وهي تصيح فيه بحدة مناسبة:
المفروض بما إن انتقامك ده انتهى اغور انا من هنا بقي لأنى تعبت
هز رأسه نافيًا وراح يقول بتصميم:
لا مش هتمشي
سألته دون تردظ بصوت بدء يرتفع:
يعنى اية بقي
رفع كتفيه مجيبًا بلامبالاة:
أظن كلامى واضح مش محتاج توضيح، مش هتمشي لاننا هنتجوز
احمق هو؟!

نعم مؤكد هو احمق، يظنها ستوافق يومًا على عقد نهاية حياتها!
زواجها منه يعنى نهاية الحياة بالنسبة لها، تتزوج من معذبها لتترك له كل أنواع التعذيب مباحة لا يتدخل بهم اى شخص!
واكدت ذلك وهي تصيح في وجهه نافية:
اكيد لا طبعًا مش هوافق
هز رأسه بثقة مردفًا:
هتوافقى يا زينتى
تأففت عدة مرات قبل أن تشير له بيدها قائلة:
أنت كنت عايز تنتقم وانتقمت وخلاص، وانا اتعذبت وتعبت، خلصنا بقي ارجوك سيبنى.

رغم تلك الهزة اليتيمة التي شعر بها..
وتلك الدقات التي ازدادت مع كلامها، إلا انه سيطر عليهم بمهارة وهو يقول ببرود:
بس أنا بقي بقول أننا هنتجوز والنهاردة
رفعت حاجبيها وهي تقول بعند مماثل:
وانا بقول لأ
ثم استدارت لتذهب من امامه متجهة لتلك الغرفة اللعينة لتجلب اشياءها، إلا انه جذبها فجأة من ذراعها لتصطدم بصدره العريض...
كُتمت أنفاسها وتلاحقت دقاتها واختفت دماؤوها من وجهها من هذا القرب.

اغمضت عينيها تبتلع ريقها بصعوبة ثم همست:
سيبنى يا زياد
هز رأسه نافيًا وهو يجيب بهمس مماثل:
طلبك صعب أوى يا أستاذة
حاولت ابعاد نفسها عنه وهي تزمجر فيه:
قولت سيبنى بقي انت مابتزهقش
ضغط على ذراعها اكثر يثبت لها كلامه قبل ان يقول:
مفيش حاجة بعوزها وبسيبها ابدًا
جزت على اسنانها بغيظ قائلة:
بس أنا مش اى حاجة ومش عايزاك
إلتمعت عيناه بأعجاب لم يستطع السيطرة عليه ومنعه من الظهور وقال:
منا عارف عشان كدة متمسك بيكِ.

ابتعد عنها ثم اولاها ظهره ليأتيها صوته الأجش ثابتًا:
أنا هسيبك عشان تفكرى براحتك وتعرفى إن ده لمصلحتك، بس مش هصبر عليكِ كتير
تقوس فمها بابتسامة ساخرة مغمغمة:
كتر خيرك بصراحة
لم تعطه فرصة للرد وانصرفت سريعًا تاركة اياها يبتسم ابتسامة لم يعرف مصدرها تحديدًا!

وفي نفس السجن الذي كان به والد شمس الراحل...
رجلاً على مشارف الأربعين من عمره، يرتدى ملابس السجن، جسد متهالك مغطى بملابس السجن الزرقاء، ووجه أسمر لم تختفي من الندبات..
وقف امام الخزانة الخاصة بالملابس، ليخرج منها دفتر صغير..
ظل يتفحصه قبل أن يشير للرجل الواقف بجواره قائلاً بتهكم:
اية ده، مش كفاية بنغسل هدومهم، جايبين الدفتر ده نغسله كمان ولا اية
رفع الاخر كتفه مجيبًا بلامبالاة:.

ما انت عارف الاهمال، كل واحد عاوز يخلص اللى وراه
نظر للدفتر مرة اخرى قبل أن يسأله:
متعرفش ده جه هنا ازاى يعنى
هز رأسه نافيًا ونظر له قائلاً ببرود:
اكيد حد جابه مع الهدوم بالغلط
اومأ الاخر قبل أن يسأله مرة اخرى باهتمام:
طب متعرفش ده بتاع مين
هز رأسه نافيًا وقال بنفاذ صبر:
لا معرفش منا زيي زيك بغسل بس
مط شفتيه متابعًا:
طب اعمل فيه اية يعنى ده مكتوب فيه صفحات كتير
أشار له بيده غير مباليًا وهو يتابع عمله:.

يا عم ارميه ف الزبالة وخلص نفسك، لو كان بتاع حد كان حد سأل عليه
اومأ الاخر وهو يلقي به في سلة القمامة:
على رأيك، محدش عاوزه اكيد
ولم يكن يعلم أن ألقي اخر خيط للحقيقة في هذه القمامة!

كان يحيى يسير في احدى الشوارع غاضب، غاضب بحق ويرغب في قتل ذاك الذي يدعى مالك ليرتاح منه للأبد!
غاضب من إستسلام والدتها المخزى لتلك الحقيقة التي لم يتقبلها هو...!
ولكن لن ولم يسأم ابدًا لطالما ظل في صدره نفس!
اخرج هاتفه من جيبه ليتصل ب بسام الذي اجابه على الفور قائلاً بجدية:
اية يا يحيى
ايوة يا بسام، عايز عنوان غريب
تانى يا يحيى
لا لا انا عايزه ف حاجة كدة
حاجة اية دى.

ماقولتلك حاجة بقي يا بسام هتقولى العنوان ولا اعرفه بطريقتى
خلاص هبعتهولك في رسالة
ماشي متشكر
يحيى ياريت بلاش مشاكل وحوارات تانى
لا متقلقش
ربنا يستر سلام
مع السلامة
اغلق الهاتف وهو يتنهد بقوة، وكأنها حركة استعدادية لأحدى مخططاته القادمة!
وفجأة وهو ينظر للهاتف كاد يصطدم بشخص ما...
رفع نظره ليراها، ليكاد يصطدم ب
زينة!

شمس؟!
همسة خرجت من بين شفتاه المزمومتين، يجلس لجوارها على الأريكة، منذ قدومهم من منزل والدتها لم تنطق، لم تصيح فيه، لم تنظر له حتى!
بقيت ساكنة فقط!
وما اصعب ذاك السكون الذي يأسرها لدرجة اشعرته أنها لن تخرج من تلك العزلة ثانيةً!؟
همسته لم تجدى نفعًا، اصبحت وكأنها رقعة لم يكترث لها اى شخص!
امسك بذراعه يهزها برفق ليجدها تنظر له بقوة اجتاحت على نظراتها!
قوة لم تظهر بعينيها منذ أن رأها!

ابعدت يده عنها وهي تصيح فيه باشمئزاز:
ابعد ايدك دى عنى، اوعى تفكر انك تقرب لى تانى، مش معنى انى سبتهم وجيت يبقي انا عشقاك
هزت رأسها نافية قبل أن تتابع بسخرية:
جنة فرعون ارحم من الجحيم يا استاذ مالك!
كلماتها كانت كالسهم المسموم الذي انغرز في قلبه بلا رحمة!
بالرغم من القوة التي كانت تقطرها كلماتها..
ولكنه لاحظ تلك الرجفة المسبقة بالبكاء التي كانت تجتاحها!

قطع ذاك النقاش القصير الطرقات العالية على الباب، لينهض مالك متجهًا له، وقبل ان يرى من الطارق كانت العصا الخشبية السميكة تسقط على رأسه لتفقده الوعى و...!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة