قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية غزالة في صحراء الذئاب للكاتبة رحمة سيد الفصل الثاني والعشرون

رواية غزالة في صحراء الذئاب للكاتبة رحمة سيد الفصل الثاني والعشرون

رواية غزالة في صحراء الذئاب للكاتبة رحمة سيد الفصل الثاني والعشرون

سقط مالك فاقدًا الوعي، ودلف ثلاث أشخاص مفتلوين العضلات، يغطون وجوههم بغطاء اسود، امسك احدهم بمالك يزحزحونه، ثم اغلق الباب ودلف، في حين كانت شمس على نفس وضعها لم ترمش ولو للحظة، فجأة وجدتهم امامها، ولم تنل فرصة للصراخ فكمموها وفقدت وعيها هي الأخرى، حملوهم بهدوء دون أدنى كلمة ثم توجهوا بهم الى الاسفل، لتنتظرهم سيارة سوداء كبيرة، وضعوهم بها ثم اتجهوا الى مكان ما ملتزمين بالصمت...

وبعد نصف ساعة تقريبًا وصلوا إلى منطقة ما مهجورة، ووضعوهم في جزء ما من المكان يبدو كمصنع مهجور منذ زمن ورموهم بالداخل بجوار بعضهم بأهمال ثم خرجوا مرة اخرى..
ليلتفت واحد منهم اخيرًا نحو الاخر قائلاً بصوته الاجش:
اوعى يغفلوا عن عينك، تقف عند الباب لحد مايفوقوا والباشا يجي نشوف هنعمل اية
اومأ مؤكدًا ومن ثم اجاب بجدية:
اوامرك
خرجوا جميعهم تاركين مالك وشمس أسرى لم يفهموا حتى الان سبب اسرهم المفاجئ!

وبعد نصف ساعة اخرى...
بدء مالك يفيق رويدًا رويدًا، عفاه المخدر من اغماء يرغب في سلب حياته بأكملها!
جفنيه تعاونوا معه في استرجاعه لوعيه قليلاً، فسارع بفتحهما ليجد شيئً ما يضغط على يديه، نظر مسرعًا ليجد يديه مكبلة!؟
وبدء قلبه ينبض بعنف، عنف لم يعرفه إلا قلقًا عليها..
نعم قلقًا على تلك المسكينة التي اقحمها في عالمه عنوة عنها!

واخيرًا نظر لها ليجدها مازالت فاقدة الوعي، وما اصعبه ذاك الشعور الذي امتلكه في تلك اللحظة، عين اختلعت من مكانها لهفًا عليها..
وقلبًا لم يعد يطيق البعد فطار تاركًا اياه جثه هامدة من عشق غير معترف به!
حاول الحركة بصعوبة وهو يهمس بحروف تقتطر خوفًا حقيقيًا:
شمس، شمس أنتِ سمعانى
ولكن لا من مجيب!
لم تتحرك، لم تتململ في نومتها!
بقيت فقط ساكنة!

وعند تلك النقطة شيئ ما بداخله دفعه للأسراع نحوها رغم يداه وقدماه المكبلة، ليحاول هزها بجسده مغمغمًا:
شمس ردى عليّ يا شمسي ماتسيبنيش خايف كدة
وكأنها بدءت الاستجابة لذاك النداء المرعوب فبدءت تفتح جفنيها بتثاقل، ليتنهد هو بارتياح قبل أن يقترب وهو يستنشق عبيرها بامتنان:
رعبتينى حرام عليكِ
لم تعي ما يقوله فسألته بخوف:
انا فين!؟
نظر لها بنظرة لم تستطع تفسيرها من كثرة المشاعر ثم قال:.

أنتِ معايا وده المهم، مش هخلي حد يجي جمبك لو هموت!
نظرت له تحاول قراءة سطور عيناه، ولكنها كانت مُلغمة بشيئ واحد فقط
القلق الحقيقي!
لأول مرة تلحظه يلمئ عيناه..
كيف أحتل مكان الغرور والغضب والقسوة فجأةً هكذا؟!
سألته مرة اخرى بهدوء متوجس:
متعرفش مين اللي ممكن يكون عمل كدة
هز رأسه نافيًا قبل أن يجيبها بهمس:
للأسف لأ، ولو حد ممكن يعمل كدة هيستفاد أية اصلاً!؟
تابعت بهلع بدء يسيطر عليها بعض الشيئ:.

يعنى اية، هنفضل كدة مستنين قدرنا!؟
هز رأسه نافيًا بتأفف:
اكيد لأ بس عاوز أعرف مين الخاطف عشان أقدر افكر على الاساس ده
نظر للأعلي وهتفت برجاء حار:
ياااارب
بينما ظل هو ينظر يمينًا ويسارًا عله يجد منفذًا ولكن لم يجد فنظر لها بغيظ متمتمًا:
مفيش أى شباك حتى نعرف أحنا فين!
وفجأة اقترب صوت أقدام فارتعشت شمس وتلقائيًا حاولت اخفاء نفسها خلفه وتشبثت بذراعه هامسة:
أنا خايفة!

واجابته هو ايضًا كانت نابعة تلقائيًا بحنان لم يعرفه يومًا:
متخافيش طول ما أنا معاكِ
وفُتح الباب ليدلف من جعل الصدمة ترتسم على وجه كلاهما...!

قلبها كان كالحديقة الزهية التي تلفت الأنظار، غاب عنها ساقيها لتصبح أرض ذبلت زهورها واصبحت بلا فائدة!
و حسام كان ساقيه!
كان عاشقها الأول والوحيد!
من اهتزت له دقاقتها وقرعت شوقًا له!
من كان يتقافز قلبها قربًا له!
ولكنه رحل!
رحل كالجميع والسبب موجع بحد مؤسف، أحلامها المشؤومة التي تُرعب الجميع منها!
أى عاشق هذا يترك قلبًا أرتبط به بسلاسل حديدية أبدية ليرحل مع أعتذار بسيط!؟

وقطع تلك الذكريات صوته الأجش وهو يهمس:
خلود
نظرت له باستهانة مرددة كأنه شيئ غريب:
أيوة خلود يا، يا حسام
تابع متساءلاً بهدوء متوتر من ذلك اللقاء:
أزيك؟
اجابته بنفس النبرة:
كويسة، عن اذنك
ثم كادت تسير إلا انه اوقفها بسؤاله الغير متوقع:
استني طب أنتِ رايحة فين!؟
رفعت حاجبها الايسر قائلة:
وأنت مالك يخصك ف أية، أنت اللي جاى بيت مش بيتك
هز رأسه نافيًا ومن ثم أكمل بجدية:
لأ، أنا جاى لواحد صاحبي ساكن هنا.

وفجأة صدح صوت مراد مغمغمًا بضيق لم يستطع اخفاؤوه من نبرته:
حسام، انت اية اللي موقفك هنا!
نظر له حسام بهدوء، وخلود، بخوف
ليجيب حسام هادئًا كأن شيئً لم يكن:
انا كنت طالعلك بس آآ..
وهنا نظر مراد لخلود وللحقيبة بحدة متساءلاً:
أنتِ بتعملي أية، وأية الشنطة دى
وكأن السخرية مكتوبة لها اليوم فقالت متهكمة:
زى ما أنت شايف، ماشية!
ترحل!
أتتوقع أن يتركها ترحل بعد هذا العناء!؟
ترحل وتتركه عالقًا هكذا لا يفقه شيئ!

بالتأكيد لا..
لن ينطق أحرف الرجولة مرة اخرى ولو بأحلامه إن فعلها بعد كل ما حدث!
ولكن لمَ لم يتوقع رغبتها في الرحيل!؟
تلك الرغبة التي اعتقدها ستتقدم في الظهور عن هذا الوقت..
اجابها بنفس السخرية ولكن رافقتها الحدة:
ومين قالك إن هاسيبك تمشي
كادت تنطق إلا أنه قاطعها بصوت أمر لا يقبل النقاش:
لينا شقة نتكلم فيها مش ف الشارع
رافق كلامه بفعله، فأمسك بيدها واتجه للأعلي قائلاً لحسام:
يلا يا حسام تعالى.

وسار بها للأعلي ولم يترك لها مجالاً للأعتراض او حتى البعد فقد كانت يده قبل كلامه تثبت صحة ذاك الكلام!
اما عن حسام قد بدى عاديًا جدًا!
وصلوا إلى الطابق في الاعلى، ففتح مراد ودلفت خلود اولاً ثم اشار مراد قائلاً بجدية تليق به:
أتفضل يا حسام
ثم نظر لخلود بابتسامة ذات مغزى واستطرد:
ده حسام، صديق الطفولة يا خلود!

رفعت زينة رأسها بهدوء، لتقابل نظراته المتفحصة التي امتلأت بالأعجاب!
نظرت له بتعجب من تلك الأشعة التي غمرتها فجأة منه وقالت:
أسفة مكنتش مركزة ادامى خبطت فيك بالغلط
ظل مثبتًا نظراته على عينيها البنية وهمس بحالمية:
وأحلى غلط كمان يا قمر
رفعت حاجبها الأيسر وهتفت متهكمة:
لا والله!
تنحنح بحرج ثم أردف بابتسامة وهو يمد يده لها لتصافحه:
أنا يحيى
مدت يدها وقالت بهدوء:
زينة
إتسعت ابتسامته وهو يتابع:
تشرفنا يا قمر.

لوت شفتيها ونظرت له بضيق:
أسمي زينة مش قمر
قهقه بمرح وقال:
ماشي يا زينة متزعليش كدة
اومأت بهدوء ونظرت للجهه المقابلة وكادت تسير إلا أنه اوقفها بقوله الجاد:
شكلك تعبانة، تحبي أوصلك حته، أنا عربيتى قريبة من هنا
رمقته بنظرات متوجسة، ليسارع بالقول مبررًا:
والله أنا مش قصدى حاجة، بس مش هتلاقي مواصلات بسهولة وانتِ شكلك تعبانة جدًا
يقرأ ما بداخله وكأنه جسدها ما هو إلا عازل هش!
يتفحصها ويفهمها بنظرة!؟

سحر هذا أم شاب يبحث عن أى غنيمة فقط وقد حالفه الحظ؟!
هذا ما كان يدور بخلد خلود ليقول هو بهدوء خبيث:
لو مش حابه براحتك، أنا كان غرضي شريف وأهو نتعرف ف الطريق
واخيرًا نطقت بكلمة واحدة وهي تسير للأمام:
اوكيه يلا!
إتسعت ابتسامته قبل أن يقول بفحيح شيطانى لم تلحظه:
يلا يا جميل
وها هي قد وقعت فريسة لشباك شيطان اخر لا يعرف للرحمة معنىً!

إتسعت حدقتا عينا مالك وهو يرمق والده الذي دلف الان بذهول!
هو وراء ذلك!؟
هو من تسبب له بهذا الرعب وحالة الضعف الذي اجتاحته؟!
مؤكد هذا لا يعرف ما هي ( الأبوة )..
ولكن يبقي السؤال عالق بذهنه متعجب، ومندهش، مصدوم
ما السبب لفعلته تلك؟!
هتف والده وكأنه استشف ما يدور بخلده بمهارة:
مصدوم مش كدة؟
سأله مالك بفاه فاغرًا:
با آآ، جمال بيه طب أزاى!
اجابه ببرود وهو يرفع كتفيه:
عادى يعنى يا ملوكى مالك مصدوم لية!؟

اجابه مالك دون تردد بسخرية:
أصلي كنت مفكر إن طغيان جمال بيه هيبقي مع أى حد وهيقف عند ولاده
هز جمال رأسه نافيًا وقال ببرود ثلجي قهر مالك داخليًا:
انا دايمًا بحب افوق التوقعات
سأله مالك بصوت أشبه للصراخ:
ليييية؟
اقترب منه جمال وهو يقول بتوعد خبيث:
عشان أعيد اللي حصل من تلات سنين، فاكر يا حبيب بابا!؟
جحظت عيناه وبدء قلبه يدق بخوف!
لا لا يدق بل يهدد بالوقوف الحتمى!

وقبل أن يهتف مالك كان جمال يشير لمن بالخارج امرًا:
تعالوا يلا ابدءوا!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة