قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية غزالة في صحراء الذئاب للكاتبة رحمة سيد الفصل الحادي والأربعون

رواية غزالة في صحراء الذئاب للكاتبة رحمة سيد الفصل الحادي والأربعون

رواية غزالة في صحراء الذئاب للكاتبة رحمة سيد الفصل الحادي والأربعون

ذُهلت شمس حرفيًا، ألا يستقبل إعتذراها على خطأ - فطري - وهي دائمًا ما كانت تستقبل أعتذاراته على وتيرة القبول ودون الرجوع لعقلها المتمرد حتى!
وبالطبع الدموع كانت أسرع ما زحرف لعيناها كتعبير كاسر عن مدى الحزن الذي أحتل اجزاءها...
وفجأة وجدته يلتفت بابتسامته المعشوقة التي زينت ثغره، وكان صوته الخافت كلحن مُحبب لها:
أسفك مش مقبول لإنك مكنش مفروض تعتذري أصلًا!

ظلت تنظر له ببلاهه، متعجبة من قدرته على التغيير في ثواني معدودة!
لتسأله بعدها بسذاجة طفل مندهش:
إزاي؟
رفع حاجبه الأيسر يرد مستنكرًا:
هو إية اللي ازاي، إنتِ كنتِ عايزاني أزعل ولا أية؟
هزت رأسها نافية بسرعة، وبابتسامة ناعمة قالت:
أكيد لأ، بس فكرتك هاتفضل زعلان ومش هاتصالحني
إتسعت أبتسامته وهو يقترب منها محتضنًا إياها بدفئ لطالما تحلى به حضنه العاشق!

ليهمس بعدها بجوار أذنها، بحروفًا قادرة على أذابتها خجلاً بين يديه:
أنا اصلاً مقدرش أزعل منك، ازعل منك وأبعد عنك إزاي وأنا كل ثانية ببقى هاموت عليكِ أصلاً!؟
ضربته على كتفه برفق بقبضتها الصغيرة، لتردف بها بغيظ خفيف:
والله، وأنا اللي فكرت كل اللي أنا عملته ده راح هدر!
ضحك بمرح، قبل أن يعاوده ذلك الخبث الذي لا يليق سوى بعاشق متين، والذي أصبحت تترقبه هي بأشتياق تلقائي!

ليمسك يدها وهو يلفها كعرض راق كثيرًا لعيناه المتلهفة:
بمناسبة اللي إنتِ عملاه، إية القمر ده
ثم غمز لها بطرف عينيه التي تلمع ببريق خاص بها، ليتابع:
هياكل منك حته زي ما أنا هاموت وأكلك دلوقتي
ضحكت برقة أذابته حرفيًا، ليقول بعدها بعدم تصديق مصطنع:
لا لا أنا كدة هافرفر منك أنا مش ادك يا شمسي
قهقهت وهي تمسك يده الخشنة مرددة بدلال:
طب يلا بقا عشان ناكل، الأكل زمانه هيبرد.

أقترب منه حتى أصبح ملاصقًا له، وبنبرة ذات مغزى أستطرد:
طب ما أحنا هناكل اهوو
هزت رأسها نفيًا بسرعة لمَ أستقبله عقلها:
لأ لا مش زي كل مرة هاتضحك عليا وهاسكت، المرة دي هناكل أكل بجد
جذبها له في لمح البصر يقبض على شفتاها بقبلة دامية ومتلهفة كعادته، ليبتعد بعد دقيقة تقريبًا هامسًا بأنفاسه اللاهثة:
طب يلا عشان مفيش وقت هانرجع القاهرة
ضيقت ما بين حاجبيها، ولم يُخفى عنه صوتها المتوجس وهي تسأله:
طيب وباباك؟

رفع كتفيه مجيبًا بلامبالاة خبيثة:
مايهمنيش، أختي محتاجاني ولازم أكون جمبها، وبعدين مش هايقدر يعملي حاجة خلاص
سألته بأمل تقافز من بين لؤلؤتيها اللامعتان:
ازاي اية اللي حصل؟
تنهد وهو يرد بابتسامة منتصرة:
لأن معايا ورق يوديه في ستين داهية، وهو أكيد عرف ده فمش هايقدر يعملي أي حاجة
تمتمت شمس بابتسامة هادئة ؛
الحمدلله، وناوي تعمل إية بقا يا حبيبي؟
ومجرد كلمة تنتشله من جديته لترميه بين طيات من العشق الذي يأثره!

كلمة تجعله كطيرًا وجد نصف الأخر فصار يحلق بين أفق العشق...
فاقترب منها يسحب يدها بابتسامة لعوب:
يلا طب ناكل وهانبقى نتكلم في الطريق
اومأت بابتسامة سعيدة، يكفيها الجرعة التي نالتها من السعادة والطمأنينة!
إن دامت دون طيفًا مزعجًا يتدخل!

وقفت زينة تضغط على زر هاتفها بعصبية مفرطة، عصبية كانت أساسياتها الخوف والكره معًا!
تهتف بين كل حينٍ ومين بنفاذ صبر من مستنجد به لا يقبل إستنجادتها المتوجسة:
يووه رد بقا يا مالك، مش وقته مغلق ارجوووك رد ارجوووك
ولكن بالطبع، كلها رجاء وأمنيات متعلقة في سماء الواقع المرير!
وشهقت وهي ترى تهديد والدها يتمثل أمام عيناها، الأطباء والممرضين من مستشفى الأمراض العقلية يدلفوا لمنزلهم!

وتشابك الهلع مع نسماتها التي تخرج من روحها الثائرة، فركضت نحو والدتها التي كانت تجلس - مدعية - ذلك البرود الذي تثق زينة تمام الثقة انها تفقده!
فنظرت لها والدتها، هاتفه بشيئ من الجدية الظاهرية فقط:
إية يا زينة؟ مالك عاملة كدة لية، مش هايقدروا يعملوا لي حاجة
إبتلعت ريقها بازدراء هامسة بما تتمناه فعليًا:
إن شاء الله يا ماما إن شاء الله.

وفي الدقيقة التالية كانوا امامهم وعلى رأسهم الطبيب الذي وقف بجوار شيطان الأنس - جمال - يقول بابتسامة صفراء:
مدام جمال السُناري، ممكن تيجي معانا؟
رفعت كتفيها، وبنفس القناع الكاذب ردت:
أجي معاكوا فين ولية؟!
أجابها برسمية معتادة، ولكن غير مُطاقة ابدًا لها:
جات لنا أخبار إن حضرتك تعبانة شوية، ف حضرتك هاتيجي معانا تتعالجي وبأذن الله ترجعي تاني قريب.

ورسمت ابتسامة متهكمة على ثغرها، تعلم عز المعرفة أن كلامه لم يكن لو تزينًا للجريمة الأنسانية التي سيرتكبها بأمر ذاك الشيطان!
فاحتدت لهجتها وهي تردف نافية:
أنا سليمة الحمدلله مفياش اي حاجة تستدعي إني اروح المصحة
وماطل هو في كذبته الشنيعة بقوله:
بس عرفت إن إنتِ قولتي حاجة محصلتش
هزت رأسها نافية بسرعة، وبررت بصدق أخذه هو على محمل - الجنون -:
لأ هو فعلاً كان بيتكلم ماكنش نايم زي ما بيقول.

ابتسم بسماجة قائلاً وهو يشير للممرضات:
اهو شوفتي، حضرتك تعبانة يلا تعالي معاهم
هزت رأسها صارخة:
لا طبعاً انا مش تعبانة انتوا اللي كذابين
وإزداد صراخها المستنجد وهي تراهم يقتربوا منها ليقيدوا حركتها:
لااا ابعدوا عني، ابعدوا عني أنا مش مجنونة هو اللي كذاب، زينة خليهم يبعدوا عني سيبوووووني
وبالطبع كلفت زينة نفسها بالمحاولة، ولكن ماذا تجدي أمام ذئابًا يحاولوا اماك المرة عشرة:
لا سيبوا ماما هي مش مجنونة.

ولكن، لا حياةً لمن تنادي، أمر - جمال - كان غشاءً على سمعهم وأبصارهم!
فهز جمال رأسه مرددًا بجدية خبيثة مُهللة فرحًا:
سيبيهم يا زينة، أديكِ شوفتي بنفسك أمك تعبانة ازاي ولازم تتعالج!
هزت رأسها نفيًا بسرعة:
لا يا بابا خليهم يسيبوها لو سمحت أرجوك بلاش ماما وحياتي يا بابا لو سمحت
ولكن، هل يجيب الشيطان الرجاء؟!
ومن دون تردد بالطبع لا!
رجاءها كان امر مفروغ منه فأولاها ظهرها مشيرًا لهم أن يغادروا، ثم قال:.

أمشوا أنتوا وأنا هاتصرف معاها
اومأ الطبيب ليغادروا وسط صراخ كلاهما زينة ووالدتها المسكينة!
وفي دقائق معدودة كانوا قد غادروا، وكانت الصدمة نسبةً لزينة أكثر من المحتمل، فسقطت مغشيةً عليها!

وصلت خلود أمام منزلها السابق، وهو مأواها الذي اشتاقته حد الجنون،
المنزل الذي شهد طفولتها وفرحتها وحزنها...
كان كشريطًا يسجل مراحل حياتها التي لم تنساها يومًا!
ولكن أسفًا لم يُسجل أخر وأهم مرحلة بحياتها...
لم يسجل مرحلة عشقها الوحيدة!
وخلفها كان مراد
نعم، فابالطبع لن يتركها في تلك المواجهة التي تحتاجه فيها كدرعًا قويًا لها..
اقترب منها ليهتف بجدية مناسبة:
خلود أستني نطلع مع بعض.

وبسخرية إرتسمت على وجهها تحمل معنًا واحدًا
ومن أخبرك بالموافقة على ذلك؟!
فانفضت يده كأنها وباء لترد بحدة اعتادها منها مؤخرًا:
لأ طبعًا، أنا اللي عصيت أمي لوحدي وأنا اللي هاطلع لها بردو لوحدي
هز رأسه نافيًا والأصرار يضخ من عيناه، فتابع:
لأ انتِ ماعصيتيهاش لوحدك، ماتنسيش أن انا اللي هددتك يا خلود
وبالرغم من صدق ما يعترف به إلا انها عاندت وهي تقول عاقدة ذراعيها:
لأ، هاطلع لوحدي وهواجهم لوحدي يا مراد.

هز رأسه نافيًا، وبشيئ من العصبية زمجر فيها:
أفهمي بقا إنتِ مينفعش تواجهيهم لوحدك، عشان كمان ماتعرفيش الحقيقة
تأففت وهي تصيح فيه بنفاذ صبر:
يادي أم الحقيقة اللي أنت مش عايز تنطقها
أجابها بهدوء تام تعجبته للحظة:
لإني خايف عليكِ من الصدمة يا خلود
رفعت حاجبها الأيسر بحركة مباغته، ومن ثم سألته متوجسة:
في إية يا مراد، هاتصدم من إية؟
لوى فاهه بضيق مرددًا:
يعني إنتِ شايفه إن ده المكان المناسب لسؤالك ده.

عقدت ساعديها مكملة بسخرية:
ويعني أنت شايف إن ده الوقت المناسب عشان تمنعني بأسبابك المجهولة
هز رأسه وهو يخبرها بما يشبه الرجاء الحار:
خلود لو سمحتي، يا أطلع معاكِ، يا نروح البيت أشرح لك كل حاجة الأول
أغمضت عيناها وفتحتها عدة مرات، تستعيد رباطة جأشها التي هُدمت!
فزفرت بقوة وهي تشير للأعلى قائلة بحبور:
اتفضل يا مراد اطلع معايا، انا عارفة ان انت مش هاتهدى
ضحك بخفوت هامسًا يوازي غمزه خبيثة:.

أحبك وأنت مطييييع يا عبسمييع
كادت تنفلت تلك الابتسامة التي استجابت لمرحه المحاول للتخفيف من حدة الموقف!
ولكن حزمتها وهي تصعد امامه و - مصدراله الوش الخشب - ثم أردفت:
ياريت أنت بالذات ماتجبش سيرة الحب مرة تانية
وبسخرية مؤلمة في حقها هي قبله، تابعت:
أنا مانسيتش القلم يا أستاذ
تنهد بقوة وقد أيقن من حدسه تلك الصفعة تركت اثرًا واضحًا وكبيرًا على روحها المُعذبة!
وبالفعل صعدوا بهدوء ودون كلمة اخرى...

فظهر شقيقها تامر الذي كان يقف امام المنزل يستمع لحوارهم..
صدفةً وفرصة في آنٍ واحد من القدر!
ليتنهد وهو يقول في خلده:
اممممم بقا الموضوع كدة يا مراد باشا!؟

يا متخلف يا حمااااااار، إزاي تعمل كدة يا بني ادم!؟

قالها جمال الذي كان يقف أمام ذاك الرجل وسمر التي كان الحرج والقلق جزءً لت يتجزء من ملامحها الخبيثة!
قالها بشيئً من العصبية، لا بل الغليان من شخصًا أصغر منه فانتصر عليه على غرة!
أنتصر عليه ليتركه يعاني من مرارة الخسارة..
بينما إبتلع الأخر ريقه بازداء ورد بصوت يكاد يسمع:
يا باشا آآ أنا فكرت إن اللي أنا عملته ده الصح.

وبالطبع لم يتلقى سوى صفعة لتنفيس غضبه في ذاك الأحمق الذي هدم كل مخططاته رأسًا على عقب!
فصاح فيه بصوته الاجش والعالي:
يا متخلف، بدل ما تروح جمب المتخلفة التانية سمر وأنت شايفه قاعد معاها، بتصورهم بس؟
وبصوتًا متلعثمًا رد وهو يعود للخلف:
يا باشا ما أنا آآ مكنتش عايزه يشك فيها، فسبتهم براحتهم وقولت أستفاد وأكره مراته فيه.

صفق له بيده بسخرية واضحة، سخرية لو أخرجها في صورتها الحقيقية لكانت أحرقت كلاهما هو وتلك التي تدعى سمر
ليبصق في وجهه قائلاً بخشونة:
لأ فالح يا عرة، فالح بجد
تدخلت سمر التي حاولت تخفيف الموقف غصب هي لا طاقة لها به وقالت:
جمال بيه لو سمحت تهدى شوية بس آآ
قاطعها بحركة من يده لتأخذ نصيبها من توبيخه الحاد والمُهين:.

إنتِ تخرسي خالص يا متخلفة، إزاي تسكري وإنتِ عارفة إنك جاية هنا عشان خطة معينة، ازاي يا بهاااااايم
وتقوس فمه بابتسامة ساخرة قبل أن يتابع:
لأ وياريت بتسكر بس، دي بتعترف بكل حاجة كمان
إبتلعت ريقها بازدراء هامسة:
أنا مكنتش عاملة حساب كل اللي حصل ده، أو إني حتى ممكن أتصل بمالك وأنا سكرانة
أولاها ظهره قبل أن يستطرد حانقًا:.

واهو حصل، الظاهر إنه مأثر على عقلك الباطن أوي، بس دي غلطتي إني بأمن لواحدة متخلفة وكلبة زيك
حاولت النطق بهدوء خبيث:
يا جمال بيه اسمعني بس انا فكرت إنه آآ
قاطعها بصرامة لاذعة:
إنتِ تسكتِ خالص، سمعتك من قبل وندمت
ثم إلتفت لهم مستطردًا بصوت أمر وخبيث:
من دلوقتي أنا اللي هقول وأنتم هاتنفذوا بس يا بهااايم!

انتهى كلاً من مالك و شمس من إعداد كل ما يخصهم بذاك المنزل الذي شهد أحلى واسمى المعاني للعشق والغزل الحقيقي والطاهر..
وكان مالك يغلق الباب بهدوء، فقالت شمس متنهدة:
هيييح، مش مصدقة إننا هانمشي
ابتسم وهو يبادلها النبرة المشتاقة:
ولا أنا مصدق بردو
ابتسمت متابعة بود حقيقي حمله صوتها الهادئ:
بس بجد البيت ده هايوحشني لأننا قضينا فيه اجمل ايام حياتنا، حتى لو كنا متعكننة شوية لبُعدي عن ماما.

وبالطبع يزيل طيف الحزن بخبثه العاشق، فهمس:
وهايوحشني كل الليالي الحلوة اللي عشناها فيه، يااااه
ثم عض على شفتاه السفلية وهو يغمز لها:
بس ملحووقة في بيتنا يا قمري
ابتسمت شمس بخجل وهي تضربه على صدره برفق مغمغمة بخفوت:
أنت قليل الادب، دايمًا تفكيرك منحدر كدة
قهقه بمرح، وقال:
وهو اللي معاكِ هايعرف يفكر غير في المنحدر اصلاً
وقطع مزاحهم السعيد شخصًا ملثمًا ذو عضلات مفتولة يقترب منهم ببطئ و...!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة