قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية غزالة في صحراء الذئاب للكاتبة رحمة سيد الفصل الثاني والأربعون

رواية غزالة في صحراء الذئاب للكاتبة رحمة سيد الفصل الثاني والأربعون

رواية غزالة في صحراء الذئاب للكاتبة رحمة سيد الفصل الثاني والأربعون

وعندما تُصدم أو يُهيئ لك الصدمة من تصرف مُحتمل، يتقافز الأنتصار أمامك، وتتهافت أنت له، وتعلن بكل سرور نهاية حرب لم تبدء بعد!

وبحركة مباغتة من يده التي كانت أسرع من تحرك ليبعد شمس ويجعلها خلفه، ويقف هو كسدًا منيعًا معروف وضعه في حياتها، فنظر لذاك الرجل شزرًا وسأله:
أنت مين وعايز إية؟
وبكل برود أجابه من دون تردد:
عايز الورق اللي أنت اخدته من جمال بيه
وإرتسم على فاهه ابتسامة ساخرة كان مصدرها العلم المسبق لأمر مفروغ منه، كان كلاً منهم يترقب رده فعله، لينظر للرجل مرة اخرى رافعًا حاجبه الأيسر:.

اممممم، طب وياترى عايزه ورقة ورقة ولا مرة واحدة
اجابه ببلاهه دون تردد ؛
أكيد مرة واحدة يعني
وظل يسأله:
طب وياترى عايزه ف شنطة ولا كيس بلاستيك؟
ضيق الاخر ما بين حاجبيه، وبداخله صراع حقيقي يتساءل
أهو خبث ام جنون؟!
الكلام يدفعك للخبث والواقع يدفعك للجنون بالتأكيد! وبين ذلك وذاك طرف خيط خفيف!

واثناء شروده والذي تمثل في فرصة من ذهب لن تُقدم لمالك مرة اخرى أخرج - سلاحه - الخاص ليوجهه نحو ذاك الرجل، وما لبث أن رفع الرجل انظاره حتى أصابه مالك في ذراعه فسقط سلاح الأخر، أشار مالك لشمس مسرعًا:
إركبي العربية
وبالطبع مع عدم وجود الحيز للتفكير أطاعت امره في سرعة مرتبكة ومرتعدة مما رأته..
لتترقبه وهو يقترب من الرجل الملقي ارضًا يتأوه من الألم...

وبشيئ من الشماته جلس مالك لجواره ثم بصق على وجهه وهو يسبه:
أبقى قول للي باعتك إنك مش راجل كفاية عشان تواجهني لوحدك، بس تتعوض المرة الجاية ده لو جات فرصة على جمال باشا بتاعك عشان يعيدها.

ثم نهض ليترجل سيارته مغادرًا دون الإلتفات لمن تلقى عقابه الحتمي، بل تفكيرًا فيمن سيتلقى عقابه المأساوي!
وصوت شمس كان مقصًا حادة لأفكاره المتدفقة:
مالك
نظر لها مجيبًا بتنهيدة حارة كبداية لتفسيرًا تحفظه هي عن ظهر قلب:
نعم يا شمس، هاتسألي طبعًا
اومأت مؤكدة، وسألت دون تردد عما كان يجهز هو له الٱجابة الحقيقية:
أنت جيبت المسدس ده منين؟
والأجابة كانت محفوظة بعقله قبل لسانه، فرد بكل ما للهدوء معنى:.

أنا جايبه من بدري، بخليه معايا وقت اللزوم وطلعت له تصريح
اومأت وهي تنظر له بطرف عينيها مغمغمة:
ماشي بس عايزة اسأل
اومأ بتنهيدة حارة خرجت من بين خلجات قلبه التي ضاقت بكثرة:
اسألي يا شمس
وسألت مسرعة بتوجس من خطرًا بدى مربوطًا بهم:
إية اللي هايحصل دلوقتي، أقصد بخصوص باباك يعني والرجالة اللي بيبعتهم واحد وراه التاني
وبلامبالاة متعمدة اجابها في نفس اللحظة:.

سبق وقولتلك يا شمس إني مش فارق معايا، وهو مهما حصل مش هايوصل للورق
ثم صمت برهه، لينطق عقله بما يشك أنه ليس ببعيد عن شيطانًا لا يهمه سوى المال:
حتى لو قتلني يا شمس
صرخت واضعة يدها على فاهها الذي رغبت في تمزيقه بنفس اللحظة:
بس يا مالك بعيد الشر، ماتخطرفش وخلاص أنت متعرفش أنا بضايق اد اية من سيرة الموت
اومأ وهو يمسك يدها مقبلاً باطنها بحنان أعتادته منه، لينظر فيها عيناها هامسًا بحرارة:.

للأسف مفيش غيره هيفرقنا يا شمسي
ووجدت نفسها تلقائيًا تقترب في ثواني لتكتم حروفه بشفتاها..
ثم همست بعدها وهي تتنفس بشكل مضطرب:
بس أسكت خالص
ولم يكن ليتركها هكذا، فأوقف السيارة، ليجذبها من يدها بقوة فيجلسها فوق قدماه، ثم ومن دون مقدمات إلتهم شفتاها، يتذوق شهدهما دون ملل، بل يزيد أشتياقه لها بكل مرة..
حاولت الأبتعاد ولكنه يقبض على شفتاها يأكلها بجوع ونهم..

ويداه تعرف طريقها لجسدها الذي اصبح يتوق للمساته، وتنفسها يزيد اضطرابًا من لمساته الناعمة لجسدها...
فابتلعت ريقها وهي تدفعه لتتنفس بصعوبة، فسمعت صوته اللاهث يقول:
أنا مش عارف إنتِ بتعملي فيا إية، لا راعينا شارع ولا نيلة
ثم جذبها له دون فرصة للرد يقبل كل إنش في وجهها، مرورًا برقبتها التي أزاح عنها حجابها، وبداية قميصها الخفيف، شهقت وهي تشعر بيداه تتسلل لأزرارها، فابتعدت على الفور مرددة بصوت خافت:.

أنت مجنون يا مالك احنا في العربية
هز رأسه نافيًا وهو يلصقها به مرة الاخرى:
الأزاز أسود من برة، يعني احنا نشوفهم لكن هما لا
هزت رأسها مسرعة وهي تبتعد عنه:
لا طبعاً مينفعش
وقبلة اخرى يلتهم فيها شفتاها التي كادت تصبح منتفخة قبل أن يتابع:
مش قادر، ربنا يصبرني الكام يوم الجايين اللي هنقعدهم مع امي واختي
ضحكت برقة لتتلمس لحيته هامسة:
معلش يا حبيبي
غمز لها بطرف عيناه مغمغمًا:.

عايز الرقة دي في البيت مش هنا يا مدام عشان ماتهورش
وتشابكت اصابعهم بابتسامة ناعمة وسعيدة لم تزول، وباتحادهم معًا لن تزول بمشيئة الله!
*.

أستيقظت زينة من غفوتها القصيرة التي هربت داخلها من عالمًا فيه العذاب كظلها!
لا يتركها، وإن تركها في إنتقام، عاد لها على هيئة صراعات عائلية...
صراعات يتحكم بها الشيطان، ملكًا للعذاب النفسي البشري!
ظلت تبكي بهيستيريا وهي تتذكر والدتها التي يعلم الله وحده كيف حالها الان؟!
كيف جعلها زوجها تُعاني بلا تردد!
كيف توغل الألم مسامها ليسحقها في رحلة قد لا تنتهي من العذاب...!

دلفت الخادمة بهدوء لا يليق بكم الاضطراب الذي تمر هي به تسألها:
إنتِ كويسة يا أنسة زينة؟
هزت رأسها نافية بهيستريا:
لااا مش كويسة ومش هابقى كويسة من غير ماما، هاتولي أمي انا عايزاها
حاولت الاخرى تهدئتها برقة:
يا هانم المدام بتتعالج بس وهاترجع
صرخت فيها بصوتًا عاليًا مبحوح:
أخرررسي، أمي مش مجنونة، ابعدي عني يا حيوانة
تأففت الاخرى وهي تغمغم بضيق:
يووه، شكلها اتجننت زي امها وهاتقرفنا بقا.

بينما نهضت زينة لتبدء بتحطيم كل ما يقابلها، تلقيه بجنون يوازي صراخها..
ولمَ التعجب، لقد كادت تُحرم من أهم شريان بحياتها البائسة!
حتى سمعت هاتفها يرن فركضت نحوه مسرعة ظنًا انه مالك، واجابت دون ان ترى اسم المتصل:
الووو مالك انت فين؟
ولكن اتاها صوتًا اخر متهالك ومبحوح رجولي يجيب:
أنا مش مالك يا زينة..
سألته بنفاذ صبر وكادت تغلق:
امال ميييين؟
اجابها بنفس هدوءه المتعب والذي اتضح من همساته التي خرجت بصعوبة:.

أنا يحيى، فكراني؟
اومأت بالرغم من انه لا يراها، ثم قالت:
خير نعم، أنت دايمًا بتتصل في اوقات مش مناسبة خالص
وانتبهت لتوها لتلك الخادمة اللعينة التي كانت تتلصص عليها فصرخت فيها بحدة:
غوري اطلعي برة
واستجابت الاخرى خشيةً من تهورها..
فيما سمعت هي صوت يحيى الهاتف:
معلش ماشمتش على ضهر ايدي عشان اعرف مناسب ولا مش مناسب
وسألته برغبة في إنهاء ذاك الحوار الذي لم يروق لها اطلاقًا:
اممممم طب خير يا يحيى اتصلت لية؟

اجابها دون تردد:
عايز اتكلم معاكِ يا زينة، عايز اشوفك
سألته بلهجة عدائية:
لية ان شاء الله؟ وانا كنت اعرفك غير طراطيش كلام كدة مرة ولا مرتين؟!؟
وتنهيدته الحارة اخترقت اذنها ليكمل:
لأ، بس في كذة حاجة حاسس اني مخنوق بيها، ممكن اشوفك ولو لأخر مرة؟
ولم تدري لمَ وجدت نفسها تجيب بحسم:
ماشي هاشوفك فين؟
واجابته كانت دون تردد ايضًا:
عند كافتيريا، اللي عند مستشفى، هستناكِ
اومأت مغمغمة:
ماشي مسافة الطريق، سلام.

مع السلامة.

اغلقت لتنهض مهندمة نفسها ثم اخذت حقيبتها وغادرت بتوتر...!

كان الصمت يخيم على جميع من يقفوا، مراد الذي كان مثل خلود تمامًا يترقب معالم وجه والدة زوجته، التي كانت كالوحة بيضاء يصعب فهم خطوطها!
نظرت لها خلود بكل ما يحمل الرجاء من معنى، لتهمس بعدها:
مااااما
وكأي رد فعل طبيعي بعد كل ما حدث، صرخت فيها بحدة أفزعتها:
أوعي، أوعي اسمعك بتقولي ماما دي تاني ابدًا، ابدًا!
وبالطبع كانت الدموع اسرع ما تركض لساحة عيناها التي تمرغ الندم فيها، فتابعت همسها المتألم:.

إنتِ امي، مهما عملت ومهما حصل إنتِ امي وهاتفضلي امي
تقوس فاهها بابتسامة ساخرة، قبل أن تردف حانقة:
وإنتِ معرفتيش إني امك لما كنت اجيلك وجوزك يهددني وإنتِ ترفضي، معرفتيش إني امك لما بقالي تقريبًا 3 شهور هاموت على بنتي ومش عارفة اوصلها، معرفتيش ان انا امك وانا كل يوم هاتقطع من الالم والامل بقول كل يوم هاتيجي، اكيد هاتيجي
ثم هزت رأسها نفيًا بدموع اتصلت ألمًا بدموع ابنتها مرددة:.

لا اتأخرتِ اوووي يا خلود، اوي
حاولت الأقتراب منها قليلاً، ولكن والدتها ابتعدت للخلف، باتت المسافة من زاوية رؤياها بعيدة جدًا، جدًا!
فقالت خلود:
بس أنا جيت اهوو يا أمي لما قدرت
وبصوتًا جامد يخلو من مشاعر الأمومة او الحنو الذي كان دائمًا يتعازف على نبرة صوتها ردت ؛
جيتِ متأخر اوي، جيتِ بعد ما اعتبرتك موتي، بعد ما اقتنعنت إن بنتي مش هاترجعلي تاني خلاص
هزت رأسها نافية، وبصوت باكِ إستطردت:.

بس أنا لسة عايشة يا امي
صرخت فيها بنفاذ صبر:
بس بالنسبالي موتي خلاص
هنا تدخل مراد الذي كان يفسح المجال لخلود التي تبكي، علها تسلب شحنات والدتها السالبة!
ولكن بالطبع فشلت، فحان دوره، الأساسي والمهم...
حان دور القاضي الذي حكم على تلك الأسرة مسبقًا بالفراق الاضطراري!
فنظر لوالدتها مغمغمًا بشيئ من الأسف الحار:
أنا عارف إن حضرتك مفروض ماترضيش بأي اعتذار، لكن احنا عشمانين في رضاكِ وعفوك
هزت رأسها نافية بجمود:.

ده كان زمان بس دلوقتي مستحيل
كان صوت خلود يمزق فيه، مع صدى قوي يخبره
ومن كان السبب غيرك أنت؟
بالطبع لا يجد سواه الذي سقط اسيرًا تحت انتقام شقيقها الغبي!
وترجتها خلود مرة اخرى:
امي ابوس ايدك سامحيني، أنا كان غصب عني، كنت مُهددة زيي زيك بالظبط والله يمكن اكتر
هزت رأسها صارخة بوجهها كأعصار هي من فجرته:
ماتقنعنيش انك مقدرتيش تهربي، إنتِ حبتيه، عشان كدة تهاونتي في حق امك بس مقدرتيش تتهاوني في حقه.

والبكاء الحاد من خلود كان خير دليل على صحة كلامها المؤسف!
أشارت نحو الباب مرددة بخشونة:
بررررة، اطلعوا برة بيتي يلاااااااااا
وسقطت خلود امام قدماها تتمسك بها وهي ترجوها من وسط شلالات دموعها:
والنبي يا امي سامحيني، انا اسفة ابوس رجلك سامحيني ارجوووكي
هزت رأسها نافيًا، وكأن ذاك الجمود، وذاك الأبتعاد القهري لم يترك ذرة من الرحمة إلا وانتشلها من قلبها!
تدخل مراد مرة اخرى وهو يمسك خلود مردفًا بحزن:.

طنط انا عمري ما هسامح نفسي لإني كنت سبب غير رئيسي للي بيحصل ده، أرجوكِ حاولي تهدي وتفهمينا
رفعت كتفيها قائلة بلامبالاة حقيقية:
مايهمنيش تسامح نفسك ولا لا، اللي اعرفه إن انا عمري ما هسامحكوا
...
وعم الصمت الكاسر مرة اخرى يوازي نحيب خلود الذي لم يهدئ ابدًا!
ليقطع الصمت تلك المرة صوت تامر شقيقها اللعين الذي قال:
لازم تسمعي الحقيقة يا امي الاول قبل ما يمشوا!

خلاص انا فكرت، متحاولش.

قالها احدى الرجال، والذي كان يرتدي ملابس مهندمة، زي كامل وفاخم يليق برجل اعمال ثري مثله، عفواً، لنقُل تاجر مخدرات وأسلحة واعضاء، إلخ!
والغضب من كان يتشبع خلاياه من انتظار طال عن حده بالفعل..
وظل يتنفس بصعوبة قبل أن يتابع بصوت حاد:
أنا تعبت من الانتظار، مش هافضل منتظر كل يوم هل هيجوا يقبضوا عليا وبا لا؟!
رد عليه الاخر بهدوء:
يا باشا انا بقول نستنى تاني بما ان كدة كدة هما مايعرفوش حاجة عن الفلاشة.

هز رأسه نافيًا بسرعة:
لأ، انا مش هاستنى لما البت والواد يختفوا تاني او يمثلوا انهم مختفين
تنهد الاخر متساءلاً:
هاتعمل اية يا باشا، واصلاً الكبير هايطق من الواد، بيقول التهديدات كترت على حياته
اومأ متابعًا بجمود:
تمام انا بقى هجمعهم كلهم، اهو اكسب فيهم ثواب
سأله بفضول:
ازاي يعني يا باشا
اجابه بابتسامة شيطانية خبيثة:
هاخطفهم كلهم مرة واحدة!

وصل مالك وشمس بعدها إلى منزل مالك، كان مالك يستعد لأقوى واكبر مواجهة بحياته، مواجهة الأبيه الفاسد!
أبيه!
وهل هو ابيه بالفعل؟!
إن نظر للأفعال بالطبع لا، وإن نظر للدماء تضخ بنعم للأسف!
ولكنه لن يعترف من الان وصاعدًا بتلك الكلمة التي تجعل الدماء تغلي بعروقه!
شعر بشمس التي تتشبث بيَده بقوة وكأنها تستمد الامان..
فضغط بيده قليلاً قبل أن يهمس لها:
متخافيش طول ما أنا معاكِ!
اومأت بابتسامة مضطربة:.

ماشي يا حبيبي
ودلفوا بهدوء والخدم يحييهم، واخذ مالك نفسًا طويلاً وعميقًا استعدادًا، وبالفعل في الدقيقة التالية كان جمال يقف امامهم بهيئته المكروهه!
فرسم ابتسامة خبيثة على ثغره المجعد وهو يقول:
اهلاً اهلاً بأبني البطل اللي بيعادي ابوه
وازاه مالك في السماجة وهو يرد:
اهلاً بالشخص اللي مش عارف يمثل دور الأب
سأله بحدة تجلت في نبرته هذه المرة:
فين الورق يا مالك؟
وهذه المرة من ابتسم مالك الذي هتف بخبث:.

وبما إن اللعب بقا علمكشووف، مفيش ورق يا جمال بيه
وقبل أن يصرخ جمال تابع مالك مشيرًا بأصبعه:
حابب أقولك تحذير صغير، أنا لو شعرايه صغننة وقعت من شعري هاتكون انت مرمي في السجن في اللحظة اللي بعدها علطوول
كز جمال على أسنانه بغيظ حقيقي:
والله، هو كدة يعني متأكد
اومأ مالك دون تردد...
فنقل جمال لنظره لشمس المتوجسة، وكاد يهتف بشيئ، إلا انه وقعت عيناه على السلسلة المعلقة برقبتها فشهق بصوت مكتوم هامسًا:.

مش معقوول ازااااي؟! يا محاسن الصدف!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة