قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية غزالة في صحراء الذئاب للكاتبة رحمة سيد الفصل الثلاثون

رواية غزالة في صحراء الذئاب للكاتبة رحمة سيد الفصل الثلاثون

رواية غزالة في صحراء الذئاب للكاتبة رحمة سيد الفصل الثلاثون

واعتذاره كان خفيفًا نسبةً لميزان أفعاله المهينة!
ولكن وكأن احتضانه الحنون أستطاع سلب تلك الشحنان السالبة والغاضبة منها كنسمات الهواء فابتعدت بعد قليل وهي ترمقه بنظرات ذات مغزى قبل أن تسأله:
أسف على إية، هو أنت عملت حاجة؟
ضيق عينيه وقد أدرك بسهولة تلك المراوغة، ولكن الأمر في حد ذاته يهلل أساريره، فغزالته الشرسة تشاكسه بل ويستطع التأثير على ثورتها فيخمدها بسلطان حنانه!

واقترب منها يداعب أنفها الصغيرة بأنفه ليرد مشاكسًا:
لو إنتِ سمعتِ حاجة يبقى قولت، لو مسمعتيش يبقى مقولتش يا حبيبتي
وظلت تنظر له بذهول من كلمة تلقائية نبعت من قلبه المتحكم، ولكنها تركت اثرًا واضحًا على قلبها المتلهف!
فسألته ببلاهه:
أنت قولت أية؟
أعاد نفس اجابته وهو يضحك:
هرد عليكِ نفس الرد، لو سمعتيني وأنا بقول يبقى فعلاً، لو مسمعتنيش خلاص
أبتسمت ابتسامة صغيرة على مداعبته التي أصبحت تُسكر روحها!

فحاولت أن تدفعه وهي تقول بنبرة ينسدل منها اللوم:
روح لصاحبك اللي كنت قاعد معاه كل ده وسايبني عادي
ضحك قبل أن يرد بخفوت غامزًا لها بطرف عيناه:
معلش بقا، كنت بحاول أثبت لنفسي حاجة بس مانفعش
عقدت ما بين حاجبيها وهي تسأله:
حاجة إية؟
أقترب منها ببطئ حتى كانت أنفاسه كطلقات هائمة تُصيبها فتربكها حد الجنون!
وقيد خصرها بذراعيه وشفتاه امام شفتاها تمامًا، ليقول بعبث:
تعالي هقولك جوة حاجة أية
هزت رأسها نافية بسرعة:.

لا لا، خلاص مش عاوزة أعرف، أنت مابتعرفش تمر ساعتين غير لما تقول كدة
سألها بخبث دفين:
كدة إية؟
ابتسمت قبل أن تنهض بأحراج مرددة:
خلاص خلاص بس
قهقه مالك على خجلها الذي اصبح طبقة لا تُفرق منها..
عقدت ذراعيها، ونطقت بما ليس لها طاقة به:
بس أنا مصممة على قراري، طلقني، أنت عندك شيزوفرينيا وأنا مش حملك
كز على أسنانه بغيظ قبل أن يقول:
لأ، طلاق مابطلقش.

وبالرغم من طفيف سعادة طافت روحها، تتشبعها بجدارة بفضل شعورًا ملئ غريزتها الأنثوية بتمسكه بها!
ضيقت عيناها وهي تستطرد:
خلاص، ههرب وهرفع قضية خلع
جحظت عيناه، وهو يتساءل بهلع، هل نفذ خزان الصبر والتحمل لديها فأنتج أفواجًا محملة بالعصيان والتمرد!؟
فهمس بجزع:
لأ، مش هاتعمليها، لإني متأكد أنك عايزاني زي ما أنا عاوزك بالظبط
وأبتلعت ريقها من صراحته التي كانت كالسهم تخترقها لتصل لمقرها بجدارة!

لتسأله بشجاعة مزيفة:
وأنت مين قالك، بتخمن حضرتك؟
هز رأسه نافيًا، وشفتاه التي قبضت على شفتاها بجوع مشتاق كانت خير دليل على أنجذابها بل وعشقها - الخفي - نحوه!
لتدفعه بخجل وحرج مرددة ؛
بطل الحركات دي بقا
غمز لها بطرف عيناه ثم قال بعبث:
لأ انا بعرفك انا بخمن ولا لا
ومد يَده لها وهو يردف ببعضًا من الحدية الحانية:
تعالي معايا
فمدت يدها هي تمسك يده بعفوية وهي تهتف كطفلة صغيرة:
فييين؟
أبتسم بهدوء ليرد:.

يلا يا شمسي وهاتشوفي
ثم سحب يدها متجهين نحو الخارج، بسعادة ظنوا أنها لن تفارقهم، سعادة كانت كالحُلم هناك من يرغب في أقلابه لكابوس يفزعوا من مجرد مروءه على ذاكرتهم!

وعندما تحاول التسلل لخلايا شخصًا ما، وهي بالأساس تمتلئ بالكره الحقيقي نحوك، فتكون النتيجة الحتمية، الفشل!
وقفت زينة عاقدة ذراعيها، والتصميم ينضح من بين جحور عيناها، لتنظر لزياد الذي يقف امام، بتصميم قد يكون أقل، لتصيح فيه بغضب خفيف:
أنا هامشي يعني هامشي يا زياد محدش هيمنعني
هز رأسه نافيًا ورد:
لا أنا همنعك
كزت على أسنانها كاملة حتى كادت تنكسر وهي تقول:
أنت عايز مني إية، ما تسيبني أغور.

نظر في عيناها تمامًا، يُسلط أشعته - المعجبة والقوية - عليها ليستطرد:
مش هاجي جمبك صدقيني بس خليكِ شوية، كل اللي طالبه إنك تقعدي شوية معايا، ده كتير عليا؟
اومأت مجيبة ببرود أثلج صدره:
اه كتير، كتير لأن أنت مش متخيل أنا بكرهك ازاي
اومأ زياد بضيق تعمق نبرته:
عارف يا زينة
وعندما أيقن أن تصميمه على القرب لن يجدي أمام أطنان تصميها على البعد، فافتح لها الطريق وهو يردف بخفوت:
أمشي يا زينة.

ومن دون تردد اتجهت نحو الباب وكأنها استطاعت الفرار من براثن الذئاب!
سارت هائمة وشاردة، مفكرة في فتح ذاك الموضوع الذي سيكون كفتح سلاسل الجحيم عليها!
وفجأة وجدت امامها يحيى، بابتسامته السمجة يحدق بها بنظرات ذات مغزى، فهمست ببلاهه:
إية؟
غمز لها بطرف عيناه وهو يبادلها الهمس:
إية، عاملة إية؟
ومن دون تعبير واضح أجابت:
كويسة، خير هو أنت هتنط لي كل شوية كدة؟
رفع كتفيه وقال ببرود:
دي صدفة.

رفعت حاجبها الأيسر وهي تتيقن من تلك الصدفة - المقصودة - من ذاك الخبيث وتابعت بهدوء حاد:
طب يلا عن اذنك بقا أنا مش فاضية
وقد بدء يداهمها الألم فأمسكت برأسها وهي تسير مسرعة، فوجدته يمسك يدها مردفًا بخفوت:
طب لو سمحتِ تعالي نقعد في أي كافية عايز أتكلم معاكِ في حاجة
هزت رأسها نافية:
لأ
ثم سارت مسرعة لتجده يقف امامها ليعترض طريقها وهو يستمر برجاء حار:
لو سمحتِ، نص ساعة وأمشي، نص ساعة بس ده الكافيه قريب.

ولا طاقة لها الان برجاء قد يقحمها في مواقف لا ترغبها، وفي آن واحد لا طاقة لها بالرفض المستمر هكذا!
فأومأت بجدية:
ماشي، ربع ساعة وهقوم
اومأ مسرعًا وهو يمسك يدها:
طب كويس اوووي
واتجهوا لذلك - الكافية - بهدوء تام، الألم يأكل في رأسها كالصدئ في الحديد
لم تعرف من أين أتت لها تلك القدرة التي اخترقتها لتحتمل ولو قليلاً قبل أن تبدء بالصراخ...
أمسكها يحيى بهلع وهو يسألها:
مالك يا زينة؟
اجابته وهي تكاد تبكِ:.

دماغي وجعاني اوي
أمسك بيدها ليقفوا في احدى الجوانب الفارغة من السكان، ليسألها مستفسرًا:
صداع يعني فجأة!؟
بدء صراخها يعلو شيئ فشيئ، صراخ نبع من روحًا اُرهقت من كثرة الاحتمال في الألم..
وفجأة سقطت مغشية عليها بين يديه من كثرة الالم الذي عصف برأسها!
ليحملها هو مسرعًا وهو يوقف احدى سيارات الاجرة، يحمل بزجاحة الماء من الرجل ليقطر على وجهها، ولكن دون جدوى!

واتجه بها لأقرب مستشفى، وهو قلق من اذى قد يصيبها وهي معه هو!
فينكشف كل شيئ بالتاكيد!
وكلاً حدث بسرعة، لحظات لم يدري ماذا يفعل بها تحديدًا
ولكنه وكأنه عاد لوعيه والطبيب يقف امامه ليسأله هو مسرعًا:
مالها يا دكتور؟
اجابه بجدية:
حتى الان انا شاكك في حاجة، هتأكد منك وهاقولك
سأله مستفسرًا بهدوء:
شاكك في إية يا دكتور؟!
واجابه بجدية مناسبة بما وقع عليها كحجرًا صلب كاد يفقده الوعي:.

أنا شاكك أنها مدمنة مخدرات، والألم ده بسبب كدة!

عاد مراد إلى المنزل بعدما - تقريبًا - فرغ شحنات غضبه امام النيل، ليجد خلود قد تلبسها ذاك الغضب بلا منازع وهي ترتدي ملابسها وتجلس في الصالون وبالتأكيد تنتظره..
تنهد وهو يسألها:
مالك يا خلود قاعدة كدة لية؟
نظرت له نظرة قاتلة وهي تسأله بجدية زائدة:
اتأخرت كدة لية يا مراد؟
عقد حاجبيه وهو يرد بهدوء طبيعي:
كنت بشم هواء بس، إنتِ اللي فيه أية؟
نهضت ممسكة بهاتفه في يدها، لتشير له وهي تسأله بخشونة:.

تعرف أخويا تامر منين يا مراد؟
وقد حدث ما توقعه!
وقعت امام شباكه التي يحاول رصدها لحمايتها فهُيئت لها أنها عليها وليست لها؟!
رفع كتفيه ليرد ببرود أتقنه إلى حدًا ما:
أنا معرفش أخوكِ، مشوفتش غير مامتك لما جات هنا
ضغطت على الهاتف وهي تصيح فيه ببعض الحدة:
أمال أزاي بيتصل بيك لما أنت متعرفهوش
استدار يجلس على الأريكة عله يتجنب تأثير نظراتها ليهتف:
يمكن غلطة، هو إية مفيش حاجة اسمها صدفة؟

وقد قرر نقل سهام اللوم لها قليلاً، فنظر لملابسها قبل ان يسألها بفتور:
وإنتِ لابسة ورايحة فين؟
اجابته دون تردد:
رايحة لأهلي
نهض وهو يشير لها قائلاً بغضب:
احنا اتكلمنا في الموضوع ده أظن، فياريت ماتفتحيهوش تاني
هزت رأسها نافية وهي تزمجر فيه:
لا هروح وهفتحه، أنت مش من حقك تمنعني من أهلي
كز على أسنانه بغيظ قبل أن يقول:
لا من حقي، وماتنسيش إنك رفضتي ترجعي مع مامتك لما جاتلك يعني مش هتتقبلك بسهولة
ثم صرخ فيها:.

مسألتيش نفسك هي عرفت مكانك منين اصلاً؟ مستغربتيش أنها وصلت لك بعد ما كانت مش عارفة اثر ليكِ
ونظرت له والصدمة كانت المسيطرة الوحيدة!
هي فعليًا لم تنتبه لتلك النقطة!
من زواية إنهيارها وعصبيتها من موقفها امام والدتها وجدت التفكير في تلك النقطة بعيد، جدًا!
كيف لم تلحظ والتدقيق دومًا كان مصاحبها؟!
وسألته بسذاجة فطنة:
أزاي عرفت؟
غرز يده بخصلات شعره بغيظ ليرد بغموض:.

معرفش، لما يحين الوقت المناسب إنك تعرفي هتعرفي أكيد
هزت رأسها نافية بأصرار:
لا عايزة اعرف دلوقتِ، وإلا قسمًا بالله هنزل وهعرف من ماما ومحدش هيمنعني
وقال بغضب:
ماتحلفيش عليا، وحلفان على حلفانك يا خلود مافيش نزول
واعترضت وهي تتجه للباب بعند معروف عنها:
لا هروح يا مراد
لتجده فجأة سحبها من يدها بقوة كادت تسقطها، ليزجها في غرفتها القديمة بقوة حتى سقطت على الأرض متأوهه وهي تقول بصوت أشبه للبكاء:
أنت مجنون.

ولكنه لم يبالي وهو يخرج ليغلق الباب خلفه بمفتاح الغرفة غير عابئًا بصراخها المستمر!

كان حمدي يتلفت يمينًا ويسارًا ونواره تسير خلفه على أطراف اصابعها خشيةً أن يشعر بهما شخصًا فتنجرف في تيار الدمار بالتأكيد!
حتى خرجوا بسلام فأشار لها حمدي مسرعًا وهو يهتف:
يلا، الفلوس معاكِ، أطلعي وأركبي اي مواصلة
ثم اخرج من جيبه ورقةً ما ليعطيها لها وهو يتابع بجدية متلهفة وقلقة:
اول ما تبعدي شوية اقفي في اي حته واتصلي بالراجل ده
سألته بسرعة وهي عاقدة حاجبيها:
ده مين ده يا حمدي؟

رد وهو ينظر خلفه بسرعة:
ده ظابط، اتصلي بيه وعرفيه إنك تبعي، وهو هيدبرلك مكان تقعدي فيه لحد الوقت المناسب وانا اجيلك
وكاد صوتها يعلو وهو تهمس بصدمة:
أنت كنت شغال مع البوليس يا حمدي
وضع يده على فاهها وهو يهمس بغيظ:
الله يخربيتك هتوديني في داهية مش وقت صدمة دلوقتِ لو عايزة تهربي
اومأت مسرعة وهي تسأله متوجسة:
أنت واثق في الراجل ده
اومأ مؤكدًا:
اكتر من نفسي، ألحقي امشي قبل ما يحسوا بغيابك.

اومأت وهي تنظر له بحزن:
هتجيلي يا حمدي مش هتسيبني أنا مليش غيرك
اومَأ بابتسامة مشتاقة وهو يتلمس وجنتها بحنان:
أكيد، خلي بالك من نفسك
اومأت وقد تلقلقت الدموع في عيناها، وفجأة وجدته يحتضنها وهو يتأوه بخفوت وحزن قبل أن يهمس بجوار اذنها:
عايزك تسامحيني على أي غلطة غلطتها في حقك
اومأت بصدمة وحزن معًا ليبتعد عنها وهو يشير لها:
يلا امشي.

وسارت مسرعة دون تردد وقد اعطاها القدر اخيرًا الفرصة للفرار من ذاك المستنقع القذر..
ليهمس حمدي لنفسه بود ملتاع:
هتوحشيني أوي!

وكانت الشمس تكاد تغيب بالكامل، وقف كلاً من شمس و مالك امام البحر في ذاك الوقت، لتشهق شمس من روعة المنظر، ذاك المنظر الذي كان كأنه كالسحر يجذبك له دون إرادتك!
وبالطبع لم تزول الابتسامة من وجهها وهم يجلسا سويًا على الرمال والسعادة تتشابك بين قلب كلاً منهما!
ونظر لها مالك وهو يسألها بخفوت حنون:
مبسوطة؟
نظرت للشمس وعيناها الرمادية تلمع ببريق لطالما عشقه، لترد دون تردد:
جدًا جدًا جدًا.

وإتسعت ابتسامته على تلك الطفلة التي يسعدها مجرد مظهر جذاب، ليسمع صوتها تقول بود:
بحب منظر الغروب ده أوي، وخصوصًا لو كدة على البحر، بيبقى جميل أوي
وهمس هو بخبث:
يا بخته
نظرت له قبل أن تسأله ببلاهه:
هو إية ده؟
اجابها ببراءة مصطنعة:
المنظر
ثم غمز لها بطرف عيناه متابعًا بعبث:
أصلك بتحبيه، أوي!
وخجلت قليلاً، وهي تنظر في عيناه بنظرة لن ينساها طوال حياته!
نظرت عُلقت بين حبال شوقه المتين لها وقالت ببراءة حقيقية:.

على فكرة أنت مش قاسي زي ما كنت مفكرة
أبتسم قليلاً وهو يسألها:
وعرفتي أزاي بقا؟
اجابته بعفوية أحبها:
أنت الأول كنت بتعاملني وحش لأنك متغاظ مني، لكن حتى الان معرفش لية
وغامت سحابة حزن وهو يتذكر، ليبعدها مسرعًا بامطار عبثه:
طب كويس إني نولت الرضا يا قمر
وترددت قبل أن تسأله بحبور:
ممكن أسألك سؤال
اومأ مؤكدًا:
اكيد اتفضلي
وسألته:.

هو انت لية ولا مرة شوفتك بتكلم مامتك او باباك؟ او حتى بتتكلم عنهم، انت تقريبًا مابتتعاملش مع حد غير صاحبك مروان ده
تنهد قبل أن يجيب بنبرة صعب عليها فهمها:
أحنا عيلة مفككة يا شمس، كل واحد عايش لوحده مابيربطناش غير الأسم، مروان ده صاحبي الوحيد والاقرب ليا
ثم همس وهو يقترب منها:
بس نسيتي حد كمان بتعامل معاه كتيير
سألته ببلاهه لم تزول:
مين ده!
اقترب اكثر حتى تلاحمت انفاسهم ليهمس بعشق تدفق من نبرته:.

إنتِ يا شمس
وإبتلعت ريقها وهي تنظر له بتوتر، لتسمعه يتابع وعيناه كانت تموج عشقًا كالأمواج المتلاطمة امامهم، يمسك يدها ليهمس بصوت خافت:
إنتِ قلبي، إنتِ نوري، وإنتِ شمسي في عز ضلمتي
ونظراتها كانت مصحوبة بالصدمة من عشقًا مسته فقط فانفجر شلالات تغدقها، لتهمس:
بجد، قصدك آآ
قاطعها بعبث عاشق:
قصدي إني بعشقك يا غزالتي!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة