قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية غزالة في صحراء الذئاب للكاتبة رحمة سيد الفصل الثاني والثلاثون

رواية غزالة في صحراء الذئاب للكاتبة رحمة سيد الفصل الثاني والثلاثون

رواية غزالة في صحراء الذئاب للكاتبة رحمة سيد الفصل الثاني والثلاثون

تقريبًا لم تعد تشعر بما حولها، وكأن الزمن توقف عند تلك الصدمة التي وكأنها فعليًا خدرت كل حواسها!
جعلت قدماها تتصلب في الأرض رافضة الحراك لنقطة اخرى بعدما طرق عليها!
وتلقائيًا عيناها امتلأت بالدموع القهرية، ولكن لأول مرة تكتفي بهذا القدر من الإهانات...
نقطة ومن بداية السطر، لن تخط حرفًا واحدًا من الضعف مرة اخرى!
ستقاوم بكل ذرة، وإن كانت تلك مقاومة عشق!

مسحت تلك الدموع التي باتت تكرهها وهي تهمس بأصرار:
بس كفاية يا شمس، أنا من النهاردة مش هنزل دمعة واحدة عليه، وهعرفه إن الله حق، وإن فعلاً إن كيدهن عظيم!
وعادت من حيث أتت، لتمر دقيقة تقريبًا وتجده امامها، ولكن زالت ابتسامته، جلست هي امام التلفاز دون اي كلمة، ليجلس جوارها وهو يسألها بهدوء جاد:
في إية مالك؟
رفعت كتفيها وهي ترد بلامبالاة:
مالي يعني منا أدامك اهوو
رفع حاجبه الأيسر يتابع متساءلاً:.

مكشرة كدة ومش زي ما كنتِ
هزت رأسها نافية لتمط شفتاها وهي تجيب بجمود حقيقي أحتلها:
معلش بقا مفيش حاجة بتفضل على حالها
تغاضى عن تلميحاتها والتي يعلم سببها جيدًا، فمد يده يتحسس وجنتاها التي إزدادت سخونة حادة من لمسته، قبل أن يردف بعبث:
هاا كنا بنقول إية بقا؟
زالت يده عنها بعنف وكأنه وباء تخشى الأصابة به، لتقول بجدية خشنة دون أن تنظر له:
ابعد ايدك، وأنسى أنك تقرب لي
ودون تعبير واضح سألها:
مالك يا شمس في إية؟

هزت رأسها نافية:
قولتلك مفيش حاجة، أنت شايفني بشد في شعري ولا إية
تقوس فمه بابتسامة ساخرة وأجاب:
لا لسمح الله مين اللي قال كدة
نهضت وهي تخلع حجابها الصغير، لتشير له مرددة بلامبالاة حقيقية:
عن اذنك بقا انا عايزة انام بلا كلام فاضي
واتجهت للغرفة الداخلية، وبالفعل هي لم تكن متفرغة لسؤالاً كهذا، هي مشحونة حرفيًا بغضب وحزن لا يعدوا داخلها!

وشعرت به فجأة يجذبها من ذراعها ومن دون تردد او فرصة للأستيعاب انقض على شفتاها بقبلة مميتة، قبلة لم تكن عنيفة ولم تكن رقيقة بالدرجة المطلوبة
كانت كأنها وسيلة لشيئً ما!
دفعته عنها بقوة عندما استطاعت، لتصيح فيه بحدة:
أبعد عني بقاا أنت إية!؟
نظر للؤلؤتيها اللامعتان ببريق يعلمه جيدًا، ليجيب بأنفاس لاهثة:
بحبك
ومن دون تردد، ردد لسانها بما آله حالها فصاحت:
وأنا مابحبكش، مابحبكش وعمري ما هحب واحد زيك.

وعندما وجدته كما هو بلا تعبير يتضح على محياه وكأنه لغز يتعمد الصعاب عليها، فأكملت صارخة بصوت عالي:
انا بكرهك، بكرهك اكتر من اي حد في الدنيا دي كلها، ساامع انا بكرررهك، بكرهك وعمري ما هكن لك غير الكره بس
ظل يحدق بها لثواني...
صدى كلماتها يمدد الحزن والألم داخله كدوائر تزداد في الأتساع والتوغل داخله!
ليستدير ويذهب خارج المنزل دون كلمة اخرى لتسقط هي على الأرض وانهار قناع جمود الذي تلبسته هذه الدقائق!

ظلت تبكِ بعنف على سعادة كانت امامها للحظات وسرعان ما أختفت...
لتمسح على شعرها وهي تهمس بضعف واحتياج:
يااااارب!

جلست زينة تفكر في سيارتها في طلب ذلك الغريب الذي اقتحم حياتها فجأة، تنظر امامها بشرود تام، وذكرى طلبه تلوح في عقلها لتندهش اكثر، شيئً ما بداخلها يخبرها أن ذاك الغريب لم تكن مقابلته صدفة ابدًا!
ولكن ماذا يريد منها؟!
وأدارت مقود سيارتها لتتجه نحو منزل زياد!
وبعد وقت وصلت امام منزله فترجلت من سيارتها للداخل..

وصلت امام الشقة التي يقطن بها فطرقت الباب بهدوء شارد، ليفتح لها زياد متعجبًا من عودتها فسأله:
زينة! نسيتِ حاجة ولا إية؟
هزت رأسها نافية بكلمة واحدة قاطعة:
لا
سألها مستفسرًا وهو يشير للداخل:
في اية حصل حاجة ولا أية، ادخلي طيب
دلفت وهي تومئ متابعة بجدية:
كنت جاية عشان أقولك حاجة بس
جلس على الأريكة وهي بجواره ليسألها باهتمام:
خير قولي؟
تنهدت وهي تنظر امامها بشرود لترد:
عايزاك تطلقني
ولم تعطه فرصة للرد فأردفت:.

وفي أسرع وقت
وظل هو ينظر لها ببلاهه!
يشعر أن ذهابها ذاك جعلها تفقد الجزء الذي يتفق معه من عقلها!
ماذا حدث؟
سألها لنفسه وهو يكاد يختنق، كان يرتب خطواته لكسبها، وليس لخسارتها الأبدية!
وأمسك بيداها بين يداه ليحتويها، قبل أن يسألها بصوت هامس:
إية اللي حصل خلاكِ تقولي كدة يا زينة
رفعت كتفيها لتجيب بلامبالاة قبل أن تسحب يدها:
مفيش حاجة حصلت، أنا اللي فكرت وقررت
هز رأسه نافيًا بأصرار قوي:.

لا انا متأكد أن في حاجة حصلت، وإلا مكنتيش غيرتي رأيك بعد ما كنا متفقين
نظرت له ببرود قائلة:
اصلاً لو كنت قولت لأهلي، وكانوا وافقوا، كان إية هيحصل؟
اجابها بهدوء:
كنا هنعلن جوازنا اكيد يعني
هزت رأسها لتتابع متهكمة:
اه، ونضطر نقعد فترة مع بعض حتى نطلق، ويا عالم يقنعونا بقا نفضل مع بعض للأبد ولا لا
هزت رأسها نافية بقوة:
مستحيل، أحنا بعد ما نطلق هقولهم، وكدة كدة دي مصيبة ودي مصيبة.

مسك يداها وهو يسألها بما يشبه الرجاء:
لية يا زينة، لية مش عايزة تديني وتدي نفسك فرصة؟
نهضت صارخة فيه:
أنت مجنون، أنا يستحيل أأمن لواحد زيك، أنا مش بطلة مسلسل، أنا انسانة عادية كرهتك بسبب انتقام غبي
وامسك بذراعيها يسألها مرة اخرى:
طب قوليلي السبب، قوليلي لية غيرتي رأيك فجأة كدة
ونفضت يداه عنها لتزمجر فيه دون وعي لما نطقته:
عشان هتجوووز واحد تاني، ارتاحت كدة ولا لا!

زوجته!
كلمة تمثلت لها في معنى الصدمة الحقيقي..
كلمة لم تعهدها يومًا في قاموس حياتها الوردي!
وسببًا لم تعرفه حتى الان حطم حياتها!
نالت منه نظرة معتذرة وقد تكون هيئت لها انها نادمة..
ولكن هل تجدي نفعًا الان؟! بالطبع لا!
سألته مرة اخرى هامسة بصدمة تجلت في كل جزء منها:
أنت بتقول إية أنت مجنون!
اومأ بهدوء:
للأسف أنا مش مجنون، دي الحقيقة
وصاحت فيه بحدة هيسترية:
لااا، حقيقة انا مش قبلاها ومش هقبلها ابداااااا.

نظر لتلك الصامتة بجوارهم ليشير للخارج وهو يقول لها:
إطلعي إنتِ دلوقتي واحنا جايين وراكِ
اومأت لتتجه للخارج هامسة:
حاضر
وسار مراد خلفها ليغلق الباب ثم عاد لخلود وهو ينظر لها نظرة تحاول التشابك بحبلاً واحدًا من الصبر او الهدوء ولكن لم يجد، فقال بجدية:
اهدي لو سمحتِ عشان أعرف افهمك
ابتعدت عنه وهي مستمرة في صراخها الهيستيري:
لا مش ههدى، متقوليش اهدي، أنت اتجوزت عليا، فاهم يعني اية
هز رأسه نافيًا:.

إنتِ فاهمة غلط دي آآ
قاطعته وهي تضع يداها على اذنيها وتصرخ بما اشبه للبكاء:
مش عايزة اعرف ولا عايزة اسمع صوتك، اخرج برررة انا مش عايزة اشوفك
كز على أسنانه بغيظ ليهتف ؛
لا مش بمزاجك، هتهدي وتسمعي كل حاجة
سقطت على الأرض وهي تنوح بحدة متألمة:
أسمع إية، اسمع إنك اتجوزت عليا، أفهم إنك مع اول مشكلة زهقت وروحت تتجوز.

اقترب منها ليحاول احتضانها بين ذراعيه، يسحقها في عناق حار ليثبت لها أنه لم يمل منها يومًا!
ولكنها ابتعدت بسرعة وهي ترمقه بنظرات تحذيرية بعيناها الحمراء:
ابعد عني إياك تقرب مني
اشار لها مهدئًا:
خلود حبيبتي اهدي واسمعيني وهفهمك والله
ظلت تهز رأسها نافية ؛
لا مش هفهم، وهتطلقني وحالاً، انا عمري ما هبقى رقم اتنين في حياتك
ونظر لها بصدمة من طلبًا لم يتوقعه منها يومًا!

صدمة من عذرًا لم يجده منها فسحقته خارج محراب عشقها، وللأبد!
هي دائرة وجد نفسه بها فجأة، والحقيقة اصبحت كذب والكذب اصبح حقيقة!
الدنيا دوارة كما يقولون!
من كان يحلم بظهورهم ليلاً ونهارًا عُكس حاله ليتمنى عدم ظهورهم!
وهمس ببلاهه:
عايزانا نطلق يا خلود؟
اومأت مؤكدة:
ايوة، لاني مش قابلة على نفسي الوضع ده ابدًا!

وظل يرمقها بنظرات ذات مغزى لثواني، قبل أن يفجر قنبلته التالية والتي كانت كأعصار لم ينتظر خروجها من الاعصار الذي سبقه وتسارع لصدمتها:
إنتِ اللي زوجة تانية يا خلود مش هي، إنتِ اللي اتجوزتك عليها مش العكس!

وكانت كريمة تجلس أمام الشرفة كعادتها هذه الايام..
الشرود لا يتركها ولا تتركه، يتصاحبان اغلب الاوقات!
تظل تنظر هكذا تتفحص المارين عسى تجد من بينهم شمس ولكن فشلت!
لم تجد شمس ونور حياتها الذي انطفئ منذ رحيلها!
لم تجد من يهون عليها فراق، بل تبعته بفراق اشد!
فراق اختياري وليس إجباري - كالموت -.

ويحيى لجوارها يحترق من الغيظ مثلها، هو الذي يهون عليها بينما هو من يحتاج من يهون عليه اختفاء تلك الغزالة التي فرت منهم دون سابق إنذار!
ربت على كتف خالته وهو يشير لصنية الطعام مرددًا:
طب يلا يا خالتي كلي بقا
هزت رأسها نافية دون أن تنظر له:
لا يا يحيى، قولتلك مليش نفس
تأفف وهو يوبخها بلوم حقيقي:
لأمتى يعني يا خالتي هتقولي ملكيش نفس، ده انا حاسس إنك هيجرالك حاجة من قلة الاكل دي.

اومأت مؤكدة بألم لم يخلو من درجات صوتها الأجش:
ايوة وهفضل كدة لحد ما بنتي ترجع لي
تنهد قبل أن يحاول اقناعها بما لم يقتنع به هو من الأساس:
يا خالتي اكيد هي مع جوزها وهترجع والله
هزت رأسها نافية بحزن:
لا، اكيد كرهتني عشان كنت هجبرها عليك، اكيد ما صدقت تمشي ومش هترجع لي
قال بجدية مناسبة:
لا يا خالتي، مستحيل تهجرك يعني، إنتِ مهما كان أمها
أغمضت عيناها هامسة بألم:.

اه لو ترجع والله ما هجبرها على حاجة تاني بس ترجع
اومأ يحيى بغيظ مكبوت:
ان شاء الله، قولي إن شاء الله وهاترجع اكيد يا خالتي
اومأت وهي تدعو متمنية:
ياااارب
ولكنه لم يكن ليقرر يومًا نفس قرارها، لن يقرر عدم إجبارها والذي فيه اجباره هو، فصدح صوتًا في خلده بأصرار عجيب ؛
بس أنا بقا هجبرها يا خالتي ومش هاسيبها براحتها كدة!

كان مالك أمام البحر، يضع يداه في جيب بنطاله، وعيناه مثبتة على اللاشيئ في ذاك البحر الذي تقريبًا يحمل اكثر من منتصف اسراره التي تضيق بصدره..
يتنهد كل ثانية
وشعور قاتل أن الحزن كالسراب كلما اراد انهاؤه من حياتهم يفشل!
وشعر بيدًا يعرفها جيدًا تلمس على كتفه، فالتفت لها يهمس ببعضًا من الضيق:
إية ده إنتِ جيتِ
اومأت مؤكدة بابتسامة:
مقدرتش استنى اكتر من كدة
نظر امامه مرة اخرى وهو يقول بخشونة:.

مش قولتلك أنا هاجيلك
اومأت وهي ترفع كتفيها ببرود:
عادي يا مالك أنا كنت بتمشى عادي ولقيتك واقف كدة فقربت منك
اومأ موافقًا بهدوء:
ماشي براحتك
وتلمست لحيته الخفيفة بأصابعها الناعمة، لتهمس بجوار اذنه بصوت مغوي:
مالك يا حبيبي، سرحان في إية
إلتفت لها وهو يبتسم نصف ابتسامة مجيبًا:
لا عادي قرفان شوية بس
سألته دون تردد بخبث:
لية كدة من مين؟
مط شفتاه يرد ببرود:
أكيد من اللي اسمها شمس دي.

وعلى تلك السيرة رن هاتفه برقم المنزل الذي يقطن به هو وشمس..
إبتلع ريقه وهو يجيب بتردد، ليأتيه صوتها الصارخ المتألم:
مالك ألحقني، مش قااادرة!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة