قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية غزالة في صحراء الذئاب للكاتبة رحمة سيد الفصل الثامن والثلاثون

رواية غزالة في صحراء الذئاب للكاتبة رحمة سيد الفصل الثامن والثلاثون

رواية غزالة في صحراء الذئاب للكاتبة رحمة سيد الفصل الثامن والثلاثون

كانت ليلى في الغرفة التي خُصصت لها، تتسطح على الفراش وتضم صورة حمدي تتعمق الصورة بعيناها وكأنها تناجيها، تسألها بصدمة من أنا؟!
سطور عيناها متزاحمة بين الحزن والاشتياق، والضياع!
من هي، أين الحقيقة، كيف حدث ذلك؟!
ولكن بالطبع ما من مجيب!
فجر بوجهها قنبلته ليتركها تتلاقها لتحطمها اشلاءً دون تفسير واضح!؟
تلمست صورته لتهمس قائلة بشرود ضائع:
أنا تعبت بجد تعبت، مابقتش عارفة مين الصادق ومين الكذاب!

وتلقلقت الدموع في عيناها وهي تتابع همسها المتألم:
أنت وحشتني اوي يا حمدي، كنت صديق وأخ وسند، وحبيب!
وتوقفت عن مس الصورة ثم نظرت لها وكأنها تحدث شخصًا امامها فقالت هامسة بحرارة:
أنا بحبك أوووي يا حمدي، بحبك اوي اوي
وطُرق الباب فنهضت تمسح عبراتها المتسللة لوجنتاها، ثم هندمت ملابسها وخصلاتها الثائرة لتتجه نحو الباب تفتحه بترقب، فوجدت مراد...
تعجبت قليلاً وهي تسأله بخفوت:.

خير يا حضرت الظابط في حاجة ولا إية؟
هز رأسه نافيًا وهو ينظر لعيناها تمامًا متساءلاً:
مالك، كنتِ بتعيطي ولا إية؟
هزت رأسها نافية بسرعة:
لا م ماكنتش بعيط ولا حاجة
ثم سألته هادئة:
لية حضرتك قولت كدة؟
أشار لها أن تخرج مرددًا بجدية:
عنيكِ بتقول كدة، وتعالي عاوزك بره
ونظرتها كانت عبارة عن تساؤل مبهم
يفسرني ويفكك ألغازي في لمح البصر!؟

تبعته وكأنها مُبرمجة، لتراه يجلس وهو يشير لها بالجلوس فجلست على بعد مسافة، فتنحنح وهو يسألها بجدية:
مالك؟
رفعت كتفيها تجيب بنفس الجدية:
مليش
كز على أسنانه وهو يسألها:
مالك؟
تنهدت وعزمت على الافصاح عما يجيش بصدرها من نيران مشتعلة ترغب فيمن يطفأها!
فردت بخفوت حزين لاحظه:
حاسه إني تايهه جدًا، مش عارفة أصدق مين وأكذب مين!
تنهد بقوة وهو يقول:
تصدقيني انا لان انا اللي بقول الحقيقة
ابتسمت بسخرية وأردفت:.

ما هما قالوا كدة بردو، أنا عاوزة دليل ملموس يا حضرت الظابط
سألها هادئًا:
وإن مفيش؟
رفعت كتفيها تجيب بلامبالاة مصطنعة:
يبقى طبيعي مش هاصدقك
ابتسم بغموض وهو يهمس:
الدليل معايا
سألته عاقدة حاجبيها:
إية هو؟
نهض متجهًا للداخل وهو يستطرد بخشونة:
شهادة وفاتك اللي طلعناها!
وبعد دقيقة كان يجلس لجوارها يمسك بتلك الورقة بهدوء وبعد أن رأتها سألته بصدمة:
أزاي اقنعوك إني مُت؟

نظر امامه بشرود يتذكر تلك الأيام التي كان يُعاني فيها حرفيًا، يرى ألوانًا مختلفة للألم والحزن والأشتياق المميت!
ليهتف بعدها:.

وروني جثتك، كنتِ مابتتنفسيش، او يمكن أنا من لخمتي فكرت كدة، بعدها لقيت ناس اصدقاء وصلوني المستشفى وأنتِ معايا، بس قالوا إنك ميتة، أنا ماقدرتش أشوفك، ماقدرتش أشوف الجثه اللي مفروض إنها إنتِ، فابالتالي روحنا دفنا الجثه اللي كانت شبهك او يمكن ده كان ماسك، معرفش، اللي اعرفه إني كنا متدمر، ووالدتك ماتت من الصدمة والقهر.

عند تلك النقطة شهقت بصدمة وهي تضع يدها على فاهها!
منبع الحنان التي افتقده كل هذه المدة الان ستفتقده للأبد!
لم تتذكرها، ولكنها شعرت بالحزن والكسرة للمرة التي لا تذكر عددها!
وسألها هو هذه المرة:
عايزك تحكيلي كل حاجة بالتفصيل، حتى لو وصلت ل كلتِ إية وشربتي إية؟
اومأت بحبور مرددة:
بس اول عايزة أسألك هو، هو ازاي يعني معرفتش تمسك على الناس دي حاجة وأنت ظابط يعني.

ونظراته كانت توحي بمدى الضيق الذي اعتراه وهو يجيبها بقلة حيلة:
أنا ظابط مع وقف التنفيذ يا ليلى!

جلست زينة بجوار والدتها التي كان وجهها شاحب، علامات عنف والدها تبدو واضحة على وجهها، وجهها كان وكأنه - خريطة - لرسم مدى معاناتها التي بدت أبدية!
أمسكت زينة يدها وهي تسألها بابتسامة صفراء:
حاسه بأية دلوقتي يا ماما؟
اجابتها بوهن:
الحمدلله على كل حاجة يا حبيبتي
زفرت زينة قبل أن تسألها بجدية:
أية اللي حصل يا ماما؟
تهربت من حصار عيناها وهي تقول بتوتر:
م محصلش يا زينة دي آآ دي مشكلة صغيرة بس.

كزت على أسنانها بغيظ وهي تُصر متساءلة:
مشكلة صغيرة تخليه يعمل فيكِ كدة يا أمي؟ حصل إية؟
هزت الاخرى رأسها نافية:
قولت مافيش يا زينة هو بالغصب ولا إية!؟ دي مشكلة عادية
نهضت زينة وهي تقول بجدية قوية:
خلاص يبقى انا هقول لمالك هو يشوف في إية
ثك رفعت كتفيها متابعة:
واهوو بالمرة يعرف الموضوع اللي يخصه
هزت والدتها رأسها نافية بسرعة:
أوعي يا زينة، اوعي تكوني قولتيله إني دخلت المستشفى أصلاً!

هزت زينة راسها نافية بهدوء قاطع:
لا لإنه اساسًا جاي مش عاوزة أقلقه بزيادة
تنهدت بارتياح هامسة وهي تضع يدها لجوار قلبها:
كويس
سألتها بأصرار قوي:
إحكي يا امي هاتفضلي مخبية لحد امتى يعني؟
نظرت امامها بشرود لتقول:
أبوكِ كان بيكلم حد بيقوله ابدئ التنفيذ أنا مش هاستنى عليه اكتر من كدة حتى لو بالاجبار، مش معني انه ابني هايضيع لي مصالحي!
فغرت زينة فاهها بدهشة لتسألها:.

طب وهاتعملي إية يا ماما، إنتِ قلقتيني على مالك!
رفعت كتفيها قائلة بحدة:
أكيد مش هاسكت يعني
سألتها زينة بتوجس:
هاتعملي إية يا ماما يعني مش فاهمة؟!
واجابتها كانت دون تردد:
هامنعه بأي طريقة
وصمتت برهه تسترجع كل أفعاله الشنيعة التي كانت كالسراب لا تنتهي..
ثم تابعت بغل:
حتى لو اضطريت اقتله بس ميأذيش ابني!

كانت شمس تجوب المنزل بتوتر رهيب، تتساءل بينها وبين نفسها في كل ثانية
أين ذهب بهذه السرعة؟!
ما الذي يمنعه من البوح، ما الذي دفعه للإسراع؟!
اسئلة، اسئلة، وما من مجيب يريح بالها المحتار!
وقفت امام الشرفة علها تستطيع رؤيته وهو قادم فتتنهد بأرتياح..
ولكن للأسف لم تراه، شعرت بالألم يبدء يحيط بطنها من كثرة التوتر الزائد!
جالت عيناها في ارجاء المنزل وهي تشعر بحركة ما.

حاوطت بطنها بحركة دائرية وكأنها تحميه من العدو المجهول!
وقالت هامسة بخوف بدء في الانتشار:
مين!
ولكن بالطبع ما من مجيب..
ازدادت الحركة امام باب المنزل وطرقة واحدة على الباب ثم اختفاء الحركة!
اقتربت من الباب ترى من - العين السحرية - لتجد ظرف أبيض فقط امام الباب..
خشيت الظهور الان فانتظرت حوالي ما يقرب نصف ساعة لتفتح الباب بعدها ملتقطة الظرف بسرعة ثم اغلقت الباب مرة اخرة في اقل من الثواني!

وبدءت تفتح الظرف رويدًا رويدًا وبداخلها تدعو أن يكون خيرًا
ولكن من أين يأتي الخير وهي وسط ذئابًا لا تعرف معنى للخير!
وفتحته لتتسع حدقتا عينيها وهي تقرأ الكلام المدون
هدية حصري وجديدة ليكِ إنتِ بس، ياريت تعجبك!
بجوار شيئً لم يروق لها ابدًا!
و - أسفًا - يدفعها للتصديق!

سمعت كريمة طرقات على الباب فانهضت متلهفة على امل ان تجدها ابنتها الغائبة شمس
ابنتها التي اشتاقتها حد الموت!
ولكن خاب املها وهي ترى رجلاً تقريبًا في الأربعون من عمره، ملامحه هادئة لا تنم عن شرًا إطلاقًا...
فسألته بهدوء مترقبة:
خير يا أستاذ عايز مين؟
اجابها بسؤال مماثل:
إنتِ الحاجة زوجة المرحوم صابر والد شمس تقريبًا؟
اومأت بتوجس متساءلة:
خير أن شاء الله؟
نظر للخارج وهو يسألها بجدية لائقة:.

طب ينفع نتكلم جوة لو سمحتي؟
ترددت قليلاً قبل أن تترك الباب مفتوحًا وهي تشير له مرددة:
طب اتفضل يا استاذ قول اللي عندك
تنهد وهو يبدء حديثه بقوله بصوته الأجش:
أنا معايا حاجة كانت تخص الأستاذ صابر، واعتقد دلوقتي إنها تخصكم انتم
زفرت بقوة وهي تسأله:
إية دي؟ ياريت تتكلم على طول يا استاذ وتقولي انت مين
اخرج من جيبه النوتة الصغيرة التي كانت تخص صابر ليجيبها:
انا اسمي حسنين، كنت مع المرحوم في نفس السجن.

سألته كريمة وهي تشير - للنوته - مستفسرة:
وإية دي يعني!؟
اجابها بتمهل:
دي نوته كانت بتاعت الاستاذ صابر، كاتب فيها حاجات كتير واعتقد انها مهمة جدًا، وانا مش ادها فجبتها لكم
نفذ صبرها وهي تصيح فيه بقوة:
ماتقول يا استاذ الموضوع كله هو انت هتنقطني كلمة كلمة ولا إية؟
هز رأسه نافيًا وهو يعطيها النوته هامسًا:.

أنا كانت مهمتي في السجن إني اشيل الزبالة وارميها واصنفها، لقيت النوته وماكنتش متبهدلة، فضولي اخدني افتحها لقيت اسم الاستاذ صابر وكاتب حكايتي وبراءتي، بدءت اقرأ واتصدمت من الكلام اللي بيحكيه بالتفصيل، فخليتها معايا وانا مش فاهم حاجة، لحد ما خرجت من السجن وبصعوبة لعرفت اجيب عنوانه وجيت على هنا علطول اسلمهالكم.

والقلق كان ينهش فيها، قلق من سرًا قد يفتح جروحًا قديمة ويسبب جديدة داخلهم؟!
اضطرب تنفسها وهي تأخذها منه بتردد لينهض هو مغادرًا بعد أن اسقطها في حفرة عميقة من الظلمات طالبًا منها ان تُنيرها هي!

وكانت ملامح شمس مبهمة، تنظر امامها بشرود تام وهي ممسكة بذاك الظرف الذي بدل حالها تمامًا!
وبدلاً من تزاحم التساؤلات الذي كان يعصف بكيانها..
اصبح تزاحم من الشكوك تأكلها كالصدئ في الحديد!
تنتظر رجوع ذاك الذي يدعى مالك بفارغ الصبر...
واخيرًا رأته يدلف من الباب ببرود تام بعكس العاصفة الثائرة بداخلها!
وسألها ببرود يتناسب مع حاله:
مالك يا شمس قاعدة كدة لية؟

نهضت مقتربة منه، تتفحصه علها تكذب ما رأته، لتصدم بتواجد احمر شفاه على رقبته..
شهقت وهي تقترب منه اكثر متساءلة باختناق:
إية ده يا مالك؟
نظر لمَ تنظر ليبتلع ريقه مجيبًا ببعضًا من التوتر:
ده، آآ ده بس
وقاطعته هي بحدة صارخة:
وإية ريحة البرفان الحريمي اللي في هدومك دي؟
اغلق عيناه بضيق حقيقي ليمسك يدها ضاغطًا عليها بقوة وهو يقول بخشونة:
صوتك ما يعلاش عليا، سامعة ولا لا.

ترقرت العبرات الساخنة بين عيناها لتدفعه صارخة بصوت أعلى:
لاااا مش سامعة ورجعني القاهرة مع ورقتي وحالاً!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة