قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية غزالة في صحراء الذئاب للكاتبة رحمة سيد الفصل الثالث

رواية غزالة في صحراء الذئاب للكاتبة رحمة سيد الفصل الثالث

رواية غزالة في صحراء الذئاب للكاتبة رحمة سيد الفصل الثالث

حدق بالثلاث اشخاص الذين كانوا يقفون أمامه بهيئتهم الرجولية الضخمة بصدمة دامت لثوانى فقط، وسرعان ما ابعد شمس عنه لترتطم بالأرضية بقوة، لو كانت متيقظة لكانت صرخت من الألم، وفي لمح البصر كان يخطف العصا من يد احدهم ويلكمه بقوة، قبل أن يضربه هو على رأسه مثل شمس، ساعدته قواه الجسامنية بالطبع، ظل يتبادل اللكمات والضرب مع الرجلين، بينما الاخر فر هاربًا بسرعة لينجو بنفسه الأهم من اى شيئ الان، سقطت الاثنين على الأرضين متأوهين من الألم، هبط مالك لمستواهم وامسك برقبة احدهم، يرمقه بنظرات دبت الرعب في اوصاله ليرتعد من هيئته الغاضبة وعينيه الحمراوتين مثل وجهه من كثرة الإنفعال، ثم سأله بأنفاس لاهثة:.

انت ميييين
كاد يختنق، وحاول إبعاد يده عنه وهو يجيبه بتعب حقيقي:
ع عبد آآ عبدالحميد
حدقه بقوة وبرقت عيناه، وراح يسأله مرة اخرى وهو يهزه:
عايز منها اييية انطق انت تعرفها اصلاً
م معرفش معرفهاش معرفهاش
إلتفت للحظة للأخر الذي استغل الفرصة التي قُدمت له على طبق من ذهب وركض مسرعًا ليفر من امامهم، نهض مالك ليراه بغضب، في حين تحامل الأخر على نفسه ونهض مسرعًا قدر الامكان ثم دفع مالك بقوة وركض هو الاخر..

لم يبالي مالك واستدار لشمس التي مازالت فاقدة الوعى، هبط لمستواها ثم وضع يده أسفل ركبتيها والاخرى اسفل ظهرها، ثم إتجه لداخل المنزل واغلق الباب بقدمه، وضعها على الأريكة المتوسطة الموضوعة في الصالة، ثم نهض واتجه للمطبخ واخرج الماء من الثلاجة ثم عاد لها مرة اخرى، سكب بعض قطرات الماء على وجهها وظل يضربها برفق على وجنتها وهو يقول بصوت قلق بعض الشيئ:
يا انسة ولا يا مدام، فوقي يا انتِ.

بدأت شمس تفتح جفنيها بتثاقل لتشرق شمس عينيها الرمادية الجذابة، تشعر بثقل في انحاء جسدها الضعيف، بدأت الصورة توضح امامها الان، في منزل ما، وامامها شاب، وبمفردهم!

ما إن وصلتها تلك الكلمة حتى هبت منتصبة بفزع، اصبح جسدها يرتعش غير مبالية لألم رأسها الذي تشعر به، كل جزء فيها يرتعد لمجرد التفكير فيما قد حدث او يحدث، رأى الذعر في عينيها الساحرة بوضوح، كان ينظر لها بدهشة، هو لم يفعل شيئ لكل هذا الفزع، ولكن كيف تفزع اساسًا وهي..
قطعت شمس حبل تفكيره الشارد وهي تتأوه بألم لم تستطع اخفاؤوه اكثر:
آآآه انا فين!
رفع حاجبه الأيسر، ثم نظر لها بنصف عين، ونهض فجأة يقول بجدية:.

اية انتِ فقدتى الذاكرة ولا اية؟!
ظلت تعود للخلف شيئ فشيئ، تشربت ملامحهَا الخوف، والجزع، ظل يراقبها بهدوء مخيف كالفهد الذي يراقب فريسته، إبتلعت ريقها بإزدراء، ثم قالت متلعثمة:
آآ افت افتكرت، انا آآ انا..
توقف يسألها برزانة:
انتِ اية؟

كانت دقات قلبها تتسارع، الى متى ستظل هكذا ترتعد، من كثرة خوفها لا تتذكر انها كانت هادئة سعيدة يومًا، يجتاحها الان شعور بالرغبة في الغثيان، تشنجت قسمات وجهها قبل أن تجيبه بصوت هامس:
أنا شمس
ضحك على ارتباكها واجابتها، كانت ابتسامته جذابة ولكن، مخيفة، وكانت تسيطر عليه حالة تعجب لا نهائية، كيف تتلعثم وتخجل هكذا!؟
سألها بابتسامة لعوب:
مالك يا شمس فيكِ اية خايفة كدة لية، متخافيش بطلت أكل الناس.

نظراته الغامضة وكلماته اللعوبة نشرت الخوف اكثر بداخلها، وكأنها في بحر عميق من الخوف، تحتاج لنجدة ما، ولكنه بأفعاله يدفعها بداخله اكثر واكثر، استدارت بسرعة لتسير بخطوات سريعة، ثم قالت مصطنعة الهدوء:
انا ماشية، هبقي ابعت لحضرتك حد غيرى.

أمسكها من معصمها، ليشعر بالقشعريرة التي سارت في جسدها، تحت انظاره وجهها يشحب شيئً فشيئ، لمعة عيناها إنذار لأعلان بدأ اندلاع ثورة غاضبة وباكية، قربها منه قليلاً، ثم نظر في عينيها الرمادية، ذاك البحر العميق، الأزرق الرمادى، نظرات اذابت تماسكها المتبقي في لمح البصر، لتنغمس هي في عينيه السوداء، و قال بصوت رجولى هامس، ليلعب على اوتارها الحساسة:
بس انا عايزك انتِ مش عايز حد تانى.

أستفاقت على جملته تلك، جملته التي حملت الرغبة في طياتها، كرهت كلمة الرغبة بسبب ذاك، دموعها على وشك الانهمار، لن تتماسك بعد الان..!
نقطة ومن بداية السطر، مقاومة، كل خلية بداخلها نهرتها لتقاوم سريعًا، وجدت نفسها تدفعه بكامل قواها، شعرت بطاقة تخترقها لا اراديًا..

بينما جز هو على اسنانه بغيظ، تحاول الفرار من الامتزاج بتلك الامواج وهي منها اساسًا، تحولت نظرات الهائمة لنظرات جعلتها تشعر انها ستفقد وعيها الان!
أمسكها من معصمها بقوة، ولم يبالي بأعتراضها، ثم زمجر فيها بحدة:
فيه اية، انتِ مش جاية هنا عشان شغلك، ماتشتغلي بقا يلا
تنسات خوفها، وتلاشي مع الرياح، ليتجسد امامها معاناة والدتها، لتقف امامه وكأنها بلا روح، إما الغرق، او التمزق لأشلاء يصعب اعادتها!؟

قالت بصوت مهزوز لم يراعيه ابدًا:
ماشي، عن اذنك
استدارت لتتجه للداخل ولكن وجدت ايدى من حديد قاتل امسكت بيدها البيضاء الصغيرة ليمتزج لونهما سويًا، أجفلت وهي تغمغم بتوتر:
لو سمحت سيب ايدى، هأدخل اشوف شغلى
عقد حاجبيه متساءلاً، ثم بدأ الانذار مرة اخرى بأقترابه، ليستطرد بخبث ظهر بوضوح في نبراته:
ماهو انا شغلك، صح.

هزت رأسها نافية بسرعة ثم استدارت وفي لمح البصر كانت تركض للخارج بخطوات متلعثمة، بقلب ظنته يدق بصوت عالٍ مسموع، بأعين تعاهدت ألا تسمح للانهار بالانهمار على تلك الوجنتين الساخنتين..
بينما وقف هو مدهوشًا لما يحدث، رعشتها، خوفها، توترها وتلعثمها، اشياء توحى وتدفعه للظن انها لا تفهم او انه ليس كذلك، هناك حلقة مفقودة!

قال ذلك لنفسه قبل أن يستدير ويمسك بهاتفه من جيبه ثم اتصل بشخص ما وما ان اتاه صوته الرجولى حتى قال جادًا:
انت فين؟
ف الكافيه إلى بنقعد عليه دايمًا
معاك حد؟
لا لوحدى
طب انا جايلك مسافة السكة
في حاجة ولا اية
اما اجي لك هتفهم
ماشي مستنيك
سلام
سلام
اغلق الهاتف ووضعه في جيبه مرة اخرى، لم يتركه التفكير، والشك ولو للحظة، يداهمه بقوة جعلته يضع يداه على رأسها ويضغط بقوة عله يستطيع ايقاف سيل التفكير ليهدأ قليلاً..

هروب، كلمة من اربع حروف كلما تذكرتها يجتاحها شعور بالضعف والخزى من نفسها، نعم، تهرب وتخشي المواجهة، تخشي الظهور امام اى شخص يخترقها بنظراته فتنهار، كالزهرة التي ان خرجت للشمس الحارة ستذبل، وتموت!
اغلقت اهدابها الكثيفة السوداء، تهدأ نفسها من كم المشاعر التي اجتاحتها وتجتاحها يوميًا بلا رحمة للراحة!

ثم نهضت ووقفت امام الدولاب لتختار ما سترتديه، اخرجت بنطال جينز واسع إلى حدًا ما وتيشرت كم أصفر، وطرحة صغيرة من اللون الاصفر والبرتقالي المشجّر..
ارتدت ملابسها على عجلة، واستعدت للذهاب لعملها، حيث تعمل كمهندسة ديكور في احدى الشركات الخاصة، انتهت ثم خرجت متجهة للبَاب، لتقابل والدتها التي خرجت من المطبخ لتوها، وما إن رأتها حتى قالت بريبة:
رايحة فين يا حبيبتي.

تنهدت خلود بقوة، ثم نظرت لها بهدوء، ومن ثم اجابته بنبرة تحمل بعض التهكم:
رايحة شغلى يا ماما، ولا انا خلاص هأقعد في البيت
هز رأسها نافية بسرعة، هي تخشي عليها من اى شخص قد يجعلها تموت بالبطيئ بفعل كلماته المميتة، ثم هتفت مبررة:
لا ابدًا يا حبيبتي، انا بس آآ.

تقوس فمها بأبتسامة ساخرة، قد فهمت كل شيئ من نظراتها، توّد حبسها خلف جدار عازل لتمنع تلك الهتافات السوداء من إطالتها، ولكنها قد قررت التصدى لها ومواجتها، وإن كانت ستجرحها بأشواكها، قاطعتها قائلة بحزم:
انا هنزل يا امى وهعيش حياتى عادى
ارتسم ثغرها بأبتسامة باهتة تعبر عن كم المخاوف التي تساورها، ثم تمتمت بخفوت:
ربنا يحفظك يا حبيبتي
بادلتها الابتسامة الهادئة مرددة:
يارب.

استدارت واتجهت للخارج، ثم استقلت احدى سيارات الاجرة متجهة للشركة، أفكَارها متخبطة بالكثير وسماء ذهنها ممتلئة بشكل متعب، تحاول إعداد وجمع شتات نفسها لتقبل اى كلمة ستسمعها بعد قليل..
وصلت الشركة، كبيرة فاهرة، الحارس امام الباب، ذات طابع جديد ثرى، اخذت نفسًا عميقًا ثم دلفت متجهة لمكتبها، ما إن دلفت إلى الحجرة الكبيرة الموضوع بها اكثر من مكتب للموظفين حتى بدأت الهمهات تعلو رويدًا رويدًا..

لم تعطيها اى اهتمام، بل اقتربت وجلست على كرسيها الجلدى الكبير لتملأ نصفه بكتفيها الصغيرين، سمعت احدى الكلمات من شخص تعرفه جيدًا تقصدها هي:
رجعت تانى، احنا شكلنا مش هانخلص من اللعنة دى خالص
لتتابعها الاخرى متهكمة:
اه، ربنا يستر بقا مايجراش لنا حاجة
عادت ترمقها بنظرات كارهه وبخوف مصطنع:
اه ياختى احسن تيجى بكرة تقول لى انتِ هيحصلك حاجة وفعلاً يحصل لى، انا مُش ناقصة بصراحة.

ظنت انها ستنهض وتكيل لهم الكلمات اطنانًا، ولكنها صمتت، جزت على اسنانها بغيظ تكبح دموعها بصعوبة، تغلق ابوابها وتمنع الرد من الطلوع، ولكن، السبب مجهول..
بعد ثوان اتي لها المنقذ في صورة زميل لها، يطالعها بنظرات تود إختلاعها من عيناه السوداء، الشفقة، تكرهها وبشدة، نظراته تنغر في جرحها بقوة، تشعر بالألم يتراكم ويتراكم حتى اصبح صعب عليها تجاوزه، بينما قال هو هادئ:
مستر درويش عايزك يا انسة خلود.

صدرت منها ايماءة صغيرة اكدت له انها مازالت على قيد الحياة، لتنهض بخطوات متعثرة، تخشي السقوط امامهم فيتأكدوا من سقوطها الابدى في الحياة..
وصلت امام مكتب المدير اخذت نفسًا عميقًا تملأ رئتيها بالهواء النقي، ثم طرقت الباب ودلفت بهدوء، لتراه يوليها ظهره، بهيئته السمينة، وبدلته المهندمة، تعبر عن الوقار والهيبة، تنحنحت قائلة بهدوء حذر:
احم، مستر درويش حضرتك طلبتنى؟

اومأ دون أن ينظر لها، ثم بعد ثوان استدار لها عاقدًا ساعديه امام صدره العريض، ينظر لها نظرات منعكسة على مرآتها المكسورة بالجمود، والشفقة، ثم تفوه بجملة واحدة كان لها اثرًا واضحًا على تلك المسكينة:
الناس اشتكت منك، إما تروحى للدكتور النفسي الخاص بالشركة، إما تعتبرى نفسك مرفودة يا استاذة!

كان يقفوا أمامه في شارع خالٍ من السكان كبير، جسدهم يرتعش ببعض الخوف من حكم ذاك القاضي المتجبر، يطرقوا رأسهم في الأرض بخزى، بينما هو صدره يعلو ويهبط من فرط إنفعاله، يحدق بهم بشرارات غاضبة حارقة تجتاح عينيه السواوتين، هيئته العريضة تجعل من يراه يخشاه دون سبب محدد، في الثلاثون من عمره، ملابسه انيقة مهندمة، رفع يده السمراء الخشنة عاليًا لتسقط على جسد احدهم الذي صرخ متأوهًا من الألم، نظر له بشماته وقال بحدة:.

اية يا بهايم حتت واد يعمل فيكوا كدة!
غمغم بضيق واضح ولم ينظر له:
ده مش اى واد يا باشا
زاد احمرار وجهه غضبًا، شعر ان خلاياه ستنفجر من الغضب، لا يقبل التحدى من اى شخص، ما ان كان تحداه وتخطاه وفاز عليه بكل سهولة، ليس على شخصًا مثل القبول والصمت هكذا، بل سيدلف حرب بملئ ارادته، وحربه الفوز فقط هو المباح فيها وليس غيره!
زجره بعيناه وتابع بسخرية:
وانتم تلاتة وماقدرتوش عليه، جاتكم نيلة يا بهايم.

تهدجت انفاسه المتلاحقة، واجابه لاهثًا وهو يتحسس انفه التي تنزف:
ده انا كنت هموت ف ايده يا باشا، ده شكله بيلعب مصارعة
لم يرد عليه وانما اتاه صوته متساءلاً بخشونة:
اية إلى ودااا البت عنده اصلاً؟
رفع كتفه كعلامة معبرة عن جهله، ليصدح صوته محذرًا:
ف خلال 24 ساعة عايز اعرف كل حاجة عن الواد ده واية علاقته بالبت، والا نهايتكوا هتكون على ايدى
صمت لبرهه يتفرس ملامحهم المذعورة، ليتشدق بما اثار الرجفة في اوصالهم:.

وانتم عارفين، انا ماعنديش ياما ارحمينى!
اومأوا مسرعين، ليتابع قوله الامر:
عايز البت بأى طريقة، بس ابقوا خدوا رجالة بجد معاكم
حاضر، حاضر يا طه بيه بس اهدى انت
قالها احدهم محاولاً تهدأته، بينما افترش الشر على ملامحه الصارمة، ثم قال بتوعد شرس لنفسه:
هوصل للى انا عاوزه، مش على اخر الزمن حتت واد زى ده هيقف ف وشي.

أشار لهم ان يذهبوا، لينطلقوا من امامه مسرعين يتنفسوا الصعداء حمدًا لله انهم مازالوا بخير، بينما انطلق هو الاخر كالسهم من احدى الأقواس متجهًا لمنزله لسببًا ما..

في احدى الكافيهات الكبيرة, والمشهورة، جلس هو على احدى المنضدات، وعلى احدى الكراسي البلاستيكية، يملأه بمنكبيه العريضين، ينعش نفسه بالهواء الطلق الذي يشعر انه يجتاحها لينظفه داخليًا ويذكره بما مضي، تحديدًا تحت اضواء القمر المبهجة، تتعالي الهمهمات العشوائية، يجلس هو على الكرسي، شارد الذهن، وجه واجم وملامحه هادئة بشكل غريب يصعب فهمه، كان يضع يده أسفل ذقنه وينظر للاشيئ بسرحان، حتى قطع خلوته بنفسه صوت صديقه المرح وهو يقترب منه:.

اية يا ملوكه طلبتنى ليية؟
جز على أسنانه بغيظ، ثم نظر له محذرًا:
قولت لك ماسميش خرة، اسمى مالك، مالك مش ملوكة!
أوقف ابتسامته من التسلل لثغره بصعوبة، وسأله بجدية مصطنعة:
خلاص خلاص، قولى بقا في اية يستاهل انك تقطع قعدتى الجميلة
تقوس فمه بأبتسامة ساخرة وقال متهكمًا:
لية ان شاء الله، كنت بتختم القرءان!؟
هز رأسه نافيًا، دائمًا ما يخسر هو في نهاية الجدال، فاليصمت من البداية افضل من ينفجر بوجهه ذات مرة!

هتف بنفاذ صبر:
لا ياعم كنت بأشوف الاجنبى اية اخباره
لم يستطع منع الضحك، يحب مرحه وعفويته بشدة، توقف فمه كما هو بصدمه عندما طرقت جملة صعبة التصديق على اذنيه:
ولا انت عشان البت ماجتلكش والليلة اتضربت يعنى تتعبنى انا!
حملق به متسع الحدقتين، ليعقد مروان حاجبيه متعجبًا:
اية يابنى في اية مالك
اخيرًا استطاع إخراج الكلمات بصعوبة من بين شفتيه الثابتتين بصدمة:
يعني اية البت ماجتليش؟
رفع كتفيه وقال بلامبالاة:.

يعنى انا عرفت عشان البت اتصلت بيا وقالت لى انها مش هتقدر تيجي، ف قولت زمانك بتدعى عليا
هز رأسه غير مصدقًا، إن لم تكن هي الفتاة التي ارسلها صديقه، اذًا من تكون، من التي اثار الرعب في قلبها وفرشه براحته دون ادني شفقة!
ملابسها وحجابها الصغير، و ملامحها البريئة الجذابة لا توحى انها كذلك اطلاقًا بل هو من وضع غشاوة رغبته امام عينيه ليمنعها من التدقيق وامر العقل بالتفكير!
فغر فاهه مندهشًا:.

يعنى البت كانت عشان تنضف مش بت من اياهم!
مروان بعدم فهم:
لا ده انت تشرح لى واحدة واحدة كدة، بت مين واية إلى حصل
تنهد مالك تنهيدة تحمل الكثير، ثم بدأ يقص عليه ما حدث بهدوء شديد، يستقبل مروان الكلام بدهشة اكبر، ما إن انتهي مالك من حديثه حتى صاح فيه مروان بجدية:
الله يخربيتك يا مالك
زم مالك شفتيه بعدم رضا، ثم قال ساخرًا:
يخربيت لسانك السكر
زفر مروان بقوة، ثم تابع بلوم:.

حرام عليك يا مالك، انت ماتعرفش البت اية إلى جرالها وهي مين اصلاً
ثم تجلى صوته واردف بجدية:
لازم تعتذرلها ع طول
هز مالك رأسه نافيًا، وافترش الخبث على ملامحه بأريحية، ليركض القلق لمروان من الابتسامة التي تسللت لثغر صديقه واحتلته بلا منازع..
نظر له يحاول فهم ما يدور برأسه ثم سأله بتوجس:
انت ناوى ع اية يا مالك؟
همس بشرود وصوته يكاد يسمع:
هتشوف..

تجلس على الأريكة بالخارج، تضع يدها أسفل ذقنها وتنظر على الشارع الخارجى بشرود إرتسم على ملامحها، ذاك العالم الذي لم ولن يرحمهم ابدًا، عالم تعلمت فيه أن تتناسي ألمها حتى اصبحت تشعر انها بلا احساس!

كانت والدتها تقف خلفها، منذ ان وصلت وهي تسألها عما حدث جعلها هكذا، إنتفض جسدها بقلق من شحوب وجهها الأبيض وكأنها خرجت من معركة ما خاسرة، ولما لا، بالفعل لم تنتصر وتواجهه، بل ارتعدت، كانت الدموع متحجرة في لؤلؤتيها الرماديتين، تكبحهم بصعوبة شديدة، ويظهر جهادها في ذلك عن طريق تنفسها الغير منتظم، وسؤال والدتها يضعف من مقاومتها الشنيعة للبكاء الحاد!

يابنتى ما تريحيني وتقولى لى مالك، اية الى حصل فوق خلاكِ كدة!؟
سألتها والدتها كريمة بنبرة ظهر فيها نفاذ الصبر، لتغمغم شمس بتشنج:
مفيش يا ماما محصلش
اقتربت منها تنتزعها من جوار الشباك، لتنظر لعينيها وتشير اليها بأصبعها، وهي تصيح فيها ببعض الحدة:
امال اية الدموع الى ف عينيكِ دى!
حاولت شمس الابتعاد عن نظراتها خوفًا من افتضاح الأمر، فهى كالمرآة بالنسبة لوالدتها، أمر سهل كشفه بالطبع..

هزت رأسها نافية، واستطردت بهدوء مفتعل:
لأ متهيألك، انا متضايقة شوية بس
سألتها مستفهمة، وراحت تعيد نفس الجملة:
متضايقة من اية، حصل اية انطقي
نظرت للأرضية بأسف حقيقى، ثم تمتمت بكسرة ألمت كريمة بشدة:
بابا وحشنى اوى بس، احنا من غيره مانسواش حاجة
احتضنتها في ثوانٍ، بالرغم من صدق عبارتها إلا انها لن تستسلم وتسقط معها، ستقاوم وتقاوم حتى، الموت!
قالت بصوت ينزف ألمًا:
ان شاء الله هيرجع لنا قريب
رددت خلفها بفتور.

ان شاء الله، ياارب
إبتعدت والدتها قليلاً، واخذت نفسًا طويلًا تستعد للقادم، تحصن نفسها من التهاون امام ابنتها الوحيدة، تنحنحت قائلة وهي تنظر للجهة المعاكسة:
شمس انا عايزة أقولك على حاجة
قطبت جبينها ثم قالت متساءلة:
خير يا ماما حاجة اية؟
اجابتها بصوت قاتم هز كيانها:
يحيى ابن خالتك اتقدم لك وانا موافقة وهيجوا زيارة نتفق ع كل حاجة!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة