قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية غزالة في صحراء الذئاب للكاتبة رحمة سيد الفصل الثالث عشر

رواية غزالة في صحراء الذئاب للكاتبة رحمة سيد الفصل الثالث عشر

رواية غزالة في صحراء الذئاب للكاتبة رحمة سيد الفصل الثالث عشر

ذهب الجميع ولم يتبقي إلا هو وهي فقط!، وبمجرد أن أستوعبت تلك الجملة شُلت جميع اعضاءها عن الحركة وتسمرت مكانها، بينما أكمل هو بخبث:
أية يا عروستي وقفتي لية؟
لم تجيد الرد ولم يخرج صوتها من كثرة إرتعادها، إندهمت القوة وسقطت الحصون لتظهر القطة الخائفة امامه فقط!
حاولت إخراج الكلمات بصعوبة وكأنها تجذبها عنوة:
م ممكن تسيبني أمشي!

قهقه بسخرية واضحة، تطلب الفرار بكل بلاهة! سخرية قد تكون معتادة في موقف كهذا، ولكن من ثم اختفت عندما لمعت عينيه السوداء ببريق لامع خبيث وقال:
أسيبك تمشي فين، هو أنتِ مش عارفة إن النهاردة الدُخلة ولا أية يا شموستى
شعرت أنها ستبكِ حتمًا، لن تحتمل أكثر، فقدت كل طاقتها! ولم يعد مجرد شعور فقد ترقرت الدموع في عينيها الرمادية وهي تسأله بهدوء حذر:
أنت لية بتعمل معايا كدة، حرام عليك!

أعين لامعة تشابكت نظراتها، ورجاء اخترقه ليحاول هزه، ولكن، قابله بسد متين قوى وازداد قوة من جروحه وألامه، فرد عليها ببرود ثلجي:
أنتِ مابتزهقيش من السؤال ده، قولت لك أنتِ عجبانى، ثم إنك تحمدى ربنا إني اتجوزتك اصلاً
صرخت فيه بنفاذ صبر:
لأ لأ، هحمد ربنا على نقمة ازاى!
جن جنونه هنا، هي المذنبة وهي التي تتجبر، تتقمص الدورين بمهارة! ولكن لا، لن يسمح لها أن تحلق فوق سماؤوه بكل غرور!

وأقترب منها حد الخطورة، الخطورة التي تشعر بها من اقترابه، والتي تسبب الفرار للدماء من وجهها الأبيض، وتهديد ضربات قلبها بالتوقف!
فغمغمت متلعثمة:
أبع أبعد شوية
هز رأسه نافيًا ليتردد صوتها شبه الباكِ:
حرام عليك، أنا هتدمر بسببك
لم يعيرها أدني اهتمام وهو يقترب منها حد الإلتصاق وهمس:
هشششش اسكتِ
أنت ظالم، ظالم وهتندم صدقنى
قالتها ببكاء ودموع أبت الحبسة في جوفيها
ليتابع هو بخشونة وحدة:.

مش ظالم، أنتِ اللي كدابة وممثلة بارعة
نظرت له بهدوء لتقَول بجمود:
هتندم
فرد ببرود مقابل:
بحب الندم جداً يا حبيبتى
ولم يجد سوى صمت، صمت إكتسبته من وقحاته، وعجزها أمامه!
فقال هو بخبث:
ايوة كدة اسكتِ، شوفتى السكوت حلو ازاى، خلى الكلام لشوية كدة، هعوز اسمع صوتك جداً
بالرغم من خوفها وإرتعادها، زحفت الحمرة تلقائيًا لوجنتاها!

انفاسهم اللاهثة دوى صوتها بوضوح، لفحت أنفاسه بشرتها البيضاء، ليرتعش جسدها برعب، لم تهتز له شعرة لحالتها المرتعدة، لجسدها الذي ينتفض من قربه، بل اقترب اكثر حتى حاوطها وإلتصقت هي بالحائط، تحاول جمع شتات انفاسها المبعثرة بسبب هجومه المفاجئ، وجهها أصفر من كثرة هروب الدماء من وجهها هلعًا، فتعمدت الحروف تحديها ولم تخرج من بين شفتاها المنتكزتين، ليخرج صوته متجبرًا جامدًا:
عايزة تروحى منى فين يا شمس.

نظرت للأرض، تجز على أسنانها لتمنع دموعها من الهطول بصعوبة، همست بصوت يكاد يسمع:
ارجوك سيبنى امشي، ارجوك يا استاذ مالك
ما يزيده رجفة صوتها إلا نشوة، همس هادئًا بالرغم من امواجه المتقلبة بداخله:
لأ، مش هاتمشي غير بمزاجى
صمت برهه ليتابع بتهديد مزقها من الداخل بقسوة:
أو لما اخد منك إلى انا عايزه.

دفعته بقبضتها الصغيرة، لم يهتز للحظة، بل هي من إرتعشت كالكهرباء التي سارت في جسدها، فجأة إحتقن وجهه كجمرة من النار، وامسكها يهزها ويصيح فيها هادرًا:
عملتى معاهم كلهم كدة، اشمعنا انا!؟

لم تجيبه وإنما كان صمتها وسكونها إجابة كافية لتثير جنونه اكثر، اجابة اكدت دون قصد كل ما علم به، وحطمت بريق الأمل المتبقي، لم يلحظ الدموع الساكنة في لؤلؤتيها، ابتعد عنها مسافة قليلة، وفك أزرار قميصه وهو ينظر لها نظرة دبت جميع معانى الرعب في اوصالها، لتشعر وكأنها حقًا الان ما هي إلا غزالة في صحراء الذئاب..

وما بين التوتر والقلق والحزن، والغضب، كانت تبحث بين أرجاء المنزل عن شمس التي أختفت فجأة!
يأست من تواجدها فصرخت بحدة:
شمس!
تأففت وهي تمسح على شعرها الأسود بقوة متابعة:
هتكون راحت فين بس ياربي؟
ظلت تبحث هنا وهناك وهي تتابع مزمجرة:
يووه، إما وريتك لما تجيلي مابقاش انا.

وجلست على الأريكة بهمدان منتظرة قدومها الذي يبدو انه سيطول ويطول كثيراً...
فجأة صدح صوت هاتفها معلنًا عن إتصال، نهضت هي بخفة متجهة له، ثم التقطته واجابت بهدوء:
الووو السلام عليكم
وعليكم السلام، مدام كريمة زوجة الاستاذ صابر معايا؟
ايوة اتفضل مين حضرتك
احنا من السجن وكنت حابب أبلغك بشيئ اتمنى تتقبليه بهدوء
اتفضل يا حضرت قلقتنى
زوج حضرتك توفي أمبارح!

سقط الهاتف وصرخة مدوية خرجت منها يتبعها ركضها لترتدى ملابسها متجهة للسجن ودموعها لم تتوقف عن الهطول!

كان يجلس على الأريكة الوتيرة من أسفله، يدب بقدمه على الأرضية بقوة، لا ينظر لوالدته التي تشع نظراتها غضبًا جمًا، او لوم لتفريطه بشقيقته الوحيدة!
لا يهمه، كل ما يهمه أنه لا يبالي لهذه الشقيقة ابدًا!
وكأن ذاكرته قد ذكرته بما مضي لتعطيه المبرر لما يفعله بشقيقته..
فلاش باك.

كان يجلس في أحدى الكافيهات الراقية، ملابسه مهندمة وملامحه مضطربة بعض الشيئ، يجلس على الكرسي الخشبي وينظر بالساعة كل ثانية ليرى لماذا تأخرت؟!
وظهرت امامه بعد دقائق، بهيئتها الخليعة التي كان يحاول هو تغييرها، مساحيق تجميلها المبالغ فيها! وملابسة الضيقة!؟
اشياء حاول التغاضي عنها، ووضع غشاوة امام عينه، الحب!
جلست على الكرسي المقابل له بغرورها المعتاد، ليسارع هو بسؤالها متلهفًا:
اتأخرتِ كدة لية يا حبيبتى؟

تأففت قبل أن تجيبه ببسمه يملؤوها الحب الزائف:
يادوب عرفت أخلع من بابا بصعوبة
ضيق ما بين حاجبيه وهو يسألهت بضيق يعتريه:
هو انتِ محتاجة صعوبة عشان تشوفِ خطيبك؟
وببراعة تمثلت في تكوين بعض الدموع الزائفة، نظرت له وزجت الحزن في نظراتها والذي يقع هو أثيره، لتقول بصوت متهدج:
انا جاية النهاردة عشان أقولك حاجة مهمة وامشي
سألها مستفسراً بنفاذ صبر:
حاجة أية دى يا صافي؟

وامتثال لأوامرها افترش الألم على قسماتها وهي تخبره بنبرة متهدجة وتمثيل تفوقت فيه:
أحنا مش هينفع نكمل مع بعض يا مازن
صرخ فيها دون تردد:
أنتِ مجنونة!
لم تجيبه وامتثلت الصمت الذي هو السلاح الاقوى لتثير جنونه، فعاد يسألها بحدة وهو يهزها:
يعنى أية مش هينفع نكمل مع بعض، انتِ عارفة إن فرحنا بعد 4 أيام؟!
هزت رأسها موافقة وهي تقول بصوت أشبه للبكاء:
عارفة والله عارفة، بس غصب عنى
صرخ فيها بجدية حادة:.

هو أية ده اللي غصب عنك
رفعت كتفيها تقول ببرود داخلى:
يعنى أنا بأعمل كدة مش بمزاجى، أنا مجبرة
نظر لها بتدقيق وقال متساءلاً:
مين اللي أجبرك؟
صمتت فصرخ فيها مرة اخرى:
ردى عليا مين اللي أجبرك؟
هزت رأسها نافية لتردف:
مش هقدر أصدمك ف اقرب الناس ليك
ازداد صراخه وإلتفتت الناس له وهو يقول:
انطقي ميييين؟
ردت عليه بصراخ مماثل امتزج بالخبث الذي لم يلحظه:
اختك، اختك خلود
سألها بسكون غريب:
ازاى اختى؟

اجابت مغمغمة بضيق وحزن مصطنع:
اختك هددتني، لو مابعدتش عنك هتدخل بابا السجن!
سألها دون تعبير:
لية أختى تهددك؟
لأنها مش بتحبنى وبتكرهنى جداً لسبب أنا مش عرفاه!
نهوض يتبعه خطوات سريعة جدًا باتجاه الخارج تصحبه مناداتها له، ولكن لم تجد جواباً فارتسمت الابتسامة الخبيثة على ثغرها اللعين وهي تيقن نتيجة ما فعلته وخططت له!

باك
مسح على رأسه بقوة حتى كاد يختلع جذوره، كل قسمه وتوعده لها يتردد بأذنه يوميًا، سينتقم، سينتقم ممن فرقت بينع وبين حبيبته! أو سينتقم وفقًا للصورة التي رسمتها تلك الحيه بمهارة..
تقدمت منه والدته وهي تقول بسخط أمومي:
لا أنا مش هستنى اكتر من كدة، يلا نبلغ تانى الاربعة وعشرين ساعة مروا خلاص
هز رأسه نافيًا وهو يخبرها للمرة التي لا يتذكر عددها:.

يا أمي هي هترجع لوحدها صدقينى وكدة هيبقي اسمنا قدمنا بلاغ كاذب!
زمجرت فيه غاضبة:
أنت مجنون، بنتى مختفية بقالها يوم كامل وعايزنى أقعد زيك كدة!؟
لم يستطع الرد عليها حيث دوى صوت الهاتف فهرعت إليه مسرعة ترد بلهفة:
الووو
اتاها صوت خلود المرهق:
ماما أنا خلود
خلود حبيبتى يا بنتى انتِ كويسة؟
انا كويسة
انتِ فين يا حبيبة ماما
انا عايزة اقولكم ماتبلغوش بوليس، انا كويسة ومع جوزى
نعمممم، جوزك مين يابنتى انتِ اتجننتى.

انا اتجوزت واحد زميلى بحبه يا ماما
أنتِ مجنووونة صح
مع السلامة يا امى
واغلقت الهاتف تحت أنظار أخيها المهللة صوب والدته، ونظرات مراد المنتظرة صوت خلود التي صرخت فيه بجزع:
إرتحت كدة؟
اومأ مجيبًا ببساطة غير لائقة:
طبعًا يا خوخه
كادت تبكِ وهي تقول بنبرات متشنجة:
حرام عليك أنت مش بنى ادم اكيد
هز رأسه نافيًا يقول بصوت قاتم:
هتعرفى بعدين إني بنى ادم، وبنى ادم جدًا كمان.

لم تفهم مغزى عبارته الغير مباشر، لم تكن فوضوغ يسمح لها بالسؤال من الأساس، فقد تشوشت الصورة امامها، وترنجت قبل أن تسقط مغشيةً عليها بين يديه الصلبتين التي استقبلتها بسرعة، ظل يتمعن قسماتها بنظرات يصعب تفسيرها، ليمسح على شعرها الناعم وهو يقول بخفوت:
أنا أسف يا حبيبتى.

ولو كان الإدمان شخصًا لقتلته بالطبع، وعبارته يتردد صداها في خلدها، ولكن ألمها يحثها على الموافقة السريعة، غير عابئة بما ستجنيه لاحقًا!
نظرت له تحاول إستيعاب ما تفوه به للتو وسألته:
أنت مجنون!؟
ضحك باستخفاف ورد له نفس السؤال:
أنتِ اللى مجنونة؟
نظرت له باستفهام فتابع بحدة تجلت في نبراته:
أيوة تبقي انتِ اللي مجنونة لما تفكرى إنى ممكن أسيب حق أختى
سألته مرة اخرى والألم يزاد سيطرة عليهت رويدًا رويدًا:.

طب وأنا مالى؟
مط شفتيه ليقول بنبرة متشفية:
للأسف أنتِ أخته، ومش هعرف أنتقم منه غير عن طريقك
هدرت فيه بغضب تراكم لديها:
أختك هي اللى مجنونة لما تنتحر عشان واحد ايً كان هو مين؟!
كاد يهوى بكفه على وجنتاها بغضب، ولكنه تمالك نفسه وهو يزمجرها حادًا:
أخرسي، هي أمنت لواحد خسيس واطى فكرت أنه بيحبها
أمسكت رأسها بقوة وهي تترجاه مرة اخرى بألم حقيقي:
طب أرجوك أدينى اى حاجة دلوقتِ ونبقي نتكلم بعدين.

هز رأسه نافيًا يتابع ببرود:
تؤ تؤ، أنا عرضت عليكِ عرض والظاهر إنك بترفضيه
همست مرة اخرى بنفاذ صبر:
انا مش قادرة!
اجابها بهمس مماثل جاف:
أقبلى عرضي
هزت رأسها نافية واستطردت:
مقدرش
اجابها بنفس الرد وهو يرفع كتفيه:
وأنا كمان ماقدرش
ولم تعد ترى امامها سوى الألم والادمام يجذابها نحو حافة الدمار..!
وتنجذب هي بلا إرادة، لتصرخ فيه بحدة:
موافقة موافقة هات
تقوس فمه بشبح ابتسامة هاتفًا بخبث:
كدة تعجبينى يا حلوة!

واحيانًا كثير يتعجب الشخص من نفسه حد الاندهاش عندما يجد نفسه يسير بمسار غير طبيعى نسبةً له، عندما يجد أن الفعل مناسب ولكن رد الفعل ما هو غير مناسب تمامًا!

هب منتصبًا من الفراش يرتدى بنطاله وهو ينظر له بحدقتين متسعتين، تشعان نظرات غير مصدقة ترجو التكذيب منها، بينما هي تعد في عالم أخر، عالم تحلق هي فين بحريتها تنعم بهدوء من نوع اخر لم تحظى به منذ دلوفه لحياتها، نظراتها مصوبة نحو اللاشيئ، ووجهها شاحب شحوب الموتى، وكأنه اخذ روحها وليس عذريتها فقط!
أقترب منها صارخًا فيها بجنون:
ازااااى طب ازااااى؟

نظرت له نظرة لم يستطع تفسيرها، نظرة مغلفة بالألاف من الأغلفة واولهم التماسك، ليسألها بأكثر توضيح مشيرًا للبقعة الحمراء اعلى الفراش:
أزاى كنتِ آآ، كنتِ عذراء
لم ترد عليه وإنما ظلت كما هي على وضعها، وكأنها أقسمت ألا يخرج صوتها امامه ثانيةً إلا في حالة واحدة!
متلمسنييييش
صرخت بها عندما أقترب منها يحاول أن يديرها لتنظر نحوه، ولكن فوجئ ببرودة جسدها حد الخطورة، فهمس لها مهدئًا:
اهدى، اهدى.

وبصوت مهزوز تابعت دون أن تنظر له:
قولتلك سيبنى، قولتلك هتدمرنى
هز رأسه وهو يزمجر فيها غاضبًا:
طب ازاى و انتِ آآ
قاطعته بسخرية مريرة:
اية، انا بنت ليل صح
أفكار متلاطمة تضاربه، تارة تجعله يشعر بالندم، وتارة لا تصدقها وتمقتها اكثر!؟
فقال لها بقسوة:
أيوة، ف ازاى تبقي عذراء ازاااى
ظل يمسح على شعره وهو يردد تلقائيًا:
يعنى انا اول واحد ألمسك ازاااااااى ازااااى حد يفهمنى.

بينما هي، كل ما يتردد بخلدها الان شيئ واحد فقط، استسلامها المخجل للمساته الحميمية، وبدءت تتذكر ما حدث..
ولكن اوقفت افكارها بصعوبة وهي تضغط على رأسها صارخة فيه بهيستريا:
طلقنى، طلقنى كفااااية!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة