قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية غزالة في صحراء الذئاب للكاتبة رحمة سيد الفصل التاسع عشر

رواية غزالة في صحراء الذئاب للكاتبة رحمة سيد الفصل التاسع عشر

رواية غزالة في صحراء الذئاب للكاتبة رحمة سيد الفصل التاسع عشر

صوت إصطدام قوى في الخارج ازعج إنفراده بنفسه، فنهض مسرعًا للخارج، ألف فكرة وفكرة تداهمه حول شمس..
وصل ليجد الباب مفتوح، اسرع للخارج ليراها مُلقاه على الأرض فاقدة الوعى، سقط قلبه ارضًا لجوارها قبل جسده، وجحظت عيناه وهو يجلس في مستواها يناديها بهلع:
شمس، شمس فوقى.

لكن لا مجيب، غابت في عالمها الخاص الذي لم يسلب منها ما تحبه، وضع يده أسفل ركبتيها والاخرى اسفل رقبتها ليحملها متجهًا للخارج مرة أخرى، وضعها على الأريكة وركض للمطبخ ليجلب زجاجة ماء ثم جلس لجوراها مرة اخرى، يصعب عليه تحديد ما يشعر به الان، ولكن يتمثل في شرارات هلع و، خوف!

رش عليها قطرات الماء وكأنه مع كل قطرة يدعوها أن تسرع في الاستيقاظ، واخيرًا بدءت تحرك جفنيها بتثاقل، حركتها تلك جعلت أنفاسه تنتظم ولو قليلاً، ظل يلمس وجنتاها بملمس يده الخشنة ونظراته ترجوها قبل لسانه أن تفتح عيناها:
أفتحى عينك، خلى شمسي تظهر
وكأنما جفنيها أستجابا النداء، لتشرق عينيها الرمادية بشمسها المشعشعة معلنة عن بدء رحلة جديدة، قد تكون مفعمة بالعذاب!

وبمجرد أن رأت وجهه، كانت رسالة لها بأنها قد عادت لهذا العالم، وٱرتكزت تلك الجملة التي قطعت نياط قلبها متفننة في تسبب الألم الشنيع لها..
أبوكِ مات يا شمس، مات وسابنا لوحدنا الديابة تنهش فينا
تركهم بالفعل!
تركهم بلا عودة معلنًا إنهدام حصونه الروحانية!
تركهم الدافع القوى للصبر والبريق اللامع للإيمان!
نهضت مسرعة وهي تصرخ بجزع حقيقي:
لالالالالالا بابااااااااااا.

صرخة كادت تهز جدران المنزل، ممتلئة بالألم الحقيقي، الألم الذي نبع منها بوضوح وكأنها لا طاقة لها لتخبأه بعد الان!
دموع، لا لا شلالات أقل ما يُقال عنها، عصفت بعينيها، لتدميها بحزن تعمق منها بحق، تتبعها شهقات متتالية وهي تود القيام ؛
لا لا بابا ماسابنيش، لا مش هيسبنى بسهولة أغرق لوحدى
كلماتها نابعة من عقلها قبل قلبها، بالفعل وكأن طوق النجاة ابتعد عنها لتهوى في عرض البحر، وحدها!

أمسكها مالك من ذراعيها محاولاً تهدأتها وقد قرع قلبه بفزغ حقيقي على حالتها تلك، حالة جديدة يكتشفها فيه ولكن أضغف واسوء..
همس برجاء حار لأول مرة يجتاح نبرته الرجولية الجامدة:
شمس اهدى، حصل أية!؟
تهدئ!
هي لن تعرف للهدوء معنًا بعد الان، مات من كان يبعث في روحها الهدوء..
نظرت له بعينيها الحمراوتين وهي تصرخ فيه بحدة مفرطة:
ابعد عنى اوعى ايدك
لم يستجيب لكلامها وهو يهز رأسه نافيًا بأصرار:.

اهدى الاول، مش هسيبك بحالتك دى
حاولت إفلات يداها من قبضته وهي مستمرة في الصراخ بوجهه بهيسترية:
ابعد عنى، ملكش دعوة بياااا انت السبب
سألها وقد بدء غضبه في الظهور:
انا السبب ف اية أنتِ اتجننتِ
لم تكف عن محاولة تحرير نفسها من بين يديه، لتنوح بصوت جمع فيه مقاومتها وصراخها:
باباااا مااااااااااات، مااااات وسابنى لوحدى
الان فقط فهم سبب ذاك الأنهيار، ولكن لم يكن يتخيل أن والدها يعنى لها كل هذا!

أن كل هذا ال، الالم والحب سيتدفقا منها معًا له فقط!
ربما لأنه شعور فطرى لم يشعر به يومًا نحو والده..
وهي لم تكن في وضع يسمح لها بالانتظار حتى يستوعب ما رمته به فابعدت يدها بقوة لما تعرف من أين اخترقتها لتهرول للأسفل غير عابئة بمناداته ولا ركضه خلفها!

تناقض ما بين شعوران يشعر بهم زياد الان، شعور ينهره، أنت من فعلت بها ذلك يا احمق، دمرتها والان قلبك يهرع هلعًا إليها خشيةً فقدانها!
وشعور المنتصر المتلذذ بتعذيب معذبته السابقة، التي فاجئته بضربة في منتصف قلبه مميتة!
احداهما نابع من القلب، والأخر مؤكد نابع من العقل الشيطانى..
ملقاه امامه لا حول بها ولا قوة، يهزها، يضربها برفق، يحاول أن يعيدها لوعيها! ولكن لما الرفق الان، لقد انتهى كل شيئ!

ظل يصرخ بهيسترية مرددًا:
زينة قومى، مينفعش يجرالك حاجة دلوقتِ، لسة ماصفيناش حسابنا
وبالطبع لن ترد، نهض مسرعًا ليجلب زجاجة من المطبخ وبداخله أمل أن تكون فقدت الوعى فقط من الألم!
ظل يرش الماء بكثرة على وجهها وهو يردد دون وعى:
فوقي بقا، فوقي أرجوكِ
لم يكن يعلم تحديدًا لما يرجوها!؟ ليكمل إنتقامه الذي لم يتحقق نصفه حتى، ام..
لا لا هو فقط من اجل انتقامه المحتوم.

اومأ وهو يؤكد ذلك لنفسه، بدءت تتأوه بخفوت وهي ترمش بعينيها، ليهمس هو بحماس محركًا اياها:
ايوة قومى يلا يا زينة
ومن دون قصد ضغط على جرح ما سببه هو له عند ظهرها لتصرخ هي من شدة الألم الحقيقي الذي شعرت به:
آآه كفاية ضهرى
ابعد يده مسرعًا وهو يغمغم بخشونة:
مش قصدى
بدءت تحاول الجلوس وهي تبكِ، تبكِ من الألام التي تحيط روحها قبل جسدها، روحها التي زُهقت من كثرة التعذيب المقصود منه او الغير مقصود من أهلها!

تقدم مرة اخرى وكاد ينطق إلا انها تزحزحت للخلف هاتفة بخوف لأول مرة يلمع في جوف عينيها:
لأ ارجوك كفاية مش قادرة هموت
نهض ممسكًا بيداها ليرفعها للأعلى، لن يهتز شعور الشفقة لها مرة اخرى..
او يمكن هذا ما أقنع نفسه به!
جلست على الفراش وهي تأن بألم لمس روحه بحق، نظر لها محذرًا وقال:
خليكِ هنا هروح اجيب الاسعافات الاولية واجى تانى
اومأت بطاعة اكتسبتها من الالم، طاعة لم تعرفها يومًا!.

تقدم بعد دقيقة منها حاملاً بيده علبة الأسعافات الأولية، وجلس بجوارها وبدء يداوى جروحها، تحت نظراتها المتعجبة، أهو مجنون أم حنون!؟
الفارق نقطة!
يؤلمها بتفنن ليعالجها!؟
وصدح صوت هاتفه معلنًا اتصال من شخصًا ما، تأفف وهو ينهض متجهًا لهاتفه، ليرى أسم الطبيب يلمع امامه على شاشة هاتفه، ولمعت معه شرارات الغضب التي كُتمت للحظات..
بدأ قلبه يدق بصخب، هل مرت الساعتان بهذه السرعة؟!

ابتلع ريقه ورد على الهاتف بهدوء حاول إختلاقه:
الووو يا دكتور
ايوة يا استاذ زياد
التحاليل اتعملت بسرعة كدة؟
انا مابستعجلش كدة إلا ف الحالات الطارئة
اية النتيجة؟
أنا أسف، بس طلع شكى غلط، مدام زينة مش حامل، الاغماء كان نتيجة لتعرضها للأرهاق بس
ويا ليتها كانت حامل بالفعل!
سيجد مبررًا لفعلته، ولكن الان ما المبر!
سمع صوته المُصر على صدمته:
بس يؤسفنى اقولك حاجة اسوء
حاجة اية؟

من التحاليل أكتشفنا إن مدام زينة مدمنة مخدرات!

محدقة به ببلاهة فطرية في موقف كهذا، يحبها!
هي سمعتها بالفعل لم تكن تحلم، قلبها الذي رفرف بأنتصار أكد لها!
عيناه ونظراته الثاقبة أكدت لها!
دقاته التي تشعر بها أسفل يدها تدق بصخب لتشعرك أنها على وشك التوقف!
كلها دلائل مؤكدة على ما قاله لتوه، ولكن ماذا عنها!؟
وكأنه استشف ما يدور بخلدها فأراد معرفة تلك الاجابة:
مالك؟!

انتشلها من صدمتها المؤقتة لتلاحظ الوضع التي هي به، اعتدلت سريعًا في محاولة للأبتعاد عنه، عن أى لمسة منه!
وقفت مقابله تقول له بهمس:
أنت مجنون
رفع حاجبه الأيسر مجيبًا بمشاكسة:
مجنون بيكِ
عادت لحدتها وهي تهتف مزمجرة:
لتكون مفكر أن هصدق كلامك التافه، وأسكت عن اللي أنت اتسببت فيه بينى وبين ماما!؟
هز رأسه نافيًا وقال بإتزان رجولى يليق به:
أنا مبعملش كدة عشان أنسيكِ اللي حصل، لأنى مغلطتش لما طالبت بحقي في مراتى.

مراتى!
كلمة داعبت مشاعرها المحصنة بسلاح التهديد للأختراق والتوغل داخل خلاياها!
معه حق!، ولكن فعلت هي معه بالمثل، هذا حق لم تأذن له به!
وكأنه تذكرت فاستطردت بجدية شابتها الحدة:
لأ، أنا مش مراتك، احنا بينا حتت ورقة لا راحت ولا جات، ماتتدخلش تانى فيا ابدًا
أغمض عينيه بقوة يهدئ ثورته، وصله مغزاها من ترديد نفس كلماته..
ارادت ان تسدد له الصاع صاعين، ولكن هنا، في منزله وفي مملكته..

هو فقط من يحكم ويتجبر، لا يرد له اى شخص ما فعله!
نظر في عينيها بقوة وتابع:
لأ، أنا اتدخل براحتى، انا هنا الراجل والحاكم والمتجبر، مش أنتِ
اى ظلم هذا الذي يتفوه به علنًا،!
نظرت له بقوة مماثلة وقالت:
انا مش تحت أمرك، أنت قولت كلمتك بحبك، وانا بقولك، بكرهك يا مراد
ثم استدارت لتغادر والغضب لم يكف عن ملاحقتها، لا تعرف جملتها صادقة ام كاذبة ولكنها تشعر انها انتقمت بها!،
ليهمس هو بابتسامة غريبة:.

طول عمرك بتقولى كدة وقت الغضب، يا ليلاي!
هو لم يقصدها هي، لم يرها هي!
كان قناع الحب واهى امام عينيه، لم يرى خلود، بل كانت ليلى!

جيتِ يا أمي..
هتف بها تامر شقيق خلود وهو يترقب والدته التي دلفت لتوها الى المنزل، رؤية ملامح وجهها تتشبع الغضب، والألم، والحسرة والحزن معًا،
تبعث بداخل روحه شعور الأنتصار لتحقيق ما اراد، هو فقط اراد هذا، اهتزاز صورتها امام اغلى شخص...!
كما اهتزت صورته هو امام حبيبته عندما فشل في الدفاع عن حبهمها كما هُيئ له!
لتجلس والدته بجواره بهمدان مغمغمة:
وياريتنى ما جيت
سارع بالقول مسرعًا:.

بعيد الشر عنك يا ست الكل، انا حبيتك تروحى عشان تطمنى عليها وتشوفى بنفسك أنها رافضة الرجوع تمامًا
اومأت برأسها موافقة وهي تردد بحسرة:
حتى انا رفضت تيجى معايا
نهض وهو يفتعل الغضب بهدر:
ياريتك كنتِ سبتينى أموتها بأيدى واغسل عارنا
هزت رأسها نافية بسرعة وهي تقول بحزن شابه العاطفة الأمومية:
لا، هي اختارت طريقها واتجوزته، مش عايشة معاه بالحرام، لكن ده مش هيقلل من غضبي عليها للممات
اومأ بهدوء مصطنع واستطرد:.

معلش يا أمي، ربنا يعوضك خير
اومأت متمتمة:
ان شاء الله
ثم نهضت متجهه لغرفتها وهي تجر جسدها بصعوبة، ولكن فجأة توقفت وهي تنظر ل تامر متساءلة:
لكن مقولتليش أنت جبت عنوانها منين
لم يكن هذا السؤال متوقع ابدًا..
سؤال داهمه ليفتت جمعه لنفسه، اعتقد أن الصدمة ستلهيها عن هذا السؤال!
ولكن فشل!
حرك لسانه بصعوبة مجيبًا بتوتر:
آآ أنا آآ جبته بطريقتى يا أمى
و...

كانت شمس تقف امامه والدتها في صالة منزلهم جامدة، بلا حراك، الصدمة كثرت ووالدتها تؤكد لها ما سمعته، منهارة حرفيًا!
الصدمة كثرت والتماسك انتهى!
اى تماسك هذا، لقد تفتت روحها لقطع متناثرة هنا وهناك، ولكن دموعها تأبى النزول، تأبى الضعف، بالرغم من تقطع قلبها داخليًا، يأمرها بالانهيار بالتعبير عن ذاك الالم..
ولكن لا من مجيب، هذا الصمت اكبر من عذاب الانهيار!
حاول مالك هزها برفق وهو يقول:.

شمس، شمس ردى عليا عيطى زعقي اصرخى اعملى اي حاجة
لا ولن ترد، تمسكت بالصمت الذي اعتصر قلبها بقبضته، يأمره السكووون!
هنا قالت والدتها من بين شهقاتها:
اخرج برة، انت اية اللي جابك هنا برررررة مش عايزين حد
كز على أسنانه بغيظ حقيقي، لولا حالتهم تلك التي تقيده، لكن رد عليها رد لاذع، ولكن التزم الهدوء بقوله:
لو سمحتى تهدى انا آآ...
قاطعهم صوت يعرفونه جيدًا، ولربما يكرهونه، يقول برفق غير محبب:.

ماسمعتش، ياريت تنصرف وانا هاعتنى بأهلى بطريقتى!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة