قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية غزالة في صحراء الذئاب للكاتبة رحمة سيد الفصل الأول

رواية غزالة في صحراء الذئاب للكاتبة رحمة سيد الفصل الأول

رواية غزالة في صحراء الذئاب للكاتبة رحمة سيد الفصل الأول

على صوت زقزقة العصافير، وطلوع الشمس لتسطع بنورها الذي ينير الاجواء، ليبث الطمأنينة في روح كل شخص وبالأسفل أصوات اناس هادئة تعم المنطقة، تحديدًا في منطقة المعادى، تنام على فراشها الوتير بشكل عشوائى، في غرفة صغيرة ضيقة متهالكة، جدرانها قديمة جدًا، تكاد تهدم، مكونة من فراش صغير، ومكتب صغير، شعرها الأسود الحريرى يتناثر على الوسادة بجوارها كأنها رسمة على ورق، ورموشها الكثيفة تغطي جفن عينيها الرمادية التي يملؤوها اليأس، وحاجبيها السوداودين يشكلان شكلاً رائعًا، ذات جسد ممشوق متوسط، ملامحها البريئة تجذب كل من يراها من اول وهلة، بشرتها بيضاء، ترتدى شورت قصير وتيشرت دون حملات، الاصوات المتداخلة العالية بعض الشيئ، افاقتها من سباتها العميق الذي تهرب فيه من ذاك العالم، فتحت عيونها بتثاقل، لتشرق عينيها الرمادية الجذابة، وتتململ في الفراش بكسل، أمسكت بهاتفها الصغير الموضوع على المكتب، لتنظر في الساعة تجدها الثانية عشر ظهرًا، تأففت بضيق ثم نهضت وهي تجوب الغرفة بعينيها، لتجدها فارغة، اتجهت للخارج بتنهيدة لتجد والدتها تجلس على الكرسي امام المنضدة لتحضر الطعام، نظرت لها والدتها كريمة ذات وجه بشوش، وجسد ممتلئ، ترتدى جلباب من اللون الأسود وطرحة صغيرة على شعرها القصير الاسود، تمتاز بالحنان، وحبها الأبدى لأبنتها الوحيدة وزوجها، ونظرت لها ثم هتفت بهدوء:.

انتِ صحيتي يا شمس، تعالي افطرى
إقتربت منها شمس ثم هزت رأسها نافية، ونظرت لها بحزن قبل ان تهمس بألم تجسد في نبرتها:
لا مش عايزة، انا هأروح ازور بابا، واخدله اكل معايا.

هوت كريمة على الكرسي الخشبي بثقل جسدها حتى اصدر صوتًا، نظراتها مثبتة على شمس، تقول الف كلمة واولهم إلى متي ستظهر القوة وبداخلها يتآكل كالصدئ في الحديد، إلى متي ستتحمل نظرات الجميع الموجهة نحوها بأتهام شنيع، وكأنها عليها وصمة عار ابدية، تشنج وجهها وهي تجيبها بخفوت:
ايوة تعالي وانا رايحة معاكِ بس بأخلص الأكل، انتِ عارفة اكل السجن ازاى.

اماءت بهدوء افتعلته بصعوبة لتسير متجهة للمرحاض قبل إنهيار حصونها الهادئة، قبل ان تمتزج بألم والدتها ويكونا إعصَار قوى يدمر كل من يقف امامهم، هي لا ترغب بذلك حتى لا تؤكد كلامهم..

دلفت إلى المرحاض الصغير الذي يكمن بجوار الصالة تمامًا، فتحت الباب الخشبي المتهالك بقبضة يدها الصغيرة، واغلقته خلفها، تتنهد بقوة، تمنع دموعها من الهطول بصعوبة، اغتسلت ثم توضأت بسرعة وخرجت، ارتدت ملابسها المكونة من بنطال اسود طويل واسع، وتيشرت اعلاه طويل إلى حدًا ما ذو اكمام، تخفي كل جزء من جسدها الابيض، ابتسمت بسخرية مريرة، فهذا كل ما تملكه، هذا يعد كل ممتلكاتها في هذه الحياه التي سلبت منها كل شيئ، ارتدت طرحتها الزرقاء، ثم بدأت تؤدى فريضتها بخشوع، وبالطبع لا تخلو من دعاءها لوالدها المسجون، تقريبًا منذ ان كانت في الرابعة عشر من عمرها، وهي الان في الثانية والعشرون من عمرها، اخر سنة بكلية الحقوق، خرجت لتجد والدتها قد ارتدت ملابسها ايضًا، نظرت لها بتفحص، ثم اقتربت منها وهي تقول متساءلة:.

خلصتى يا امى ولا لسة؟
اومأت كريمة لتؤكد انها مازالت محتفظة بهدوءها وصبرها، تقدمت شمس ثم حملت الطعام، واتجهت للخارج بجوار والدتها، ثم اخرجت المفتاح من حقيبتها، ألقت نظرة اخيرة على منزلها الضيق الصغير، وكأنها تبحث عن طيف سعادة كانت به يومًا، ولكن الان صار كالسجن يخنق كل من يدخله..

ساروا متجهين للخارج من العمارة الواسعة، والتي يقطنون بها في الدور الارضي، تشعر بالإنكسار يجتاحها كلما تذكرت جملة شخصًا ما عنه ده بيت البواب لا شك انها تفتخر بوالدها دائمًا، ولكن كم الضغوطات من حولها تفوق قدرة اى بشر، تنهدت بضيق استعدادًا وتهيئة نفسية لأذنيها للنصوص التوبيخية التي سترن على اذنيها كالطبول الصاعقة، بدأ ما توقعته بقول جارتهم التي ما إن رأتهم بسخريتها المعتادة:.

ياعيني هو لسة ماخرجش من السجن
جزت شمس على شفتيها بغبطة، في حين والدتها ضغطت على يدها بهدوء، تكتفها بضغطتها لتصمت كعادتها، تتحمل وتصبر، ولكن إلى متي؟!
اكملت الاخرى وقد كانت نبراتها تحمل الشماتة المكبوتة بداخلها:
واحد قتال قتلة، اكيد مش هيطلع منها.

آآه من كلماتهم التي كانت كالسهام السامة تنغرز في قلب كلاهما بلا رحمة، تتشنج جميع اجزاء جسدها بمجرد سماعها لكلماتهم اليومية، حاولت ان تعتادها، و دائمًا كان حبها لوالدها يصبح كالمطهر سرعان ما يمحى كل كلماتهم القاسية، ليطبع وشمًا ابديًا، وهو الصبر.

في غرفة متوسطة المعيشة، معظمها من اللون الاحمر، تطل على الشارع، وبها دولاب متوسط من اللون الأسود، ومكتبة معلقة على الحائط مرص بها العديد من الكتب، هبت جالسة على الفراش الصغير بشهقة عالية، تضع يدها على صدرها لتهدأ انفاسها اللاهثة، تضغط بقوة عليه وكأنها رسالة تخبره فيها ان يهدأ فهذه ليست المرة الأولي، وانما كل مرة يصبح الحلم اسوء وابشع، الدموع متحجرة في عينيها، لا ولن تسمح لها بالحرية ابدًا، اصدرت انينًا خافتًا متألمًا ليعبر عن مدى الحزن الذي يجيش بصدرها حتى كاد يقتلها مع الوقت، اطبقت على شفتيها الوردية بقوة تعتصرهم لتمنع دموعها من الهطول، فتحت والدتها الباب بسرعة دون ان تقرعه، واقتربت منها متساءلة بفزع بعدما رأت شحوب وجهها الأسمر وحالتهت المتجمدة تلك:.

خلوود، مالك يا حبيبتي
ظلت صامتة، ثانية، اثنان، ثلاثة، تزج الهدوء بداخلها لتخفي ذاك الحزن الذي كاد يفترش على قسمات وجهها، ثم قالت بصوت مغلف بالوهن الذي اكتسحها:
نفس الحلم بشخص تانى، انا زهقت
زمت شفتيها بعدم رضا، تعترض وبشدة على هذه الاحلام التي تقلق نومتها كل ليلة، تنهدت بعمق قبل ان تردف بهدوء:
معلش يا حبيبتي معلش، حاسه بيكِ.

كان هدوءها عبارة عن قشرة رقيقة، من مجرد لمسها ينزاح ليظهر مدى الألم والصراخ المكبوت بداخلها، صراخ لو خرج منها لأصاب اذن كل من سمعه من شدته، هزت رأسها نافية ولم تنظر لوالدتها، اكتفت بالهمس المسموع بصعوبة:
لا، محدش حاسس بيا يا امى حتى انتِ
عضت كريمة على شفتها السفلية بحزن، ابنتها وزهرتها المتفتحة تراها تذبل كل يومًا عن ذى قبل، إلى متي ستنتظر، حتى تراها ذبلت كليًا وتصبح جسد يزجه القدر بلا روح ولا هدف!

نظرت لعينيها السوداء التي كستها الدموع حتى اعطتها لمعة ملتهبة زادت من سوادها المظلم كحلكة الليل، ثم استطردت بلوم:
ياما قولتلك نروح للشيخ حافظ يمكن يكون فيكِ حاجة وانتِ مش عايزة تسمعى كلامى ابدًا
كلماتها عادت تجرح فيها دون قصد من جديد، من كثرة النقاش في هذا الموضوع اصبحت تشعر ان قواها خارت، تكفيها للعيش فقط، أعلنت قسمات وجهها ما يدور بخواطرها، لتتابع والدتها بحنان:
ربنا يريح قلبك ويهديكِ يا حبيبتي.

لم ترفع ناظريها عن الأرضية وكأنها تبحث عن شيئً ما وردد لسانها تلقائيًا:
يااارب يا امي، انا محتاجة الدعوة دى اوى اوى
أقتربت منها تحتضنها بين ذراعيها، تطوقها بقوة، لتختبئ زهرتها في حصن منيع لحمايتها، تريد التقلص لتتوغل لداخلها وتمحو كل الأحلام هذه!
فجأة ابتعدت خلود وسرعان ما تبدلت نظراتها للهلع، ومن ثم قالت بقلق:
انا لازم اروح الحقه.

حالتها تلك ونظراتها تكفلت بإيصال مقصدها على الفور لوالدتها التي هبت واقفة وأجفلت وهي تهز رأسها بأعتراض شديد، ثم قالت بجدية:
مستحييل اسيبك تروحي.

نهضت متجهة لدولابها وبدأت تخرج ملابسها بسرعة، كالتي توقف عقلها عن التفكير في اى شيئ سوى انقاذ الضحية القادمة، وجهها واجم، تكاد تختلع الرف بيدها وهي تخرج منه الملابس بسرعة، تقلص شعورها بالخجل من والدتها، وبدأت تبدل ملابسها، انتهت ثم رمقت والدتها بجدية يشوبها الحدة بهدف تغيير موقف والدتها الصارم:
محدش هيمنعني يا أمي.

كانت والدتها تطالعها بذهول، وكأنها ليست ابنتها بتاتًا بل جزء منفصل عنها، جزء مختلف بكل جوانبه، عينيها السوداء توحي بأنذار الخطر الذي سيهب بوجه خلود حتمًا، أستدركت نفسها وعادت تنظر لها بحدة وقالت:
وانا مش هأنزلك غير على جثتي..!

كانت تقف امام الشرفة المطلة على الحديقة الخضراء، تتطلع على الاوراق اللامعة بفعل اشعة الشمس، يُوضح إنعكاس اشعتها في عينيها الزيتونية، عقصت خصلاتها خلف اذنها التي تطايرت مع نسمات الهواء الهادئة، تمتلىء ملابسها الضيقة بجسدها الثمين، تعطيه ظهرها بقامتها القصيرة، من يراها لا يصدق انها في الخمسون من عمرها، عادت تتأفف بملل وهي تستمع لمحاضرة زوجها التهذيبية اليومية، اعتادتها وملت منها، ألم يشعر ان مفعولها اصبح معدوم لديها؟!، ام انه يكابر بمحاولات عديدة علها يكن لها تأثير واضح في مرة من المرات من اجل الوصول لمسعاه، اولاده فقط، مالك، زينة، قرة عينه، قالت بضجر ولم تنظر له:.

يوووه، انا زهقت يا جمال، كل يوم محاضرة، انا ملييييت
بالفعل استنفذت كل الفرص لديه، خطواته شبه الراكضة نحوها عبرت عن غضبه الجامح الذي اجتاحه، شعرت كما لو انه ثور هائج يركض باتجاهها، قبضته القوية على ذراعها الأبيض جعلتها تتأوه بألم:
آآآه ايدى يا جمال سيبني.

لم يتركها وانما ظل يضغط اكثر، كلماتها التي من المفترض ان تهدأ من روعه تجعله يثور ويثور اكثر، إلى متي سيظل هكذا؟ إلى متي سيحاول ترميم علاقتها بولديها هكذا؟!
زمجر فيه بغضب وحدة رغم قوتهم إلا انهم لم يعبروا عن ولو ربع ما يجيش بصدره من عواصف:
هتفضلي كدة لحد امتي فهميني، انتِ استحالة تكونى ام استحالة
استطاعت بمهارة انتشال الألم من خلجات وجهها، لترسم السخرية التي باتت معتادة منها، وغمغمت بتهكم:.

اية ده بجد، وده اكتشفته امتي؟
سمعت فقط صوت انفاسه اللاهثة، تعلم بمقدار جهده للسيطرة على نفسه حتى لا يرتكب جريمة، ولكنها تستغل ذلك..
باتت الحدة تزداد جلية في نبرتها اللوامة:
قولتلك ماتجيش تلومني بعد كل السنين دى، انت اكتر واحد عارف انك السبب.

اصدر انينًا خافتًا، يعلم انه السبب الرئيسي في انقطاع حبال الأمومة والحنان بينها وبين ابناؤوه، ولكن كل متهم يُجازى بفترة ويعود للحرية، ولكنه من الواضح ان فترته كالسراب لا نهاية لها ابدًا!
قال بصوت اشبه للهمس:
ارحمينى بقا انا تعبت، لحد امتى هدفع التمن، طب بلاش عشانى عشان ولادنا، ذنبهم اية يدفعوا التمن
هي نفسها لا تعلم اجابة هذا السؤال، ولكن ما هي متيقنة منه بعض الشيئ انها تنتقم من نفسها قبل اى شخص..

بردو خناق! ربنا يجيرنا بصراحة
هتف بها شاب في العشرينات من عمره، قوامه العريض يعطيه مظهر رجولى جذاب، بجوار ملامحه التي باتت كالطريق المسحور تسحر كل من يسير ويدقق فيها، عيناه البنية تخفي وميض ألم يصعب على عالم في قراءة العيون معرفته، ينزل على درجات السلم بخطى متاهفته، بعينيه نظرات يفترض أن تؤلمهم، زفر جمال بقوة قبل ان يجيبه بأبتسامة صفراء امل ان تخفي الغضب:.

لا يا مالك يا حبيبي، احنا كنا بنتكلم عادى بنتناقش يعني.

زم شفتاه بسخرية، يرى بوضوح ما يحاولوا هم اخفاؤوه، تتكفل اصواتهم العالية بفهمه لكل شيئ، واحيانًا يفقدوا السيطرة على اعصابهم فيزول ذاك الغطاء الهادئ، ليحل محله شرارات غاضبة كارهة، بمجرد رؤيتهم يرى صمتهم، وكأنه اتفاق بينهم، ولكن، يرى تصرفات والدته التي باتت واضحة كعين الشمس، اقترب منهم اكثر حتى اصبح امامهم يطالعهم بهيئته الساخرة، ثم جلي الجمود في نبراته:.

انا رايح شقة المعادى، مابقتش قادر اقعد هنا اكتر
لمس ولده لهجة الامر في نبرته، وكأن الأدوار تبدلت ليفعل ما شاء ويخبرهم فقط، وهم يخشونه كطفل مرتعد من والده، ولكن يختتم تفكيره بالنهاية بأنه من فعل ذلك لا غيره، وبصرامة حاول جعلها تتوغل لهجته:
بس ياريت مايبقاش فيها صحابك الصيع دول وخمرة وبنات!

ضحك بسخرية، كلماته يلقيها بصرامة وكأنه يخشي سقوطه من حافة الهاوية، ولكن، يظل فاقد الشيئ لا يعطيه، كيف يريده ان يصبح هكذا وهو من الاساس لم يكن هكذا..!؟
اومأ ثم استدار وغادر على عقبيه تاركًا اياهم يعضوا على شفتيهم ندمًا.

تحت اضواء الشمس الحارقة، تقريبًا في الصحراء، منطقة مهجورة، اذا القيت بسن رفيع تسمع صوته، او نبيح الكلاب ولو صباحًا، امام سيارة سوداء كبيرة في اخر المنطقة، صدح صوته المتساءل بأختناق:
يعني ملاقتش غير المكان ده
سألها بنبرة ظهر فيها الجزع والملل، بجسد لم يعتاد على هذه الشمس فربما تأكل من كثرتها، وبدلته السوداء التي يرتديها تمتص الشمس وكأنها قاصدة تعذيبه ليس إلا!

نظر له الواقف بجواره امام السيارة وهو يرمقه بنظرات حانقة مستهانة، لم يستطع اخفاؤوها من عينيه السوداء ولو انه يعلم بمقدار خطورة ذلك، ثم قال بنزق:
ما انت إلى قولت لى مكان مقطوع يا ريس
اومأ الاخر، ثم ارتكز بيداه على السيارة، ولاحت بعيناه سحابة غامضة، قبل ان يستطرد بجدية معتادة منه:
انت عارف طبعًا انا جايبك هنا لية؟

اومأ بتأكيد، فقد أصبح هذا الموضوع محور حياتهم، مهما يتلفتوا يعودوا له من جديد، اصبح كالسلاسل الحديدة الخانقة تختنقهم كلما ارادوا الأرتياح..!
تنهد تنهيدة خرجت من اعماقه ثم تابع بهدوء حذر:
لسة معرفتوش مكانها؟
هز رأسه نافيًا، هزة جعلت الاخر يرغب في الاطاحة برأسه في نفس اللحظة من شدة غضبه، تطايرت شرارات سوداء غاضبة مشتعلة من عينيه وهمس بنبرة اشبه لفحيح الافعي:
لحد امتى!

عقد حاجبيه بعدم فهم ونظر له مستفهمًا، مما دفعه لإلقاء اوامره الحادة:
لحد امتى يا معتز، انت عارف دى مهمة لينا ازاى، دى إلى هتودينا حبل المشنقة او تبعدنا عنه، انت لازم تلاقيها
ابتعد عن السيارة يطالعه بغضب وحنق حقيقي اظهرته ملامحه التي اشتدت وتشنجت، ومن ثم صرخ فيه من دون وعى:
يعني اعمل اية ياريس، انا مابنامش الليل، لكن بردو مش لاقي حاجة
قال بتحذير ألقي الرعب في قلبه بلحظتها:.

في خلال يومين تكون لاقيتها احسنلك
صمت الاخر بعجز يتملكه، إن كان يبحث لمدة سنوات ولم يجدها وكأنها اختفت من الوجود، يبحث عنها كالقشة في كومة قمح، بينما اعطاه الاخر طفيف اخر امل بقوله الخبيث:
ولو ملاقتهاش يبقي مفيش غير حل واحد بس...!؟

كانت تجلس شمس على احدى المقاعد الخشبية الصغيرة، بجوار والدتها التي كانت تكبح دموعها بصعوبة تعلم هي وحدها مقدارها، تطالع زوجها الحبيب بهيئته المرزية تلك، ذقنه الطويلة وشعره الذي تختلط به بعض الشعيرات البيضاء، جسده النحيف يوحى بمدى ضعفه وألمه في هذا المكان القاتم، اما عنها هي فلا حاجة لسؤال تعلم اجابته بأتقان، توغلها الألم بكثرة حتى اعتادته، فما المانع ان ازداد قليلاً وهي ترى اعز شخص لديها هكذا!؟

ازيك يا ابو شمس عامل اية؟
سؤال احمق حقًا، يشوبه الاستنكار، أنفلت لسانها ليسأله دون الاذن منها، كيف تسأله حقًا وهي ترى الاجابة المريرة بعينيها!؟
ابتسامة تعتبر متهكمة ولكن راضية بعض الشيئ شقت وجهه، واجابها بخفوت:
الحمدلله
سرعان ما قالت شمس بأشتياق حقيقى:
وحشتنى اوى يا بابا، اوى اوى.

قالتها بأشتياق لا تعلم تأثيره على والدها، الأشتياق انتقل اليه في صورة كسرة وألم، تعذبه بكلماتها كل مرة دون أن تشعر، قال بهدوء يعكس ما يكمن بداخله:
وانتِ اكتر يا حبيبة بابا
تنهدت كريمة بقوة قبل أن تسأله سؤال كل زيارة حمقاء:
بردو مش عايزنا نقول للمحامى يرفع النقد في الحكم؟

هز رأسه نافيًا ببساطة، بأبتسامة كاذبة لم يصعب عليهم تفسيرها، هو بعلم سوء حالتهم المادية، سيأتى بملأ ارادته ويزيد من مشكلاتهم وهو ليس معهم!؟
بابا ارجوك طب حتى قولنا اية إلى حصل، احكى لنا ماتسيبناش كدة
قالتها شمس برجاء حقيقي حار، ولكن اعماقها هي من تطلبته وبشدة، ترغب في المعرفة لتمدها بالطاقة اللازمة للمواجهة، ولكن بالطبع كالعادة لم تلقي سوى الرد بجدية:.

قولت لك يا شمس مش هأقول لحد حاجة، مش هاعرضكم للخطر بأيدى، لو ربنا كتب لى اخرج واتكلم ساعتها بس هتكلم وبقوة
تنهدت تنهيدة طويلة حارة تحمل بطياتها الكثير والكثير، كانت تعلم انه لن يخبرهم بأى شيئ كما قال، ولكنه شعورها انه يتحمل ذنب لم يرتكبه يخنقها كل فترة اكثر من ذى قبل، كلما تريد تفكك الخيوط لتبدأ بحلها تشعر بها تزداد تعقدًا اكثر وكأنها تعاندها..!
يلا الزيارة انتهت يا اساتذة.

جملة قالها العسكرى بجدية وبعض من الهدوء ولكنها كان لها اثر كبير في واقعهم الملموس، قطع اخر امل لهم في المعرفة من دون شعور بذلك..

بعد فترة كانت شمس تسير بمفردها تحمل الحقائب الثقيلة التي يملؤوها الطعام و التي تركت اثرًا واضحًا على اصابع يدها البيضاء، تناثرت خصلاتها السوداء من اسفل حجابها من دون ارادةً منها، كانت تسير بخطوات مسرعة قدر الإمكان، جبينها مصبب بالعرق، لا ترغب في سماع اى كلمة من اى شخص قد تجعله يندم لأنه قالها، بالرغم من انها قطة، ولكن قطة شرسة وجدًا، اسمها يتناقض تمامًا مع الشمس الحقيقية، كم تشعر انها تكره اسمها!

ربما لأن هذه الشمس لا ترغب ان تأتي في جوف حياتها وتنيره ولو لمدة قصيرة
دلفت إلى باب العمارة الكبيرة، وما إن خطت قدمها داخلها حتى وجدت يدًا قوية تطبق على خصرها بقوة جعلتها تصرخ من الألم قبل الفزع و...

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة