قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية غرامة غدر للكاتبة شاهندة الفصل الرابع عشر

رواية غرامة غدر للكاتبة شاهندة الفصل الرابع عشر

رواية غرامة غدر للكاتبة شاهندة الفصل الرابع عشر

من أجل الخلاص. نُجبر أنفسنا على تخطى صدماتنا وتجرع غِصة الحلوق، نخمد براكين الحزن والغضب. نتمرد على ضعفنا ونقوى قلوبنا، ننحى كل المشاعر التى قد تقودنا إلى طريق مظلم ونترك لعقولنا مهمة القيادة وإلا هلكنا دون شك.

كانت تسير بخطوات سريعة الى مكان الإستعلامات بالمشفى، يهفو قلبها للإطمئنان على طفلها ورؤيته سالماً أمامها لتقر عينها، أخبرتها موظفة الإستقبال عن مكان حجرة(تيام)القابعة فى الدور الأول لتهرول إليها ودقاتها المتسارعة تزيد وتيرتها مع قرب رؤيتها لصغيرها وضمه إلى حضنها.

طالع الصغير بعيون حانية قبع فيهما ذنب كبير يتذكر بندم تلك المرات التى تعامل فيها مع هذا الصبي بقسوة، يتساءل بأي ذنب حاسبه وأطلق عليه حكمه؟ألأنه طفلها؟!أم لأنه طفل غريمه (حاتم السلاطيني)؟أم لأنه كان من المفترض أن يكون طفله هو؟

لم يكن ولن يكون. هذا واقع تصور أنه تقبله ولكن تلك النيران المستعرة بقلبه كلما طالعه أخبرته أنه لم يتقبل هذا الواقع ولم يستطع النسيان، ولكن يظل الخزي من أفعاله وتصرفاته مع الصغير تقتل قلبه فالطفل بريئ من الذنب وما فعله الكبار يجب أن يتحملوا عواقبه دون غيرهم.

قاطع أفكاره دلوف (قمر) تطالع صغيرها بنظرة زادت من شعوره بالغيرة والغضب، نظرة حب امتزجت بلهفة وتوق وقلق، اعتادت أن تطالعه بها فأصبحت تطالع بها غيره ولكن الفرق واضح. فهي بالتأكيد صادقة لصغيرها ولكنها كانت له، مغمورة بالزيف.

إنطلقت إلى الطفل تجلس جواره وهي تمسك يده تقبلها بحب بينما تتساقط دموعها وهي تتمتم بإسمه، نهض وقد فقد القدرة على الاحتمال يهرول خارجا، يفسح لها المجال للتعبير عن عواطفها ويمنح لنفسه الفرصة للهروب من مشاعره فى تلك اللحظة التى امتزج فيها الغضب بأمنية واحدة فقط ظلت تحاصره يتردد صداها بين جنبات قلبه.
ليتك أحببتنى كما أحببتيه فصرتى وطني. كما صار بين ذراعيك فى أحضان الوطن.
لقد بالغت بالأحلام.

فصدمتني أوهامي.
أخرستني برودة الحقيقة.
كما أحرقتني قسوتها.
إرتجفت أضلعي ألما.
فلا احد احب مثلي.
ولا احد تعذب مثلي.
آثرت الصمت ليس حبا فيه.
ولكننى مُجبرة على إبتلاع غصتي.
فأي كلمات قد تعبر عن أنين روحي.
ثرثرة لا طائل منها سوى مزيد من العذاب.
ضجيجها يذبحني ويتركنى فى دوامة تسحبني إلى أعماقها.
ما يجعلني أقاومها هو أمل أخير تبقى لى.
ولدي.
هذا الذى نبت من الوهم ولكنه أضحى منقذي.
أحاول معه نسيان الماضى الأليم.

أُفلح أحيانا ثم أدرك.
ان النسيان هو المستحيل ذاته.
كانت تطالع صغيرها لا تستطيع تخيل فكرة عدم وجوده فى حياتها، لا تستطيع تخيل فقدانه فروحها متعلقة بصغيرها ودونه لا حياة قد ترغبها، دونه تتساوى الحياة بالموت.
تساقطت دموعها وهي تقول بألم:.

-سامحنى ياتيام، سامحنى ياحبيبى أنا مستحملتش كل ده غير عشانك، عشان ماأخسركش وفى الاخر كنت هخسرك برضه، لكن وعد منى مبقتش أبعد عنك أبدا ولو كان التمن انى أقف وأواجهه هواجهه حتى لو هخسر حياتى.
تساقطت دموعها مجددا وهي تطالع صغيرها الذى تململ قليلا وعقد حاجبيه وكأنه شعر بها وبألمها، لتمسد جبينه بحنان قبل ان تميل طابعة قبلة عليه.

كانت تطالعهم من باب حجرتها تتقافز دقات قلبها من السعادة وهي ترى(حافظ)يجول كليث غاضب بينما (سوزان)تجلس شاحبة وعلى وجهها ارتسم القلق، تقول بتوتر:
-ماتهدى بس ياحافظ وتقعد، لو بس تقولى مالك ومش طايق سيرة نهال ليه؟
توقف( حافظ )فجأة قائلا بغضب:
-هتعرفى ياهانم، دقايق وتعرفى آخرة الدلع اللى دلعتيه لبناتك وورينى ساعتها هتعملى إيه؟
نهضت قائلة بإستنكار:
-دلع. أنا دلعتهم ياحاج؟انت بتقول ايه بس...

قاطعها جرس الباب ثم دلوف (نهال)يتبعها(عادل)، عقدت(رجاء)حاجبيها بينما ترى (نهال)تتقدم من أباها قائلة فى قلق:
-خير يابابا، فيه ايه؟صوتكم عالى و...
قاطعها (حافظ)بعد أن رمق (عادل)قائلا بغضب:
-كنتى فين يانهال؟
تدخل(عادل)قائلا:
-كانت معايا ياعمى.
طالعه (حافظ)قائلا:
-معاك فين؟
شعرت(رجاء)بالغيظ بينما يقول (عادل):
-انت فاكر ياعمى أحمد زميل نهال، اللى اتوفى أهله السنة اللى فاتت فى حادثة خرج منها اخوه قعيد؟

هز(حافظ)رأسه ببطئ فذلك الحادث المروع راح ضحيته الكثيرون وظل حديث المدينة لأشهر عديدة، ليستطرد (عادل)قائلا:
-وفاكر كمان ان نهال طلبت منى أشغلهم فى الشركة عندنا وحصل وطبعا هو مبقاش يقدر يحضر المحاضرات، فاتبرعت نهال بإنها تكتبهمله وتشرحهمله كمان، وعشان كدة كل فترة بتقابله تديله المحاضرات وتشرحهمله.
قال(حافظ)بإستنكار:
-بتقابله لوحدها؟!
أمسك (عادل)بيد (نهال) فى تلك اللحظة، وهو يقول:.

-لأ ياعمى بتقابله معايا ودايما هتقابله معايا، عشان منسمحش لبنى آدم حقير معندوش أخلاق انه يحاول يشوه صورتها قدام الكل برسالة حقيرة ملهاش أي اساس من الصحة.
ضمت يده بأصابعها تشعر بالفخر به فى تلك اللحظة يضخم مشاعرها ويجعلها تدرك دون شك أنها أحسنت الإختيار، بينما قال والدها بعيون اتقد بها الغضب:
-وليه مقالتليش على الموضوع ده؟
قالت (نهال)فى تلك اللحظة:.

-حضرتك قايل ان مفيش فرق بينك وبين ماما وان لو قلنا لماما وعرّفناها أي حاجة تخصنا يبقى كأننا قلنهالك بالظبط. وأنا قايلة لماما.
قال (حافظ):
-ده حقيقي بس فيه حاجات أنا لازم أعرفها قبل ماما يانهال زي مكان وجودك برة البيت. فاهمانى يابنتي؟
هزت رأسها تفهماً. ليوجه (حافظ) سؤاله إلى( عادل) قائلا:
- هو انت جالك رسالة ياعادل؟
قال (عادل)بصوت حازم قوي النبرات:.

-زي ماجاتلك بالظبط وده معناه ان فيه حد قاصد يإذى نهال، صحيح الرقم غريب والفاعل مجهول لحد دلوقتى بس اوعدك ياعمى انى أعرفه ووقتها مش هرحمه.
ليهز (حافظ)رأسه قائلا:
-معاك حق وأنا معاك ياابنى، ايدى فى ايدك وربنا على الظالم والمفترى.
تنفست(سوزان)الصعداء وعاد اللون إلى بشرتها بينما أغلقت (رجاء)الباب وقد اشتعلت ملامحها غضبا وحنقا، تدرك أن مخططها باء بالفشل وعادت مجددا لنقطة الصفر.

خرجت من الحجرة لتراه يجلس أمامها يضع رأسه بين يديه وهو يستند بكوعيه على قدميه، يبدو انه لم يشعر بها فلم يحرك ساكنا، اقتربت منه بقلب مرتجف تهمس بإسمه، فانتفض واقفا يطالعها ببرود. ابتلعت ريقها بصعوبة قائلة:
-أنا كنت عايزة أشكرك على اللى عملته مع تيام إبنى، مش قادرة اتخيل لو مكنتش موجود وقتها كان هيحصله إيه.
قال بقسوة:.

-متشكرنيش. أى واحد فى مكانى كان هيعمل اللى عملته، دى حاجة اسمها الإنسانية اللى أكيد متعرفيش عنها حاجة، ماهو أنا مش زيك بدوس على رقبة الخلق واهرب من غير ما أنجدهم.
طالعته بحزن فأردف قائلا ببرود:.

-مبقاش فيه داعى لوجودى انا همشى بس لازم اقولك كلمتين تحطيهم حلقة فى ودنك، الأم حاجة كبيرة قوى، الأنانية والاهمال مش فى قاموسها فياريت تتخلى عن أنانيتك وتخلى بالك من طفلك، الدفاية اللى كانت السبب فى الحريق زي ماعم مرزوق قاللى كان لازم تصلحيها مش تسيبيها تتسبب فى مصيبة لطفل ملوش ذنب فى الحياة غير انك أمه.

فتحت ثغرها لتقول شيئاً ثم زمته وهي تطرق أرضا، فطالعها بنظرة أخيرة قبل أن يسرع بخطواته مغادرا لتجر هي خطواتها جرا وتجلس على الكرسي، تترك لدموعها العنان وقد صار القلب ضعيفا لا يحتمل ما تلاقيه من عذاب.

تذكر أنه نسي هاتفه على الكرسي فغادر سيارته واتجه إلى المشفى مجددا قاطعا الطريق فى لحظات، وجدها جالسة فى مكانه تطرق برأسها ويهتز جسدها بقوة، عقد حاجبيه وهو يقترب منها فسمع شهقاتها التى وصلته بوضوح، توقف متجمدا وقد وجد قلبه يإنّ لسماع تلك الشهقات الحزينة ورؤية تلك الدموع.

ربما تبدو الدموع دليلاً على الضعف ولكنها مُتنفس للروح ودونها قد يفنى المرء عندما يكبت مشاعره بقلبه، نبكى رغم اننا نعلم انه لا جدوى من البكاء ولكننا نجد راحتنا فى الدموع وكانها منقذنا الذى نجد فيه السلوى فتزيل اشجاننا وتُبرّد لهيب أحزاننا فنحتمل كل صعاب الحياة، قد يبدوا البكاء ضعفا ولكنه فى يد المرأة سلاحاً يراه الحكيم مجرد ماء أما العاشق فيراه لهيبا يحرقه. لا يخفف ألمه سوى ضم معشوقته إلى صدره وفى تلك اللحظة كان الأمر مستحيلا، فقد أُقيمت بينهما السدود وارتفعت الحواجز ورغم ذلك تظل دموعها لهيبا يحرقه يتصارع بداخله العاشق مع المغدور، أحدهما يرغب بإبعاد الدموع عن عينيها والآخر يرغب مرآها ولكنها تقتله وبين الاثنين، لايجد سبيلاً.

تقدم منها مجددا ومال يأخذ هاتفه من جوارها فإنتفضت تطالعه بعينان دامعتان وقسمات شاحبة، لم يكن قريبا منها هكذا منذ زمن شعر بقلبه تتسارع خفقاته بجنون بعد ان أذابت نظراتها ذلك الجليد المحيط به، ليعتدل ويسرع مغادرا قبل ان يضعف مجددا، وتكون نهايته.
طرقت الباب ثم دلفت على الفور لتراه وهو يخفى صورة والدته ويمسح دموعه قائلا بحنق:
-مش تستأذنى قبل ماتدخلى؟
قالت (أمنية)بإرتباك:.

-أنا خبط كذا مرة، وانت مردتش قلت نايم وكنت داخلة أصحيك.
قال(فارس) ببرود:
-انا صاحى اهو. خير؟عايزة إيه؟
قالت بتوتر:
-تيام صاحبك فى المستشفى تعبان، وأنا كنت رايحة مع سارة عشان نشوفه، وقلت يعنى لو حابب تيجى معانا...
قاطعها وهو ينفض غطاءه عنه قائلا بقلق:
-جاي طبعا، هو تعبان قوى؟

كما توقعت تماما، هذا الصبي يحمل الحب فى قلبه حتى وان لم يستطع أن يحبها هي، المهم ان لديه تلك القدرة على الحب. تلك هي الخطوة الأولى.
قالت بهدوء:
-الحمد لله بقى أحسن، جهز نفسك واحنا مستنيينك برة.
هز رأسه فغادرت، ليسرع بتبديل ملابسه وهو يرجوا من الله أن يتمم شفاء صديقه على خير وان لا يذيقه مجددا. مرارة الفقدان.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة