قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية غرامة غدر للكاتبة شاهندة الفصل الحادي والعشرون

رواية غرامة غدر للكاتبة شاهندة الفصل الحادي والعشرون

رواية غرامة غدر للكاتبة شاهندة الفصل الحادي والعشرون

دلف (اكرم)إلى حجرة الطعام فتوقف متجمدا وهو يراها تقف مانحة إياه ظهرها تتحدث مع صغيرته (شمس)بحنان قبل ان تميل وتقبلها على وجنتها، ثم تنتقل إلى (فارس)تسأله هل يحتاج لأي شيء وحين اجابها بلا ربتت على رأسه، ثم بعثرت شعر (تيام) بأصابعها وهى تمر به وتثنى عليه وهى تراه يأكل دون تذمر كما إعتادت منه على حد قولها الآن، إستدارت للجهة المقابلة حيث تجلس (سارة)فأصبحت قِبالته، وحينها رأته فتوقفت متجمدة بدورها تراه يطالعها بنظرة أشعلت النيران بقلبها، تنحنح قائلا:.

-احم. لما تخلصى حصلينى على المكتب. بسرعة.
ثم غادر بسرعة دون أن يمنحها فرصة للرد، بينما هى مازالت تنظر فى إثره تحاول تفسير تلك النظرة التى أثارت كيانها بالكامل، والتى جمعت مشاعر عديدة فى طياتها مابين شوق وعتب وشيء آخر لم تدركه ولكنه أرسل إلى قلبها ذبذبات جعلت خفقاته تتسارع بقوة، أفاقت من شرودها على صوت (سارة)وهى تقول:
-عايزة بطاطس كمان ياطنط قمر.

لتسرع (قمر)وتضع لها بعض البطاطس، تاركة أفكارها على جنب قليلا وهي تتساءل عن سر إستدعاؤه لها بتلك السرعة.
فى العين غيم الإشتياق وذنب مشاعر تجتاح القلب.
أغمض عيوني شوقا لغائب لن يعود.
قد كان وهما صنعته بيدي فصار سرابا أودى بحياتي.
يإنّ قلبي لصورة وجهه التى سكنت جفوني طويلا.
قبل الرحيل. ووقت الرحيل. وبعد الرحيل.
قد كان لى كل شيء ولكنى له لم أكن أبدا شيئا.
يإنّ قلبى مطالبا القدر أن يرحم عذابي.

أتمنى فى كل وقت أن يعود بي الزمان إلى لحظة لقائه لأمحوها من حياتي.
ولكننى أعلم أننى رغم الألم سأبقيها، للأبد.
كان يجول كليث جريح فى مكتبه، كم بدت رائعة بين الصغار حتى تمنى هو لو كان صغيرا لتداعبه بحنانها، يدرك ان مشاعرها تجاه الصغار صادقة، هى شغوفة بهم طيلة عمرها وكأنها خُلقت لتكون أم، ولكنها كحبيبة غادرة طامعة فى المال. تخلت عنه فأردته برصاصة الخيانة ولكنه بقي حياً.

ولكن أى حياة تلك التى يرغب وجودها فيها بكل قوة يتمنى أن يرفل فى جنتها حتى وإن أدرك أنها جنة زائفة زائلة ستصير يوما جحيمه على الأرض؟

توقف زافرا بقوة وممررا يده فى شعره بيأس، طرقات على الباب جعلته يستفيق من افكاره الثائرة ويتقدم بإتجاه مكتبه يجلس خلفه ثم يسمح لها بالدخول، دلفت بخطوات ثابتة ظاهريا ولكنه لمح قبضة يدها المضمومة بقوة ليدرك أن التوتر يتملكها مما أراح قلبه قليلا وهو يدرك أنه يؤثر فيها حتى وإن كان تأثيره قلقاً يرسله إلى أوصالها.
تقدمت حتى توقفت امامه قائلة بهدوء:
-حضرتك كنت عايزنى.
أشار لها بالجلوس قائلا:
-أقعدى ياقمر.

جلست (قمر)فأردف على الفور:
-بتحبى حريتك وحياتك قد إيه؟
قالت بحيرة:
-مش فاهمة السؤال.
مال إلى الأمام قائلا:
-يعنى مستعدة تروحى لفين عشان تحمى نفسك من السجن؟
شعرت بالغضب، هاهو يهددها مجددا بإلقائها خلف القضبان، لتقف قائلة بحنق:
-ممكن افهم إيه اللى تقصده من أسئلتك دى؟
أشار لها بالجلوس قائلا بسخرية:
-أقعدى بس ومتتعصبيش قوى كدة، اللى أعرفه عنك إنك مش غبية و بتحسبيها كويس.
طالعته بغضب قائلة:.

-انا فعلا مش غبية بس مش مستعدة كمان أسمحلك تهددنى كل شوية بالسجن، طاقتي ليها حدود يااستاذ أكرم وصدقنى ممكن فى لحظة ميهمنيش حاجة وأرضى بالسجن ولا إنى اتذل أو اهين كرامتي اكتر من كدة.
نهض وإقترب منها قائلا ببرود:.

-وانا معنديش مانع أسجنك وأشفى غليلي منك لما آخد منك تيام وأرميه فى إصلاحية هو كمان بحجة إنه سرق فلوس من خزنتي وانتِ عارفة إنى ممكن أعملها وبسهولة زي ماحصل فية زمان لما حاتم سرق فلوس من باباكِ واتهمني أنا وطبعا والدك صدقه هو ولولا أمي فاطمة اترجته وباست رجله عشان ميبلغش عنى كنت دخلت السجن ظلم. ولا إيه؟

لم يدرك ان الخالة (فاطمة) لم تكن شفيعته وحدها عند أبيها ولكن تهديد(قمر) إياه بقتل نفسها وإلقاء روحها من الشرفة هو ماأنقذ (أكرم)وجعل والدها يعدل عن إتهامه، أصابتها فكرة حبس صغيرها بالهلع فقالت بخوف:
-انت عايز منى إيه بالظبط؟
إبتسم بأريحية وقد شعر بالفوز حين طالع نظراتها الهلعة ونبراتها المهتزة، ليقول بثبات متطلعا إلى عينيها:
-عايز أتجوزك ياقمر.
لتتسع عيناها، بصدمة.

كانوا يلعبون فى الحديقة بينما يقف (فارس)يطالعهم بعد ان رفض مشاركتهم اللعب، يشعر بعدم رغبة (سارة)فى اللعب معه لذا آثر الابتعاد والاكتفاء بمراقبتهم.

يُمثل (تيام)و(شمس)ندّين قويين امام (سارة)لزيادة وزنها الذى جعلها غير قادرة على مواكبة سرعتهما ولكنه لاينكر مهارتها. اتسعت عيناه بقوة وهو يراها تتراجع لتتلقف الكرة دون ان تنتبه لتلك الصخرة خلفها فصاح يحذرها وهو يسرع تجاهها، إستدارت إثر صراخه فاختل توازنها وكادت ان تقع أرضا لكنه كان حدها ليسندها، نظرت إليه بحيرة فأشار إلى الصخرة قائلا:
-كانت هتوقعك وتعورك.

وصل كل من(تيام)و(شمس)اليهما فى تلك اللحظة بينما استقامت(سارة) وهي تقول:
-وليه مسبتنيش أقع. انت مش بتكرهنى؟
-الاخوات عمرهم مابيكرهوا بعض، يزعلوا من بعض أيوة بس لا يحبوا اخواتهم يتإذوا ولا يصيبهم شر.
-وماما؟!
-مامتك دافعت عنى وحميتنى من الأذى مش معقول اكرهها بعد ده كله.
ابتسمت (سارة)قائلة:
-يعنى انت بجد بتحبنى؟!
قال بمرح:
-هي موصلتش للحب لسة بس على الأقل مبقتش عايز اقتلك.

طالعته بغيظ فضحك يشاركه ضحكاته كل من (تيام )و (شمس). لتبتسم (سارة)بدورها قبل أن تقول:
-طب يلا بقى إلعب معانا. هتكون فى فريقي عشان نفوز.
هز رأسه موافقا وهو سعيد بتلك الثقة التى منحته إياها حين قرنت مشاركته إياها، بالفوز.
تأوهت بألم حين اندفع (فارس )يحتضنها فخرج من حضنها جزعا يطالعها بوجل، أمسكت جرحها بيد بينما باليد الأخرى قربته منها مجددا تغالب ألمها بإبتسامة واهنة حانية وهى تقول:.

-متخافش ياحبيبي أنا بخير.
قال (فارس )وقد غشيت عيونه الدموع:
-انتِ بتتألمى بسببي ياطنط أمنية، لو مكنتش...
قاطعته قائلة بحزم:.

-لو أى حد فى مكانك كنت هعمل اللى عملته ده، كنت هدافع عنه بروحي، الساكت عن الحق ياابني بيبقى شيطان أخرس واللى يشوف الغلط ويقف يتفرج يبقى بيشجع الناس على الإجرام لإن المجرمين اللى لسة فى بداية طريق الإجرام ملقوش اللى يقف قصادهم ويقولهم كفاية غلط، لو هتفضلوا بالشكل ده وتتمادوا فى الغلط يبقى مكانكم مش بينا ولا عايزينكم فى مجتمعنا مكانكم السجون مع المجرمين اللى شبهكم.
قال (فارس):.

-يعنى انتِ مش زعلانة منى؟
ضمته إليها قائلة:
-كنت هزعل من نفسي ومش ممكن هسامحها لو سبت المجرم ده يإذيك او يمسك بمكروه، انت بالنسبة لى زي سارة و تيام. انتوا ولادي.
خرج من حضنها يطالعها بعيون مس شغاف قلبها هذا الرجاء الرابض فيهما وهو يقول:
-بجد!
ضمته مجددا وقد غشيت عيونها الدموع قائلة:
-بجد ياحبيبي. والله انت ابني.

مد (صادق)انامله يمسح تلك الدمعة التى سقطت على وجنته بينما ضمت طفلته قبضة يدها الصغيرة على يده وقد وقفا على عتبة الباب يشاهدا مايحدث دون ان يتدخلا، ليبتسم (صادق)لطفلته حين همست قائلة:
-ماما احسن ام فى الدنيا.
هز رأسه موافقا ثم طالع زوجته التى تحتضن طفله، يحمد الله ان هداه إياها لتكون رفيقة دربه وأم لأولاده.
لم أدرك حين جعلت العشق سيدي أنه سيتجبر ويبدل سعادتي مرارة وحزن وشقاء.

فلو عرفت ماإرتضيت قيود العبودية ولأصبحت اليوم حرة أعيش السعادة والهناء.
بدلا من روح تعسة يغمرها أنين العذاب، تتجرع عشقا يقابله صُلف وجفاء.
لو إستطعت لعدت بالزمن فأمزق صك إستسلامي للعشق بعد ان أدركت حقا، كم كنت حمقاء.
-هل تقبلين أكرم ناصر الصياد زوجا لك؟!
رفعت (قمر) عيونها تتأمل المحيطين بها واحدا تلو الآخر.

(امنية)التى هزت لها رأسها مشجعة ثم (صادق)الذى طالعها بهدوء يليه الصغار الذين بدت السعادة على وجههم، خاصة طفلها (تيام)الذى قد ربطته علاقة ود وتفاهم وصداقة مع (اكرم)فى الفترة الأخيرة، ثم (سعاد )التى ألقت لها بقبلة هوائية. حانت منها نظرة إلى تلك التى تطالعها بحقد. لو كانت النظرات تقتل لقتلتها على الفور نظرات (هند)التى يبدو أنها لم تعد تتحمل فغادرت بخطوات سريعة حانقة يتبعها ابن عمها(عبد الله)، انتقلت بنظراتها إلى العم(فاضل)الذى كان يطالعها بحنان وابتسامة مشجعة قبل ان يحرك شفاهه بكلمة مبارك يابتي دون صوت فابتسمت دون وعي لطيبة هذا الرجل السعيد من أجلها ظناً منه أن تلك الزيجة حقيقية، حتى إستقرت نظراتها على (أكرم)الذى كان يجلس أمامها ويطالعها بنظرة غامضة أربكتها وجعلت إبتسامتها تتلاشى وهى تخشى كلمة نعم التى ستربطها به اليوم وتجعله سيدها مجددا يفعل بها مايشاء.

سخرت من نفسها..
وهل يحتاج (أكرم)لعقد زواج كي يربطها به ويصير سيدها؟لم يحتاجه بالماضى فقد كانت روحها معلقة به، ولن يحتاجه الآن او فى المستقبل فمازالت روحها معلقة به تدرك عشقها له رغم كل شيء. إلى جانب مايهددها به ان لم ترضخ له، لذا لابد من الرضوخ والإستسلام لتقول بصوت مرتعش النبرات:
-أقبل.
قال المأذون:
-أعلنكما الآن زوج وزوجة بارك الله لكما وبارك عليكما. وجمع بينكما فى خير.

تعجبت من نظرة الارتياح ان لم تكن سعادة اعتلت وجه( أكرم) وهو يتلقى التهانى من صديقه ولكنه اسرع بإخفاء تلك الملامح ماان رآها تتطلع إليه، لتنشغل عنه بتلقى التهانى بدورها. بقلب يرتعش امتزج فيه الخوف بسعادة أطلت فى قلبها رغما عنها.
وان كُتبت الأقدار لنكون معا فلا تعاند وافتح قلبك لي، لعلى أكن لك ماتمنيته دوما، لعلى اكون لك وطن.

كانت تبكي بحرقة يهتز جسدها بقوة، مجددا تفوز عليها تلك البغيضة وتأخذ حبيبها منها، مجددا تتغلب عليها بجمالها وسحرها الذى يظهر جليا فتسرق كل القلوب حولها وتتركها دون أحد لتحبه ويحبها، مجددا تشعرها بالدونية وأنها لاشيء، جوارها.
إنتفضت على يد وُضعت على كتفها فإلتفتت جزعة وماان رأت(عبد الله)يطالعها بشفقة حتى نزعت يده قائلة بحنق وهى تمسح دموعها بقوة:
-عايز إيه انت كمان؟
طالعها بهدوء قائلا:.

-أنى اللى عاوز أعرف انتِ عايزة إيه دلوكيت؟إيه اللى مزعلك وجاهرك جوى بالشكل ده؟تعرفى لو أنى خابر إنك عتحبيه صوح كنت يمكن إديتك عذر، لكن انتِ عمرك ماحبتيه ولا عتحبيه.
قالت بحنق:
-إش فهمك إنت فى الحب؟انت آخرك يجيبلولك عروسة ويقولولك هى دى اللى هتتجوزها تقوم متجوزها زي اي حيوان عندكم بتجوزوه لأى حيوانة وخلاص.
طالعها ببرود قائلا:.

-لسانك واعر جوى يابت عمي كيف السكين عيإذى ويجرح اللى كدامه عشان يبعده عنيكى وميعرفش كد إيه روحك ضعيفة وخايفة متتحبيش. للأسف معندكيش الثجة الكافية فى نفسك عشان تجازفي وتسمحى لحدا يجرب منيكي ويعرفك صوح يمكن يحبك، لإنك معتحبيش نفسك أساسا. بس تعرفى أنى عرفتك زين وخابر انك من جواكى طفلة محتاجة بس تحس بالأمان والحب ووجتها الجناع اللى عشتي بيه سنين عيزول ويبان أصلك واللى زرعه فيكِ أبوكى الطيب الحاج فاضل، ماسكة فى وهم حبك لأكرم عشانه الوحيد اللى عطف عليكى وعاملك زين وجت ماكان الكل مبعد عنك إكمنك كنتى سمينة حبتين مش إكده؟ أصله ولد أصول وشاف فيكِ اللى شفته بس هو عَدّك خيته وانتِ مجدراش تميزى الفرج، بتعاندي نفسك وبتحرميها تشوف الحجيجة والحجيجة واضحة كيف الشمس، أكرم بيحب جمر وجمر بتحبه واللى جمعههم جدر لايمكن يفرجهم مخلوج، فوجى يابت الناس لنفسك وشيلي الزيف اللى حواليكى وبينى أصلك وجتها عتلاجى اللى يحبك وتحبيه ويبجالك وطن وأمان.

لثانى مرة ينفذ إلى قلبها وعقلها، لثانى مرة تشعر بأنه يراها حقا كما هي من الداخل، يخبرها بما قاله لها قلبها وضميرها مرارا وتكرارا ولكنها ظلت ترفض وتعاند، ولكن تلك المرة لم تقاوم ولم ترفض. هو محق فى كل كلمة والعناد فى تلك اللحظة سيكون محض غباء. مست كلماته قلبها فأزاحت غشاوة أحاطته طويلاً لذا ستفعل مثل ماقال، ستبعد الزيف عن حياتها وتعود تلك الفتاة التى كانتها يوما قبل سنوات عديدة وقبل ان تُغيرها فكرة الحوز على قلب (أكرم)، ربما وجدت حقا من يحبها على طبيعتها ولكن ماذا إن لم تجد؟!

كان يستدير مغادرا فأمسكت يده بسرعة، إلتفت إليها متسائلا، فقالت برجاء:
-خليك جنبي ياعبد الله، خد بإيدي. انا فعلا كرهت نفسي ومبقتش طايقاها. أنا عايزة أرجع هند اللى أعرفها بنت الحاج فاضل اللى كانت اكبر أمانيها إنها تتحب من كل اللى حواليها.

طالعها بتردد فشددت قبضتها على يده تأبى التخلى عنه على مايبدو، نظرة عيونها الزائغة التى تبحث عن الأمان فيه مست شغاف قلبه وجعلته رغما عنه يضم أصابعها بأصابعه قائلا بهدوء:
-يبجى يلا بينا نمشى من إهنه.
ظهرت معالم الراحة على ملامحها وإبتسمت تهز رأسها موافقة تسير بجواره وقد شعرت فى تلك اللحظة بالأمان، لأول مرة.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة