قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية غرامة غدر للكاتبة شاهندة الفصل الثاني والعشرون

رواية غرامة غدر للكاتبة شاهندة الفصل الثاني والعشرون

رواية غرامة غدر للكاتبة شاهندة الفصل الثاني والعشرون

توقف المطر.

ربما تكون الليلة آخر عهدهم مع فصل الشتاء وقد بدأ فصل الربيع بالفعل وصار النسيم عذباً يصافح الوجوه ويعانق القلوب، بدت الحديقة ساحرة مع سطوع القمر بدرا فى السماء تبعث فى النفس راحة كبيرة لتصير السويعات الأخيرة من الليل رائعة وكأن هموم تلك الليلة قد غسلها المطر فصارت نقية كعذراء خجول ولكنه هو وحده من لم يتأثر بجمالها يقف أمام سور شرفته يقبض عليه بكفيه فى قوة، يتذكر كم حلم بتلك الليلة طيلة عمره وكيف أصبحت. لم يجد من ذكرياته سوى أطلال زائلة وأماني ضائعة بين الأيام والسنوات وعشق وارته الخيانة وترك غصة فى الحلق ونفس تتمزق بين حنين و ألم.

حتى وإن أراد ترميم حطام تلك الذكريات التى تهدمت فعبثاً يفعل، فمازال القلب يعانى جمر الخيانة ومازال لم يسامح.

أغمض عيناه وهو يدرك وجودها بالداخل تنام فى سريره بعد أن امرها بذلك، أرادت هي النوم على الأريكة ولكنه رفض بشدة يخبرها انه غير مستعد البتة لإثارة التساؤلات إن دلفت (شمس)إلى حجرته كما تعودت دوما ووجدتها تنام على الأريكة يعلم انه يكذب عليها فلن تدلف (شمس)إلى الحجرة دون إستئذان ولكن رغبته الدفينة والتى إستقرت بقلبه سنوات عديدة أجبرته على الإنصياع لها، زواجهما على الورق حقا ولكنه لن يمنع نفسه من تلبية امانى قلبه التى لطالما رغبها ربما ليتخلص منها للأبد.

فتح عيونه وهو يدلف إلى الداخل يتأمل تلك النائمة بعيون ترددت فى البداية ثم حسمت قرارها وهو يقترب. تجرى عيونه على ملامحها بالكامل.
جميلة هي كالقمر الذى ينير عتمة الليل بل هي هذا القمر الذى ما ان يغيب حتى يترك لنا الليل البهيم نتخبط فى طرقاته، نقع وننهض نحاول العثور على دربنا الذى أضاعته خطواتنا دون جدوى فقد اختفى القمر ومع اختفاؤه أظلم الطريق وتاهت الخطوات.

عقد حاجبيه وهو يرى آثار دموع على وجهها. قد تعلقت بأهدابها دمعة، يدرك انها بدورها غير سعيدة بهذا الإرتباط وقد جمعها القدر به رغما عنها بعد سنوات لتتزوج من رفضته طمعا بالمال، هو الآن يملك هذا المال ولكنه لم يعد كما كان وإدراكها كرهه لها هو مايؤرقها. ربما لو كان كالخاتم بإصبعها كحاتم لكانت سعيدة بتلك الزيجة...

نفض تلك الأفكار البغيضة عن رأسه والتى تجعله يود لو مد يديه وأمسك رقبتها الجميلة يخنقها حتى الموت ليرتاح عقله. الليلة تحقق فيها احد أحلام الماضى فليدعها تمر بسلام.
وجد نفسه يمد انامله ويمسح تلك الدمعة فتحركت اهدابها متململة. أبعد انامله على الفور وكاد أن يبتعد ولكنها فتحت أهدابها وطالعته بنظرة ساحرة جمدته فى مكانه، نظرة ذكرته بقمر فى الماضى.

حالمة هي. بريئة كطفل بالمهد. قاتلة. تُسرع من خفقاته حد الألم. زين ثغرها الكرزي إبتسامة تشبه نظراتها وهى تلفظ حروف إسمه بحب قبل أن تغلق عيناها مجددا وتعود للنوم تاركة إياه فى حالة غريبة من العشق وكأن تلك السنوات العجاف لم تمر عليه.
وكأنها لم تخن يوما.
وكأنه لم يفارقها أبداً.

أراد ضمها فى تلك اللحظة بكل ذرة فى الكيان وكأن عقله قد تغيب كلية وتوقف عن الوجود، ليعود إلى رشده بمعجزة ويتوقف عن هذا التصرف الجنوني الذى كاد أن يؤتيه، زفر بقوة. سيكون النوم جوارها مع تلك الأحاسيس التى راودته قاتلا ولكنه لن يحرم نفسه قربها حتى وان كان لليلة واحدة.

جر قدميه جراً إلى جانبه من السرير وتمدد فتجمد مجددا وهو يجدها تتقلب وتضع يدها على صدره تُشعل النيران بقلبه. تتمسح بوجهها فى صدره تلتمس الدفء على مايبدو. ورُغما عنه شعر بالإكتمال.

. شعور لم يراوده منذ سنوات، كره نفسه لإستمتاعه بقربها ولكنه لم يقوى على إبعادها حتى مع شعوره الحارق بالغيرة وهو يفكر بأنها كانت تنام هكذا فى حضن غريمه، أغمض عيونه بقوة يحاول أن يبعد تلك الصورة عن مخيلته يقضى على افكاره السوداء تلك، يمنح نفسه ليلة واحدة ينام فيها بسلام لتقفز إلى عقله تلك العبارة التى سمعها منها يوما.
انا خلاص جربت حظي مرة ومش ممكن هعيدها تانى مهما حصل، حاتم خلانى..

أثارت تلك العبارة حيرته مجددا وتساءل عن مقصدها، فتح عيونه وعقد حاجبيه وعبارة اخرى تطل على عقله وتزيد من حيرته.
-لو كنتِ قدرتى تشيلى اكرم من جواكِ رغم غدره بيكِ زمان يبقى انا غلط وانتى صح.
لقد سمع (أمنية)تقول تلك العبارة أيضا بالمشفى، ترى ماالذى كانت تقصده بكلماتها تلك؟هل احبته يوماً؟

العديد من علامات الإستفهام تتقافز إلى عقله وتجبره على البحث عن إجابات وإلا أصابه الجنون، ولكنه بالتأكيد سيدعها للغد وسيكتفى فى تلك اللحظة أن يلبي نداء قلبه وهو يضمها إلى جواره، يغمض عيناه وينام، بسلام.

كانت تعد شطيرة ل(شمس)وعقلها شاردا فى (أكرم)الذى إختفى اليوم تماما، فلقد استيقظت صباحا ولم تجده بالغرفة مكانه باردا وكأنه لم يطق وجوده جوارها بينما شعرت هي بأنها فقدت شيئا ما بذهابه، ربما هو هذا الدفء الذى غادرها بغيابه تتذكر إستيقاظها ليلا وإكتشافها حقيقة وجودها بين ذراعيه هانئة دافئة مطمئنة تستمع إلى خفقات قلبه الهادئة وتتسلل إليها رائحته العطرة فتدمغ أحاسيسها بسكون تام وحضور محى كل غياب وازال برودة الفراق ولوعة الهجران. ورغم شعورها بأنها فى مكانها الصحيح بين ربوع الوطن إلا أنها أرادت الإبتعاد فقربه يزيدها شوقا إليه وقلبها الخائن يزداد توقا، حاولت التململ من بين ذراعيه فإزداد هو ضما لها وكأنه يأبى التخلى عنها بدوره أم هذه أحلامها؟لا يهم. تركت نفسها تنعم بحضنه حتى وان كان ذلك فى منامه ودون وعيه وها هي لم تنعم طويلا بقربه وما إن أفاق حتى ذهب بعيدا عنها وتركها تعانى فرط الشوق ولوعة الفراق وحدها، مجددا.

أفاقت على صوت (شمس)وهى تقول بمرح:
-أنا مش عايزة ساندوتش مربى ياطنط قمر.
نظرت (قمر)إلى الشطيرة بحيرة فوجدتها بالفعل تعد شطيرة مربى وقد أرادت (شمس)شطيرة جبن، فإبتسمت وهى تضعها على جنب تُعد شطيرة اخرى قائلة:
-معلش ياشموسة. الظاهر من كتر التعود أصل تيام بيحب ساندوتشات المربى أوى.

طالعت (شمس)(تيام)الذى اومأ لها برأسه موافقا على كلمات والدته وهو يشير لها بشطيرة المربى فى يده فإبتسمت له (شمس)بينما منحت (قمر)الشطيرة للطفلة وهى تأخذ بعض الأطباق الفارغة قائلة:
-كلوا ساندوتشاتكم وأنا هودى دول واجيب اللبن، اللى هيخلص ساندوتشه الاول ليه مكافأة عندى.

هلل الصغيران فإبتسمت بحنان وهى تأخذ الاطباق وتتجه إلى المطبخ بسرعة. لم تنتبه للدالف إلى الحجرة فإصطدمت به بقوة ووقعت الأطباق من يدها. كادت ان تقع ولكنه أسرع بإسنادها مقربا إياها منه فتقابل الوجهان وتصادمت العيون، انفاسهم الساخنة إمتزجت فأثارت النيران بأجسادهم العاشقة لتصرخ الأرواح وتنادى العاشقين بالإستسلام ففى العيون استقر العشق وفى القلوب خُلّد وعانق كل ذرة فى الكيان فجعلها تنبض بالحياة.

رأت فيه حبيب الماضى فكانت أول من إستسلم لعشقه، إرتعش الثغر مطالبا بالإرتواء ونادت العيون.
=ظمآنة فإسقني من رحيق العشق حتى أكتفي ولن اكتفى أبدا.
و بينما كان قلبه يرضخ مقتربا ليلبي النداء ويروى ظمأه بدوره أطلت ذكرى أطاحت بمشاعره. ذكرى غدر عانى منه طويلا و مازال يعانى أثره، كانت هى وهى وحدها السبب فيه، سمعته يقول بنبرات هامسة امتزج فيها الألم بالكره:
-لسة حقيرة وبتمشى ورا غرايزك.

تأملت ملامحه بصدمة فإبتعدت رويدا رويدا، وملامحها تتمزق الما قبل أن تقول بصوت هامس مازال متهدج المشاعر:
-مش أحقر من واحد بيستغل ضعف أم عشان يغصبها تعمل اللى هو عايزه، على الأقل أنا عندى مشاعر الدور والباقى على اللى معندوش أساسا قلب وكل اللى جواه صخر لا بيحس ولا هيحس فى يوم.

قالت كلماتها وأسرعت تغادر من امامه فتبعها غاضبا ينوى تقريعها ولكن ماان وقف أمام باب المطبخ حتى وجدها منهارة بين ذراعي (سعاد)تبكى بحرقة كما لم يشاهدها من قبل، فأزالت دموعها كل غضب فى قلبه وكأنه لم يكن، لقد اراد إيذائها كما آذته من قبل ولكنه يدرك فى كل مرة أنه كما يؤذيها يؤذى ذاته، وبقوة.

طالعها وهى تستعد لدخول السرير بملامح منهكة من البكاء خالية من المشاعر. باردة وكأنها أرادت ان تقول له دع بيني وبينك حدودا لا تتخطاها، وجد نفسه يقول دون وعي:
-أنا آسف. سامحيني.
تجمدت يدها على هذا الدثار الذى أزاحته لتنام وهي تطالعه بملامح دهشة تخلت عن قناع برودتها فاقترب منها حتى توقف أمامها قائلا:.

-أوعدك إنى مبقتش أأذيكي تانى ولا أسمعك كلام يجرحك، بينى وبينك فترة هنقضيها قدام الناس متجوزين وبعدين هيروح كل واحد منا لحاله.
حاولت أن تنفذ إلى أعماقه تتساءل عن السبب ولا تدرى انها تفوهت بسؤالها سوى حين أجابها قائلا:
-كل مرة بأذيكى فيها بأذى نفسي ياقمر وأنا مبقتش قادر أأذى نفسي أكتر من كدة، انا تعبت وطلعت أضعف من إنى آخد بتار أمي عشان ده خاين.
كان يشير إلى قلبه وهو يردف:.

-خانى لتانى مرة ومقدرش ينفذ اوامرى وكأنه واقع تحت سحر. سحرك انتِ.
كادت ان تقول شيئا ولكنه رفع إصبعه أمام شفتيها يصمتها وهو يقول:
-مش عايز منك أي كلمة تخلينى أرجع أأذيكي من تانى، وحياة تيام عندك متحاوليش تبرري أي غدر حصل منك لإنى رغم سحرك مش قادر أسامحك ولا هقدر فى يوم من الأيام وده ملوش غير معنى واحد. اننا لازم نتفارق لانى مبقتش حمل عذابك ياقمر ولا عايزه.

إرتعش ثغرها تحت إصبعه فإبتعدت عيونه عن عشبيتيها الرائعتين وتعلقت بثغرها الذى لطالما ذاق شهدهما حتى أن روحه الآن تتوق لأن يضرب بكل شيء عرض الحائط ويميل مقبلا إياها، لم يدرك أنه قام بذلك بالفعل سوى حين أُخذت أنفاسه منه حرفيا وهو يقبلها بكل شغف فوجدها تبادله قبلته بشغف مماثل تضمه بعشق فاعتصرها بين يديه، يقبلها ويقبلها حتى توقف فجأة ثم ابتعد يطالعها بصدمة وتطالعه بخوف من كلمات يلقيها إليها كلما غلبتها عاطفتها حقيرة تتبع غرائزها لترفع يدها وتسد أذنيها عن تلك الكلمات ولكنها مالبثت ان أنزلتهما وهى تراه يغادر الحجرة بسرعة دون أن ينطق بحرف، رفعت أصابع مرتعشة تتلمس ثغرها الذى مازال نديا بقبلاته قبل ان تنهمر دموعها مجددا كشلالين صغيرين وهى تجلس على السرير وقد ظنت أن تلك الدموع قد نضبت ولكن اتضح كعادتها مؤخرا أنها كانت، مخطئة.

قال (فاضل)ببشر:
-والله فرحتونى ياولاد، بس فترة الخطوبة دى مش كبيرة حبتين؟
قال(عبد الله):
-لع ياعمي مش كبيرة ولا حاجة، متنساش إنى لساتنى غريب عن بت عمي وهي كمانى غريبة عنى وفى الفترة دى هنعرفوا بعض اكتر ونتعودوا على بعض.
هز الحاج (فاضل)رأسه قائلا:
-معاك حج ياولدي بس عتتعرفوا على بعض كيف وانت فى يمة وهي فى يمة تانية واصل. هنعاود البلد إياك ونترك ارضنا؟

أرادت (هند)ان ترفض بقوة فهي لا ترغب بالعودة إلى بلدتها والبقاء مع عائلة والدها التى رفضت والدتها زوجة لوالدها فاضطر (فاضل)ان يبتعد عنهم، نعم تدرك ان زيجتها هى باب إلى الوطن وجسر يمدونه بين العائلتين ولكن ماذا إن لم يتقبلوها. فهى نسخة من والدتها كما يخبرها والدها دوما، افاقت من أفكارها على صوت (عبد الله)وهو يقول:.

-لع مش هنعاود، انى خابر إنك خايف على هند منيهم ومجبلتش الجوازة دى غير لما عرفت انى مش هعيش وياهم بحكم سفرى بلاد برة وشغلي لما عاود فى الاسكندرية، أنى خبرتهم انى هتنجل مابين المزرعة إهنه والإسكندرية فى فترة الخطوبة دى، لحد ما نتجوز انى وهند ياعمي وهم وافجوا.
أخذت (هند)انفاسها بإرتياح ليغصّ قلبها حين قال والدها بوجل:
-وجلتلهم ياولدي ان السنة دى لأجل تتعودوا على بعض؟

إبتسم (عبد الله)بوقار وهو يعدل نظارته بخجل قائلا:
-لع ياعمي. لا أهلى ولا عشيرتي هيتجبلوا الكلام ده وعيجولوا عليه حديت ماسخ وانت خابر. أنى جلتلهم إنى مشغول السنة دى برسالة الدكتوراه وإنى أجلت للسنة الجاية عشان يعنى. آخد عروستي وأسافر وأتفرغ لها بجى ومنشغلش عنيها.

تطلعت إليه(هند)وهى تتعلق بملامحه وكلماته، تدرك أنها فى طريقها للإعجاب بهذا الرجل الرزين الذى استطاع بعقله وروحه ان ينفذ إلى عقلها وها هو يتسلل إلى قلبها ليمحو كل وهم تملّكها وسيطر عليها وجعلها تتصرف برعونة، يدعمها ويدعم والدها أمام عائلته. يحول دون المساس بهما ولو بكلمة، يجبرها على إحترامه والثقة به بلا حدود ومابداية الحب سوى إحتراما يربض بالقلب وثقة تدعمه وتؤازره.

أفاقت من أفكارها على صوت والدها وهو يقول:
-روحتي فين يابتي؟
أشاحت بعينيها التى تعلقت بعيون(عبد الله) فى تلك اللحظة لتنظر إلى والدها قائلة بإرتباك:
-مروحتش فى حتة أنا معاكم أهو.
قال والدها:
-اومال مجلتيش رأيك ليه فى الحديت ده عاد؟
عادت بعينيها إلى (عبد الله)الذى نفذت نظراته إلى أعماقها فقالت كالمغيبة بنبضات تتسارع كالمطرقة:
-مفيش كلام بعد كلامك يابابا.
قال(فاضل)بحيرة:.

-بس ده مش كلامي يابتي، ده كلام ولد عمك.
مازالت عيونها معلقة به يسحبها إليه بقوة، تدرك أنها أشهر معدودة أو أسابيع وتصبح له كلية وربما طلبت منه هي شخصيا أن يُعجل بالزواج لتقول بصوت حمل مشاعرها:
-انتوا التنين عندى واحد ياأبوي.
تبسمت عيون (عبد الله)وحنان غريب تسلل إلى عيونه فشملها بالكامل وهدهدها بين ثناياه بينما قهقه (فاضل)قائلا:
-آدام بتي إتكلمت بلهجتنا يبجى بشرة خير ياولادي ونتوكل على بركة الله.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة