قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية غرامة غدر للكاتبة شاهندة الفصل الثاني

رواية غرامة غدر للكاتبة شاهندة الفصل الثاني

رواية غرامة غدر للكاتبة شاهندة الفصل الثاني

لحظة المواجهة مع الماضى قاسية جدا، خاصة إن فوجئت بها تضربك بقوة فى وجهك بلكمة الذكريات المريرة بعد حب قُتل بطعنة خيانة فرحل إلى عالم آخر ولم يبقى منه سوى أطلال بالية وغِصّة سكنت القلب وإستقرت به. تكون الطعنة موجعة حين يتركك من تحب وأنت فى أمس الحاجة لقبضة يده كي يأخذك من ظلماء درب الموت إلى نور الحياة بينما تعافر بإستماتة كي تخرج للنور وتبدأ حياتك من جديد وحدك تماما، وحين تنجح تجد أنك لم تعد كما كنت. تغيرت كثيرا وصارت نظرتك للأشياء باهتة وكأن ما كُسر بداخلك إنعكس على عيناك فصارت كل الصور مشروخة. لا تستأهل النظر إليها، ولا تستحق أن تُعيرها إهتماما.

تدرك بالنهاية أنك لو لجأت إلى نبضك فى الحكم على البشر وتخليت عن عقلك لأُصبت بالتأكيد بجُرح كبير غائر وخيبة أمل.

وقد عاد جُرحها للنزيف مجددا فأصابها بدوار عجزت عن مقاومته وسحبها لسواده حتى كادت أن تسقط أرضا ولكن هناك من إلتقطها وأراحها على الأريكة مناديا الخادمة بسرعة فلبت النداء على الفور، أمرها بإحضار كوب ماء بينما يربت على وجنة(قمر)برقة مناديا إياها فسحبها صوته قوي النبرات وأعادها بقوة إليه، فتحت عيونها تطالعه بصمت فوجدته يطالعها بنظرة اشتياق وحنين لطالما راودتها بالأحلام. ظلت صامتة وكأنها تخشى إن تحدثت أن يختفى طيفه الذى تثق بأن خيالها من صوّره وسيخفيه من أمامها بعد لحظات.

وجدت الخادمة تعود بالماء فأخذ منها الكوب وجعلها ترشف منه رشفة واحدة لتجد نفسها رُغما عنها تهمس بإسمه دون وعي، تقول بصوت يكاد يكون مسموعا:
-أكرم.
ندمت على الفور على همستها وملامحه تصير جليدا باردا يطالعها بعيون حادة قاسية وهو ينهض قائلا بلهجة باردة:
-إسمى أكرم بيه، أكرم بيه الصياد.
إعتدلت جالسة تطالعه بحيرة، فتجاهلها وهو يوجه حديثه إلى الخادمة قائلا:.

-من فضلك. خدى شمس تلعب فى الجنينة شوية على ماأخلص كلام مع مدام قمر.
شمس!
طفلته!
هل أسماها شمس حقا؟!
إختفت الخادمة مع طفلته بينما إلتفت إليها قائلا بسخرية:
-الهانم بقت كويسة؟ولا لسة محتاجة وقت عشان تستوعب إنى رجعت ومش ناوى أسيب حقي.
حقك؟عن أي حق تتحدث؟!
تأملها بعيون جَمّدت أوصالها وهو يقول بصوت قاس النبرات:.

-أنا رجعت عشان حاجة واحدة بس. آخد تاري للنهاية وصدقينى هتتمنى إنك تموتى فى اليوم ألف مرة عشان متحسيش بالعذاب اللى هتدوقيه على إيدية.
عقدت (قمر)حاجبيها وهي تستمع إلى كلماته. جريئ هو حقا وجرأته قد فاقت كل حد لتنهض قائلة بغضب:
-تار إيه وعذاب إيه اللى إنت راجع تعيشهولى؟إنت جرا لعقلك حاجة..
قاطعها وهو يمسك ذراعها بقسوة قائلا بعيون إتقدت شرا:.

-لما تكلمينى تكلمينى بإحترام، أنا مش اكرم الصياد الجنايني اللى أبوكِ عذبه وخرج من هنا شحات محيلتوش أي حاجة، لأ. أنا دلوقتى أكرم بيه الصياد اللى إشترى المزرعة والبيت وإشتراكى إنتِ كمان خدامة عنده.
نفضت ذراعها تقول بغضب:
-إشتريت المزرعة والبيت عشان تنتقم من بابا ممكن، لكن البنى آدمين مش للبيع والشرا وخصوصا أنا. قمر منير الجمال. هفضل طول عمرى حرة ومش هتقدر تشترينى بفلوس الدنيا كلها يا، ياأكرم بيه.

طالعها بنظرة ساخرة وهو يقول:
-ومين قالك إنى هشتريكى بالفلوس؟!
لم تسترح لنظرته الساخرة تلك وأدركت أن ماسيقوله لن يعجبها البتة، ليبتسم بسخرية فإزداد قلبها توجسا وهو يردف:
-أنا هشتريكى من غير ماادفع ولا مليم، ببساطة كدة هتشتغلى عندى هنا فى البيت وهتسكنى فى الكوخ اللى فى آخر الجنينة ده، فاكراه؟إما كدة أو بمنتهى البساطة تستعدى عشان تخسرى حريتك.

لتزول إبتسامته الساخرة وملامحه تصبح صارمة قاسية وهو يردف قائلا:
-لإنى وقتها هتهمك بقتل الست فاطمة ناجى الصياد مع سبق الإصرار والترصد.
لتتسع عينا(قمر)فى صدمة.
إبتلعت ريقها بصعوبة وهي تعقد حاجبيها بقوة، يتفصّد جبينها عرقا وهي تقول متلعثمة:
-وإنت. إنت عرفت إزاي؟
قال بعيون اتقدت غضبا:
-اللى شافك وانتِ بتهربى بعد مادوستيها بالعربية قالى.
قالت بحزن:
-أنا، أنا...
قال بصوت قاس شابه المرارة:.

-إنتِ إيه؟إنسانة أنانية ومدلعة ومبيهمكيش غير نفسك ودى عرفناها من زمان، لكن اللى عمرى ماكنت أتخيله فى يوم من الأيام إنك تقتلى الست اللى حبيتك وربتك زي بنتها وتسيبيها وتهربى عشان خايفة على نفسك.
قالت بألم:
-أنا إتأكدت بنفسى إنها ماتت قبل ما..
صمتت وقد ادركت أنها تسرعت فى كلامها، فطالعها بإزدراء وهو يقول:
-لا والله كتر خيرك إنك مهربتيش قبل ماتتأكدى من موتها. عملتى اللى عليكِ فعلا.

لتتجهم ملامحه وتصبح قاسية صارمة وهو يردف قائلا:
-ورحمة عمتي فاطمة اللى ربيتنى بعد موت أمى وإعتبرتنى زي إبنها لآخد حقها منك تالت ومتلت، والله لتتمنى السجن أو الموت عشان تترحمى منى ومش هرحمك برضه، تعرفى لو حد غيرك اللى عملها كنت قتلته وشربت من دمه وبردت ناري لكن انتِ بالذات مش هيبرد ناري موتك ولا هيشفى غليلي ويحققلى إنتقامي منك إنتِ وعيلة الجمال واحد واحد وواحدة واحدة غير اللى ناوى أعمله فيكِ.

غشيت عيونها الدموع وهي تطالعه بصمت، لا تقوى على أن تقول حرفا تُدافع به عن نفسها.
تأملها بقلب تجمدت دقاته التى كانت ترِق لدموعها، كان يظنها دموع روح متألمة فأدرك بعد فوات الأوان أنها مجرد ماء تدعه المرأة ينهمر من عينيها بإبتزال كي تستدر عطف الرجل وتربكه، كانت بدمعة واحدة تجعله يخُر راكعا بين يديها ملبياً كل رغباتها، أما الآن فيراها رخيصة، مثلها تماما.
نفض ذكريات الماضى وهو يقول بصوت هادر:.

-هو إنتِ لسة واقفة مكانك بتعملى إيه؟
إنتفضت على صوته الغاضب، تطالعه بصدمة قبل ان تقول بغضب:.

-أيوة كدة إظهر على حقيقتك وإتخلى عن قناعك بتاع زمان، إنت مش ممكن تكون إنسان. إنت وحش كاسر جاتله الفرصة ينتقم من فريسته اللى طمعه زمان خلاه يخسرها، بس أحب أنبهك إنك مهما حاولت تعلى بفلوسك فأصلك هيفضل معروف للكل، حتة جنايني طمع يتجوز أميرة القصر ولما فشلت خطته هرب. ولما رجع معاه فلوس حاول يملكها بالتهديد والمال، بس مجاش فى باله إنها مش ممكن هتخضعله ولو كان التمن حياتها.

طالعها بجمود للحظات، لا يظهر على وجهه أي أثر لإنزعاجه من كلماتها سوى عضلة فكه التى تتحرك وتخبرها بأنه يتمالك نفسه بصعوبة قبل أن يقترب منها خطوتين ويتوقف مُشرفاً عليها فتراجعت خطوة رُغما عنها للخلف وهو يقول:.

-لو فاكرة إنى راجع لأجل عيونك ياأميرة فصدقينى غرورك عدا الحدود، مش أنا اللى أحن لواحدة زيك أنانية وناكرة للجميل، لأ وكمان قتلت الست الوحيدة اللى باقيالى من عيلتى، الست اللى كانت أكتر من امي واللى رغم الفلوس اللى جمعتها وإصرارى إنها تسافرلى فضلت متمسكة بالمكان هنا رغم تواضع مكانتها فيه عشان واحدة زيك متستاهلش، الست اللى آخر كلامها لية كان( مش هينفع أسيب قمر لوحدها وأبعد ياإبنى، قلبى مش هيتحمل فراقها).

إنهمرت دموعها وكلماته تذكرها ب(فاطمة)، تلك السيدة التى كانت لها أما بدورها وأحبتها من كل قلبها فسقطت ضحية تحت عجلات سيارتها ولم تستطع أن تفعل لها شيئا، خشيت ماقد يحدث إن عرف الجميع ما حدث فكان لا بد وان تصمت من اجل عائلتها فأضحت مذنبة حقا والذنب يقتلها ويحرمها النوم.
إنتفضت على صوت الهادر وهو يردف:.

-الست اللى دوستيها وسيبتيها تموت بدم بارد لأ وبكل بجاحة جاية دلوقتى تتكلمى عن الأصل. إنتِ أصلا قليلة الأصل.
قالت من وسط دموعها:
-أنا مسمحلكش..
أمسك ذراعها بقسوة يقاطعها قائلا:
-من النهاردة هتسمحيلى أو تجهزى نفسك للسجن وساعتها هتأكد إن عمرك ماهتخرجى منه غير على قبرك وهتتحرمى أكيد من إبنك. تيام إبن حاتم السلاطينى.
طالعته بهلع قائلة:
-لأ أرجوك. أنا مستعدة أعمل أي حاجة بس متحرمش من تيام.
قال بسخرية:.

-البيه حاتم كان عارف إن إسم إبنه كان إختيارى.
طالعته بمرارة قائلا:
-لو الهانم مراتك تعرف إن شمس كان إختياري يبقى...
شدد من قسوة قبضته على ذراعها وهو يقول:
-متجيبيش سيرتها على لسانك، فيفيان رغم إنها أجنبية وكانت عايشة فى بلد الحب و الحرية بس كانت أشرف كتير منك.

رفعت يدها الحرة تصفعه، فأمسكها بقوة قبل ان تصل إلى وجنته. اصبحت حبيسة يديه يقربها منه بشدة فإحتبست أنفاسها وزادت حرارة جسدها وعيونه تتعلق بملامحها خاصة ثغرها الكرزي المرتعش، يقترب منها ببطئ فكأنها مغيبة بالكامل وجسدها الخائن يستجيب لقربه ويميل تجاهه رُغما عنها، ليتراجع فى اللحظة الأخيرة وهو يقول بإزدراء:
-لسة زي ماإنتِ ضعيفة قدام غرايزك.

طالعته بصدمة شديدة تتراجع للخلف وهي تضع يدها على فمها تكتم صراخا طالبها بالخروج والتعبير عن تلك الحُرقة بقلبها قبل ان تغادر مسرعة إلى حجرتها ودموعها تسبقها بينما تصدعت واجهته القاسية وظهر الألم بملامحه هامسا:.

-إبكى ولسة ياما هتبكى ماهو لازم تدفعى تمن حرقة قلبي طول السنين اللى فاتت دى ولازم تتعذبى زي ماإتعذبت، انا كنت خلاص نسيت غدرك و فوضت امرى لله بس اللى عملتيه مش ممكن هقدر أغفره مهما كان حبك فى قلبي كبير، فحبي لماما فاطمة أكبر و لو نسيت غدرك بية مش ممكن هنسى غدرك بأمي. انتِ لازم تدفعى التمن ياقمر.

كانت تبكى بحُرقة فى حجرتها لا تدرى ماذا تفعل وكيف تتصرف فى المصيبة التى وجدت نفسها بداخلها، كيف ستكون جواره وتتحمل قسوته بعد أن إعتادت حبه؟ بل ووجدت نفسها رُغم كل شيء تتأثر به كما لو ان السنوات المنصرمة من العذاب لم تكن، وكأن حبه جعلها عبدة له يفعل بها مايشاء وتظل ملكا له قلبا وقالبا، وكيف ستتحمل عذابه الذى يبدو أنه سيذيقها إياه بلا رحمة؟كيف؟

سحبها من دوامة أفكارها رنين هاتفها بإسم صديقتها، فأجابت على الفور تقول بألم:
-أمنية. تليفونك جه فى وقته.
قالت (أمنية) متوجسة:
-خير ياقمر؟مالك ومال صوتك؟حصل إيه؟
كادت (قمر)أن تتحدث ولكن صوت تحطم شديد أصمتها و(أمنية)تقول بوجل:
-هقفل وأرجع اكلمك ياقمر الظاهر سارة وقعت حاجة، سلام مؤقت.

ثم اغلقت الهاتف لتتنهد (قمر)وهي تطالع هاتفها ثم تتركه جوارها. تنهض وتمسح دموعها وهي تستعد لمواجهة خالتها بما لديها. توقن من كل قلبها أنها لن يعجبها ماتسمع، لن يعجبها، على الإطلاق.
خرجت( أمنية) إلى الردهة بخطوات سريعة فوجدت
زوجها( صادق) يقف مانحا إياها ظهره وبجواره حطام المزهرية الكبيرة فقالت بحدة:
-إنت كسرت الفازة ياصادق وواقف جنبها كدة عادى؟

إستدار إليها فعقدت حاجبيها بقوة وملامحه الشاحبة وعيونه الدامعة تثير قلقها بقوة لتقترب منه بسرعة قائلة:
-مالك ياصادق فيك إيه؟!
قال بصوت متهدج النبرات:
-منال ماتت فى حادثة عربية من شوية.
لتضع (أمنية)يدها على فمها وهي تشهق بقوة.
قالت (رجاء) متوجسة:
-يعنى هتوافقى تعيشى فى الكوخ اللى مليان رطوبة وحشرات ده وتشتغلى كمان خدامة عند اللى مايتسماش؟
ضمت (قمر)قبضة ولدها إليها بقوة قائلة:.

-زي ماقلتلك ياطنط. مبقاش قدامنا حل غير إننا نسمع كلامه وننفذ اوامره وإلا هيدخلنى السجن ويفرقنى عن تيام وأنا مش ممكن اسمح بكدة حتى لو كان التمن عذابي.
قالت(رجاء):
-لأ فيه حل، نهرب حالا وأكيد مش هيعرف يوصلنا.
قالت(قمر)بمرارة:
-هنهرب على فين بس؟انتى ناسية انه يعرف عنى كل حاجة. ده متربى من صغره معايا فى المزرعة، وبعدين أنا متعودتش أهرب من مشاكلى. بقف قدامها وأواجهها وياتهزمنى ياأهزمها.
قالت(رجاء) بحدة:.

-إنتى تقصدينى بكلامك يابنت أختي؟
أسرعت تنفى قائلة:
-لا والله مقصدكيش ياطنط انتِ فهمتينى غلط.
قالت(رجاء) بحزن:
-يعنى هسافر من غيركم ياقمر؟
عقدت (قمر)حاجبيها قائلة:
-هو انتِ برضه هتسافرى؟!
قالت(رجاء)تتظاهر بالضعف:
-إنتِ عارفة ازمة صدري يابنتي، مش هقدر أستحمل رطوبة المكان اللى هنعيش فيه ولا هقدر أستحمل العيشة دى أساسا. صحتي على قدى.
طالعتها (قمر)للحظات قبل ان تقول:
-اللى تشوفيه ياحبيبتي.
قالت(رجاء)بسرعة:.

-انا مبفكرش فى نفسى بس. انا بفكر فيكِ انتِ كمان. هحاول أجمع رجالة عيلتنا ونرجعلك عشان ننقذك منه.
تنهدت (قمر)قائلة:
-معتقدش فيه حد ممكن ينقذنى من قدري، عموما سافرى انتِ وربنا يقدرنى على اللى جاي.
قالت (رجاء):
-بس طمنينى عليكى دايما ياقمر وقوليلى أخبارك.
طالعتها(قمر)قائلة بحزن:
-هتوحشينى.
ضمتها (رجاء) قائلة:
-وانتِ كمان هتوحشينى.
ثم ابتعدت عنها تنظر إلى الصبي قائلة:
-انت بقى أكتر واحد هيوحشنى يا ابن الغالى.

اندفع الصغير لحضنها فضمته بحنان، طالعتهما (قمر)وهي تخشى القادم بقوة خاصة وانها ستواجهه وحدها، وحدها تماما.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة